الخميس ٥ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم سعداء الدعاس

أيديولوجيا الحجاب

امتدادا لمقالي السابق(أيديولوجيا البلاط) الذي تفاعل معه الزميل،الناقد المميز عبدالرحمن حلاق،عبر تعريته لدروب أكثر اتساعا في مقاله (أيديولوجيا أبو العرّيف)، تراءت لي أيديولوجيا ثالثة بثتها الأمسيات التي قضيتها متابعة لعروض المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وتأكدت لدي بعرض الجامعة الأميركية الذي ما إن انتهى حتى أخبرت الزميلة(منى كريم) عن مقال اليوم ومحتواه، لكني آثرت تأجيله لحين الكتابة عن عرض(AUK)، لأفاجأ بالزميل(خالد العلي) يذكرني بالموضوع ذاته في توارد(غريب) للخواطر!

لفت نظري في تلك العروض مشاركة ممثلات محجبات. في عرضي المعهد أدت إحداهن دورًا شائكا حول علاقة المرأة بالرجل، كما أدت أخرى شخصية إحدى ساحرات ماكبث، وفي عرض(AUK) شاهدنا شخصيتي هيكيوبا وأندروماكي بالحجاب بين(نساء طروادة).

أدرك بعض الظروف التي قد تحيط بأستاذ المادة / المخرج، في ظل دفعة(مفروضة) بشكل ما، وأقدر تحايل بعضهم لحل اشكالية الحجاب عبر عنصر الأزياء كما في عرض(ماكبث). لكني أؤمن أن الفعل المسرحي لابد أن ينطلق من أرضية فكرية، تعبر عن هاجس يشغل جميع أدوات سيد العرض، وبالتبعية فإن كل فعل على الخشبة له دلالة خاصة بالعرض وأفكاره.

المسرح علامة كبرى تحوي عدة علامات عبر تفاصيل الفضاء ومعطياته، والحجاب دلالة دينية بلاشك، كل محجبة مسلمة، في حين أن العكس ليس صحيحًا، وبالتالي فلابد أن يكون للحجاب غاية(دينية)، بناء على التحليل السيميولوجي/الدلالي، المتكئ على جسد الممثل باعتباره علامة من علامات الفضاء المسرحي. وهو الأساس الذي يحكم الزي المسرحي للشخصية، منطلقا من أبعادها النفسية والاجتماعية..إلخ.

(القصدية) لب العرض المسرحي، في ظل السياق العام للعمل، فالمتلقي لن يتغاضى عن تضرع الممثلة(المحجبة) لآلهة حددها العرض بـ(زيوس) دون أن يحيل ذلك لقصدية ما ؟! ناهيك عن المفارقة الناتجة عن التناقض بين الفعل والخطاب!

الحجاب بات هوية محددة، أعتقد أن كل انسان في العالم، باختلاف انتمائه، يعي أبعادها، كما أن أساس التمثيل يكمن في قدرة الممثل على التعاطي مع الشخصية، لا أن يسبغ طبيعته الخاصة عليها، لكننا في ظل مجتمعات ازدواجية، نجد أنفسنا مرغمين على التعامل مع من ترغب أن تؤدي جميع الأداور في الحياة، ممثلة على الخشبة(إرضاء لذاتها) ومحجبة خارج الخشبة(إرضاء للمجتمع).

في الآونة الأخيرة كثر تواجد المحجبات في المجال الإعلامي، نشرت إحدى الصحف صورًا لبعضهن بأوضاع جريئة، استعرضن من خلالها أجسادهن الممشوقة، وشفاههن المكتنزة. شخصيًا لا أحب الحجر على تصرفات الآخرين، ولا أتدخل فيها على الاطلاق، لكني أحب التصالح مع الذات أيضا. ورغم أن تلك الصور(المستفزة) لا تعنيني بشيء، إلا أن التعدي(المزدوج) على حق الخشبة في عرض ما يتناسب وفكرها، هو ما يدعوني للكتابة اليوم.

بوح أخير:رفقة مجموعة مميزة من المسرحيين حكى لنا المسرحي د.جواد الأسدي حادثة طريفة، تتعلق بالندوة التطبيقية التي عقبت عرضه(الاغتصاب) لسعدالله ونوس، والذي احتوى على خلل غير مقصود تمثل في سقوط ساعة كانت تزين الخلفية.ففسر الراحل د.سعد أردش ذلك الفعل بسقوط الزمن العربي.اليوم وأنا أستعيد ذلك التفسير لفعل غير مقصود، أجدني أؤيد د.أردش بلاشك، فالمتلقي يفسر ما يقدمه له العرض، لا ما يتمنى المخرج تقديمه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى