الأربعاء ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
قصة قصيرة
بقلم بسام الطعان

جسد بالفلفل

سحرتني بلونها البرونزي ورائحتها الشهية، وأسعدتني بكل ما فيها من طيبات، ولأن كل اغراءاتها لا تقاوم، انقدت اليها بكل جوارحي، وبعدها لم أر أمامي غيرها.

بعدما أصبت بالملل طويلاً، وقطعت في الحافلة حوالي ألف كيلو متر، وصلت في المساء إلى العاصمة، وحين وصلت إلى شـقة صديقي، كان الإرهاق مسيطرا عليّ، وكان الجوع يعلن عن نفسه باقتدار.

فتح الباب فتفاجأ بطلتي البهية، عانقني ورحب بي ترحيباً حاراً، ثم دعاني للدخول فالبيت بيتي كما قال، غير أنه ودعني لأن هاتفاً جاءه قبل وصولي ويطلب منه العودة إلى العمل لأمر هام.

ألقيت بجسدي المعفر بالغبار والعرق على أول كرسي صادفته في الصالة، أغمضت عينيّ قليلا لأسترد شيئا من الراحة، لكن الجوع لم يتركني وشأني، درت بنظراتي في الصالة وما أن وقعت نظرتي عليها وهي عارية تماماً حتى سال لعابي، وانتفضت كل حواسي دفعة واحدة، كانت ممدة على ظهرها باسترخاء وسكون، مزينة بالأحمر والأخضر، تفتح ساقيها، ترفعهما إلى الأعلى وتناديني بصمت.

لم أستطع المكوث في مكاني، فالطموح إلى غيرها في مثل حالتي لعب
ومضيعة للوقت، بلا تفكير اقتربت منها بفرح طفولي ، فنفسي صارت تتمناها، وها هي شهيتي قد انفتحت على آخرها، دون أن أغيّر ملابسي وأغسل يديّ، وقفت بالقرب منها، فرأيت فيها أشياء حلوة ولذيذة، شـعرت برعشة تسري في عروقي، فداعبت منحدر العنق إلى الجيد وأنا أبشر نفسي بقرب انتهاء الجوع، بقيت أمرر أصابعي فوق غصون الجسد، من ساعديها إلى فخذيها مروراَ ببطنها المنتفخة وهي لا تبالي بي وبحركاتي، قربت رأسي من كامل الجسد، ففاحت منها رائحة أخاذة ومميزة: "يا سلام.. لا ينقصها إلا كأس عصير بارد".

ما أجمل الإنسان حين يكون كريما، ويا له من صديق، كريم ابن كريم، يبدو أنه يعرف أن حبي لهذه الأنواع لا يماثله حب، لذلك لم يخبئها عني، وانما تركها لي وحدي، ربما أنه يريد أن أتسلى بها ريثما يأتي.

روحي ظلت معلقة بها وحدها دون خلق الله، وأنا أنظر اليها، أتلاعب بها، أكتب شوقي لها كل حين، وأشتهيها بعنف شديد، ترى ماذا سيقول عني صديقي لو جاء الآن ورآني جالسا أمامها وأتغزل بها؟ ؟ فهي تخصه وحده، هو الذي أحضرها وجهزها وزينها ومن المعيب أن أستجيب لنزواتي التي ما عادت تعرف الخجل.

لنصف ساعة أو أكثر وأنا أغرس فيها نظراتي الجائعة وأتساءل: "هل تعرت وتزينت وتطيبت من أجلي أم من أجل صــديقي الذي تركني مع حيرتي؟"

إنها تناديني بصدرها العالي، بالطيب السائل على كامل جسدها، فلماذا لا أستجيب لها وليقل صديقي ما يشاء، أنا واثق لو أنه رآها بهذه الصورة البهية لما تركها، وأخيراً صممت أن أنال منها وليكن ما يكون، مـددت يدي نحوها، لكن شجاعتي هربت فجأة وأعادت يدي إلى مكانها قبل أن ألمسها، ماذا أفعل يا الهي؟ هل أخون صديقي؟ أم أنتظره ريثما يأتي وأطلبها منه؟ لكن صديقي تأخر كثيراً وأنا لا أستطيع تحمل إغراءاتها، خاصة أنها عارية وجاهزة ولا تمانع في شيء، عادت شجاعتي إليّ دون توقع، فشمرت عن ساعدي ّ، جلست فوقها: " من أين ابدأ يا جميلة الجميلات؟ فأنا مخضب بالشوق ولا يهمني أنفلونزا الطيور، وتطايرت حمماً بين يديً دون حـس أو صوت، بدأت بلثم صدرها أولاً، ودون أن أنتبه مزقته، ثم عضضت فخذها الأيمن وأكلته، ثم الأيسر، ثم زنديها، ولأنها لذيذة جداً أكلت بطنها بنهم شديد ودون خبز أو شراب.

طعم الفلفل الأحمر والبصل الأخضر كان لا يزال داخل فمـي حين جاء صديقي والجوع باد على وجهه، فور وصـوله غسل يديه واقتـرب منها بكل شهيته المفتوحة، رفع الغطاء الذي وضعته عليها، فاتسعت عيناه من الدهشة والغرابة، حيث شاهدها ممزقة إلى قطع صغيرة، حتى أنه لم يسـتطع أن يميز بين اللحم والعظم، وعندما بقيت محايداً التفت إليّ وقال بصوت فيه شيء من الحزن الخالي من البخل:
 ماذا فعلت بها؟
فلم أقل إنها أغرتني بسحرها وجمالها ولذتها، وإنما اكتفيت برفع حاجبيّ ويديّ إلى الأعلى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى