الأحد ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨

(عمّار صالحية) لماذا بكيت لحظة المواجهة

بقلم: فايز أبو شمالة

قبل أيامٍ، بكي المجاهد "عمار صالحية" أثناء المواجهة مع القوات الإسرائيلية الغازية، بكي تحت قصف المدفعية الإسرائيلية، ودوي راجمات الصواريخ، إنه إنسان، وله مشاعر، بكي بعنف يفيض عن فرح البيت الأبيض بساكنه الجديد "باراك أوباما"، بكي شوقاً، وحباً، وتوجعاًً، وسالت دموع التحرق من قلبه قبل أن تقطر على خده، بكي، وصرخ، وتضرّع إلى الله، فقد ترك عروسة التي زف إليها قبل شهرين، صغيرين كانا يخطان الغد بريشة الأمن والسلام، صغيرين كانا يلعبان بالأماني الجميلة، ويتأرجحان على أمل البقاء معاً، ويحلمان بطفل لا تدوي في مسامعه قذائف الدولة العبرية، بكي "عمار صالحية" وصهيل قذيفته يتصدى لهدير الدبابات، وصرخته تعلو على أزيز الطائرات: لماذا يسبقون؟ لماذا يا ربي؟ لماذا تتقصف أعواد الريحان من حولي، وتنساني أنا؟ لماذا يستشهد الأربعة من حولي؟ وأظل أنا؟

واصل "عمار صالحية" البكاء، وهو يطلق قذائفه على جيش الدولة العبرية نيابة عن ملايين العرب، واصل المعركة العسكرية التي تمهد الطريق للمفاوض الفلسطيني ليرفع رأسه أمام الدولة العبرية، واصل المقاومة وهو ينظر إلى أشلاء رفاقه الأربعة من حوله ممزقة، واصل مهمته، وصرخته تدوي على رؤوس الجبال في رام الله: قبل دقائق كانوا معي يطلقون على إسرائيل، قبل دقائق خرجوا معي في مهمة جهادية؛ الأول محمد عبد الله عوض، والثاني: واجد نظام محارب، والثالث: عمر سليم العلمي، والرابع محمد طه بعلوشة، أربع زنابق تفتحت في مخيم خان يونس، ليغطي أريجها عورة جيوش العرب التي صامت عن المواجهة، أربع سنابلٍ تفتحت مبكراً لتنثر قمحها على مرتفعات الضفة الغربية، أربع نسائمٍ صارت موجاً يكتسح رمال الخوف من الجيش الذي يقال عنه: لا يقهر!!!.

هذه مشيئة الله يا "عمار"، كف عن البكاء، لنا حياة سنعيشها رغم أنف الأعداء، ولله الأمر والتدبير، لقد اختارهم ربهم إلى جواره شهداء، كفي يا "عمار" لا تحزن. بهذه الكلمات المتفائلة حاول رفيقه الذي ظل معه على قيد الحياة أن يقطع بكاءه.

ولكن "عمار" ظل يبكي، ويطلق، ويردد بالدموع: أنا لست حزيناً على فراقهم، أنا لا أبكي الشهداء، أن حزين على نفسي، أنا أبكي نفسي، هم أدركوا غايتهم، ولكنني ما أدركت غايتي مثلهم؟ ماذا فعلت في حياتي القصيرة كي يصطفيهم الله، ويتركني؟ لماذا هم وليس أنا؟ بماذا هم أفضل مني؟ ماذا قدموا أكثر مني ليصيروا شهداء، وأظل أنا محروماً مع الأحياء؟ أين قصرت؟ ومتى أخطأت؟ بماذا تفضلوا علي؟ ما الذي يميزهم عني، ونحن مجموعة واحدة من المدرسة، إلى الجامعة، إلى المسجد، إلى العمل العسكري؟ يا الله!

سقط الصاروخ الإسرائيلي على "عمار صالحية"، مجرد إتمام الرجاء، ليرتقي شهيداً، وينقل رفيقه جريحاً إلى المستشفى كي يروي للناس وقائع الشهادة.

على بعد أمتار من بيتي في خان يونس، أقيم عرس الشهيد "عمار"، وعرس إخوانه، ولكن دون مهنئين من مؤيدي رام الله، فلم يأت لبيت العزاء أقرب الناس خوفاً على راتبه، لأن حكومة رام الله تراقب، وتنتظر التقارير، وتقطع راتب كل من يشارك في أعراس شهداء "حماس"!!.

نعم، لقد شاركت الحكومة المقالة، وقدمت الواجب، وكان على رأسهم الأستاذ إسماعيل هنية ذاته، ولكن من عجائب الانقسام السياسي: لم يأت إلى بيت العزاء شخصيات خان يونس المعروفة بحسها الوطني؛ خشية أن يقال: أنهم شاركوا في عرس الشهادة، أو أنهم يؤيدون المقاومة، أو أنهم لم يلتزموا بتوجهات المقاطعة في مقاطعة "حماس"، دون أن يتنبهوا إلى عاداتنا العربية الحميدة في غزة، حيث الموت التقليدي يضم المتخاصمين في بيت عزاء واحد، ويوحد المختلفين، ويجمع المتباعدين، وظل الموت مدرسة للأحياء، ومناسبة لدفن الأحقاد والبغضاء، فكيف إذا كان الموت شهادة من أجل كرامة الوطن، وتحرير أرض فلسطين.

هذا حال غزة هاشم يا حكومة رام الله؛ مقاومة!!!.

وهذا هو حالنا يا حكومة غزة؛ مباعدة!!!.

كفكف الله دمعكم جميعاً، وخفف عنكم ألم الفراق!.

بقلم: فايز أبو شمالة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى