الأحد ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨

الشمس

بقلم: محمد صالح رجب

هانت عليه نفسه.. هم أن يلقي بها إلى النهر، لكنه سرعان ما عاد إلى وعيه.. إنه الهروب بعينه.
التقط عدة أحجار صغيرة وراح يقذف بها تباعا إلى النهر. راحت عيناه تغوص في أعماق النهر .. يلقي فيه بعضا من همومه التي ناء بحملها .. شعر بقشعريرة تسري في جسده، ألقى ببصره إلى الشمس وقد توارت خلف كتل من السحب السوداء، وخيم على المكان جو من الكآبة والرهبة .. انتبه إلى ملابسه وقد بللها المطر .. ساقته قدماه إلى قهوة قريبة، ألقى بجسده المنهك على أحد المقاعد الخالية وقد بدأ يتأفف من البرد .. أشعل سيجارا وراح ينفث الدخان في الهواء " بقرف " .. كان جد مكتئب ، فحاله مع الدنيا لم يكن ليرضيه.. كان ناقما على الحياة برمتها .. لم يعد يقوى على مواجهة أمواج الحياة التي تفننت في ملاطمته .. راحت الأفكار السوداء تتراقص أمام عينيه .. ترامى إلى مسامعه ضحكات عالية .. امتعض كثيرا، نظر حوله يبحث عن مصدرها .. لقد اكتظت القهوة بعشرات من الناس .. تسمرت عيناه عند هذا الرجل الذي يفترش الأرض وتكاد الأقدام أن تطأه .. إنه مصدر الضحكات .. أمعن النظر إنه بلا ساقين .. أشفق على هذا الشقي وتساءل في نفسه: علام يضحك هذا المسكين؟!
لو كنت مكانه .. وعاد الرجل يردد والابتسامة لا تفارقه: دوام الحال من المحال، واتبعها بتنهيدة عميقة مرددا. يا قوي يا رب ثم خرج زاحفا ..حاول أن يلاحقه ببصره، لكن سيل من البشر جرفه فتاه وسط الزحام .. التفت حوله وقد أقفرت القهوة من الناس .. لقد توقف المطر .. نهض خارجا ..لكنه عاد وتوقف في مدخل القهوة .. أمعن النظر من جديد .. شاهد الدنيا وقد اكتست بلون الذهب .. ارتفع ببصره إلى السماء وابتسم .. إنها الشمس مرة أخرى ..

بقلم: محمد صالح رجب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى