الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم سامي العامري

الثقافة ومنظومة الكهوف!

حديث مع رَبّة الشفاء

نهدان

ن

بضُكِ،
نبضُكِ لا يحتاجُ الى قيثارٍ كي يعزفني
أما جسدانا فَهُما ما عادا جسدينْ
باتا بَرَّاً مسحوراً
ويزقزق عصفوران على تَلَّينْ
من خمرٍ ولُجَينْ!

أغلب الأحيان عندما أقرأ شعراً موزوناً يعجبني لا أستطيع إلاّ أن أردده بصوتٍ مسموع وأتمايل مع لحنه والفاظه ومعانيه وكذلك أفعل مع قصائدي الجديدة من أجل أن أرسِّخَها في الذاكرة ولهذا خرجتُ الى الممر قبل الفطور بساعة...
إقتربت الممرضة مني بوجهها المتهلل دوماً،

سألتني عن أفضل الأوقات عندي لملاقاة الطبيب اليوم ام غداً.

أجبتُ شاكراً: لا أدري، ولكن اذا كان لا بد فالأحسن غداً لأنني ربما حضَّرتُ عدداً من الأسئلة.

قالت: حسناً، وهناك نزيلٌ جديد نوعاً ما سأل عنك ويريد لقاءك وفهمتُ أنه عربي وأظنه سيجيء اليك بعد قليل او انت إذهبْ اليه فهو قريب منك.

آه عربي!

فأخذتُ أسير وأتلو ما كتبتهُ للتو مرة أخرى

ثم:

آه، شعر عربي فصيح!

رأيتُك قبل يومين وانت تتحدث مع رجل الماني وكنتُ مسرعاً ولكني سمعتك تقول له بأنك عراقي أي عربي والآن تيقنتُ من ذلك!

قال لي ذلك ونحن ندنو من بعض. إنه رجل عربي على مشارف الخمسين مثلي

وأضاف: ولكن بالمناسبة، لمن هذه القصيدة؟

أجبتُ: لي.

فعلق بابتسامة حزينة: حسناً ولكن ألا تخشى اتهام البعض لك بالإباحية وغيرها؟!

قلتُ بتهكم: لِمَ أخشى وفي سطور قصيدتي وصفٌ أقرب الى البراءة؟ ومرة أخرى، لِمَ أخشى وهم يغتالون أبناء وطنهم لا لشيء وإنما لأنهم من دين آخر او قومية أخرى؟ بل إنهم يغتالون حتى مَن يؤمن بدينهم، نعم يغتالونه لأنه ليس من طائفتهم!
لِمَ أخشى وهم يجهلون أعظم فقهٍ، ألا وهو فقهُ الحياة؟

فقال: أعرفُ ولكني قلتُ هذا للمباسطة فأمرنا نحن العرب أعجب من العجب وما بلدك إلاّ كحال بلدي ولم أستغرب تدمير بلدك اقتصاداً وثقافة وإنساناً.

خسارةٌ، نعم، كبيرةٌ خسارتُنا حين لا نحول الدين الى قصيدة؟

قلتُ: أنظرْ،

البارحة قبل النوم فكرتُ بما كتبتُ في الماضي عن نفس هذه المنطقة المعتمة من حياتنا، كم نحن منفيون في إرث ثقيل من الغلاظات ولهذا كتبتُ هذه السطور القليلة البسيطة من الشعر، أعرف أنَّ لجسدنا عقلاً وله طموحات وتطلعات وتدفعني كآبة الجسد للتأمل مثلما تدفعني مباهجُهُ.

فعقَّبَ بصوت خفيض: المسألة عزيزي هي أساساً قبضة الصحراء القاسية التي ما تزال تنهال على هاماتنا وأرضِنا وحاضرنا، هناك بداوة يسترشد بها أغلب تفكيرنا وسلوكياتنا كالبوصلة شعورياً ولا شعورياً، وحتى الفقيه الذي يستمريء الحديث عن الفروض والعبادات والسلوك وهو يوجِّه بخُطَبهِ حركةَ الملايين من بسطاء الناس لا يعي ما معنى اللاشعور مثلاً ودوره المحوري في حياة الإنسان ودوافعه وسلوكه، وتُفزعُهُ مفرداتٌ مثل العقل الباطن، الذهان، الفوبيا، الإنفصام والرهاب الخ...

قلتُ له: شكراً، الثقافة العالمية ملك للجميع، ولكن حول الجسد فهذا الشاعر الفيلسوف الذي لا يتكرر نيتشه والذي لم يكن مادياً كان يعتبر الروح إفرازاً واحداً من إفرازات الجسد.

إنه تطوير كبير لمفهوم الجسد باعتباره توتراتٍ وتردداتٍ وتحوُّلاً وليس وظائف او كتلةً رخوة لذائذية كما فهمها أولو أمرنا! وهو أنسنة الروح باعتبارها جوهرة متحولةً أيضاً وهي فينا منا معنا.

زادَ صاحبي قائلاً: والجسد بالمعيار الأرضي، عند بدء الحياة، سبقَ الوعي، وما دام كذلك فهو أكثر أصالةً.

انت تشاهد التخبط الحاصل فهم ينادون الناس بأخذ ما أباحهُ الشرع من منتجات الغرب وأمريكا والعالم الجديد وعدم الإفادة من البيئة او الثقافة التي أتت بهذه المنتجات،

لأنها ثقافة ( لا إيمانية )!

قلتُ: أعرف، إنها ( حملاتُ ) تغزُّلٍ بمآثر الأجداد واستدرار تعاطف الناس بأحاديث منمقة عن الماضي التليد والفروسية! او التأسف على ما يسمونه فقدانَ بساطةِ العيش ناسين الفقرَ والأمية والعزلة وهم يناغون الريف وأحاديث السمر والدِّلال!

وطن

مَوتي وموتُكَ واحدٌ فتعالا
نُحْيي بمِيتَتِنا الأُلى والآلا
هُمْ فوقَ أرضكَ مَيِّتون وليتَهمْ
كَثراكَ نبضاً او دُجايَ هِلالا!

قال صاحبي باشّاً: فكرتُ بهذا الموضوع من قبل وكنت أقول لنفسي: يبقى الحنين للأمس شاعرياً وجميلاً ومفهوماً اذا تجسَّد أغنيةً، وأما عن المثقف فكنتُ مؤمناً بأن المثقف لا يمكن أن يعيش إلا خارجاً على الريف خارجاً على المدينة! فهو مهموم بحلم عن إنسانية رائعة تحملُ معها وهي تتقدم الدافيءَ من الماضي والبديعَ من الحاضر... وعودةً الى كلامك أسأل وانا أشعر الآن بنوع من الشك فاذا كان الفقيه ميؤوساً منه الى هذا الحد فهل بالإمكان التعويل على سياسيينا!؟

او بتعبير آخر: انت طرحت مثالاً واحداً من مئات الأمثلة التي تبدو أسئلة ملحة ولكن اذا كان الداعية او رجل الدين عاجزاً الى هذا الحد فهل يمكن للسياسي أن يبرر عدم امتلاكه لثقافة متكاملة؟ وكيف يمكن للفنان عندنا او للمثقف عموماً أن يغامر فيَثِقَ بالسياسيين بمنحه لهم مقاليدَ بلده وتعويلهِ عليهم وهم لا تزال قوافلُ الجِمال تقطع كثبانَ أجسادهم وأرواحهم وعقولهم رغم ما يظهره بعضهم من أناقة ملبسٍ بائسة!؟

قلتُ له: شكراً، سأحاول أن أجيب، الشرط المهم جداً هو التجربة الروحية الفكرية الحياتية المتنوعة والمتواصلة، والساسة عندنا يفكرون أساساً بالمنصب والمال لذلك تنتهي تجاربهم لحظة حصولهم على المنصب والمال!

واذا اهتموا بما يدور حولهم من أحداث عالمية فيكتفون فقط بدور الشُّراح لهذه الأحداث أيْ خبراء فقط في التحليل!

لاحظْ، اذا استثنينا السياسات الداخلية للبلدان الأخرى فانت تعرفُ دون شك أن السياسة العالمية، أيْ علاقة البلدان مع بعضها وفقَ المنظور المُشاهَد هي حسابات واستراتيجيات وأرقام وحِيَلٌ وخطوط عودةٍ الخ... او لنقلْ المصالح أولاً ثم المباديء ولهذا فالتخطيط لا يتم إلاّ من خلال موازين علمية وفرضيات مسبقة هي في النهاية استشراف للغد القريب على الأقل، اليس كذلك؟

عزيزي، انا أستطيع مثلاً أن أعطي أسماء عشرات البلدان التي هي أقل شأناً من العراق جغرافياً واقتصادياً وحضارياً واستراتيجياً والتي تتمنى أمريكا احتلالها ولكنها لا تستطيع، لماذا لا تستطيع؟

نحن الذين نعطي أمريكا وغيرَها مبرراتِ احتلال بلدنا واذا كان ضرورياً أن ننادي بخروج المحتل فالأكثر ضرورة منه هو بحثُنا عميقاً في أسباب الإحتلال وكيفية إزالتها ومنع تكرارها وعدا هذا فاذا خرج الأمريكان اليوم لظرف سياسي دولي طاريء مثلاً فإنهم لا يلبثون أن يعودوا بعد فترة لأن مغريات الإحتلال لا تزال قائمة.

علَّق صاحبي بالقول: الوعي الحريص الواقعي العملي لا يستطيع إلاّ أن يتجاوب مع التوجه العالمي الجديد بكل تفاعلاته نافعِها وضارِّها فهي خلاصةُ ما وصل له الجهد البشري بأسئلتهِ، بضعفه وقوته وكفاحهِ الطويل عِبرَ آلاف السنين.
قلت: أكيد، السؤال المهم: هل يمكن أن تتوقف حيث انت؟ لا يمكن أن يفكر بإيقاف حركة الزمن إلاّ المغفلون، وكم فتحنا أبواب الزعامة عندنا لمغفلين من شتى الأصناف دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً!

فها هو المثقف الحقيقي، سَلْهُ ماذا يفعل اليوم؟ إنه يتسلّى برؤية مئات العبقريات المفاجئة وهي تُلقي به جانباً وتتسلم الراية ببشائر وفتوحات في اللغة والخيال الفذ الدافق والتي تنتظر فقط مَن يغترف!

علَّق صاحبي العربي وهو يربِّت على كتفي: أوافقك على تقييمك لهذا الخيال وتَميُّزهِ وفرادته! ولكن لو حكيتَ لي أكثر عن سبب وجودك ومنذ متى انت هنا وكيف هي حالتك الآن؟

أجبته بودٍّ واقتضاب عن سؤاله وأضفتُ قائلاً:

الأسباب هذه تكفي، وعليه عزيزي فانا لا أرتاب من فطنتك فانت كما أخبرتني تشتغل في حقل الترجمة الأدبية أيْ تنتمي الى الفئة الواعية، ولكن انت لم توضح لي أكثر لماذا انت هنا؟

قال بعد تأملٍ: انا هنا بسبب أزمة مالية عائلية ونوعاً ما إجتماعية تطورت ولكن مع ذلك فالزيف لاحقنا الى هنا فقد حاربني الكثير من البدو وما ذلك إلاّ لأنهم أحسوا بتمكني من لغة هذه البلاد وشغفي بالأدب فخافوا على عروشهم التي صنعتْها أوهامُهم مع أني كنت أتمنى الحوار الصحي والتواصل العميق بينما هم يعتبرون الثقافة سباقاً، سباقَ جِمالٍ!!
قلتُ له بنبرة حزنٍ: معذرةً، هناك جريمة فظيعة ضد الثقافة، ضد الذوق، ضد المنطق، ضد السياسة، ضد الإيمان الحق...
انا أحبُّ كثيراً، مِن بين كل البَشَر، أولئك المجرمين المحترفين الذين يصلون الى مستوى من الشجاعة والصدق والإعتراف بالذنب بحيث يجتمعون ثم يشرعون بالتقيُّؤ على أنفسهم، هكذا يتمُّ التطهُّر وليس طلب الصفح والغفران من قِوىً عُليا!
إبتسمَ ثم اعتذرَ بسبب مجيء موعد الفطور وتناول الأدوية.

بعدما صافحني ومضى تذكرتُ الأدوية: لماذا انا من دون هؤلاء لا أحتاج اليها؟

عاودني إحساسٌ بالضيق من نفسي ذلك أني ربما أستغل لطف الأطباء لأمكث فترة أطول، فأعود وأقول: لا، فها انا حائرٌ موزَّعٌ، تنتابني حالات من الخوف والغيبوبة رغم ما يصاحبهما من أطيافٍ فاتنة تنتهي بلا ملامح في أحيانٍ عديدة.

خطوتُ عدة أمتار نحو غرفة الإستراحة والزيارات وفي يدي فنجان القهوة الحارة، أشعلت سيجارة عند الباب ثم دخلتُ مُلقياً بالتحية على عدد من النزلاء وتناولتُ رشفة من القهوة وسحبت نفساً عميقاً من الدخان العذب فأصابت جسدي يقظة وروحي نشوة نادرة فاحتميتُ بالنافذة! قرأت لِما يشرئبُّ أمامي من أشجار السدر والسنديان:

عازف

صرتُ أدري بالذي سُمِّيَ في الفكرِ
( هنا والآنْ )
عازفٌ يستقطبُ الغاباتِ حَولي
وجماهيرُ أطَلَّتْ فَجأةً أَرْؤُسُها
من بين قُضبانِ الكمانْ!

غنَّيتُ هذه السطور عدة مرات، ذُهلتُ من قدرتي على نسيان العالم والتركيز على أثرٍ واحد كهذا الضياء الصباحي من حيث الجذل والسطوع: أتذكرُها، قالت لي بعد انفصال وجيز: عانقْني، أنتظرُ بلهفةٍ ذراعيك،

عواطفنا مَهما تسامت فلا يمكن أن تكون إلاّ قبساً من أنوارٍ تنحني لجسدينا.

قلتُ لها: نعم، خُذيني بكلِّ ما أحمل من بسالةِ شوق!

والآن تتراجع الشمس قليلاً قليلاً، مُتأبطةً ذراعَيْ غيمتين فتحلُّ محلها شُعلةٌ أخرى تدور كالدوامة في كفِّ الفضاء، تتفايض رعوداً حانية، يهطل عطاؤها، فيتلوّن جسدي وتتلون فروع الأشجار كالأمزجة.

قالت الربة بنبرة شيِّقة وهي تتراءى فوق سفح النهار كأيقونة واسعة من ألوان وأصداء: هذا انت فَرِحٌ، والضلوع تتفتح كالأغصان النضرة متى تحط عليها أعشاشٌ تُقبلُ من وراء البحار، أعشاشٌ يبنيها رفيف.

قلتُ مع لمسة اعتذار خمَّنتُ أنها تليق بالمقام: تعبيراتي قبل هنيهاتٍ كانت محبَطةً او قولي غاضبة!

قالت: لا عليك، فقد رأيتُ شراراً منها، رأيتهُ يفتش عن مدارٍ فدنوتُ منك، إصغِ لي،

إحرصْ على أن تكون دائماً كالبحر فهو تارةً يبدو هادئاً وتارة منفعلاً ولكنه في الحالتين يبقى واسعاً وعميقاً.
قلتُ: أيتها الربة الأثيلة، شكراً لك ولكن قد تدفع بعضُ التفاصيل المغثية بالمرء لأن يلتفت اليها وما هذا إلاّ لأنها تريد أن تتصدر وتطغى فيحاول ترميم بعض السدود على أملِ لجم هذا الطغيان، وزميلي العربي الذي كان معي قبل قليل نكأَ عندي جرحاً قديماً بعض الشيء فليتني أجد بعد أن قلبَّتَهُ، ما يوقف نزيفه أكثر وأكثر.
قالت بحماس: أولاً سأزيدك من الفرح حفنة أخرى وفهماً أجمل له وبعدها سترى نزيفك هذا صديقاً يرافقك ليحميك.
الفرحُ الحقيقي هو حبيبٌ اذا رأيته وسمعتُه رأيت وسمعتَ طفولتك لأنه موطيء حنينك للتجدد. حنينك لسبر كينونتنا بكل حواسك،
الفرح بالحبيب يعدِّدك، ينثر جُزيئاتك بخاراً نجمياً، يتركك نغماً تشربُ شهرتُه ريقَ الآفاق، وكالرَّطَب ينقر شفاه الأزمنة.
أَدُلُّك على قوس قزحٍ سيلتفُّ شرائط من قُبَلٍ وأقمارٍ حول خَصْر الليل

تشابكْ معه، إنفصلْ عنه،
قلْ انا أجراسٌ مُنصِتة
انا إنصاتٌ يُتلى
انا مطرٌ فهل مِن مسافر لا يسمع سنابك غيومي أينما حلَّ؟
بل قلْ انا صرخة جَمالٍ
يُضيءُ مسافاتها الغرابُ والخفاش ويتبناها الخنزير والبوم،
وانا كمانٌ تعشبُ به المداخل.

كلُّ وصيٍّ على الدين محتالٌ ساذج ولكنه يتذاكى لذا فلا بد أن تعرف أنهم أول مَن سيندحر.
قلتُ: نعم ولكن حادي العيس التكنولوجي! هذا يمتلك عدة أوجه كما تعلمين او لهذا السيف ثلاثة حدود،
فأما الحد الثاني فهو السياسي، فالسياسي او رجل الدولة، مفتوحةٌ أمامه كل السبل ولكنه يفضل السبل الملتوية لأنها في عرفه، وهو مسؤول من العالم الثالث، أسرعُ وأنجع!

وأما الحد الثالث فهو زعانف الثقافة الذين وصلوا الى مرحلة ما بعد الحداثة بينما وطنهم ما زال يتبع منظومة الكهوف!
وكم هو ملفتٌ سُلَّم تدرُّجهم وسط مناخ يسمح بالتغافل عن الفرق بين أن تكون مثقفاً مبدعاً بالفعل وبين رغبتك بذلك ولذا فاليوم جميعنا مثقفون، جميعنا مبدعون!

قالت الربة بابتسامتها الحنون: أفهمُ ما تعني، الأمر صحيح ولكنه ليس كل شيء،

دَعك من سياسييكم فهم كمتشدقي دينكم كلما سما المبدعون الحقيقيون درجةً كلما انحدروا هم درجات.

غير أن الإبداع حالة خاصة جداً وهو ينهض أول ما ينهض من الموهبة والجنون الأصيل وأما الرغبة بالتعبير، فانظرْ: كانت السُلُحفاة تنظر الى الطيور وهي تهدهد الفضاء بأجنحتها وتلعب في هوائه برشاقةٍ فتغبطها ولا أقول ( تحسدها ) فالحسد بضاعة بشرية باتت تجد لها رواجاً عالياً لدى أهل الشرق المُعدَم،

وبناءاً على ذلك اجتمعت السلاحف يوماً فقررت تعلم الطيران فقال كبيرهنَّ: علينا أوَّلاً تعلم السباحة كخطوة أُولى فلغة الفضاء ما زالت بعيدة المنال، وبالفعل بعد الصبر والمثابرة كان لها ما أرادت، تعلمت السباحة حتى صارت جزءاً من فطراتها فما أن تفقس بيوضُها على الساحل وتخرح السلاحف الصغيرة حتى توجهها راداراتُها صوب الماء، وهي تقدِّم الكثير من القرابين في طريقها ولكنه الإخلاص!

قلتُ للربة: أتريدين القول بأني سأستفيق ذات صبيحة فأرى أسراباً من السلاحف مُحلِّقةً فوقي؟!

قالت بلطف: أعني أن الطريق طويل ولا بد من قرابين في كل محطة!

 [1]


[1

(*) نصٌّ من كتاب يجمع بين القصِّ والنثر الأدبي والشعر يحمل عنوان: حديث مع ربة الشفاء.
(**) النص هنا كُتِبَ قبل شهرين وأُكمِلَ قبل أيام وقد رأيت نشره نظراً لحاجة سياق حلقات الكتاب له.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى