الأربعاء ٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم بسام الهلسة

استعـادة الـذات فـي الأمـل كمـا فـي الألـم

بقدر ما أظهر التأثر والتفاعل الحي والاهتمام البالغ بفقدان الشاعر "محمود درويش"، مكانته لدى الفلسطينيين والعرب، بقدر ما أظهر الرصيد الكبير المدخر لفلسطين وقضيتها لديهم، كأكثر قضية تحظى بالعطف والمؤازرة العربية.. فهي جرح الأمة المفتوح النازف منذ وعد بلفور، مثلما هي التعبير المكثف الصارخ عن استلابها وهوانها.

هذا الرصيد ينبغي إدراكه وتثميره بعدما تعرضت صورة فلسطين للثلم والتآكل خصوصاً في الآونة الأخيرة في ضوء الانقسام والاقتتال الفلسطيني.

وإذ أطلق موت درويش العواطف وحشدها، مبيناً ما لدى العرب من تعاطف وتواصل مع فلسطين وقضيتها ورموزها، فقد كشف عن مدى حاجة الفلسطينيين الممزقين سياسياً والمشتتين جغرافياً، إلى "من" و"ما" يجمعهم؛ ويذكرهم بأنهم شعب واحد عليه أن يلملم ذاته ويستعيدها.. ليس في لحظة وداع مؤثر لرمز راحل فقط، بل في كل الأوقات...

ويذكرهم بشكل خاص بمدى الحاجة لأن يوحدهم "الأمل" كما وحدهم "الألم".

نقطتا الأساس -في هذه الاستعادة للذات- هما: إعادة تأكيد وعي قضية فلسطين كقضية تحرير لوطن محتل.. وهو تأكيد ملح وضروري في ضوء تفتيت القضية المركزية الأساس إلى العديد من القضايا والمسائل الجزئية والفرعية المتولدة عنها أصلاً (القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات، المياه، عرب 48..الخ)، وإعادة تأكيد وحدة الشعب الفلسطيني وإيمانه بعدالة قضيته وعمله لأجلها.

وهي وحدة يعرف كل من لديه اطلاع على تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر ما الذي تعرضت له من تمزيق إلى (عرب القدس، عرب الضفة، عرب غزة، عرب 48، عرب أقطار وبلاد اللجوء).

مع هاتين النقطتين المؤسستين، ينبغي –لمواصلة المسيرة- تحقيق الشرط المتمم لهما وهو استعادة وحدة القيادة والإرادة والعمل، التي كان الشعب الفلسطيني قد أنجزها في مراحل سابقة من تاريخه (مع وجود التنوع والتعدد في "إطار" الوحدة بالطبع).

فـ"المركب اللي فيها ريسين بتغرق" كما يقول أهل الاسكندرية!!

وهذا الشرط هو "الأصعب" كما نعرف من تجارب الشعوب التي تعرضت بلادها للاحتلال الطويل, والتي عملت لتحقيق وحدتها وبناء أمة ودولة.

ولكي لا تغرق المركب الفلسطينية، ولتظل محافظة على وجهة سيرها نحو مرسى الحرية، ينبغي على الحركتين "الريستين" ("فتح" و"حماس" وسائر القوى الوطنية بالضرورة) أن تتوافق وتتحد على برنامج يعزز صمود الشعب الفلسطيني، ويحشد قواه ويطلقها من جديد في الصراع المديد من أجل الظفر بحقوقه.

لكن على القوى الفلسطينية أولاً أن تتخلص من وهمين هيمنا عليها واستنزفا قواها:

  وهم "السلطة" (اللا سلطة).
  ووهم "التسوية" (السرابية).

فمع "الأوهام" لا مجال لإدراك "الحقائق" القائمة على أرض الواقع، والتأسيس عليها والإنطلاق منها في عمل فعال مجدٍ.

كل ما سبق هو حديث عن الشروط الفلسطينية التي يجب أن تتعزز وتتكامل بالشروط العربية اللازمة.. ففلسطين هي قضية الأمة المركزية(ويجب ان يتأكد هذا باستمرار في الوعي والممارسة), وإسرائيل هي عدوها الأول الذي تتقرر آمال الأمة في "التحرر والنهضة والوحدة" –إلى حد بعيد- بإنجاز هزيمته.

غداة هزيمة حزيران- يونيو (1967م) كتب الراحل "توفيق زيّاد" قصيدته الاستنهاضية المحرضة:

" إدفنـوا مـوتـاكـم وانهضـوا"

ربما يجب تذكرها الآن بعزم...

إكراماً للراحلين.. وإلهاماً للسائرين...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى