الخميس ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

الصحافة المَكْبُوتَة

يبدو الحديث عن الصحافة المكتوبة المغربية حديثا ذا شجون، يجلب معه الكثير من الكلام والانتقادات التي تدفع المرء إلى تركه أو إلى دخول عالم مليء بالسوء. الحديث عن الصحافة المكتوبة في المغرب يجب أن يتسم بنقد واقعي خاصة بعد هذه الموجة من التناسل الصحافي – إن صح التعبير – حيث بدأت تخرج إلى الواقع جرائد تدعي الاستقلالية والمهنية دون أن تحدد شروط الاستقلالية والمهنية في أول أعدادها.

ومع موجة الصحافة المكتوبة المستقلة أصبح من الصعب تصنيف كل جريدة على حدة، لأننا نرى جرائد بمجرد ما تصدر عددها الأول حتى تسارع إلى الانقلاب على كل ما ادعته في كلمتها الافتتاحية في العدد الأول. فأن تدعي مثلا جريدة أنها مستقلة ووطنية وشاملة تحترم القيم المغربية الثقافية والدينية والمجتمعية ثم تبدأ في أعدادها المتتالية بضرب هذه القيم وتخرج عن كل الأعراف والتقاليد والقيم المغربية فهذا ما يمكننا أن نسميه النفاق الإعلامي والصحفي والكذب على القراء وادعاء الباطل.

لقد أدركنا بعد تجربة صحافية مغربية طالت مدة لا بأس بها من السنوات، أن صحافتنا المغربية تبحث عن الإثارة فقط للوصول إلى القاريء وبالتالي إلى تحقيق المبيعات والحصول على المراتب الأولى في سلم الترتيب وكأنها في امتحان لنيل الشهادة التربوية التعليمية. بينما دورها المتمثل في العمل على إخبار القاريء المغربي بما يستجد من أخبار وطنية وعربية ودولية وتنوير الرأي العام ودفعه إلى البحث عن المعلومة والخبر وكيفية تحليله/ها فهذا ما لا يمكننا إيجاده في العديد من الصحف والجرائد المغربية وخاصة منها الأسبوعية. وفي نظرنا المتواضع أن هذه الصحافة قد تنصلت من مهمتها وأصبحت تبحث عن مواضيع الإثارة السياسية من أخبار تتعلق بالأسرة الملكية وحياة أفرادها الشخصية أو مواضيع الإثارة الجنسية الرخيصة من دعارة وشذوذ جنسي، وكأن عقل المغاربة لا يحتمل إلا الحديث عن هذه المواضيع دون غيرها من المواضيع الفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية.....

وبزيارة بسيطة إلى العديد من الأكشاك التي تبيع الجرائد والصحف والمجلات نجد أن أكثر الجرائد تضع على صفحاتها الأولى صورا ومواضيع جنسية أو مواضيع تتحدث عن الملك وأسرته، بل صارت بعض الجرائد تختص في البحث عن الفضائح الجنسية لهذا المسؤول أو ذاك للحديث عنها مصحوبة بصور مأخوذة من مواقع جنسية بورنوغرافية عالمية دون الأخذ بعين الاعتبار المغاربة الذين يطلعون عليها وهي تحتل الشوارع في المدن المغربية. فأين هو احترام القيم الدينية والمجتمعية في هذا الفعل وهذه الصور والمواضيع يا ترى ؟.

فوجود هذه الصور لنساء عاريات كما ولدتهن أمهاتهن على الصفحات الأولى لبعض الجرائد يخدش الحياء العام ويضرب القيم الدينية والمجتمعية والثقافية للمغاربة، بل هو نقل مباشر بالصور لمواقع جنسية بورنوغرافية. فالصحافة الجادة عليها مسؤوليات عظمى في أن تنتقد الوضع الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي المغربي الذي يغرق في الميوعة، وعليها مسؤولية الإسهام في تنوير الرأي العام بما يقع في البلد. فأن تترك جريدة الحديث عن لهيب الأسعار وعن سرقة المال العام وتتحدث عن فضائح المسؤولين الجنسية مع العاهرات وعن كليباتهم البورنوغرافية فهذا لا يشرف الصحافة في شيء. وأن تهتم جريدة أو أكثر في ظرف سنوات بالحديث فقط عن الملك وحياته الشخصية وهواياته وغيرها من الأمور الشخصية المتعلقة به فهذا لا يفيدنا في شيء ولا يفيد المغاربة في شيء أيضا. فالمغاربة يعرفون ملكهم وأسرته ولذلك فلا داعي لهذا النزيف الإعلامي في الأمر.

ويدل هذا الاهتمام المفرط بالجنس لدى بعض الجرائد المغربية على أن هذه الصحافة قد قصرت مهمتها الإعلامية في مناقشة الفضائح الجنسية والركوب عليها لتحقيق مبيعات كبيرة، بل جندت طواقم في أسرة تحريرها لتصيد أحداث ووقائع جنسية لنشرها أو البحث عن صور لفنانات ونساء مشهورات عربيا أو عالميا وخاصة إذا كنٌَ في لحظة عري، فاختصت بعضها في نشر صور تظهر الصدر العاري وأصبحت تستحق لقب الصحافة النهدية أو الصدرية لا فرق، وبعضها في البحث عن كليبات وصور للمارسة الجنسية الفاضحة لتستحق لقب الصحافة البورنوغرافية. على العموم صحافتنا أو بعضها على الأقل أظهرت بالملموس أنها صحافة مكبوتة بالفعل جنسيا وسياسيا في أن واحد. ولذلك نتمنى منها أن تراجع خطها التحريري وتبحث عن مواضيع جادة تفيد بها ومنها....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى