السبت ٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم عبد الله الحميدي

الثقافة والتقنية

وجهة نظر لعلاقة الثقافة بالتكنولوجيا

الثقافة نعرفها بأنها المعرفة زائدا السلوك الصحيح المُوصِل للغاية المطلوبة. السلوك يأتي بعد المعرفة. إذا كانت المعرفة صحيحة يكون السلوك صحيحا والعكس غير صحيح. كلنا تحت قانون الطبيعة كما يريدها الله سبحانه وتعالى. عطاء الربوبية للجميع. قانون الطبيعة يسرى على المؤمن والكافر. من جد ووجد ومن زرع حصد سواء كان مؤمنا أو كافرا. الله يخبرنا فى محكم التنزيل أنه خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف. ولا نتناكر. وأكرمنا عند الله أتقانا. ولندخل موضوعنا، إن أحببتم.

التكنولوجيا عبارة عن مركب لفظي مكون من عنصرين إثنين لا غير. المعرفة أولا، والثاني الأدوات (معدات، مواد، آلات). يؤدي كل واحد منهما الى الآخر والعنصر الحاسم فيهما هو المعرفة. ولنبدأ من إختراع المطبعة قبل 500 سنة. أسهم ذلك الإختراع فى نشر الكتب والعلم والمعارف بصورة لم يعرفها الإنسان فى كل تاريخه. إتسع نطاق الأفكار وتداولها ونقاشها بصورة عظيمة سواء فى التعليم الرسمي أو غير الرسمي. مما رفع من مستوى التعليم والعلم لدى القراء لمستويات كبيرة وبالتالي لدى الناس عموما وفي الغرب خصوصا.

هذا الإختراع ساهم كثيرا فى الإصلاح الإجتماعي والثقافي. و لنضرب بمثال منسجم مع سياق التاريخ والإختراع، فى الغرب كان هذا الإختراع (ومعظم الإختراعات التالية له كانت من الغرب). إن سعة إنتشار الكتاب المقدس وترجماته الى اللغات المحلية وفهمه من قبل الأوربي أفسد على الكنيسة إحتكارها وإدعاءها الوصاية على أمور العقيدة وأظهر مدى حقيقة علاقة الكنيسة بالذهب والفضة والإحتكارات. ومن قرأ تاريخ الغرب الأوربي يعرف أكثر. ما يهمنا هنا هو علاقة الثقافة بالتقنية (التكنولوجيا).

الزيف يمكن طبعه ونشره لنفس المدى الذى تصله الحقيقة والصدق. الشرط الضروري الكافي الشافي لمعرفة الزيف من الحق هو حرية التعبير والكلام (النشر والنقد والمناقشة والجدال العلمي). فى كل ذلك ساهم إختراع المطبعة. المطبعة أو الآلة لا تعرف الخير من الشر، ولا تعرف الصدق من الكذب لكن الإنسان يعرف. لذلك فالثقافة بمعناها الواسع العام إنسانية ويبدوا أنها سائرة لخير الإنسان وحقوقه وكرامته وفكره وعقله. إنها سائرة فى سبيل محاربة الجهل والمرض والفقر. حيث تتكافل الثقافات المحلية المتنوعة مثل تنوع الطبيعة بنباتاتها وزهورها وثمارهاوحيوانتها وبيئتها من أجل الإنسانية. فالحق لا يحارب الحق. وأطول الحروب تكون بين باطلين. لأن الكل فى سفينة الأرض الواحدة فى هذا الكون الفسيح. فلنعرف ثم نتعارف ثم نتعاون.

إختراع البوصلة عامل أساس فى زيادة الإستكشاف الجغرافي ضمن أخرى مثل تطور صناعة السفن من شراعية لبخارية، وصناعة الملاحة والعلم عموما. قبل ذلك كانت السفن لا تبعد كثيرا عن سواحلها. التوسع الغربي كان نتيجة طبيعية منطقية فى السياق التاريخي الواقعي.

هذان مثالان ماديان من كثير، لشرح الفكرة. منذ خمسة قرون والغرب هو السيد العامل فى مجال الصناعة والتقنية والعلم. وأيضا هو السيد فى الثقافة بمعناها العام. ليس بمعناها الأنثروبيولجي، وهى الثقافة المكتسبة من الأم أو الثقافة المحلية مثل اللغة والعادات والتقاليد والدين. وعندما تكون العادات والتقاليد والدين شيئا واحدا. عندها يكون المجتمع كل منسجم. عندها يتطور هذا المجتمع وينمو متعاونا مع المجتمعات المثيلة له فى الإنسجام. ويُعين المجتمعات الأخرى التى فى حاجة ماسة لمحاربة الفقر والمرض والجهل. هذه ليست مثالية مستحيلة بل واقع مشاهد.

المراجع منذ خمسة قرون فى أغلب حقول المعرفة والعلم والثقافة هى غربية. الطب أوضح مثال. واللغة الأكثر نفعا وإنتشارا ودقة هى الإنجليزية فى عصرنا الحالي. و أغلب الجيد النافع من المعلومات الحديثة هو مُتَرجم من الإنجليزية. فهي لغة العلم والنشر والبرمجة. كما كانت اللغة العربية لغة العلم والأدب فى عصر هارون الرشيد. كما كانت الفرنسية فى فترة سابقة خلال الخمسة قرون الماضية. دور النشر الإنجليزية اللغة تقدم أفضل الخدمات (قبل وبعد النشر، مثل إشهار فى صحف معينة لمدة معينة و إضافته لمواقع كتب رئيسة مثل أمازون بأقل الأسعار فى الكتب الورقية وهى الأساس والأفضل. أو في عصر الإنترنت بحيث تنشر وأنت جالس فى بيتك. إنتصر الغرب وتسيد بحق لأنه عرف غايته ووسيلته. وعمل لغايته بوسيلته. من جد وجد ومن زرع حصد. وخلاصة القول فى التقنية، الحاجة أم الإختراع.

العرب المسلمون إنتصروا ثم إنهزموا لماذا؟ بتعبير الداعية والكاتب السعودي أخونا الكريم، عائض القرني (انتصرنا يوم نصرنا المستضعفين، وكفلنا الأيتام ورحمنا المساكين وواسينا الفقراء، انتصرنا يوم حملنا القرآن في قلوبنا انتصرنا يوم انتصر العدل على الظلم والحرية على الاستبداد ورأي الأمة على رأي الفرد، انتصرنا يوم شيّدنا صروح المعرفة ومنارات العلم .... ثم انهزمنا يوم ألغى بعض حكامنا الإسلام جهاراً نهاراً ووضع مكان الله الواحد الحزب الواحد، وألغى لا إله إلا الله ورفع مكانها أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ويوم رفض بعضنا السجود لله وسجد للشيطان والصنم والطاغوت، وانهزمنا يوم أكلنا الربا والسحت وكذبنا على أنفسنا والناس وغدر بعضنا ببعض وسفك سفهاؤنا دماء عقلائنا، وطففنا الكيل والوزن، وهجرنا القراءة والكتاب والصناعة والإبداع وتشاغلنا باللهو والرقصات الشعبية، والنعرات القبلية والشعارات العنصرية، والهتافات الحزبية، والغناء والغثاء والهذيان والفراغ مع البطالة! وانهزمنا يوم كُسر القلم الحر، وكُمّم الفم الصادق، وصودرت حقوق الناس وسجن الأبرياء وجلد الشرفاء، واغتيلت حرية الرأي، ولُعب بالمال العام، وعذّبت الشعوب بسياط الاستبداد والاستعباد ونصبت محاكم التفتيش، وصارت كثير من الدول العربية سجوناً كبيرة لمواطنيها، وصار الإسلام تهمة، والمسجد مهجورا، والمصحف مجلة، والمصنع باره، وهجرنا الاكتشاف والاختراع والعمل والإبداع ورضينا بالذل وآثرنا الخمول وعشقنا النوم وغلبنا الكسل، انهزمنا يوم تفرقنا واختلفنا وانقسمنا إلى طوائف وفرق وأحزاب ومنظمات وجماعات كل فئة تلعن الأخرى وتكفرها وتستحل دماءها، وصار بعض العلماء والكتاب والمفكرين يتبادلون التهم والتخوين والتكفير.)

الخلاصة، أهمية المعرفة والتقنية والترجمة والنقد وحرية النشر. تترجم اليابان 30 مليون صفحة سنويا كمثال، هذا غير تقنيتها الدقيقة ونقدها وحرية نشرها المؤهلة. ثانيا، المنهج العقلي والعلمي فى تحقيق كل ذلك. الهدف واضح تحقيق وتفعيل الخير للإنسان القريب والبعيد، الجيل الحاضر والجيل القادم. من سار على الدرب وصل. الأرض العربية عامرة بالخير والثروات والناس فيها الخير. وكذلك معظم البلدان فيها أهلها الخيرون. من تعاونوا ربحوا. ثالثا، التعاون وهذا موضوع يحتاج لمقالات. فما أمس حاجة العالم النامي والعالم عموما للتعاون والتعاضد لخير البشرية ولتقليل الجهل والمرض والفقر الى حدودها الدنيا.

وجهة نظر لعلاقة الثقافة بالتكنولوجيا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى