الخميس ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم ندى مهري

الغربة ورمضان وأشياء أخرى

الصيف رحل وألقى بحمولته السياحية الحارة ليس على جيب القادم للاستجمام والاسترخاء،بل على جيب الغريب المقيم لأسباب أخرى، ذلك لأن كل عابر لوطن آخر يعتبره صائد المناسبات حسابا مصرفيا مفتوحا لايهمه ما سبب مجيئه وحدها ايجارات المنازل ترتفع لأسعار خيالية، ووحده سائق الأجرة يرقب وجهك المترب ويدرك بدهاء رغم غبارك أنك لاتنتمي اليه سواء أتقنت لهجته أوتعثرت بلهجتك الأم وهل صدق من قال في هذه الحالة:"من عرف لغة قوم اتق شرهم"؟ يأتيك اذن طمعه المتطايرمن عينيه وعندما تدافع عن حقك فأنت المخطىء دوما أولم تختر البقاء خارج تضاريس وطنك هذه ضريبتك اذن فلماذا تطالب الآخر بأن يشعر بوجعك بقدر ما يعنيه امتصاص كريات دمك.

تتفاءل بمجىء أيلول وتهتز أغصانك الخريفية احتفاء وتبحث عن انتعاش ما فتلتصق مؤازرا صديقك المواطن الأصلي في البحث عن مساحة سكينة مع دخول شهر رمضان الكريم فيستقبلك غلاء الأسعار ووفاة الضمير تواجهه بإصرار مجهول المصدر، فرغم ارتفاع الأسعار ورغم ضآلتك وعجزك تزداد معادلة الاستهلاك بدرجة عجيبة ومتناقضة، وتضيق فجوة الرحمة في النفوس لتتحول الى كرنفالات استعراضية الا فيما ندر، ثم يأتي الغضب العشوائي والحجة الصيام وهناك من ينتظر الصيام ليصب لجام غضبه حتى يبرر تصرفاته.

يأتي الصيام فتنام المرافق الادارية ويخبونشاطها وينتعش الكسل والخمول وتكثر الخلافات والشتائم على أمور تافهة وتزداد حوادث المرور، وكأن الصيام عقابا وليس مكافئة روحية للصائم. ويجىء ليل الصائم ليتحول الى كائن تلفزيوني من الدرجة الأولى أمام تدفق المسلسلات والفتاوي فيحتار في اختيارته وميولاته الترفيهية والايمانية فالذي ينضم الى دولة الفضائيات لايمكنه الخروج من عوالمها معافى ودون أن يصاب بخلل ما في ذائقته،ذلك أن الصيام تحول الى عادة اجتماعية أكثر منه طقسا ايمانيا، فشتان بين العادة التي عرّفها المثل الفرنسي بأنها "طبيعة ثانية" وبين الايمان الذي هوطبيعة أصلية.

تنظر من حولك قترى وجوها كبلتها الحاجة، وأرهقتها الأعباء وعلاقات انسانية شوهتها المحن بعدما أصيبت بعقم في قيم الخير والصدق والحب والسلوكيات النبيلة، وتفاقمت أمراض الشر من أنانية وحقد وظلم وعدواة وانتقام...الخ في النفوس.

ماهوالثمن الذي سوف تواصل دفعه انسانيتنا في هذا العصر بعدما برزت أنماط جديدة من العلاقات بين الأفراد وأصبحت تقاس بمنطق العرض والطلب وليس بمنطق المشاعر وبحجم الثراء وليس بحجم الخير، وترتبط هويتنا بمدى انتمائنا لحساب بنكي وليس بمدى انتمائنا للحب وتكبر "أهميتنا" بمدى وفائنا للسلطة وليس للأسرة، وتتألق مكانتنا ليس بمدى نجاحنا المستحق بل بمدى شهرتنا المجانية التاتجة عن التسلق وشراء رقم الحظ وبيع الضمير.

وكأننا في زمن الطفرات التكنولوجية القادمة الينا كبرنا فجأة وفي دواخلنا ما نزال أطفالا في أفكارنا ننقب عن براءتنا وتلقائيتنا في التعامل ونحتاج الى رعاية وتوجيه ولسنا مستعدين لهذا الكم الهائل من التطور المتسارع هذا التطور الذي في طريقه الى تحويلنا الى كائنات مادية هل سوف يأتي يوم نتجرد فيه من آدميتنا ونتبرمج على تأدية أدوارنا البشرية بشكل ميكانيكي خال من الأحاسيس والمشاعر ؟أوربما يأتي يوم يتم فيه الاستغناء عنا طالما تحولنا الى آلات من درجة ثانية لا جدوى منا ولأننا لم نخلق بعد في المصانع والمختبرات ولم نخضع للتجارب.

لم تعد علاقاتنا الانسانية آمنة وعفوية وليس تعقيدها ناتج عن العمق والدراية بماهية الأشياء والوجود بل بسبب الزيف والسطحية وكأن هذا العصر ومبرراته الكثيرة أعاد تربيتنا بمنطق الحاجة المستمرة التي أصبحت جشعا والاستهلاك الدائم الذي أصبح ادمانا والمنفعة المادية التي أصبحت منهجا وقناعة، بداية من ذاواتنا ووصولا لذوات الآخرين وأجاز أن نلون مفرداتنا المتداولة اليومية ومشاعرنا، فأصبحنا نرتاح للظلم، وننحازللمستبد، ونتصالح مع الرشوة،ونسكت عن الحق،ونتجمل بالخيانة ونتباهى بالرذيلة ونبارك النفاق ونشهد مع الفساد.

ففي الوقت الذي نحاول أن نثبت للآخر كم تغيرنا بتخلصنا من قيمنا وعاداتنا الجميلة يبرهن الآخر كم كبرت انسانيته باستعارته لمبادئنا العربية الفطرية الأصيلة من جهة وبإعادة التصالح مع انسانيته وذلك بترتيب أفكاره وتنظيم مجتمعاته بعدما ضربتها أعاصير المادية والخواء الروحي ثم يقفز بحنوه المفاجىء علينا هوالقادم من فجوة عميقة من الفردانية والتوحش لدرجة أنه أصبح يبحث عن من يحتاجه خارج محيطه ليتأكد أنه مازال على قيد انسانيته.

هل العلاقات الانسانية في طريقها الى الانقراض ؟ بعدما أصابها عقم في قيم الخير والصدق والحب والسلوكيات النبيلة ؟ وتفاقمت أمراض الشر من أنانية وحقد وظلم وعدواة وانتقام...الخ في النفوس، هل تحولنا الى اشياء لافرق بيننا وبين السلع وهل سوف ياتي يوم نباع فيه بمنطق السوق ؟هل سوف يأتي يوم نتفرغ فيه من آدميتنا.ونصبح نؤدي ادوارا بشرية آلايخ خالية من الأحاسيس والمشاعر ونصبح لافرق بيننا وبين الانسان الآلي أوربما يأتي يوما يتم فيه الاستغناء عنا طالما تحولنا الى ألات من طبيعة ثانية وليست من طبيعة أولى لأننا لم نخلق في المصانع والمختبرات ولم نخضع للتجارب.

وتقاس انسانيتنا بمعادلة البيع والشراء وليس بمنطق المشاعر وبحجم الثراء وليس بحجم الخير، وترتبط بمدى انتمائك لحساب بنكي وليس للحب وليس بمدى نجاحك الذي قاتلت للتحقيقه بل بمدى شهرتك المجانية التاتجة عن شراء رقم الحظ وانضمامك لسلطة وليس لأسرة، ودليل هذا التحول في العلاقات الانسانية ما يحدث في مناسباتنا الكثيرة التي تثقل كاهل المواطن العربي البسيط والذي ما يكاذ يأخذ استراحة المحارب الا وتأتي مناسبة أخرى تقضي على أنفاسه فالصيف رحل بعد ماترك أعبائه السياحية ليس على جيوب القادمين للإستجمام والاسترخاء،بل على جيب المقيم لأسبا ب أخرى ذلك لأن كل عابر لوطن آخر يعتبر أمام صائد المناسبات رصيدا متنقلا لايهمه ما سبب مجيئه فايجارات المنازل تتضاعف لأسعار خيالية وسائقي الأجرة يرقبون وجهك المترب ويدرك رغم غبارك أنك لاتنتمي اليه سواء أتقنت لهجته أوتعثرت بلهجتك الأم وصدق من منعرف لغة قوم اتق شرهم ومع ذلك الشرر يتطاير عندما تدافع عن حقك فأنت المستبد. نعم وانك لكذلك ألم تختر البقاء في خريطة غير وطنك هذه ضريبتك فلماذا تطالب الآخرين بأن يشعرون بوجعك بقدر ما يتشممون نزيفك النقدي.

ثم يجىء الخريف تبحث عن انتعاشة ما فتلتصق مؤازا المواطن المحلي في البحث عن مساحة حب مع دخول شهر رمضان الكريم فتزداد الأسعار غلاءا موحشا ورغم ذلك ثمة تحدي ما للمواطن البسيط اذ ويزداد سعار الاستهلاك وتضيق خناق الرحمة في النفوس لتتحول الى كرنفالات استعراضية الا فيما نذر، ثم يأتي الغضب والحجة الصيام وهناك من ينتظر الصيام ليغضب حتى يبرر تصرفاته. ذلك أن الصيام تحول الى عادة اجتماعية أكثر منه طقسا ايمانيا. وشتان بين العادة التي يقول عنها المثل الفرنسي: "العادة طبيعة ثانية" وبين الايمان الذي هوطبيعة أولى.

ثم المدارس بحمولتها والأعياد بمستلزماتها مناسبات تقتل الأسر بأعبائها وتحولهم أحيانا الى لصوص شرفاء ولصوص غير شرفاء فهذا يتوقف على القيم التي تراجعت جدا في هذا العصر المادي، ففي الوقت الذي نحاول أن نثبت للآخر كم تغيرنا بتخلصنا من قيمنا وعاداتنا الجميلة يبرهن الآخر كم كبرت انسانيته باستعارته لمبادئنا العربية الفطرية القائمة على النخوة والشهامة والكرم والعفوالخ بحنوه المفاجىء علينا هوالقادم من فجوة عميقة من الفردانية لدرجة أنه أصبح يبحث عن من يحتاجه خارج محيطه ليتأكد أنه مازال على قيد انسانيته ذلك أن المجتمع الغربي بلغ أوجه فاصيبت العلاقات الانسانية بداء السوق.

إذن ا نسان هذا العصر تجرد من قيم الصدق والرحمة وهل العولمة اغتصبت انسانيتنا وحولتنا بمفهومها الاقتصادي الى كائنات تباع وتشترى لا فرق بيننا وبين السلع،وتقاس انسانيتنا بمعادلة الشراء وليس بمنطق المشاعر، وبحجم الثراء وليس بحجم القيم،


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى