الجمعة ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

أوباما.... تداعيات

كلما رأيت (أوباما) تذكرت عنترة العبسي وكافور الأخشيدي. تذكرت قول الأول عن علاقته بقومه:
ينادونني في السلم يا ابن زبيبة
وعند اشتداد الهول يا ابن الأكارم

وتذكرت قول المتنبي في الثاني:

لا تشتر العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد

وسأتساءل: هل (أوباما) الآن، لأمريكا، مثل عنترة العبسي أيام اشتداد المعارك والبحث عن نصر ومحاولة الخروج من المأزق والهزيمة؟ وهل سيقول المتنبي ما قاله في كافور لو عاش المتنبي في زماننا ورأى ما فعله ابن العائلة (جورج بوش)، صاحب العيون الزرق والدم البارد الأزرق أيضا، هل سيقول ما قاله في كافور في (بوش) أم في (أوباما)؟ مات محمود درويش قبل أن يشهد انتخاب (أوباما) ويكون شاهدا على فترة حكمه، ولكنه كان شاهدا على عصر (بوش)، فهل اختلف ما قاله فيه عما قاله المتنبي في كافور؟ أما ما سيقوله المتنبي في (أوباما)، وما سيقوله درويش أيضا فيه، فلن نخمنه، لأننا سننتظر لنرى حكمه، فقد يكون أفضل من حكم (بوش)، وقد لا يكون. قد يكون كافورا جديدا و(بوش) جديدا، وقد لا يكون.

كلما رأيت (أوباما) عادت ذاكرتي بي عشرين عاما إلى الوراء. كنت أحضر للدكتوراة في جامعة (بامبرغ) في ألمانيا، وكانت ابنتاي روز وفائزة معي هناك، وغالبا ما كنت آخذهما إلى ملاعب الأطفال، لكي تفرغا ما لديهما من طاقة، وترفها عن نفسيهما. وفي ملاعب الأطفال كنت أرى أشباه (أوباما). كان في المدينة قاعدة أمريكية، وكان فيها جنود سود زنوج. كانوا متزوجين من أمريكيات وألمانيات بيض وشقر، وقد أنجبوا منهن أطفالا لا هم بيض بيض، ولا هم سود سود. كانوا أطفالا برونزيين، لونهم نحاسي، إن أحسنت الوصف. كانت النسوة البيض، هكذا عرفت، ربات بيوت، وكن يفضلن هذا على العمل، والضابط الأمريكي أو الجندي الأمريكي يوفر لهن الدولارات و... وفيما بعد سأشاهد، في منزل الطلبة في (بامبرغ)، في (أوبر مول بروكة) طالبة شقراء، أخبرتني أنها من (هامبورغ)، سأشاهدها مع جندي أمريكي تستقبله في غرفتها، ولا تمانع في إقامة علاقات معه، كما عرفت فثمة دولارات وثمة غريزة وحشية.. ثمة إشباع مادي، ولم تكن هناك ثمة مشكلة لديها. المشكلة أثارها الطلبة الذين طالبوا بنقلها من مسكن الطلبة لسلوك ذلك الجندي الذي كان يأتي، وحين لا تسمح له بالدخول، يأخذ بالصراخ.

فيما بعد، بعد سنوات طويلة، بعد عودتي سأشاهد فيلما سينمائيا عرضه التلفاز الإسرائيلي أو الفضائية الألمانية، لم أعد أذكر، يعرض لعلاقة حب من طرف واحد، من امرأة ألمانية، لضابط أسود أمريكي يقيم في مدينة (مانهايم). حين كنت في ألمانيا زرت المدينة وتمشيت ليلا بالقرب من معسكرات الجيش الأمريكي فيها. الضابط متزوج من امرأة سوداء، ويحب زوجته وأسرته، ولا يقيم علاقات جنسية خارج إطار الأسرة، والمرأة الألمانية تريده فهي تشتهيه، وهو يتجاهلها. تنضم المرأة إلى منظمة ألمانية معادية للوجود الأمريكي، وتطارد الضابط وتأسره، وتغتصبه، وتفصح له، وهي فوقه، عن حبها، وأنها إنما لجأت إلى ما لجأت إليه، لكي تحصل عليه. ستدمر الألمانية عائلة الضابط، وستدفع ثمنا لذلك. هل كان الضابط في الفيلم يشبه (كولن باول)؟ أظن ذلك.

(كولن باول) أولا، و(كوندليزا رايس) ثانيا. و(باراك أوباما) ثالثا، وأولا. ثالثا لأنه جاء بعدهما، وأولا لأنه سبقهما، وغدا أول أسود رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. هل صحيح أن هذه الدولة رفعت في الستينات شعارا: هو "ممنوع دخول الكلاب والسود" أمام واجهات بعض المطاعم؟ الآن سيدخل (أوباما) البيت الأبيض، وربما تذكرنا (جورج بوش) وكلبه وقصيدة محمود درويش في الأمبراطور الجديد الذي يستريح يوم الأحد، وفيه يداعب الكلاب. هل كان دخول (أوباما) البيت الأبيض أمرا مفاجئا؟

سأعود بذاكرتي إلى خمسة وثلاثين عاما خلت. في العام 1972 سيرشح معلمي بشير خنفر، وهو من إحدى قرى نابلس، نفسه لرئاسة البلدية، فهو خريج جامعي ومعلم في أفضل مدارس المدينة، وسيقف إلى جانبه الشاعر عبد اللطيف عقل وسيطلب الأخير منا أن نحث أهلنا على التصويت للأستاذ بشير. طبعا لم ينجح المعلم في الانتخابات، ولم ينجح أيضا، في تلك الفترة المحامي اللاجيء الذي يقطن في المدينة، فثمة تقاليد للمدينة. هل كنا يومها بعيدين عما كان في أمريكا. الآن أسأل: ماذا لو رشح مواطن عربي من أصول فقيرة ومختلطة نفسه لرئاسة بلدية. هل سيفوز، كما فاز (أوباما) برئاسة الولايات المتحدة؟ من يدري؟ أنا لا أظن أنه سيفوز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى