الجمعة ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم عبدالوهاب محمد الجبوري

إذا أراد العرب التكفير عن ذنبهم

ماذا أقول بعد أن أدمت أحداث غزة قلوبنا، دما على دم وغصة على غصة، والعرب ساكتون، سادرون في غيهم وتخاذلهم ولا من غيرة أو نخوة أو شهامة أو كرامة.. فلا غرابة في هذا، فهم الذين باعوا فلسطين عام 1948 وفرطوا بالكثير من حقوقها خلال مراحل تاريخية لاحقة، مثلما باعوا العراق وتخلوا عنه، بل وساهموا في ذبحه واحتلاله ولم ينصروه ظالما أو مظلوما، كما أمر بذلك رسول الإنسانية والمحبة محمد صلى الله عليه وسلم..

فهؤلاء العرب، مروجو الشعارات البراقة ومسوقو المؤتمرات المخجلة والمواقف المخزية وتجار السحت الحرام والفتات اليابس بحجة التبرع، لن نتأمل منهم في المدى المنظور أي خير أو نتوقع منهم موقفا يشفي الغليل، في وقت أهلنا في غزة والعراق هم بأمس الحاجة إلى فعل عربي جاد وتحرك عسكري وسياسي واقتصادي يجبر المعتدين على التراجع والتوقف عن مواصلة عدوانهم، فأين هي أسلحة العرب التي كلفت ألاف المليارات من الدولارات وأين هو نفطهم، فهل منحهم الله هذه الثروة لهم وحدهم فقط وأين منهم من قوله سبحانه وتعالى (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) مثلما يمكن استخدام هذا النفط كسلاح لإجبار العدو على الرضوخ للحق العربي؟ هذا عدا عن تبذير هذه الثروة بالسحت الحرام والذي سيحاسبهم الله عليه وستحاسبهم الأجيال الحالية والقادمة..

ما الذي يمنع هؤلاء العرب من استخدام كل الوسائل أو بعضها لصالح قضايانا المصيرية ولو فعلوا ذلك لما تجرأت أمريكا واحتلت العراق ولما تجرأت إسرائيل على إيذاء شعبنا في غزة وعموم فلسطين، هذه الحقائق نعرفها جيدا ونعرف أنهم من كان السبب في حصول مأساة العراق وفلسطين، فكيف نطلب الغيرة ممن عدمها؟

ونعرف أيضا أنهم عاجزون عن فعل أي شيء يغضب أسيادهم بحجة أن الوقت هو(وقت تفعيل العمل السياسي) وان (الموقف الدولي لا يساعد على قيام العرب بفعل ايجابي كبير)..

لهؤلاء نقول.. لا احد ينكر أهمية تفعيل العمل السياسي إذا حقق أهدافه وغاياته واجبر إسرائيل على التوقف عن عدوانها واجبر أمريكا على التخلي عن احتلالها للعراق؟ نقول كل هذا مطلوب وربما تحتمه المرحلة ولكن إذا لم يؤد هذا إلى تحقيق الغاية والهدف، بل ويوفر الأجواء والفرص للعدو للتمادي في غيه وعدوانه، عندها يصبح مثل العمل تراجعا وانتكاسة وتواطؤا، مخطط له من قبل أمريكا وإسرائيل، ولا خيار للعرب سوى القبول بهذا الوضع رغبوا أم لم يرغبوا.. وهذا بنظرنا هو ما حاصل حاليا..

فلو فعّل العرب جزءا من قدراتهم السياسية الحقيقية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية عن رضا وقناعة ورغبة ذاتية وحرص على مصلحة الأمة، لما حصل ما حصل في غزة وفلسطين (كل فلسطين) والعراق والسودان ولبنان وغيرها من الأماكن التي وجد العدوان له قاعدة ومجالا حيويا للتحرك والعمل في ظل موقف دولي صامت ومشارك في المؤامرة وموقف عربي متخاذل وضعيف وأجندات إقليمية تلعب بالقضيتين الفلسطينية والعراقية حسب أهوائها ومصالحها الذاتية الضيقة وليس حسب مصالح العراقيين أو الفلسطينيين..

وهذا الأمر معروف أيضا، ومع ذلك تصر بعض الأطراف الفلسطينية والعراقية على التعامل مع هذه الأجندات وكأنها المنقذ.. أقول.. لا ورب الكعبة ما هي إلا جزء من مؤامرة دولية على عروبة فلسطين والعراق وهي جزء من استحقاقات سياسية منحتها الولايات المتحدة وإسرائيل لتلك الأطراف نتيجة دورها المخزي في احتلال العراق وفلسطين..

إسرائيل وأمريكا طرفان محتلان فلا نستغرب عدوانهما المتواصل على شعبنا، هذا واضح ومعروف أيضا.. لكن العرب وأموالهم وسلاحهم ونخوتهم وغيرتهم في أجازة إجبارية..هذا ما يمكن استخلاصه مما يحصل من ماسي ومعاناة أهلنا في غزة والعراق..

ترى ماذا سيقول هؤلاء العرب لله والتاريخ والأجيال الحالية والقادمة؟
يوما ما ستطلع الشمس وتتكشف الحقائق ويتعرى المتسترون بظلال أسيادهم وعندها لن ينفع الندم، وعندها سيصدر حكم الله والتاريخ والعدل بحق كل من فرّط بحقوق وطنه وشعبه وأمته..

دعاؤنا لأهلنا في غزة أن يعينهم الله على بلواهم ويرحم شهداءهم وشهداء العرب والمسلمين في كل مكان، وان يعينهم على تجاوز هذه المحنة وينصرهم على أعدائهم بإذن الله، ومن هنا فإننا نؤكد ما قلناه مرارا وتكرارا لإخوتنا في فلسطين أن خلافاتكم هي من أسباب تردي الوضع وحصول ما يحصل وانتم تتحملون جانبا من المسؤولية بسبب هذه الخلافات، لذلك نؤكد أيضا أنه قد الأوان للتخلي عن خلافاتكم وتمسك كل منكم بموقفه على انه الموقف الأصح ونحن لا نريد أن نخوض في هذا الأمر لان المرحلة حرجة وخطيرة ولا الوقت هو وقت معاتبات أو مناقشات عقيمة، فالمرحلة تتطلب توحيد الرؤى والمواقف ولو بالقدر الذي يعين على تجاوز هذه المحنة وان هذه المأساة تتطلب عملا فوريا حكيما مؤثرا وفاعلا وهو تغليب المصلحة الفلسطينية العليا على ما كل ما عداها من مواقف ومصالح ذاتية، كي نجبر إسرائيل على وقف عدوانها وفك الحصار عن غزة ومن ثم مواصلة الدرب وفق أسس ورؤى توافقية إستراتيجية تأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب الفلسطيني قبل أي شيء آخر..

هذا هو الحل المطلوب حاليا برأينا خلال هذه المرحلة، ولنتذكر دائما أن الفلسطينيين هم في طليعة من يقدر على إنقاذ بلدهم من محنته وإخراج غزة من محنتها ويتحقق هذا مثلما ذكرنا بالموقف الفلسطيني الموحد ومواصلة الصمود وفق رؤى إستراتيجية موحدة ولو على الحد المقبول من المطالب الفلسطينية والوقوف بوجه إسرائيل وقفة رجل واحد وليس الاعتماد على أجندات خارجية ووعود دولية وهمية وموقف عربي بات في حكم الغائب والمسترخي وعندها سنجد أن الله سيكون معنا وسيأخذ بأيدينا ولن يتخلى عنا مثلما تخلى عنا الأعراب والمسلمون والعالم..

والأمر الآخر نقوله لأخوتنا العرب إذا أردتم التكفير عن تقصيركم فيما حصل ويحصل فان المجال ما زال مفتوحا لتفعيل العمل العسكري العربي ولا اقصد شن الحرب على إسرائيل لأننا ندري أنكم غير قادرين على هذا بل نقصد فتح المجال للعمل الفدائي عبر الحدود والقيام بمناورات عسكرية عربية واسعة لتمرير رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن الغضب العربي بلغ ثروته، بالإضافة إلى التلويح بوقف تصدير النفط لأمريكا وأوربا كي يشعر هؤلاء أن العرب بدؤوا يتحركون ومقاطعة البضائع والسلع الأمريكية والأوربية وسحب السفراء العرب من واشنطن والعواصم الأوربية وطرد السفراء الإسرائيليين من الأقطار العربية التي لديها سفارة إسرائيلية، وتسيير المظاهرات في كل مكان تعبيرا واحتجاجا على المجازر الإسرائيلية في غزة والقيام بحملات تبرع واسعة لأهلنا في غزة وتوجيه سفن وطائرات الدعم والتبرع إلى موانئ ومطار غزة مباشرة وسحب الأموال العربية من البنوك الأمريكية والأوربية وغيرها من الإجراءات العملية والجادة والفاعلة والتي من شانها إذا ما طبقت ستجبر إسرائيل بالتأكيد على التراجع والرضوخ للمطالب الفلسطينية.. فهل يا ترى انتم قادرون على هذا؟

اللهم بلغت فاشهد..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى