الأحد ١٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨

الدم الفلسطيني

بقلم: فتحي العابد

إن مايجري في أرض الإسراء والمعراج أوقف تفكيري، وحرك في معاني الحياة والموت.. مايجري في أرض الإسراء أذهل الكون.. ما يجري في أرض الإسراء قصة تحكى للناس عبر الأزمان.. فلسطين يذرف من أجلها الدمع.. يشل من أجلها الوجود.. ما يجري في أرض الإسراء يتكرر كل يوم، بل كل ثانية.. هي قصة تكتب بالدماء وليس بحبر القلم.. أطفالها الذين يحملون النصر، يدفعون بأنفسهم فداء للوطن، يخرجون كل صباح إلى مدارسهم كالفرسان في ظل الحرب والدمار، يحلم الواحد منهم أن يكون قائدا ليحرر الأمة، والأخر يحلم أن يكون طبيبا ليداوي المرضى، ولكن حين ينطلق رصاص الغدر، يقتل كل شيء، أحلامهم، براءتهم، وطفولتهم.. ويسيل الدم الطاهر على كتبهم وأقلامهم..!

نعم كثرة هدر تلك الدماء وسيلانها هناك.. ذكرتني بالنظرية التي كانت تدرس لنا في المعاهد الثانوية، أنّ هناك مادة إسمها بيولوجيا، وكيف أن هذه المادة تشرح طبيعة الجسم البشري وآلية حركته، ومن ضمنها شرح مفصل عن طبيعة الدم ومكوناته، والنتيجة العلمية المؤكدة أن الدم البشري له نفس المكونات بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين، ما يأكد أن الدم الفلسطيني لا يختلف عن غيره من الدماء فهو مكون من الكريات الحمراء والكريات البيضاء والصفائح المعدنية ولونه أحمر قاني كباقي الدماء. ومع التقدم التكنولوجي والثورات العلمية الهائلة التي نسمع ونقرأ عنها الكثير، وهذا الكم الهائل من الشرائع والسنن الجديدة وآلاف الكتب عن حقوق الإنسان بل حقوق الحيوان أيضاً، وآلاف النظريات الإجتماعية عن الحق والعدالة وكيفية تحقيقهما.

مع كل ما سبق ووجود آلاف العلماء البيولوجيين أجد أن النظرية التي كنا ندرسها في الثانوي مغلوطة وغير صحيحة، وأن هنالك شبه إجماع عالمي على أن الدم الفلسطيني يختلف عن الدم الإسرائيلي من حيث المكونات والطبيعة واللون، ولنظريتهم تلك أقروا مئات التشريعات والعقوبات والتسميات، لمن لا يلتزم بتلك القاعدة (العلمية الثابتة)، الغير قابلة للتأويل والمناقشة، والأمثلة كثيرة جداً لا تعد ولا تحصى.
و حسب نظريتهم العلمية الحديثة فأن الدم الفلسطيني هو خالي المكونات، ومعدوم اللون، ومكوَن فقط من الأوكسجين والهيدروجين أي أن له نفس مكونات الماء، ونتيجة لذلك فإن هدر الدم الفلسطيني لايخضع للقوانين والدساتير السابقة، ولذلك لايعتبر جريمة بحق الإنسانية والشرائع السماوية، ولامانع بأن يكون سفك دم هذا الشعب الفلسطيني العظيم تحت أنظارهم، حتى لايكون هنالك أي انتهاك لحقوق الإنسان، أو اختلال لموازين العدل الخاصة بهم.

والمعلومة الأخرى التي تم تدريسها لنا، بأن الدم الفلسطيني هو جزء من الدم العربي والإسلامي كما يقول التاريخ. ولا يجوز هدره حسب عقيدتنا الإسلامية، وحسب أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وهذا الإستنتاج العربي والإسلامي يدعو إلى البهجة والسرور، ويتماشى مع العقل والمنطق، والذوق القديم وليس الحديث طبعاً، ولكن هذا الإستنتاج النظري ليس بصحيح في الوقت الراهن، والدلائل والبراهين على ذلك كثيرة.

فدم الشعب الفلسطيني العربي المسلم يسفك وبغزارة يوميا، ومنذ ستون عاماً بلا رحمة أو شفقة، وصرخات الألم والظلم ترتفع من شفاه آلاف الأطفال، والنساء، والشيوخ، مستجيرةٌ وين الملايين.. وين الشعب العربي.. وين.. بلا مجيب. والمحزن المحبط أن فينا من يدعو إلى القبول بالنظريات العلمية العالمية الحديثة، بأن الدم الإسرائيلي يختلف عن الدم الفلسطيني من حيث المكونات، لذلك لا يجوز هدره حسب القوانين والدساتير الجديدة، التي وضعتها هيئة الأمم ومجلس الأمن، وأنه يجب على الشعوب العربية والإسلامية تطبيق هذا المنطق العلمي..؟!!
ونظراً لأنه..لا يكاد أحد القادة العرب أن يعتلي أحد المنابر حتى يدوي التصفيق في كل أرجاء المكان.. مكافئةً لإخلاصهم وتزوجهم بالقضية، والنطق بالحقائق.. فأنا أطرح مجموعة من الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن كل مواطن عربي: أيهما أفضل للإنسان العربي الوطني، ومن ورائه الفلسطيني العربي المسلم أن يكون رجلاً لدولة إسلامية، في أضعف الإيمان تقول لا لأمريكا و"إسرائيل"، وتعد لهما ما استطاعت من قوة وعتاد وعدة..أم أن يكون رجلاً لأعداء الأمة؟..

أيهما أفضل الذي يجري كالفرخ الصغير وراء أمه كوندليزا رايس، أم الذيين تم إقفال الأرض عليهم وحصارهم من كل جهة؟؟ ثم أيهما أفضل للفلسطيني أن يكون إبناً للمخيم وجيل التحرير... أم المتآمر على خيار الفلسطينيين مهندس أوسلو، رجل أمريكا ولقيط الإحتلال... والتملق للأعداء والوقوف والإجتماع مع المحتلين والمستوطنين.. في هيئة رئيس متسول مع وكيل إسمنت بناء الجدار، وعلى شكل قادة "بلاي ستاشين" تحركهم أصابع ليفني..؟

أيهما أفضل أن يعترف الإنسان بخطأ ارتكبه أو مجموعة أخطاء اقترفها، وأن يقف وقفة رجل شجاع ويواجه نفسه في المرآة قبل أن يواجه شعبه على الشارع. خاصة إذا كان مسئولاً عن أمة ووطن وقضية. وكلنا يذكر كيف وقف الفاروق خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يستمع بصمت للإعرابي الذي قال له " والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بحدّ سيوفنا ". نحن بحاجة لشعب من طينة وعجينة الأعرابي، لا من طينة وعجينة أمن الرئاسة. هؤلاء الذين فسدوا وأفسدوا الحرث والنسل في فلسطين. للأسف نحن في زمن لايوجد فيه قادة أو رجال يبحثون عن رضا الله والأمة، بل هناك قادة وشبه رجالات حكم يبحثون عن رضا البيت الأبيض والكنيست الصهيوني في القدس المحتلة. وهذه الفئة من الناس لايمكنها أن تعيد بهاء القدس ولاإشعاع النور في فلسطين، ولايمكنها أن تدافع عن الذي حافظ على كرامة وسمعة الفدائي الفلسطيني؟ فدائي الثورة المستمرة والمقاومة الملتهبة، فدائي البندقية وغصن الزيتون.. الكلمة والطلقة.. الصرخة والقنبلة.. الموقف والصلابة.. الثبات والتكتيك الذي لم ولا يؤدي للتفريط ثم الإستسلام كما حصل في سلام شجعان أوسلو وأخواتها.

هذا ماتسائلنا فيه قبل أيام من بداية هذا العيد.. وقبل حلول العيد القادم سنسأل من جديد: أيهما أفضل أن يكون الإنسان مع الفدائي ضد الخائن، ومع المقاوم ضد المساوم، ومع المجاهد ضد المهادن، ومع المقاتل ضد المقاول، ومع المفاوض المتمسك بالثوابت أم مع المفاوض المفرط بالثوابت.. مع المتأوسلين أم مع المقاومين، ومع الصهاينة أم مع كل من يقول فلسطين لأهلها..؟؟؟

بقلم: فتحي العابد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى