الثلاثاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨

فتنة الكتابة والفتنة الأخرى

بقلم: وجدان عبد العزيز

الكتابة قد تكون رسم خريطة عبر ذبذبات الاحساس بالدنو الى مساحات الجمال وهو احساس بلذةاكتشاف ما، هذا من جهة اما الجهة المقابلة فهي الوصول الى نقطة دالة نحو فضاء من التيه في وديان الهذيانات المبررة وغير المبررة احيانا، لذا فالكاتب يحاول الخروج من لحظات الكتابة اللاواعية الى لحظات الوعي كي يمسك بالقصدية ويدل على ابواب البداية حالما بوجود ما وهو بعيد المنال من خلال نوافذ الحلم المشرعة دائما امام اللاوعي، تعيسة وبائسة في ساحة الوعي الكامل..

من خط الشروع هذا استطيع ان اعيش نشوة الاكتشاف بلذة التنوع التي يعزف على اوتارها نعيم عبد مهلهل تسكنه خوذة الحرب التي فارقها في ساحات اللهيب والموت وتسكنه المرأة بجسد الحب الملون بقوس قزح وعطر العشق وعسل اللذة، تطويه جمالية اللغة وخصر الكلمات الاهيف ورشاقة الجمل البديع وتراه في اعلى درجات الهيام حينما يسكر باذكار المرأة ويتصوف في صومعة الجسد، لذا يصعّد من حالة توتره اثناء اسناد الجسد لفتنة الشتاء، ليذيقنا حلاوة الدفء، الدفء المجرد فكيف بالدفء الاخر اعتمادا على حكمة الام التي يقول عنها:

(من يطعن الجسد بنظرة رمش
سوف لن يخاف من لمعان الخناجر..
انها حكمة امي
وهي تشم في صدر ابي عطر زهرة
سعاله الاسطوري...)

وهذا دفء التصاق بالجسد، ولانه أي الكاتب قد اخذته الكتابة في عوالمها المتعددة، من هنا درج في نصوصه الشعرية النثرية الى التقطيع حفاظا على لوحة النص من العبور لفضاءات غير فضاءاتها المرجوة، فهو في غرق مستمر لحظات يكون وسط النهر واخرى يكون قرب الشاطيء مازجا اياها بخليط الفرح والحزن معا متوترا ابدا تنتابه حالات قلق فهو نصف حقيقي ونصف اسطوري وحتى عصفوره يقول عنه:

(العصفور الخرافي الذي بنى عشه فوق غرفتي الطينية
كان يرطن اغانيه بعذوبة تشبه شهوة الديك
كل صباح انتبه الى حنجرته العسلية
فتصيبني لذة القفز على الطاولات
في افلام برجيت باردو..)

وهنا اخفى في حقيقة الامر اسرارا كثيرة تحت يافطة رطانة العصفور واستفز الذائقة بسخرية عذبة واستنطق اشياء محيطه بانسنة محدودة، ليخاطب خيال الاخر بقوله:

(يتخيل الصوفيون الجسد كما تتخيل السنبلة
نعومة قطرة المطر
لذا يقولون دائما:
الضوء والجسد توأمان...)

الحقيقة القول للكاتب قوّل به الصوفيين لمبالغة التعلق بالجسد.. لانه كما اسلفت تسكنه خوذة فارقها وامرأة لازالت هي مداد لوحاته في حزنه وفرحه (في دفء الماء الشتائي) حيث(تستيقظ احلام رذاذ الشهوة) ثم(يعتريك فصل من خمر الذكريات) كي (يتعطر المكان بفاكهة الخيال) ولا يتوقف نعيم عبد مهلهل (قرب الاشارة الحمراء...) (فالمرأة قبل كل شيء لها رأيا في نظرتك المرتعشة) ويضيف قائلا:

(وان فهمتك جيدا
عرفتها جيدا
عندها سترى الفردوس بحدائقه المدهشة)

ولا شك ان الفردوس هو الجسد بلغة اشارية ثم انه توصل الى اكتشاف اللذة في عوالم الخيال، وهنا خلط واضح بين لغة و لذة الجسد المرئي وبين لغة ولذة الخيال، بين العصفور المرئي وبين العصفور المتخيل.. صراع متوتر اغتصب بلحظة لاواعية العنونة (الجسد بفتنته الشتائية) كقمة هرم سالت على سفوحه هذيانات اللغة..

(تتذكر النساء الصيف... قرب نعاس المدفئة
فينتابهن الشعور المورق بحركة الوسائد:
إن الحرب ستنتهي غدا..)

واستعار الحرب هنا لتكون معادلا لضجيج الحياة الذي سينتهي الى الصمت الموت او الاحتفاظ ببقايا الحياة محاولا التقطيع والالصاق وظل وسط البوح كما قالت العاشقة:

(في ارتعاشته نسيم البحر)
غير انه يصرح (تسكننا اللذة البدائية
تلك التي شعر بها آدم
انه اكتشف القارات السبع)

فهو ابن آدم وميزته الخاصة ان قصائده هي الخبز الناضج توا في مختبر الكلمات التي يحركها قلق الابداع، فهل يشبع الكاتب من الجسد وهل يشبع المتلقي من لذة الاكتشاف بين السطور الآيلة نحو السقوط باحضان المغايرة والتي تتطلب التثقيف الدائم لاكتساب لياقة الدخول الى عوالم النص والتجوال في اروقته الجمالية وتكون ايضا عدة المتلقي هي اللغة تدفعها ثقافة والمام المتلقي كي تتوازى عملية الدخول والخروج بالمعنى المتخفي في استار النص وعذري اني لا زلت في الطريق.........
 [1]

بقلم: وجدان عبد العزيز

[1/نص(الجسد بفتنتهِ الشتائية...)
الكاتب نعيم عبد مهلهل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى