الثلاثاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩

الطفل المفقود

بقلم: سمير شوملي
كُـنّا أطفالا...
والكونُ لنا
كُنّا أمراءَ الأرضْ
والرغباتُ الحلوةُ تتعالى
لم نعرفْ شكلَ البغضْ
كنّا نتلألأ..
نتدفقُ حبّا
كنّا جزءاً من لونِ الأشياءْ..
أكثرَ قُرْبا
كانت مبهمةً بعضُ الأسماءْ
لم ندرِ الفرقْ..
بينَ غصونِ الأشجارِ وأيدينا
بين دُمانا والقمرِ الساكنِ فوقْ..
أو فينا
كنّا نصعدُ درجاتِ الأحلامْ
لا تفترُ منّا الهمّهْ
نصلُ القمّهْ
ونغافِلُ تلكَ الأيامْ
فنداعبُ بأصابعِنا النجماتْ
ونبعثرُ بعضَ الغيماتْ
كانت تصحو معنا الشمسُ وتكبُرْ
تحرسُ أوقاتَ المرحِ المطلَقْ
نشتمُها حينَ تغيبْ
نرجُمها فنصيبْ!
والبيتُ المتذمّرُ يقذفُنا..
.. والشارعُ يلقفُنا
كم كنّا نشكرْ!
كنّا في بحرِ العشبِ الليّنِ نغرقْ
كالشمسِ الملقاةِ على جدولِ ماءٍ.. نترقرقْ
مثل الأحلامِ الحرّةِ نتمدّدْ
ونخاصِرُ جسدَ الزهرةِ حتى تتنهّدْ
ونغازلُ وجهَ القمرِ الطيبَ حتى يتورّدْ
شيءٌ حلوٌ يولَدْ!
كنّا نغسلُ روحَ طفولتِنا تحتَ الأمطارْ
نطلقُ ما في الروحِ الحرّةِ من أطيارْ
نتسلّقُ قوسَ قزحْ
لم يتكسّرْ يوماً تحت خُطانا
كان اللونُ فرحْ..
حينَ تميدُ الأرضُ وترقصُ تحت سَمانا
كنّا نركبُ أجنحةَ الريحْ
نصرخُ في أذنِ الدنيا ونصيحْ
والتلّةُ تومئ للقربْ
نتدافعُ.. نتدحرجُ نحو القمّهْ!
ننسى كلَّ قوانينِ الجذبْ
كنّا أصغرَ من كلِّ همومِ الدنيا
كنّا أكبرَ من كلِّ همومِ الدنيا
نحيا..
ونطلُّ على السنواتِ ببسمهْ
اللحظةُ كانت أجملْ
لم نعرفْ قلقَ المستقبلْ
وأنا..
كنتُ بريئاً .. ومضيئاً
ودمي كان مليئاً...
بربيعٍ واعدْ
وجداولُ روحي تجري خلفَ الأشياءِ الخضراءْ
تشربُها حتى الإرواءُ
كان خيالي يمزجُ كلَّ الأسماءْ
لم يعبأْ بالفرقْ
راحَ يمارسُ كلَّ طقوسِ الخَلْقْ
لكن.. في يومٍ باردْ..
حدثتْ أشياءْ
ضاعتْ أشياءْ
واختلفتْ أشياءْ
وتباعدتِ الأجزاءْ!
وكبرتُ أنا فجأهْ
رُغْماً عنّي
لم تنفعْني جرأهْ...
في إيقافِ المدِّ الآتي
رُغْماً عن صلواتي
ارتدّتْ لي كلماتي
واختلفتْ عينيْ!
لم يعدِ الشارعُ نفسَ الشارعْ
أسقطتِ التلّةُ ذاك الجوَّ الرائعْ
لم تعدِ التلّةُ نفسَ التلّهْ
لم أبصرْ في أصحابي طفلاً أو طفلهْ
لملمتِ الشمسُ النورَ الوادعْ
.. والقمرُ الباردُ سَوَّدَ ظلَّهْ
لم أعرفْ أين العلّه
هل فقدتُ كفي لمستَها
أم دارتْ أيامي دورتَها
أم هذا حالُ الأشياءِ الشائعْ
من سرقَ ربيعي.. طفلي الأولْ
من فَرَّغَ وردي من عطري الأجملْ
من أخفى قوسَ قزحْ
.. لم يتركْ في اللونِ بقايا لفرحْ
من يأخذُ نُضْجي المُتْعِبَ.. مقبرتي
من يُرجعُ تجربتي
من يُرجعُ لي جهلي
من يُحيي لي طفلي
بقلم: سمير شوملي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى