الجمعة ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
مجموعة من المقالات
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

الوشم

تذكر دائما أن الظروف القاسية التي تمر بك مهما كانت هي مرحلة مخاض فمع ألم المخاض تولد الحياة وكما قيل، "لابد دون الشهد من إبر النحل"، هذا في أمور الحياة العادية أما العشق فليس كذلك، فهوكالوشم تعذب قبله بدقه في قلبك وبعده بإزالته منه ولا بد أن يبقى أثر يشوه قلبك لأن المشاعر هي الحقيقة، فلا جراحات تجميل .

لكن اعلم أن هذه الندبة ستكون وساماً إذا استفدت مما سببها، وإذا استفدت من تجاربك السابقة وأعملت عقلك وعرفت حقيقة العشق، فالعاشق لا يؤمن بغير رأيه وهوحين يسأل من حوله إنما يحاول أن يشعرهم بما هوفيه وينتظر منهم أن يوافقوه أويتركوه فقد عماه عشقه ليس فقط عن رؤية الحقيقة ولكن عن سماعها ممن يخاف عليه، وقد يكون مقتنعاًَ بخطئه ولكن الداء تفشى في قلبه فلا يستطيع نزعه فهوكما قلنا مؤلم كنزع الوشم وكلما زاد حجم الوشم زادت آلام نزعه فيركن إلى تركه حتى وإن لم يعد يعجبه أويستمتع به.

غير أن هذه الآلام هي مخاض قلبك وهي التي تنشئ قلبا جديدا قويا مجربا يعرف كيف يواجه الصعاب وكيف يُعمِلُ عقله ولا ينساق وراء كل ما يجذب انتباهه يفكر قبل كل شيء يفعله، لم وكيف يفعله ؟

دع زمانك يريك مكانك فهوأعلم بمكانك منك، مرت عليه القرون وهلكوا وما هلك بل هويعرف مكانك الذي تصلح فيه، ابذل وسعك وستجده يعينك، لا تعانده، ومعاندته أن تؤمل شيئاً ليس بيدك والأدهى أن يشترك معك في الأمل غيرك، كالعشق، فيصبح صعبا موافقة الزمن، إن وافقته أنت خالفه حبيبك وإن وافقه حبيبك خالفته أنت.

يجب عليك حين تقدم على أمر وبخاصة له علاقة بالحب والإحساس أن تكون واثقاً منه فهوليس كالتجارة تجازف بمالك لتربح ففقد المال ليس كجراح القلوب وكل شيء يمر ويُنسى إلا جراح القلوب فهي لا تشفى ، فعليك نفسك أكرمها تكرمك واحفظها تحفظك.

فتن على طريق الصلاح

إذا كان المرء يعد نفسه منافقاً ثم لا يدري كيف الصلاح كان هذا لأمرين، الأول شؤم النفاق والثاني عدم الإخلاص في البحث عن الصواب، أما إن عرف الصواب ولم يعرف كيف السبيل إليه فذلك لقلة مجالسة أهل الصلاح، أما إن عرف السبيل ولم يسلكه فان له حالين؛ الحال الأول هوالاستكبار والثاني هوغلبة الشهوة وكلاهما فيه إعراض، فالمستكبر يعرض ظناً منه أن الحق قيد لا يسري عليه وصاحب الشهوة يعرض مخافة أن تقطع لذة الشهوة.

إن من أعظم البلايا وأوقع الرزايا فتنة الدين وخاصة على من لم يؤته الله يقينا وصبرا وحكمة؛ فاليقين إن كانت فتنة شبهة، والصبر إن كانت فتنة شهوة وسلطان، والحكمة إن كانت فتنة أهلون.

وأعظم هذه الفتن فتنة الشهوة والأهلون فيهما يغرق اليقين في بحر الغفلة والغضب فلا يرد الصبر وحده اندفاع الشهوة إذا كان كمال اليقين مفقود ولكن أصله معقود، فمتى انقشعت غيمة الشهوة وعاد العبد إلى سبيل الصلاح نبتت شجرة اليقين وكذا فالغضب ينافي الحكمة فإذا كانت فتنة الأهلون راحت تعالج أصل اليقين وهنا يثبت الله من يشاء فإن الشهوة ساعة والأهلون عمر ووقع الساعة ليس كوقع لعمر وكما قيل "ما تكرر تقرر".

بوح الكتمان

مَشاعِرٌ مُضطَرِبَةٌ تَجتاحُني، لا أَدري ما سَبَبُ حُزني، إِنَّني أَرى الوُجوهَ باسِمَةًَ ضاحِكَةً لِنَجاحِها لَكِنَّني لا أَقوى عَلى الابتِسامِ إِلّا مُجامَلَةً لَهُم، عَجيبٌ هُوأَمري لَقَد أَصبَحَ وَجهي أَقرَبُ ما يَكونُ لِوَجهِ تِمثالٍ أَوكَأَنَّني أَرتَدي قِناعاً مِنَ الحُزنِ أَواللا شُعور حَتّى أَنَّ الجَميعَ قَد أَعياهُم هَذا الوجومُ فَيا لَيتَني أَعرِفُ سَبَبَهُ.

لا أُخفيكُم سِرّاً فَأَنا في بَعضِ الأَحيانِ أَتَمَنّى لَوأَظَلُّ عَلى هَذا الحالِ ما حَييتُ بَل أَتَمَنّى أَلّا أُلاقي صَديقاً فَيَضطَرُّني لابتِسامَه، قَد أَكونُ اعتَدتُ هَذا الحالَ وَقَد تَرمونَني بِالجُنونِ وَيا لَيتَني كُنتُ مَجنوناً؛ حينَها لَم أَكُن لِأُفَكِرَ أَوأَكتُبَ أَوبوحَ بِما أَشعُرُ بِهِ.

إِنَّ الجُنونَ نِعمَةٌ لا يَعرِفُها إِلّا مَن تَرَنَّحَ بَينَهُ وبَينَ العَقلِ حَيثُ يوجَدُ الحُمقُ، فَالأَحمَقُ يُعامَلُ كَمَجنونٍ ويُحاكَمُ كَعاقِل.

إِنَّ بَينَ خَلَجاتِ صَدري مِنَ الهَمِّ ما أَنوءُ بِحَملِهِ وَلا أَرضى لِغَيري أَن يُشارِكَني حَملَهُ، هَمٌّ بَل هُمومٌ لا أَتَذَكَّرُ لَها سَبَباً إِنَّهُ ذَلِكَ الطَّبعُ الغَبيُّ الَّذي يُذَكِرُني حُزني ويُنسيني سَبَبَهُ.

نبتة الوهم

مِنَ المَعلومِ أَنَّ الإِنسانَ يَتَمَنّى البَقاءَ مَعَ مَن يُحِبُّ وَأَنَّهُ إِذا خُيِّرَ أَن يَبقى مَعَهُ لَاختارَ ذَلِكَ بِلا أَدنى تَرَدُد، فَما الَّذي يَدعوبَعضَنا أَلّا يَختارَ البَقاءَ مَعَ مَن يُحِبُّ خاصَةً إِذا أَمكَنَهُ اختِيارُ ذَلِك؟، ما الَّذي يَجعَلُهُ يَرغَبُ في الرَّحيلِ رَغمَ حُبِّهِ؟، ما الَّذي قَد يَقودُهُ إِلى ذَبحِ هَذا القَلب وَدَفنِ ذَلِكَ الحُب؟، رُبَما كانَت أَوهاماً وَلَكِنَّ الأَشخاصَ الواهِمينَ وَحدَهُم يَرَونَ الوَهمَ حَقيقَة، فَإِذا كُنّا رَضينا بِالوَهمِ فَما بالُنا إِذا ضاقَتِ الأُمورُ وَاستَحكَمَت احتَكَمنا إِلى الحَقيقَة!!.

الحُبُّ وَحدَهُ يَجعَلُ الإِنسانَ سَعيداً بِمَوتِهِ راغِباً في عَذابِهِ، رُبَما إِذا كانَ هَذا العَذابَ يُقابِلُهُ سَعادَةُ المَحبوبِ، بَل رُبَما رَغَبَ في العَذابِ إِذا رَأى أَنَّهُ يَنبَغي أَلّا يَسعَدَ طالمَا لَم يَكُن مَعَ مَن يُحِب، هَل هَذِهِ المَعاني الـ... المَذكورَةِ مُمكِنَةٌ؟!!، هَل هِيَ صادِقَةٌ؟، أَم أَنَّها امتِدادٌ لِنَبتَةِ الوَهمِ اليانِعَةِ عَلى أَرضِ الأَسى الصَّلدَة؟.

البعد الرابع


مِنَ المُؤسِفِ أَلّا يَرى الإِنْسانُ سِوى ثَلاثَةَ أَبْعاد، وَالإِنْسانُ إِذا لَمْ يَرى الشَّيءَ كَانَ مِنَ العَسيرِ أَن يُصَدِقَهُ ، فَأَنْتَ إِذا آذَيتَ شَخْصاً، ولَم يُؤذِك ظَنَنْتَ أَنَّهُ لا يَسْتَطيعْ، وَإِنْ قَالَ أَنَّهُ يَسْتَطيع غَيرَ أَنَّهُ لا يُريدُ لَكَذَّبتَهُ، ورُبَّما تَنْعَتُهُ بِالجُبنِْ أَوالعَجْزِ أَوالخَوفِ وَهوغَايَةَ ما صَدَّهُ عَنْكَ عَفْوُهُ عِنْدَ مَقدِرَتِهِ أَوحُبُهُ لَكَ مَعَ إِيذائِكَ لَهُ، فَكَيفَ يُظهِرُ قُدرَتَهُ وَلا يُؤذِيَك، كَيفَ يُثبِتُ لَكَ ذَلِك ؟!!

حَتْماً لَن يُمكِنَهُ ذَلِكَ إِلا إِذا تَرَكَ ذَلِكَ البُعْد وَانتَقَلَ إِلى البُعْد الَّذي يُمْكِنُ أَنْ تَراه، لا تَظُنْ أَبَداً أَنَّ مَنْ لا يَفعَلْ لا يَقدِرْ، فَكَمْ مِنْ قادِرٍ عَلى شَرٍ تَرَكَهُ طاعَةً للهِ أَوخَشْيَةَ أَن يُقالَ عَنهُ شَراً.

في ذَلِكَ البُعْدِ تُخْتَفي الظُنونُ وَيُشْرِقُ اليَقينُ فَتَرى كُلَّ شَيءٍ عَلى حالِهِ الصَحيح، وَوَرائَهُ يَظْهَرُ الرْياءُ والكَذِبُ والتَصَنُعُ والشَّك.

قطعة الحلوى

عِندَما تَتَأَمَلُ قِطعَةَ الحلوى تَجِدُ أَنَّ صانِعَها قَد غَلَّفَها بِحِرصٍ شَديدٍ بَل وهَيَّأَ لَها ظُروفَ التَّخزينِ والنَّقلِ المُناسِبَةِ، ووَضَعَ شُروطاً وقُيوداً حَتّى يُحافِظَ عَلَيها لِتَصِلَ إِلى الشَّخصِ الَّذي سَيَشتَريها في أَحسَنِ حالٍ .

هَبْ مَعي أَنَّ قِطعَةَ حَلوى سَقَطَت مِنَ المُوَزِّعِ، وانزاحَ عَنها غُلافَها، أَتَظُنُّها تَبقى عَلى حَالِها ؟!! بِالطَبعِ لا، بَل سَتَكُونُ عُرضَةً لِلتَلَوُثِ والأَترِبَةِ ، إِلا أَنَهُ بِإِمكانِكَ التِقاطُها وَإِزاحَةُ الغُبارِ عَنها ومِن ثَمَّ أَكلَها.

مَاذا لَولَم تَلتَقِطْها في الحال؟!!، ماذا لَوانتَظَرتَ قَليلاً، سَتَتَجَمَّعُ عَلَيها الحَشَراتُ، فَهَل اجتِماعِ الحَشَراتِ عَليها يُقَلِلُ مِن حَلاوَةِ مَذاقِها ؟! ، مِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّ مَذاقَها لا يَزالُ حُلواً فَلِمَ يَأنَفُ الكَريمُ إِذاً عَن أَكلِها ؟!!

هَكَذا المَرأَة، قَد أَمَرَها اللهُ بِما يَستُرُها وَيَحفَظُها، فَمِنَ النِّساءِ مَن لَم تَلتَزِم بِذَلِكَ وَنَزَعَت عَنها غِطائَها ولَكِن لا يَزالُ بِها خَير، فَبِإِمكانِكَ أَخذُها لِتُزيحَ عَنها غُبارَ الجَهلِ، ومِنهُنَّ مَن أَزالَت عَنها غِطائَها وجَعَلَت نَفسَها بَينَ هَذا وذاكَ كَقارِعَةِ الطَّريقِ ، فَتِلكَ هي الَّتي اجتَمَعَت عَلَيها الحَشَرات ، تَراها تُحَدِثُ هَذا وتُصاحِبُ هَذا وتُمازِحُ هَذا ، فَيَأبى الكَريمُ أَن يَأخُذَها، وإِن يُخطي الكَريمُ فَلا يُخطي في الكَرامة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى