الأحد ٢٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

ازدواجية الطفل العربي

إن مما يثير حفيظة كل عاقل وحريص ما يعانيه الطفل العربي من ازدواجية ناتجة عن عوامل أسرية واجتماعية تؤثر في شخصيته لتجعل منه إنساناً يؤمن بما لا يفعل ويفعل ما لا يؤمن به، هذه العوامل التي تصنعها الدولة والمجتمع وحتى داخل الأسرة والمدرسة.

تكمن الازدواجية في منظومة التقاليد والأعراف التي يلتزمها المجتمع فكريا ويتخلى عنها عمليا وربما تعدت التقاليد والأعراف إلى تعاليم دينية يلقن الطفل التزامها فيغدو مؤمنا بها معتقدا فيها ولكنها لا تجاوز الاعتقاد إلى الممارسة الحياتية، فيظل الطفل تائها بين ما يؤمن به وما ينبغي عليه فعله حتى يتمكن من التفاعل مع المجتمع بطريقة تيسر له الحياة.

فبداية من تربية الطفل يلقن عن مدى قبح الكذب وسوءه وربما رُهِّبَ منه لأنه حرام وجزاء فاعله النار، فيغرس فيه هذا الاعتقاد بسوء العاقبة فيمتنع عن الكذب إذ تكون عقليته بدائية تتفاعل مع المواقف والأفكار لتكون استجابة مثلى فلا يشغل نفسه بتحليل الحدث بالإضافة لثقته فيما يلقنه له أباه، ولكنه في الوقت ذاته يواجه ما يقوده للتحير ويدفعه لتحليل المواقف، حيث أن ما يغرس في الطفل و ينشأ عليه يصعب تغييره فيما بعد، فعندما يرى أبواه يكذبان بدون أي مبررات معقولة، حتى لربما اتصل أحدهم هاتفيا يطلب أباه فيأمره أن يكذب، يتحير الطفل بين ما علمه أبوه وما يأمره بفعله خاصة وأن الطفل في مرحلة ما يجد المبررات التي يصور له عقله البسيط أنا مسوغة للكذب فيجد نفسه أولى به لما فيه من منجاة وتنقلب الحكمة التي تقول " الصدق منجاة ".

مثال آخر، ألا وهو أن يتعلم الطفل في مدرسته أن النظافة مهمة للمجتمع و أنها من الإيمان وكيف أنها وقاية من الأمراض ويؤمر بأن يلقي القمامة في سلة المهملات ولكنه لا يجد سلة المهملات فيتسائل في براءة غن سبب عدم وجودها ويسأل نفسه في عجب عن المكان الذي ينبغي ان يلقي القمامة فيه فما يلبث أن يبدأ البحث ليجد مجتمعه وأسرته لا يتورعون عن إلقائها في الطريق فيصدم بواقعه و مع الوقت يصبح مثلهم،ولكم يحيره حديثهم عن حق الطريق الذي انتهكوه.

وكذالك عندما يؤمر ألا يتناول الطعام من الباعة الجائلين ثم يجد مجتمعه يسمح للباعة الجائلين بممارسة نشاطهم أو على أقل حال لا تتخذ ضدهم الإجراءات اللازمة بل ربما رأى الناس تتوافد عليهم فيلتبس عليه الأمر فإما أن يفقد ثقته في مجتمعه ومن يعيشون حوله أو يفقد ثقته في من يعلمه الصواب سواء كان أبواه أو المدرسة وفي غالب الأمر أن الجانب الثاني هو الخاسر لأنه بعقليتك لبدائية لن يفضل القليل على الكثير ولن يتفهم سبب عدم وقوع ضرر لمن يأكل من الباعة الجائلين فالطفل يؤمن بالنتائج السريعة ولا يفكر جيدا فيما يمكن أن يحدث.

عندما يغرس في الطفل أن السرقة من السارق لا غضاضة فيها وأنه ينبغي أن يسترد حقه بأي وسيلة كانت حسنة أو قبيحة وعندما يتعلم أنه ينبغي ظُلمُ مَن ظَلَمَ وأنَّ الأفضل مقابلة الإساءة بالإحسان ثم يجد أبواه يحرضانه أن يرد الضربة بعشر والصاع بصاعين، فينشأ ذا نظرة سودوية وبدلا عن كونه عضوا صالحا محبا في مجتمعه يصبح عضوا ظالما منتقما وَيَخفى عليه أَنَّ الصواب أن يؤخذ الحق من الظالم فحسب وليس الصواب أن نظلمه فإننا أولا و أخيرا نعامل أنفسنا ونمثل فكرنا ومبادئنا وما تربينا عليه، فلا ينبغي أن نسلم أنفسنا لفكر الانتقام ولا أن تكون حيلتنا مجرد ردة فعل تجاه ظلم ما.

ينبغي أن نعلم أطفالنا أن العدل مبدأ حياة ووجود سواء اجتماعيا أو دينيا فهو شرع إلهي، فلابد أن نكون عادلين مع كل أحد مهما تباينت المذهب و الملل ورغم كل خلاف شخصي قد يدعو أصحاب النفوس الضعيفة إلى التعدي و الظلم، فالأمانات مثل الا يجوز خيانتها أو الاستيلاء عليها بسبب خلاف بينك و بين من استأمنك أيا كان نوع الخلاف ماديا أو معنويا، بل هي أمانة تردها ثم تبحث في أمر خلافكم وحقك.

أتذكر أنني ذات مرة ركبت الحافلة وكان بجواري رجل مصري يحمل الجنسية الفرنسية تحدثنا طوال الرحلة وكان حديثنا عن سلبيات المجتمع المصري الكثيرة فقال: "إن هذه السلبيات مترسخة بداخلنا لأننا تربينا عليها، وقد لاحظت ذلك عندما كنت في فرنسا وكنت أتأخر في عملي وعندما أعود ويسألني ولدي الصغير أن أنخرج سويا فأقول له "إن شاء الله" وتكرر الموقف وذات مرة قال: "يكفي إن شاء الله "، وكأنه كَرِهَ الكلمة ظنا منه أنها هي السبب في عدم تحقيق أمنيته ثم أردف يقول "إننا حتى لا نفهم معنى كامة "إن شاء الله" بل ونستخدمها في المماطلة والتهرب".

كل الأمور التي أشرت إليها سابقا، على سبيل المثال لا الحصر، وما شابهها هي التي تدعم الزدواجية والتشتت وربما احتقار الذات و المجتمع وانعدام الثقة في النفس و التناقض، فينشأ طفل ثمشاب ثم رجل لا يستطيع مواجهة نفسه أو مجتمعه عاجز عن الاعتراف بأخطائه وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا يكتفي باسترداد حقه بل يسعى دائما للانتقام ظنا منه أن هذا يستعيد له كرامته المسلوبة، فتنعدم مفاهيم العفو عند المقدرة و التسامح والاحتساب.

إن الطفل شديد الملاحظة با إنه أشبه بجهاز يختزن البيانات ليحللها ويخرج النتائج وإنما تصبغ النتائج بصبغة المدخلات فالطفل يتأثر بمجتمعه ليصبح رجلا يؤثر في مجتمعه ولهذا ينبغي الاعتناء به في مرحلة النهم الفكري والجتماعي والرغبة في التلقي والتعلم فإنه يسجل ويحلل ويتعلم وينتج ويبحث عن القدوة والتي غالبا ما تكون في نطاق الأسرة أولا وعلى هذا ينبغي أن ينتبه الأبوان لى كل قول وفعل يصدر عنهم حتى لا يسهموا في إفساد أبنائهم و حتى يوفروا لهم المناخ الصالح للتربية الصحيحة التي تنتج شخصية سوية صالحة نافعة للمجتمع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى