الجمعة ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم حميد طولست

المرأة المغربية والسياسة

رغم أن قضية المرأة لم تعد موضع نقاش ملح كما كانت في السابق، كموضوع معقد ومتعدد الأبعاد ويعتبر من الإشاكلات الحسّاسة التي لا يحبّذ الكثير من الذكور الغوص فيها، لما لها من خصوصية قد تعجّل بتفاقم الوضع أوانتشاره إن تمّ تناولها والكشف عنها، أولأنها من المحرمات الاجتماعية ذات الخطوط الحمراء.إلا أن قضية "مشاركة المرأة في العمل السياسي" أصبحت تحتل حيزا من النقاش والجدال لأسباب إعاقة مشاركة المرأة في المجال السياسي الذي تتهم فيه التيارات الإسلامية،رغم أن الملاحظ أن تمثيلية المرأة في الأحزاب غير الإسلامية يكاد يكون هشا؛ فقضية مشاركة المرأة في العمل السياسي هي مسئولية أكبر من أن تنسب لحزب بعينه، أوجماعة بعينها أوتيار بعينه. أومجرد إقحام المرأة في السياسة لأجل أنوثتها ليكون هناك تمثيل نسوي كما أن هناك تمثيلا ذكوريا. فتمثيلية المرأة يجب أن تكون على أساس كونها إنسانا له أهميته في المجتمع الإنساني، وكونها عضوًا فاعلا في المجتمع البشري، حتى يكون مدخلا صحيحا إلى مشاركة المرأة في العمل السياسي يشكل رهانا أساسيا للنقاش في المرحلة الراهنة، التي لايزال الرجل العربي عامة والمغربي خاصة، يطرح تساؤلات عديدة عن قدرات المرأة وطموحاتها. تساؤلات نابعة كلها من رفضه الذفين لفكرة تفوق المرأة عليه في أي مجال وخاصة الميدان السياسي.. مستنداً في ذلك إلى معتقدات وعادات وتقاليد بالية لازالت موجودة تمنحه حقوقاً كاملة في التفرد بالعمل السياسي والطموح والنجاح فيه، وتسلب من المرأة في المقابل حقوقاً مشابهة، ما يؤدي إلى حدوث صراع خفي غير معلن، يحاول فيه بعض الرجال أن يقفوا حائلاً أمام طموحات المرأة، التي ينظرون إليها على أنها كائن ضعيف متطاول على حقوق غيره‬..

ورغم أنه في الإطار الإنساني، كما في الإطار التشريحي الطبي، ليس هناك من فارق بين دماغ الذكر ودماغ الأنثى، وبالتالي لا فرق بين عقل الرجل وعقل المرأة. فالفروق الفردية توجد في الحالات الإنسانية بين أي إنسانين، ذكوراً كانوا أم إناثاً، تبعاً لظروف مكتسبة من ثقافة أوتربية أوما شابه ذلك؛ ورغم أمها اثبت المرأة تفوقها على الرجل في الكثير من الميادين، حتى أن القرآن الكريم ذكر بعظمة بعضهن كالملكة بلقيس مثلا التي قال عنها سبحانه، أنها أوتيت حكماً عظيماً وبلاداً سخية بخيراتها.. من هنا أجد أنه من غير الموضوعي التفريق بين المرأة والرجل في مسائل الفكر أوالإبداع والذكاء وخلافه والسياسة. لكنها النفسية العربية والثقافة الإسلامية التي بنيتن وصيغة على دونيتها وانصهار شخصيتها في‮ ‬محورية الرجل،‮ ‬فهي‮ ‬ناقصة العقل والدين،‮ ‬والفتنة التي‮ ‬لا‮ ‬يؤمن شرها،‮ ‬والعورة التي‮ ‬يجب حجبها،‮ ‬ومكسب الرجل،‮ ‬وحرثه،‮ ‬وبيده تسعد أوتشقى‮.‬ يستند في ذلك من يدعون أن الشرع الإسلامي يمنع من مشاركة المرأة في الميادين المتقدمة بالحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وأخرجه أيضا الإمام أحمد في مسنده، كلاهما عن أبي بكرة - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» هذا لفظ البخاري، وعند احمد «لا يفلح قوم تملكهم امرأة» وهوالمستند الرئيسي لكل من يتكلم في هذا الأمر ولم يرد هذا الحديث من رواية أي صحابي آخر غير أبي بكرة.
وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هوأمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال،ومن احتج بهذا الحديث على ذلك فهومخطئ خطأ كبيرا، بل إنني اعتبره يسيء للإسلام، على أن مما يدل على بطلان هذا الحديث أنه يقتضي أنه لا يمكن أن يفلح قوم تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال، ومعنى هذا أنه لووجدت امرأة على رأس إحدى الدول، ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالا على أن هذا الحديث كذب مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء، ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة انديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا وغيرهما كثير في القديم والحديث.

القرآن العظيم قد نقل القرآن العظيم قصة قوم ملكتهم امرأة، وروى أنها نجحت أيما نجاح، وهي ملكة اليمن التي وردت قصتها في القرآن العظيم، وأن سليمان جاءه طيره الهدهد فقال (وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) وأن سليمان عليه السلام أرسل إليها كتابا يدعوها إلى الإسلام، وأن تأتي إليه مقرة بذلك. فأحسنت التدبير كل الإحسان، فاستشارت رجال دولتها وبذلك ضمنت ولاءهم وطاعتهم لقراراتها، وأرسلت إلى سليمان عليه السلام هدية تستجلب بها وده، فرفض الهدية وأصر على أن يصله منها ومن قومها الطاعة والإذعان، فكان عاقبة ذلك أن سارت بنفسها ومن معها إلى سليمان عليه السلام في مدينة القدس فذكرت الآيات القصة إلى أن قالت (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب عالمين) فآل أمرها إلى هذه العاقبة الجملية القصة في سوة النمل، الآيات 23 إلى 44 "

فأي ثناء أثناه الله تعالى على هذه الملكة وعلى النجاح الذي وصلت إليه بحنكتها ودهائها وحسن تقديرها للأمور، حيث استطاعت تجنيب قومها وبلادها من إفساد الجيوش الغازية وإذلالهم لقومها، ولهذا نقل ابن كثير في تفسيره عن قتادة قال رحمها الله ورضي عنها: ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها يعني حيث أخرجت قومها من عبادة الشمس إلى عبادة الله تعالى.

ورغم ما جاء في كتابه عز وجل، والدلائل على أن الإسلام ومنذُ فجْره حمَّلَ المرأةَ عِبْءَ المُساهمة في مُجريات الأمور، فالسيدة خديجة رضي الله عنها تحمَّلت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسؤوليةَ حينما أخذتْه وذهبتْ به إلى ورقةَ بن نَوفلٍ ليَسمع منه حديثَه.

وأم المؤمنين أم سلَمة كان لها رأيٌ في صُلح الحديبية، وأشارت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يَخرجَ إلى المُسلمين فيَحلِقَ أويُقصر ويَنحر الهَدْيَ. بل إن السيدة عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ أعلنت رأيها في النزاع على الخِلافة بين عليٍّ ومعاوية، وانتخبَتْ معاويةَ خليفةً للمسلمين، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما خرَجت مُؤيِّدةً لمُعاوية.

ورغم انحسار العقلية المتخلفة مع تراجع دور الأديان في أوروبا بعد الثورة الفرنسية وإبان الثورة الصناعية، وانتقالها إلى أنحاء العالم مع الحملات الاستعمارية. فأن عموم الرأي العام المغربي ومواقف الكثيرين حول دخول المرأة مجال السياسة وتسيير الشأن العام المحلي والوطني، يفاجئ من يظن أن أمورنا قد تغيرت، وأن المرأة عندنا قد تخطت عتبة التبعية والاسترقاق الذكوري، وحظيت بما هي جديرة به من الاهتمام والحقوق دون تمييز. ورغم أن المرأة أثبتت، مؤخرا وخلال تعاقب العصور التاريخية، جدارتها ومكانتها من خلال مشاركتها في بناء المجتمعات الإنسانية، ومساهمتها في مجالات عديدة من الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ وبرهنت على ما عندها من طاقات وقدرات هائلة. ويكفيها كانت أول من اعتنق الدين الإسلامي على وجه الأرض في شخص السيدة خديجة زوجة النبي رضي الله عنها، التي ثبتت رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعانته في شدته الأولى، حيث هرع إليها دون بقية الرجال عندما نزل فزعا خائفا من غار حراء بعد نزول الوحي لأول مرة….حيث أنه لم يذهب إلى أعز أصدقائه أبي بكر، ولا إلى عمه الذي رباه أبي طالب…لكنه ذهب وارتمى في أحضان زوجته خديجة !!!فأي مكانة وثقة أحسها الرسول صلى الله عليه وسلم في حضن المرأة، نصف المجتمع، التي تربي وتطمئن النصف الآخر، فتكون بذلك هي المجتمع كله؟…كما يبدوإنه عهد كانت مكانة المرأة ودورها فيه، أكبر بكثير أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام الصحابة عما هوعليه اليوم، فقد كانت الأم والزوجة والعاملة والتاجرة والمجاهدة وراوية الحديث والمفتية في الدين والسياسة التي تساعد الحاكم وتشير عليه (كما أشارت أم سلمة على الرسول بحلق رأسه يوم الحديبية وغيرها من الأمثلة كثير)… فلماذا هذه الانتكاسة في هذا العصر؟ حيث همش دور المرأة اليوم لدرجة أن نسبة كبيرة من الناس والمرأة على رأسهم، لازالت تؤمن بأن المرأة الناجحة هي التي لا تهتم إلا ببيتها وأولادها وزوجها، وغير ذلك يعتبر نقيصة وعارا وعورة !!.. حتى أن البعض حينما يذكرون الزوجة يتبعونها ب" حشاك" أو"عزك الله". كما أن هناك فئات عريضة من النساء يؤمنن أن الرجال أفضل في العمل السياسي والقيادة من المرأة، وأنه من حقهم منعهن من الدخول إلى معترك السياسة والمشاركة في أي عمل اجتماعي أواقتصادي.. كما توافق الكثيرات وبسهولة على ضرب الرجل المرأة إن هي لم تطعه في ذلك وغيره من المسائل حتى الفكرية منها والمتعلقة بالإبداع والذكاء.

من هنا جاءت ضآلة نسبة النساء المشتغلات بالسياسة عامة وقلة عدد المشاركات في تسيير مجالس الجماعات الحضرية منها والقروية خاصة، خلال التجارب التي مر بها المغرب في هذا الميدان. ونخشى بأن تكون معدومة مستقبلاً لأسباب عديدة، ذكرنا بعضها. لكن ما خفي كان أعظم كما يقولون، وعلىرأسها، إنعدام ثقة الرجال والنساء على السواء ونظرتهم الدونية للمرأة مهما كانت كفاءتها وجدارتها في تحمل الأعباء الاجتماعية والعائلية، وقدرتها على الانخراط في جميع المجالات وعلى جميع المستويات، واستطاعتها على التواجد في جميع القطاعات العامة منها والخاصة. فرغم تواجدها بكثرة في قطاعي التعليم والصحة وتفاوت أعدادها في القطاعات الأخرى. لكن تواجدها وللأسف في المجالس الجماعية يقل كثيرا، فالإحصائيات الدقيقة بخصوص نسبة تواجدهن بها تظهر قلة عددها بها إذا ما قُورنت بالقطاع الخاص الذي تحتل فيه المرأة حصة الأسد من القوى العاملة المتمركزة بكثرة في قطاع صناعة الملابس الجاهزة وقطاع الحضانات ورياض الأطفال رغم ما يتعرضن فيها إلى تدني الرواتب وتردي بيئات العمل والمعاملة السيئة..

لست أفهم سر تمسك المرأة بجسدها وذوبانها في أنوثتها، كلما جاءتها فرصة لاكتشاف عقلها. وأنها كلما أقدم بعض الرجال على الاستجابة لدعواتها التحررية، وحاولوا صادقين إعادة الميزان إلى توازنه، وتوخوا إنصافها، خدمة للمجتمع بكامله، تجدها أول من يتهمهم بالضعف والخنوع والتخلي عن الرجولة.

لكنه رغم السذاجة الفطرية لهذه النوعية من النساء، المتمترسات خلف أنوثتهن، المصرارت على أنهن أجساد منصهرة في ذكورية الرجل. ورغم ضعف تقديرهن للأمور وسيطرة النزعة اللاهوتية على عقولهن. فقد تمكنت ثلة من بنات حواء المتميزات من الوصول إلى مواقع القرار في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأصبحن مضرب المثل في إمكانية التميّز لا سيما في الميدان السياسي والتضحية في سبيل الوطن، والنضال من أجل المواطنين، والتي كانت إلى حين حكراً على الرجال.

لقد شاغلت المرأة المجتمع في الآونة الأخيرة بتصريحاتها وصراعاتها وأحياناً‮ ‬بفورات شغبها،‮ ‬وجدلها الطويل حول مسائل تبدوثانوية أحياناً بالنسبة للرجل العادي، وإن كانت في كثير من الأحيان رئيسية وضرورية بالنسبة للمرأة التي أعتادت واستسهلت اتّهام الرجل وجعله مشجبا تعلّق عليه كلّ همومها واخفاقاتها، فلا يفتر لسانها عن انتقاذه وإلقاء كلّ اللاّئمة عليه فيما يحصل لها، وتحمله مسؤوليّة كل ما تعيشه من غبن وتخلّف، وتعلّل فشلها وكلّ هزائمها بأنها من كيده وتربّصه بمستقبلها السياسي،

لا يمكن للمرء أن ينتظر من الآخرين أن يعطوه حقه من الاحترام الطبيعي والمشروع الذي يعتقد أنه يستحقه، إنْ هولم يسبقهم بنفسه لممارسة كل الأدوار التي تظهر للناس احترامه لنفسه واعتزازه بها؛ إذ إنه كلما هانت على المرء نفسه وتعامل معها بقسوة وظلم فجرَّدها من قيمتها ولم يعطها حقها من الاحترام، كلما افتقد إلى تقدير الناس له بعدم وضعه في المكان الذي يستحقه. فمن الملاحظ أنه ليس هناك تحرك نسوي يفرض نفسه واحترامه ويتخطى العقبات، ولا ينتظر من الرجال أن يعطوهن صكوكا تسمح لهن بالمشاركة؛ فوقوف المرأة وانتظار أن تكون مشاركتها بسماح الرجال لها عامل رئيس في تحجيم وتقزيم مشاركتها، ومن الأولى أن تتعدى الحركة النسوية هذا التقاعس بالتفاعل السياسي حتى يكون المجتمع أمام الأمر الواقع، وساعتها يمكن أن يقوم المجتمع بدور تقويم التجربة بدلا من تخوفه منها، وشتان بين شيء نظري يختلف حوله المتناظرون والمنظرون، وبين تجربة واقعية ملموسة تفرض نفسها على أرض الواقع، مع اعتبار العقبات العديدة التي ستقابل المرأة إن هي قامت بالتجربة، ولكنها على أي حال مهمة جدا.

فالمواطن العادي لا يهمه، ‬أن تنال المرأة حقوقها السياسية،‮ أولا تنالها بالمرة، ‬ما لم تؤدِ‮ ‬تلك الحقوقالتي ستظفر بها إلى حفظ كرامته هووتحسين وضعه المعيشي،‮ ‬وزيادة رفاهيته‮. ‬لذا‮ ‬يطرح الكثير منالمواطنين - وفي ‬كثير من الأحيان‮- تساؤلات خطيرة تنم عن يئس وقنوط، من قبيل ‮: ‬ما فائدة كثرة النساء أوالرجال ضمن اللوائح الانتخابات الجماعية المقبلة، لعاطل عن العمل مثلاً؟ وما هي‮ ‬القيمة التي يضيفها تعدد النساء بمجالس الجماعات، لجائع لا‮ ‬يجد قوت‮ ‬يومه؟ وماذا‮ ‬يفيد ‬الجدل المحتدم بين النساء والأحزاب حول تخصيص 30% من مقاعد مجالس الجماعات، بالنسبة لأرملة لا تجد ما تطعم به أيتامها؟ وكيف‮ ‬يمكن لآلاف المواطنين المشغولين بتوفير لقمة الخبز اليومية من التفاعل مع موضوعات كهته إن لم‮ ‬يجد فيها لقضاياه الملحّة مكانا وصوتا؟

فالأستقرار السياسي‮ ‬والأمني‮ ‬وتطوير الوضع الخدمي‮ وحده الكفيل بضمان حصول المرأة على ما تصبوا إليه،‮ ‬بمعنى أنه لا‮ ‬يمكن أن نضمن وضعاً‮ ‬سياسياً‮ ‬مريحاً‮ ‬حتى لوكانت القاعدة والبنية السياسية صحيحة وصلبة،‮ ‬بدون نجاح حقيقي،‮ ‬وتمظهرات واضحة،‮ ‬لنتاج ذلك الوضع السياسي‮. أتمنى أن لا يفهم من كلامي أني ضد مشاركة المرأة في الميدان السياسي، ويظن بي القارئ الظنون ويحسبني ممن تسيطر عليهم مشاعر التفوق فقط لمجرد كونهم رجالا، ويدفعهم ذاك الشعور للعمل على الحد من طموحات المرأة لتعزيز كيانهم على حسابها.

فكم هي الأحزاب والجماعات التي تنادي بمشاركة المرأة وأنها لا تمنعها، لكن " الشفوي" شيء والواقع شيء آخر، حيث يكون الكلام في جانب والتطبيق في جانب آخر؛ وكثيرة هي الثيارات التي تنادي بمشاركتها لأجل أنوثتها، لا على أساس أن المشاركة السياسية ليست ذكورية ولا أنثوية، إنما هي مبنية على الكفاءة في المقام الأول، وتوظيفا للطاقات المتنوعة التي يمتلكها الرجل والمرأة حسب قدرات كل فرد وما يؤديه من دور في المجتمع، وقد يكون بنسب متفاوتة من مجال لآخر.
لمهم أن يتصارح الناس إما بقبول المرأة في المشاركة السياسية، ويكون لذلك واقع ملموس، أوأن يعلنوا عدم قبول مشاركتها في الحياة السياسية وإن كان أمرا محزنا، غير أنه ليس من الحكمة أن تنتظر النساء أن يسمح الرجال لهن بالمشاركة؛ لأنه في الحقيقة لن يسمح الرجال للنساء بالمشاركة الحقيقة، وإنما كـ"ديكور" أوخوفا من الانتقاد، أوطمعا في التحفيزات المالية التي ستمنحها الحكومة المغربية للأحزاب السياسية التي ستقدم أكبر عدد من المرشحات النساء في الانتخابات الجماعية المقرر إجراؤها في 12 يونيو2009، والتي ستفوز فيها. وفي اعتقادي إن التنظيمات الشعبية لن يكون بمقدورها أن تصمد طويلا أمام التحولات الجيلية، والتطور التكنولوجي في وسائل التعليم والتعبير. وأن الجيل القديم، إما أن يتكيّف ويتواءم مع التغيرات، أوأن ينقرض في معادلة «البقاء للأصلح». وعلى فكرة، هذا لا ينطبق على التنظيمات الشعبية فحسب، وإنما على عقليات الذين يديرون دواليب الأحزاب والدولة..

فالمصارحة تمكننا من تشخيص المشكلة، لنسعى لحلها، بدلا من أن تفرض علينا بصورة تسيء أكثر مما تنفع، فلتكن المشاركة مبادرة وليست رد فعل؛ إرضاء للسادة، أوإفحاما لخصم، أوكسبا لجولة ما أريد بها وجه الحقيقة، وإنما المصالح التي ربما تكون ضارة للرجل قبل المرأة.

فأنا كلي اقتناع وأأكد على أهمية مشاركة النساء في العمل السياسي لأنها أكثر غوصاً وتفهماً لمشاكل الأسرة، وأكثر تقبلاً للآخر، وأكثر ثقافة ووعياً للمشاركة في صنع القرار. واعتقد جازما أن الكل على إيمان ويقين بأن عزة الأمة المغربية والعربية والإسلامية لن تأتي إلا على يد نساء يخلصن في وطنيتهن وأمومتهن إذا هن أنجبن وطنيين يؤمنون بهذا الوطن ويضحون من أجله ولمستقبله..

ومن إشكاليات قضية مشاركة المرأة في العمل السياسي، تضييق مفهوم العمل السياسي نفسه، وحصره في الانتخابات؛ وهوما يؤثر سلبا في القضية. وعلى الحركات النسوية للخروج من هذا التضييق المفتعل، العمل على إيجاد أجندة أوسع نطاقا من هذه الدائرة الضيقة، حتى إن أخفقت المرأة لظروف منها أوخارجة عنها، فيمكن أن تحقق نجاحات في مجالات أخرى من العمل السياسي، بعيدا عن هذا النوع المتحكم فيه بقبضة حديدية من طرف مجموعة معينة، لا تمارس السياسة إلا في تلك المناسبات الانتخابية؛ فالعمل في النقابات المهنية، والإتحادات الطلابية والجمعيات النسوية والحقوقية وكل مجالات العمل المدني الذي يفتح آفاقا أرحب أمام المرأة لتشارك بدور فاعل وفعال في العمل السياسي، الذي يشمل: المجال السياسي بكل معانيه الخاصة والعامة، والمجال الاقتصادي بوصفه الوجه الآخر للسياسة، والعمل العام الذي لا يمكن فصله عن الرؤية السياسية، أوأن تكون هناك –أيضا– مجالات أخرى تصب في طبيعة العمل السياسي.

حول هذا الموضوع حاورنا إحدى النشيطات الجمعويات البارزات في جهة فاس بولمان والمستشارة الجاماعية بمقاطعة " أكدال " بفاس:

هل يتقبل المجتع المغربي المرأة السياسية ؟؟

المجتمع المغربي منقسم حول قضية المرأة السياسية، إلا أن قسم كبير مع مشاركة المرأة في الميدان السياسي وتدبير الشأن العام لما أظهرته من حنكة ومثابرة واستماتة وإصرار على النجاح.. حيث يلمس المواطن إخلاص المرأة ومصداقيتها وهي تسهر على حل بعض المشاكل التي تعترض المواطن.

ماذا عن تجربتك بهذا الصدد ؟؟

تجربتي في ممارسة مسؤولية الشأن المحلي كمستشارة بمقاطعة أكدال لم أكن أميز بين الرجل والمرأة حيث أعمل على حل المشاكل التي تعترض المواطن في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية..

بعد هذه السنوات على إنتخابك هل تعتقدين بإنك قمت بدور مميز حيال المرأة المغربية ؟؟

أعتقد أنني أدليت بدلوي من أجل تعزيز دور المرأة وتوعيتها من خلال العمل داخل جمعيات المجتمع المدني حيث ترأست بعض الجمعات النسوية كما شاركت في عدة جمعيات ثقافية وحقوقية وسهرت على تنظيم عدة تظاهرات تستفيد منها المرأة من قريب أوبعيد كالقيام بالإفطار الجماعي في شهر رمضان المعظم وعمليات الحناء للفتيات المعوزات، وعمليات الختان، وتكريم السيدات المتميزات في الداخل والخارج كالأممية الشعرية التي قمت بها مؤخرا وتم خلالها تكريم الدكتورة فاطمة الجامعي لحبابي والإعلامية المميزة حكيمة بناني والشاعرة البحرينية حصة أبولعينين
*هل عدد السيدات بالمجلسين التشريعيين، وبالجماعات المحلية كاف ومشرف للمرأة ؟ وهل قمن بالأدوار المنوطة بهن ؟؟
لا أقول أن عدد السيدات بالمجلسين التشريعيين غير كاف، ولكن أقول أنه لا يمثل حقيقة التوازن الذي أصبحت تحظى به المرأة في مجتمعنا المغربي من خلال نضالها وكفاحها وإصرارها عل مساعدة الرجل خارج البيت الذي تتحمل فيه الدور الأكبر وأعتقد أن الرجال يلمسون هذا وحتى وإن لم يعبروا عنه، أما بالنسبة لعدد النساء بالجماعات المحلية، فأقول أنه ضعيف وضعيف جدا ومع أن المرأة برهنت على فعاليتها في ميدان التسيير وأكدت حضورها المميز من خلال كفاءاتها حيث أننا لا نجد في المجلسين إلا النساء المغربيات المتعلمات صاحبات الشواهد العليا الشيء الذي لا نجده بين الرجال حيث أن البرلمان بغرفتيه يضم جزءا كبيرا من أصحاب المستوى التعليمي الابتدائي بعكس البرلمانيات فجلهن جامعيات.

في الإنتخابات المقبلة هل تتوقعين وجود عدد أكبر من النساء في البرلمان والجماعات ؟؟ وما هي أمثل الطرق لتحقيق ذلك ؟؟

قد يتضاعف عدد النساء بالجماعات في الاستحقاقات المقبلة لوطبقت الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية وتخلت قياداتها عن العقلية الذكورية التي تعمل على إقصاء المرأة. وارتفع المستوى التعليمي للمرشحين الذكور ليصل على الأقل إلى مستوى الباكالريا أوالشواهد الفنية والتقنية بالنسبة للمستشارين.. الواقع لابد أن يتغير. فجاك دريدا أشار إلى التفكيك، وعن دور قهر التاريخ، ومكره، وضغطته لإزالة نفايات التخلف، وكل الجليد المتراكم على العقول. ففي الستينيات كانت المرأة المغربية تضرب إن هي طلبت الالتحاق بالمدرسة، وها هي اليوم وزيرة..

فلابد من تحقيق مكاسب جديدة تهم تحسين تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة المقبلة، لتجاوز التمثيلية الحالية، التي تعتبر "كارثية"، لأنها لم تحقق الترشيحات النسائية في الانتخابات الجماعية السابقة، نسبا مشرفة افرزت النتائج علىصعود أعداد ضئيلة جدا، من أصل ألاف المنتخبين الجماعين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى