الثلاثاء ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم لطفي زغلول

الإستيطان.. إلى متى؟

الكلمة التي القاها المسؤول الفلسطيني في الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الخطة المراد تنفيذها إذا ما كتب لها أن تنفذ، تعتمد على تقطيع اواصل فلسطين إلى إربعة كانتونات، ليس هناك من رابط بينها على الإطلاق. وهذا ما جادت به العبقرية الإسرائيلية، بعد كل هذا اللف والدوران والممارغة والإحتيال والمماطلة واللعب في الوقت الضائع.

وتأكيدا لهذا الموقف، وتلك الأفكار، التي طرحتها إسرائيل، فقد صرحت السيدة كونداليزا رايس، وهي تتناول ذات الموضوع، أن تتحاشى ذكر كلمة استيطان في خطابها هذا. وبدل هذا فقد تناولت موضوع ما يروق لأعين ومسامع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والمقصود هنا كل ما يمت إلى مشروع المفاعلات النووية الإيرانية بصلة، والأهم من ذلك، كل ما يشغل بال أوروبا والولايات المتحدة.

وسواء بنيت مستوطنات جديدة لاستيعاب هؤلاء المستوطنين، أم أن الخطة تستهدف استيعابهم في المستوطنات القائمة حاليا في أراضي الضفة وقد تجاوزت المائة مستوطنة، فهذا لا يقلل من خطورة هذا التوجه الإسرائيلي في هذه الآونة بالذات التي يحلو للبعض أن يسميها فترة هدوء، والذي يبشر هذا البعض بأنها مناخ سياسي تسوده حالة من التفاؤل بالسلام تحت ظلال حكومة إيهود أولمرت التي تستضيف هذه الأيام السيدة كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في إطار زيارتها المتكررة للمنطقة منذ توليها منصبها.

فيما يخص هذا التوجه الإسرائيلي فهو يضعنا أمام المحاور الرئيسة والمعهودة للسياسة الإسرائيلية، أولها أن أية عملية سلمية من منظور اسرائيلي تقوم أساسا على مرتكزات حددتها هذه السياسة ولا تنوي التنازل عنها، والاستيطان بكل اشكاله واحد رئيس منها. وثاني هذه المحاور أن السياسة الاسرائيلية حتى تظهر للعيان اقليميا ودوليا أنها لديها أفق سياسي، دأبت على إعلان أن هناك استيطانا غير قانوني ستعمل على تفكيكه. وما دام هناك استيطان غير قانوني، ففي المقابل هناك " استيطان قانوني " خارج نطاق أية تسوية سلمية.

والمحور الثالث، فان الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد تستند إلى أنها تفرض منظورها فيما يخص الاستيطان مستندة إلى عدة عوامل تعمل جميعا لصالحها. وانطلاقا فهي تعتمد على قوتها العسكرية وبصفتها محتلة للأراضي الفلسطينية بقوة السلاح. ثم إنها تمارس سياسة فرض الأمر الواقع، وكذلك فهي تستند إلى ظروف اقليمية وعربية ودولية مواتية، ولعل أفضل هذه الظروف هو التأييد الاميركي المنقطع النظير لها، أو بمعنى آخر الانحياز الاميركي المطلق للسياسة الاسرائيلية والذي قام بتتويجه الرئيس الأميركي بوش الابن بوعده الغاء حق العودة لللاجئين الفلسطينيين، وتأييده عدم الرجوع إلى ما وراء حدود العام 1967، وحق الاسرائيليين في استبقاء المستوطنات الكبرى تحت ظلال ادارتهم وسيادتهم.

وثمة عامل آخر وهو يخص العالم العربي الذي يمر في حالة انعدام الوزن السياسي فيما يخص القضية الفلسطينية، بمعنى أن ليس هناك أوراق ضغط في أيدي الانظمة العربية المعنية كي تلقي بها على مائدة التفاوض مع الاسرائيليين – هذا اذا حصل هذا التفاوض -، الامر الذي جعل اسرائيل تصول وتجول وتقرر وحدها بروح اميركية ما تشاء وتريد.

إن الاستيطان من منظور فلسطيني يعني شرعنة استلاب الأرض التي هي مادة الوجود الفلسطيني الرئيسة. والفلسطينيون لا يتصورون سلاما دائما مع استلاب هذه الأراضي وهي ليست أية اراض وإنما هي منتقاة ومختارة بعناية تؤدي وظائف تخدم أهدافا احتلالية استراتيجية بعيدة المدى.

وللتذكير فأن الأراضي التي يقوم عليها الاستيطان الإسرائيلي هي قمم الجبال والمرتفعات الفلسطينية التي تشكل مواقع أمنية واستراتيجية للتحكم بكل التجمعات الفلسطينية والاشراف على طرق مواصلاتها. وهي خيرة الاراضي الخصبة التي يعتاش على غلالها الفلسطينيون وهي الأراضي التي تشكل مخزونا اسراتيجيا ديموغرافيا لاستيعاب الزيادات الناجمة عن النمو السكاني الطبيعي. وهي أخيرا لا آخرا أراضي آبائهم واجدادهم منذ مئات السنين.

وفي ذات السياق فان الفلسطينيين لا يتصورون دولة وعدهم بها رئيس الولايات المتحدة الاميركية بوش الابن منذ سبع سنوات، وها هي فترة ولايته الثانية قد شارفت على نهايتها، وليس ثمة ما يلوح في الأفق أن وعده له رصيد على أرض الواقع. أن الحقيقة الوحيدة على ارض واقع القضية الفلسطينية تتمثل في تسرطن التدرن الإستيطاني في كل جزء من اجزاء الأرض الفلسطينية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف تكون هذه الدولة التي يحاول البعض أن يخدروا بها الشعب الفلسطيني، وهي ما زالت رؤيا في رحم الغيب السياسي، دولة مستقلة سيادية حرة قادرة على النمو والتطور والازدهار وهي تفتقر إلى أبسط بسائط تكوين الدول الحقيقية ونعني بها الارض.

صحيح أن هناك عقبات كثيرة تحول دون استتباب سلام في المنطقة جراء تعنت الحكومات الاسرائيلية في عدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، الا أن العقبة الرئيسة والكأداء تتمثل في الاستيطان الاسرائيلي الذي يشكل التحدي الأكبر والأخطر لأي سلام حقيقي، والذي يقوم متزامنا مع عمليات الهدم والتدمير المستمرة والمتصاعدة الوتيرة للمنازل والبيوت الفلسطينية، اضافة إلى اعمال التجريف التخريبية لأراضيهم.

إن هذا موضوع يخص الحكومة الاسرائيلية ورعاياها من المستوطنين. فاذا ما ارادت أن تمضي قدما في عملية السلام الحقيقية دون مماطلة ولف ودوران، فان مسؤوليتها وحدها أن تقنع بوسائلها هؤلاء المستوطنين بان السلام لا يتم دون خروجهم من هذه الاراضي التي استولوا عليها بالقوة وبما يخالف كل الانظمة الدولية.

وأخيرا لا آخرا فان الفلسطينيين ينظرون إلى اخلاء مستوطنات الضفة التي لا ينبغي لها أن تكون بديلا لمستوطنات القطاع. وأما الحلقة الثانية فهي تتمثل في استرجاع كل ما افترسه جدار الفصل الذي أقامته اسرائيل على الاراضي الفلسطينية وجعلت منه كاتما على انفاس الفلسطينيين.

وأما الحلقة الثالثة وقد لا تكون الاخيرة فهي حق الفلسطينيين في القدس التي يسعى الاسرائيليون إلى تهويدها بكل طاقاتهم وتغيير كل ما يمت فيها إلى التاريخين الإسلامي والعربي بصلة. وساعتئذ يمكن الحديث بكل تفاؤل وثقة عن العملية السلمية التي لا بد لها أن تنطلق من قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى