الاثنين ٢ آذار (مارس) ٢٠٠٩

أمريكا للدمار والعمار

بقلم: د. فايز أبو شمالة

هللوا، وكبّروا يا أهل غزة، فبعد الفسفور الأمريكي الأبيض جاءكم الدولار الأمريكي الأخضر، وبدلاً من قصف الطائرات الحربية الأمريكية أف 16، في الطريق إليكم المساعدات الأمريكية، وبعيداً عن كل أنواع السلاح الأمريكي الذي اختبر على جلدكم ستصلكم المنظمات الإنسانية الأمريكية لتداوي جرحكم، وتطبب نفوسكم بالمال المقرر لكم، والبالغ 900 مليون دولار أمريكي ستعلن عنها وزيرة الخارجية الأمريكية في مؤتمر الدول المانحة، الذي سيعقد في مصر العربية، لقد قررت أمريكا بدء العمار بعد أن أكملت الدولة العبرية الدمار.

إنها المدرسة الأمريكية للدفع بعد الصفع، وقد خرّجت تلميذاً نجيباً اسمه [إسرائيل]، أو يمكن القول: أن أمريكا قد تعلمت في المدرسة اليهودية التي أنجبت [إسرائيل] الدولة التي أعلنت لأهل غزة عن إقامة عيادة طبية لمعالجة الجرحى، والمصابين من القذائف الإسرائيلية ـ سبحان الله، يد تطلق الصاروخ، ويد تداوي المجروح ـ ولكن أهل غزة فضلوا الموت بالنزف على الذهاب للتطبب على يد قاتلهم. أما ما هو أبشع من ذلك؛ أن الدولة العبرية فتحت معسكرات إعادة تأهيل لعدد أربعمائة طفل فلسطيني ممن قتل آباؤهم في الحرب على غزة، كي يختلطوا بنظرائهم أطفال اليهود، ولكن أطفال غزة رفضوا المشاركة، وقالوا بلسان أحدهم: كيف أجلس مع طفلٍ أبوه قاتل أبي، وعمه قاتل عمي، وجدّه سالب أرض جدي، ثم كيف أنظر في عيني قاتل أبي وهو قادم لأخذ ابنه الطفل اليهودي، وإذا رجعت إلى المخيم، ماذا أقول لأمي التي ترمّلت، أأقول لها: صافحت اليوم، وقبلت، وتفاوضت، ونسقت، وجلست، وحاورت قاتل أبي!؟ خاطف عمرك يا أمي، لا، لن نشارك في أكذوبة تعايش الحَمل والذئب، وفي مفاوضات الصفع والدفع، ولن نصدق دمعة "أهود أولمرت" التي سالت على عظم خده بعد أن قصفت مدفعيته منزل الدكتور "عز الدين أبو العيش" في مخيم جباليا، وقتلت بداخله ثلاث فتيات. ترى ما لون دموع القاتل، وما مذاقها؟

يجيء مؤتمر الدول المانحة في شرم الشيخ لتعمير غزة، فمتى سيعقد مؤتمر دولي ليعاقب إسرائيل التي كانت السبب في التخريب؟ وإذا كان المجتمع الدولي سيعمر كل ما تخربه إسرائيل، فمن سيضمن ألا تعاود إسرائيل التدمير، ليعاود المجتمع الدولي التعمير؟ وإذا كانت المساعدات المالية سترمم الأماكن، فمن سيرمم النفس التي افتقدتها الأماكن؟

لرفع قليل من الظلم، ولئلا يشجع المجتمع الدولي العدوان، يتوجب الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية كي يكون تعمير غزة من المساعدات الأمريكية لإسرائيل والبالغة ثلاثة مليارات دولار سنوياً.

غزة لا تقول لأمريكا: انصرفوا عنا بمالكم الذي نحتاجه للعمار. غزة تقول: اصرفوا عنا طائراتكم، وقذائفكم، وفسفوركم الملون بالعلم الأمريكي، والإسرائيلي الذي سبب الدمار، وامنعوا طائراتكم، وزوارقكم، ودباباتكم من اقتحام بيوتنا من جديد وتدمير حياتنا، وطموح أجيالنا، وأحلام أطفالنا..

بقلم: د. فايز أبو شمالة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى