الجمعة ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

إسرائيل من غزة لأوسيتيا الجنوبية

الحرب الروسية الجيورجية التي دارت بسبب أوسيتيا الجنوبية استهدفت ما هو أبعد بكثير من حدود تلك المنطقة الصغيرة التي يقطن فيها فقط مائة ألف أوسيتي، يفصلهم عن إخوانهم في"أوسيتيا الشمالية"خط حدود روسي.

أوسيتيا الجنوبية بحد ذاتها لا تعني الكثير، ولا تمثل بالنسبة لروسيا منفذا على بحار أو ثروات، لكنها مجرد بوابة صغيرة تفضي بروسيا إلي جيورجيا التي تعد قلب القوقاز. جيورجيا هي التي تطل على البحر الأسود، وهي المرشحة لدخول الناتو، وهي التي سحبت من أرض روسيا كل خطوط نفط بحر قزوين إلي أرضها. وكانت تلك الخطوط تمر عبر روسيا، فأقام الأمريكيون خطا جديدا من باكو عبر جيورجيا إلي تركيا حيث يضخ النفط هناك، بينما تقف روسيا متفرجة. ويعتزم الأمريكيون بناء خط آخر جديد عبر أذريبجان التي رفضت مؤخرا المشاركة فيه بعد أن لمست الحزم الروسي في الحرب الأخيرة.

وبالطبع فإن روسيا لا تستريح للوجود العسكري الأمريكي المكثف على حدودها مباشرة، أي في جيورجيا وأكرانيا وغيرها. ومن ثم فإن الحرب التي اختبرت فيها موسكو قدراتها في مواجهة أمريكا كانت رسائل متبادلة حول قضايا أخرى : مصالح روسيا وحجمها ودورها ومناطق نفوذها. وقد اختلفت مواقف القوى السياسية داخل روسيا من الحرب، ومن قرار موسكو الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية، فقد اعتبر الديمقراطيون الجدد أن روسيا لم تضع في اعتبارها"أولوية"العلاقة مع الغرب، وأنها زعزعت تلك العلاقة باجراءاتها العسكرية والدبلوماسية.

أما القوميون الروس المبتهجون بأن اقتصاد بلادهم صار الخامس في العالم، فإنهم يروون فيما حدث درسا للغرب من أجل علاقة ينبغي أن تقوم فقط على الاعتراف المتبادل بمصالح كل طرف. الشيوعيون الروس – حسب موقفهم الذي عرضه آليج كوليكوف في جريدة"برافدا"يرفعون سقف التمني إلي ضرورة وضع سياسة مختلفة لحماية الأمن القومي الروسي في العالم. وقد لخص جينادي زوجانوف زعيم الحزب الشيوعي رؤيته بقوله :"لقد ولي زمن العناق، فالقوات المسلحة لحلف الناتو على حدودنا مباشرة".

وخلافا للحروب الإقليمية الصغيرة التي تختبر فيها الأطراف الدولية قوة خصومها، فإن ثمة جانبا هاما في تلك الحرب يمسنا نحن العرب مباشرة، أعني به الدور الإسرائيلي في الحرب الذي يلقي الضوء على طبيعة إسرائيل كقاعدة عسكرية تقفز من ضرب الفلسطينيين إلي قصف الأوسيتيين، ومن لبنان إلي طهران، ومن الجولان إلي جنوب السودان، لتؤكد طبيعتها كقاعدة عسكرية لتنفيذ السياسة الاستعمارية أينما تطلبت تلك السياسة خدمات المرتزقة. وربما التبس الأمر من قبل على الرأي العام الأوروبي والروسي فيما يتعلق بدور إسرائيل، طالما أن عدوانها مرتبط بالمنطقة العربية، وبأساطير معقدة دينية وسياسية، وبصراع تاريخي تسربل بالأكاذيب العميقة، لكن ما الذي يدفع إسرائيل للمشاركة في حرب بعيدة كل هذا البعد عن كيانها ؟ إلا إن كانت تلك المشاركة استمرارا لحقيقة دورها الذي لايقتصر على المنطقة ؟. وقد أدركت النخبة الروسية تلك الحقيقة إلي حد كبير، ونشرت صحيفة إزفستيا في 8 أغسطس أن تل أبيب تلقت شكوى روسية بشأن الطائرات الإسرائيلية التي تعربد في جيورجيا، وفي 9 أغسطس يكتب فلاديمير باجدانوف في"الجريدة الروسية"أن جيورجيا تعاقدت مع أمريكا وإسرائيل على 24 دبابة، و97 مدرعة، وحوالي مئة ألف قطعة سلاح خفيفة، وتنشر ازفستيا مرة أخرى في 11 أغسطس صراحة أن إسرائيل تزود جيورجيا بمختلف الأسلحة.

أما وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها فقد كتبت أن تل أبيب زودت جيورجيا ب 23 طائرة تجسس، وبعدد من دبابات"ميركافا"كما أشرف مدربون عسكريون إسرائيليون على تدريب الجيش الجيورجي من بينهم الجنرال إسرائيل زيف. ولا ينكر الجانب الجيورجي الدعم الإسرائيلي، فقد صرح الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكشفيلي لصحيفة"هآرتس"الإسرائيلية بقوله"لدي إسرائيليان اثنان من أعضاء حكومتي، أحدهما وزير الدفاع دافيد كيزيراشفيلي، والثاني وزير شئون التكامل الذي يعمل في المفاوضات تيموري يعقوبشفيلي، وهكذا فإن موضوع الحرب والسلام عندنا هنا في أيدي يهود إسرائيليين"!

لاشك أن للحرب الروسية الجيورجية أكثر من صدى، وتأثير، وتحليل، إقليمي ودولي، لكن ما يهمنى منها الآن هو أن تلك الحرب توضح طبيعة إسرائيل، الطبيعة التي تقودها إلي تقديم خدماتها هناك بعيدا عما تدعي أنه حدود مشاكلها ومآسيها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى