السبت ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨

أحلام على الحافة

بقلم: حمزة البوزيدي

كلما أردت الكلام أحجمت عن ذلك، موقنا أني لن أستطيع قول مثلما قال الذين سبقوني وأن ما أمر به من حالة السخط على الذات والواقع والمحيط ستعمر طويلا طويلا كما ليالي البرد القارس، غير أنني أجد نفسي مجبرا على الحديث والكتابة دونما سبب قائم سوى أنني ما زلت كالتائه في الالعاب الالكترونية لم أجد بعد طريقي الذي أظنه لا يوجد في أي من خرائط العالم ....

وكأي شاب ضاع منه الرشد وآل الى الجنون المركب الذي لا برئ منه، حاولت أن أتأكد أنني سأصبح في المستقبل شخصا عظيما قبل أن أفطن أنه لا توجد إمرأة عظيمة ورائي كما يقول المثل، إذ لم أحظى خلال سنواتي الاخيرة سوى بصبايا حسان ماكرات و أقرب إلى تدمير الشخص منه الى إعانته ليصل إلى سفح الجبل كي يقرر الصعود أو نصب خيامه البئيسة هناك إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

طوال حياتي لم أعرف أن اتخاذ قرار باحالة ذاتك الى الزاوية المهمشة من الزمن والوطن سهل الى هذه الدرجة وصعب الى حد الاستحالة....ولما قررت أن أفعل ذلك سرعان اصطدمت بأنني فعلا أعيش في الزاوية المهمشة التي تلتهم كل وطني الا ما جادت به تفضلاتهم ... أولائك الذين أفسدوا البلاد والعباد ولم يدعوا منكرا الا و كانوا السباقين إلى إحترافه.

وإكتشفت فجأة أنني بحاجة لحوت يلتقمني بهذه الضفة ولا يلقيني إلا في الضفاف الاخرى فربما يكون بها زوايا أخرى غير الزاوية المهمشة، فنحن مهما عشنا لن نستطيع أن تجاوزها، منها كنا ولها سنعود وربما سندفن بها ، وأنعم بها من زاوية خلقت لتضم كل من "طار ليه الفريخ" كما يقولو ن.....

قبل عامين عندما أعطيته دفتري ليكتب لي شيئا بمناسبة دخولي للمعهد، كتب "رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة فقرر اليوم تكن غدا"، واليوم بعد 3 سنوات عدت لأراه فقلت له: يا شيخ ،قد أصابني الشتات ولا أعرف ماذا أريد، فصفعني حتى ارتددت خطوات وقال: قرر ما تريد أن تكون لترسم الطريق، نظرت في عينه برهة فوجدت فيهما عزما لا يلين وعزيمة لا أعرف من أين حصلها، أهو نور الصحبة الذي لم أستطع بلوغه، ربما ؟

وعندما قررت أن أكون، بحثت كثيرا فلم أجد سوى الشتات مصيرا وكثرة التاأمل عنوانا، غرقت في كوابيسي من جديد وأصغيت لها، وأصغيت لك أنت، ثم عدت لأرضي كي أجني العواصف الخريفية بزاكورة من غير أمل بالعودة إليها، أو إشتمام ربيعها الذي غاب عني وغبت عنه منذ اختار القدر رحيلي واختار الربيع طردي واختارة زاكورة نفيي بعيدا عنها ككل أبنائها العاقين الذين سخرتهم لخدمة أراض أخرى، ربما كرما منها وربما سخطا على أبنائها وربما إشفاقا عليهم من ريح السموم الذي تنتهي إليها بعد جلوتها في كل بقاع الارض البئيسة.
ولم أعرف يومها هل أرتبط حلمي الذي أريده الان بأحلامي التي حلمت بها وأنا نشء أم أن ألامر منفصل حد التنافر،ولأن أحلامي اتربطت دوما بالالوان بعد المغادرة وارتبطت بضياء الشمس قبل المغادرة.

قد كان الكل واضحا، حتى بداخل بيتنا كان ضوؤها الساطع يجلي كل شيء بينا، فلم تتدع لتلونات القدر فرصة لتظهر، ولما رحلت، وتركت الشمس هناك ساطعة وجدتها هنا مختفية خلف الضباب، أهو اعتراف بأنه لا وجود للحقيقة هنا أم أنها ستكون مختفية إلى حين التأكد من ضياعك....نعم اختلفت أحلام المنشأ وأحلام المهجر فالاخيرة ظاهرة جلية في ضبابيتها و نسبية في حقيقتها المطلقة واشياء من كل العوالم المحيطة والاولى لم تكن تزد عن الرجوع الى الوضوح والضياء ومحاولة تمضية ما تبقى من عمر فيهما ....

القلب يحلم كما يحلم العقل، وغالبا ما أختلفت أحلامهما وناذرا ما التقت مجاريهم... لذلك أمنت بأنني يجب أن أحقق أحلام العقل وكذا القلب رغم أنهما قد يتعارضان، زيادة على أن القلب لا يرضى أن يكون له حلم واحد بل وصلت ساديته إلا أنه يريد كل شيء له وحده، وأوصلته غيرته إلى تمنيه أن يجعلها مسجونته لو أستطاع...ولكن الحمد لله أنه لا يستطيع فلو كانت أفعالنا على قدر أحقادنا لما تركنا عليها من دابة ولا انس ولا جن.

وبين حلم القلب وحلم العقل نبتت كل تلك الفطريات التي عششت طويلا ومازالت تعشش في ذاتي، بينهما كان اللون متغيرا والحلم مستحيلا والتأمل هو الطريق الاصعب والاقصر للفشل أو النجاح، ولما اخترته لم أدري أي الطريقين سلكت، وبأي القدرين أمنت....

ومهما علت الاصوات لم يعلو صوت عن صوت الهجرة الى الغرب، هناك حيث حط الحلم الرحال بجانب حلم أحدهم الذي تحقق وارتبطت به الذات وربما ارتبط به المعاد، فكيف السبيل؟... قد كان تساؤلي فيما مضى عن كل هذا الخلق الذي يريد الرحيل إلى هناك، لم وما الذي رأى بناظريه، ما الذي استنزف أحاسيسه المرهقة وخطف زهرة شبابه الى هناك؟

الان أنا أرى نورا هناك وظلاما حلوا وأرضا غير تلك التي رأيتها ذات زمان، أناظري من أصابهما الرمد، أم أن الرمد زال عنهما، أم أنهما لم تكونا مفتحتين بالبت والمطلق؟ تساؤلات تبقى في الزمن الهلامي الذي لا يمر... إنما اختار أن يتوقف ليرى الناس يسعرون في نار الهيام والحلم والأماني، أسئلة قد يصيبها القدر بطلقاته يوما لتسقط وبجانبها الاجوبة، هذا ان لم تكن الاجوبة نفسها تحمل أسئلة أخرى لهذه الذات التي لن ترتوي يوما من نبع الحياة كما يظن الاخرون أنهم يفعلون!!!

وأصعب ما يمكن أن يحدث للمرء هو العيش وسط الوهم والاوهام وأصعب الاوهام أن تتوهم أنك تعيش، كما ينبغي وكما يفعل أي إنسان على وجه الارض، وأقسى الحقائق أن تستفيق يوما لتتأكد انك لم تكن تعيش وإنما كنت وهما من الاوهام التي يعيش الاخرون عليها، ماذا تراك ستفعل؟

بقلم: حمزة البوزيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى