الاثنين ١٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم نوزاد جعدان جعدان

قصص ملغومة 3

المدللة

علمتها على الدلال وعدم عصيان أوامرها فأحبتْ كل شيء جاهز، عندما كانت تناديني كنتُ أركض لألبيّ نداءها فقد كانت إتكالية منذ صغرها وإحضارها للبيت لأول مرة، كانت شقراء عيونها عسلية تقطر حنانا، طردتها مرة ولكنها عديمة الإحساس تعود إلي في المساء تطلب الطعام ..

كنتُ أغني لها أغانيَّ وعندما لا تعجبها تنقدني بلهجة حادة: ميو ميو، ولحظة تمل منها تستسلم للنوم إلا أنها عندما تعجب بها فلا حدود لهدوئها، فتحدق داخل عينيّ ..

سافرتُ إلى المدينة وغبتُ عن القرية أسبوعا كاملا ولم أكن أتوقع بأنها لن تستطيع الحصول على طعامها، وكنت سابقا مقررا أن أعلمها روح المسؤولية، وعند عودتي وجدتها مرمية على الأرض هامدة ونظراتها نحو الباب وكأنها تنتظرني أو تؤنبني على سوء تربيتي، وضعتها بين راحتي وأنا أحاول أن أهرب من نظرتها التي تدينني، بقي منظرها محفورا في مخيلتي، وتمنيت لو أنني علمتها الاعتماد على النفس..

الفقير والغني

قرر الفقير يوما أن ينتحر فهمّ إلى صخرة كبيرة قرب البحر، تعلو عشرات الأمتار وجلس يفكر قبيل التنفيذ، فتمنى أمنيته الأخيرة بأن يصادف غنيا مقررا الانتحار ليموتا معا وما هي إلا لحظات حتى جاء رجل تفوح منه رائحة الغنى وجيوبه تمطر بالمال، متخذا قراره بالانتحار لأنه ملّ من ملذات الحياة ولم يعدْ يملك أي أمل يعيش من أجله، فسأله الفقير سؤالا قبل أن يشرعا بالانتحار:

هل كان لديك حارة؟.. وهل جربت أن يكون لديك جيران؟.. وهل عشقت يوما ابنة الجيران النائمة فوق السطح؟..وهل عملت يوما في أحد المعامل ولم تصدق أن يأتي وقت الغداء لتأكل الطعام الذي جلبته معك من البيت مع أصدقائك العمال؟..وهل جربت شعور التمني بالحصول على صندويشة لحم؟ ..وهل كان حلمك يوما أن تجلس في أحد المطاعم الفخمة؟..وهل جربت أن تمشي مرة عشرات الكيلومترات ولا تملك سعر تذكرة ركوب الباص؟ .. الفقراء هم حطب الأغنياء فهل جربت يوما التلذذ بشعور الاحتراق؟..

فكر الغني برهة ثم عدل عن فكرته وهو يركض مسرعا بينما قفز الفقير وحيدا إلى البحر..

قصر نظر

كرهت النظارات الطبية وخجلتْ من لبسها، فأهملت نفسها ولم تذهب إلى الطبيب, وصلت إلى مرحلة لم تعد تميز فيها الأشياء والأشخاص جيدا ودوامت على هذا الحال تسع سنوات حتى بلغت من العمر الستين رمضانا، وأخيرا اقتنعت بالذهاب إلى طبيب العيون وبعد أن فحصها الطبيب وضعتْ النظارة الطبية وتوجهتْ إلى البيت..

ففتح ابنها البكر لها الباب واكتشفت أن وجهه مليء بضربات السكاكين ولمحت ابنها الأصغر يدخن بالسر متوقعا بأن أمه لن تراه فقد تعود على هذا الحال، وعلمت الأم أن ابنها يدخن مذ زمن، ثم مرت ابنتها الوحيدة من أمامها فتفاجأت بها وكانت صورتها عكس ما كان ظلها فقد أصبحت بدينة جدا بظرف تسع سنوات والتآليل تملأ وجهها وأصبحت بنتا قبيحة المنظر ..

توجهت الأم إلى المرآة ونظرت إلى نفسها، ولم تتعرف على صورتها المعكوسة في المرآة فقد أصبحت عجوزا والتجاعيد ترسم خطوطا وحكايات على وجهها ناهيك عن شعرها الذي تفوق نسبة الشيب على السواد وتترجح الكفة فيه للشيب، فلم تتحمل الصدمة وسقطت على الأرض من ذاك المساء المتعب..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى