الثلاثاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩

التدخل القولي بديلا عن السرد

بقلم: إسماعيل إبراهيم عبد

يمارس القاص(صالح جبار محمد) مناورة شبه سردية بفاعلية نوعين من الاشتراطات الاسترجاعية والاستتباعية وهما نمطان لهما أثر واضح على نهج القاص فالسؤال متى تقضم تفاحة أدم هي رجوع إلى ذاكرة يقينية لاستفهام وأستعلام (خطأ) ما بدأ وأستمر في بدئيته حتى لحظة كتابة النص بما يفرعه من ماضويته.

فهو.. هوة هروب نحو امتلاء (مشبع) إن وجب العيش في صورته دون تجسيده أي في (شرنقة الرجم، وعتبات التمني) واهم ما يتسم به الشرط ألاسترجاعي للمظاهر الحراكية التالية:

الفزع، الغضب، الشك.. وهي مؤديات لها حرية الغور في سادية تعذيب الذات... ويمكن لهذه الاسترجاعية أن تحيد الزمن وسطوة التوضيع فهي تشبه اللحظة المؤرخة ضمن ازاحية متحركة لذا فهي يمكنها أن تضخ اناها في لظى اللاشيء أو (تزرع الخوار، وتحيل العطر رمادا يفجع العيون الوقحة)

كما أن من مهمة هذا التوظيب التظليلي لشبه سردية الفجيعة أن يرمد اللحظة لتصير حالة نفسية تقدس أيقونة النشوى في التوجع المستخلص مظهره ب(فيضان قارورة الصبر، وثقل هواء، وضياع تضاريس، ثم هزال بدن، وولائم عدوان، واستجداء عتبات ثم رجاء اللاجدوى) وهذه النشوى تستوجب ترتيبا ذاكراتيا خاصا من المفيد أعادته بالتشكيل التالي أماما لمقلوبية الانثيال القولي:

(وله عاصف راكم الروح عند حافة هم متكور تحت شغاف صبر حفظ في قارورة كي يستدرك توجع الأضلاع ويمنع تعري القدمين وبذا يلغي المسافات بين الذاكرة والوقيعة)
وما كان اشتراطا استرجاعيا صار شرطا أوليا لشبيه السرد ليواصل تبعاته اللغوية والحديثة ويوصل منافذ الانفتاح السابق إلى عتبة جديدة تعطيه منطقية ذلك العصف المفرغ من (محتوى زمانه) ومن اللفظة الأولى لسؤال (من يعيد اللحظة الماضية) ينبه القاص إلى أنه لن يعيد اللحظة بل يستعديها إلى زمنها اللاحق بالذات التصويرية والموضوعية فهي لحظة الاستتباع المتصاعد روائيا الذي راكن قوانينه وفق سبع حالات بديمومة تدرج شبه منتظم.. وهي حالات تمتلىء بالمكنونات الاحالية السابقة..

أما ما يشي بهذا الاستتباع ذي التواصل القولي فهم الشخوص (الأنثى، الزوج، الجمع) وهم منظمو الاستتباعية وليس غير. فلا زمان ولامكان ولاوصف لهم.. أذن ظلت الاستتباعية تتخذ من قوة الانثيالية في الاسترجاع السابق إليه لاحقة لإكمال التراكن الحدثي شبه السردي: لنلاحظ الحالات السبع:

1_ تفز في طريق (الصد ما رد)

2_ تجرجرها فضاءات العدم تعود إلى أول المشوار

3- فكرت بلحظة التصادم، كانت ساعة اتقاد أفقدتها التوازن

4- عيناه تلسع اضطرابها المدمن في ارتجاف الفوضى العارمة

5- تفرق الجمع – ظلت وحيدة وسط نجيع صلافتها

6- تحاول الاتصال بمن تعرفهم.. لكنهم أوصدوا أبواب التواصل

7- أختبأت في بريق زيفها..وتنتظر الفرج المأزوم في فراغ روحها

هذه الحالات السبع تتصل مع بعضها بمكمل تبعي.. فالفقرة الأولى تكتمل في مضمور اللاحقة (تحملها نتانة التودد للماضي السحيق) والفقرة الثانية تشتبك ذيليا بالتالي من الصورة (خالية الوفاض، ليس سوى سلة التوسلات) والفقرة الثالثة تنتشر مؤولاتها في تشتيت اللاحقة التالية (شعرت بهشاشة موقفها رغم قساوة الكلمات التي تطلقها) أما الفقرة الرابعة صارت تغطية ذاتية متقدمة على دالتها اللاحقة ضمن المقطع الجملي التالي:

(لم يكن مثل الآخرين الذين صادفتهم) فيما اتخذت الفقرة الخامسة من نفسها لاحقة متأخرة لمقدار تدل عليه

(أساءت اختيار الوقت المناسب، ظنت أنها تكسب الجميع) وهكذا تمهد للفقرة السادسة أن تحيل ذاتها إلى خيار قولي للانفتاح الحدثي في (الريح تصفر عند أعتاب الجرح) وعكس أن نتوقع جملة حدث اتمامية تلحق الفقرة السابعة سنجد ثلاث جمل حوارية برقية بين طرفي الذات والانا في الفقرة أعلاه لتغدو الجمل لواصق كولاجية تتوسط بين بدء الفقرة ونهايتها هي:

(جملة: تماطل نفسها + جملة: عسى أن ترضي من تلتقي به + جملة: وتكشف تعرضها لعطب أصاب مسارها)

وهذا التراكم الذيلي يضاف إلى ذلك الترتيب السباعي. هذه التشاكلية بين قوى الاسترجاع وقوى الاستتباع والمقيمة حدودا من التدخلات تعني أن القصة تحتوي الفراغ فلسفة وجود موضوعي حدثي نفسي دون أن تهتم بقوى السرد الاعتيادية..
وأهم مافي تجربة القصة أنها قلبت المعادلة الهيكلية احتوت الفراغ بالبدء عنده لتنتهي بالإفراغ عنه لكن بصيغة وفاعلية الانثيال والتراكم الصوري القولي تعويضا عن السرد المتعارف عليه.

بقلم: إسماعيل إبراهيم عبد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى