الخميس ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

عويل الجراح

يفرش ورود الغرام فراشا أخضر، يغطيها بعباءات الحنان وسرب من النسائم، يقدم لها نقاء أغنية دافئة، يكلمها عن نار متأججة بين الضلوع، يحكي لها عتمة الروح التواقة للطيران برفقة روحها نحو فضاءات بهية، يتزود بحفنة من وله ويقصد الوصال، تناوله بعضاً من قبلاتها وترنيمة للطريق، يقول بملء فمه:"كيف الابتعاد؟ " تأخذ نفساً وتقول:" الصبر ثم الصبر". يمد يداً مشتعلة ويهمس:"أعشقك ياابنة النارنج والريحان فيا ليتك تبقين لي وحدي". تمسد شعره:" أنا لك، لكن الحياة بلا مال، ذل وقهر وعار". يرتفع فحيح نفسه فيبتدع لحنا:" دعيني أتحلى بهذا الجسد الذي له جمال الحوريات.

تقول له:" اجمع مالاً وعمّر داراً وأنا بالانتظار". يغـــطي الركام ملامحه، يكتم شهقة ويسأل:" كيف الغياب وأي الجهات تواريني ؟. ترد بشيء من الضجر:" كل الجهات مفتوحة إن كانت لديك الإرادة". يفــتح لنفسه طريقاً من فرح وشجاعة، يطلب منها أن ترافقه ليخوضا المغامرة معاً. تتساءل بدهشة:" كيف السبيل؟. يظل مصمماً:" تعالي معي يا وردة الزمان لتبددي زحام المرارات، فأنت مسرّة قلبي وعمره. تنهض وتمـضي دون التفاته، يشمّر عن ساعديه , يطمر شتات ذهنه القلق في التراب، يمـنح نفسه قيثارة للطريق وأغان للقلب، يمضي مخمور الخطا دون زاد ودون وصال، يدور في الجهات من غـير بوصلة أو دليل، إلى أن يحل الظلام، يشعل لليل قناديله ويحكي له حكايته.

يقول له: " املك الوقت والإرادة ولا تنزل عن صهـوة التحدي، عندها سيكون الزمن زمنك". يفرح ويسعى إلى الإدراك, ينبئه:" أمامك المدائن والبلدان، فلا تيأس ولا تنسى أن تكون قاسيا مع نفسك وجسدك، ولكن إياك أن تتعثر ". وينتهي الكلام، يظل مع طيور الظلام، يدخل في التمتمة إلى أن يأتي الصباح، يرسل دموعه رسائل شوق لعينيها، يطير كطائر خرافي يجوب الفيافي والمنافي، يبحث عن شقائق الحياة وعن نجم مشيّد فوق قرص القمر، يدور ويدور، وبعيدا جدا عن الحبيبة والوطن، يعمل في ضوضاء وسكون، في هجير القيظ، تحت الصقيع، وعلى عتبات الظلام، ينسى الأجندة والقلب والطعام، ويـنسى الليل, يظل قاسيا، ظالما للنفس والجسد حتى تزهق عصافيره وكائناته، وبعد خمس طعنات وخمس حروب، يرتقي سلّم البهجة، يجمع مهر انتصاره، وبالمقابل يحصل على وجـــه موميائي الملامح، وظهر مقوّس، وبعض الندوب الموجعة، يخرج القلب من صندوقه العتيق، يرتدي كل
أشواقه الحبيسة، يتغنى بوجهها ويتبادل معه نار الوجد, وفي زمن العطـش يعود ملهوفا كالمهر المتيم حين يأتيه الصهيل، يعود محملا بالدار والمال والكثير من الآمال، يطرق بابها في عتمة الليل، يفرش أمامها وروده القديمة وأكياس المال ويقول:" أيتها الأحلى، المفعمة بالسحر ولحن القيثارة الراسمة صور الحب الصـافي على جدران القلب، الباعثة في النفس جمال الوردة في كل الأوقات، لك أهزوجة مغتسلة بشوق". تستقـبله بنزوة كره ونزوة لؤم، تنظر إليه بملامح متوترة وتنفجر الزلزلة، يذهب من الصحوة إلى الدهشة، ومع رعشة موجعة يهمس:" أين الوعد وأين الخطأ؟!

تسقط الأقنعة، تلفه بحبل طويل من غدر، تسكب الملح على الجرح، ثم تلقي به في غابة النكران، يهزها من كتفها ويصرخ بقلب يقطر دماً:" اسألي الأشجار والعصافير والغدير، كلماتنا ووعودنا ما زالت مفروشـة هناك". تنظر بقسوة إلى ظهره وندوبه وتعيث فيه فساداً:" هل يجتمع الفل مع الخرنوب؟.. هل تتصادق الغزالة مع الذئب؟.. هل..؟. تشـتعل العاصفة وهي تستقبل كذبها الفاقع، يمتلئ رأسه بالضجيج، وتهدأ العاصفة، وهرباً من جنون يراوده، يدفن غصات الفراق، يركب قطار المسافات الكئيبة، يدور ويثور في الجهات، تيها بلا غذاء أو دواء، يطمس قامته في أديم الليل، يخاصم النوم، يصادق الندم، ينثر من حوله وجع الهوى وغدره وناره، وما زال إلى اليوم يسبح في نهر الندم مع عويل الجراح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى