الجمعة ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم حسن خاطر

لم يتبق سوى الهواتف النقالة

دأبت سناء على أن تتمرد على حياتها خاصة منذ أن توفى زوجها تاركا لها ولدان وبنتا، فهي لم تتعود على أن تصارع الفقر كما هو حالها الآن، جلست تفكر مليا في حالها وكيفية الخلاص من هذا الفقر الذي يزيد يوما بعد يوم وقد يأخذ بها يوما ما هي وأولادها إلى الهاوية والليالي المظلمة والحياة الكئيبة كما كانت تعتقد كلما فكرت في هذا الأمر. وذات يوم وبينما هي جالسة هكذا تفكر في أمرها هذا سمعت طرقات على الباب، نهضت لتتبين من الطارق فإذا بها صديقتها تهاني تلك المرأة التي تجاورها منذ زمن ولكنها تعرفت عليها حديثا.. رحبت بها ترحيبا حارا.. وجدت تهاني الدموع في عيون سناء والحزن قد بدا عليها فسألتها عن السبب، فلم تجيبها سناء ولكن تهاني أصرت على أن تعرف ما وراء دموعها وحزنها العميق هذا.. وأمام إصرار تهاني على معرفة السبب صارحتها سناء بأنها وأولادها يعانون الفقر وبتوالي الأيام تزداد الأزمة اشتعالا ولا حل يلوح في الأفق لمعاناتها لأنها لا تملك دخلا يؤمن لها معيشة طيبة لها ولأولادها الذين يكبرون وتكبر معهم مطالبهم واحتياجاتهم بينما هي تقف موقف المتفرج على انهيار الأسرة الذي يبدو واضحا وجليا، إن الانهيار لا شك سيزيد إذا بقى الوضع على ما هو عليه لا محالة. هدأت تهاني من روعها ومسحت بيدها دموع سناء التي تساقطت من جديد أمامها وقالت لها والشيطان قد سيطر على لسانها وأفكارها.. لماذا لا تستغلين أنوثتك الطاغية في حل مشكلتك هذه.. قالت لها سناء.. ماذا تقصدين؟.. قالت لها تهاني.. أكيد تفهمين ما أقصد.. أنا اقصد أنك تترددين على أوكار الليل وبيوت الدعارة وتقومين بتلبية رغبات الشباب والأثرياء مقابل أموال وهدايا ستأخذ بك وبأولادك إلى عالم الثراء.. دهشت سناء من هذا الأمر وصرخت في وجه تهاني صرخة مدوية وأمطرتها بالسباب واللعنات وقامت بطردها من بيتها شر طردة وطالبتها بألا تعود لزيارتها مرة أخرى.

جلست سناء تبكي وتبكي وأخذت تفكر في حالها تفكيرا عميقا وجالت بعينيها في أركان منزلها فهو بيت خاو من أساسيات المعيشة وذلك بعد أن قامت ببيع الأجهزة الكهربائية وبعض الأثاث لتنفق على نفسها وأولادها.. وفجأة لعب الشيطان برأسها وقالت لنفسها.. (لماذا لا أقوم بتنفيذ الفكرة التي طرحتها عليّ تهاني؟) خاصة وأنها تتمتع بجمال صارخ ولا تزال في بداية الثلاثينيات من العمر وأوشك عمرها بالكاد أن يصل إلى الواحد والثلاثين عاما فهي قد تزوجت صغيرة للغاية وأنجبت أطفالها ولم يعبث الزمن بجمالها حتى اليوم.. ثم صاح ضميرها وقالت.. لا لا.. لا يمكن أن أسير في هذا الطريق.. ثم عاد الشيطان ليلعب برأسها مرة أخرى ولكن في هذه المرة نهش الشيطان وبث سمومه في عقلها بقوة وجعلها تقرر أن تسير في هذا الطريق ولو لمدة محدودة وذلك من أجل الحصول على أموال كي تستطيع أن تشتري لأسرتها بعض احتياجاتهم التي يريدونها.. فمنزلها تنقصه الأثاث الفاخر والأجهزة الكهربائية كالغسالة والثلاجة والمكنسة الكهربائية والفيديو والبلاي ستيشن الذي طلبه ابنها الصغير منها مرارا وكذلك احتياجات ابنها وابنتها الكبار الذين التحقا مؤخرا بالجامعة وأصبحا ينظران إلى زملائهما وزميلاتهما بالجامعة الذين يملكون أشياء غالية وثمينة خاصة الملابس والأزياء، قررت سناء تنفيذ هذه الفكرة ولكن كيف لها أن تفاتح تهاني في هذا الأمر خاصة بعد أن قامت بطردها من منزلها في السابق.. إنها تخاف أن تنتقم منها تهاني وتنشر سرها هذا في أوساط مختلفة تتردد عليها تهاني أو تسر به إلى آخرين يقومون بفضحها على الملأ وتصبح على ألسنة كل من يعرفها أو لا يعرفها خاصة وأن تهاني ثرثارة وتهوى أن تلوك بلسانها الآخرين وتتابع أخبارهم.. وفجأة نفخ الشيطان في عقل سناء فكرة أن تخوض هذه التجربة بمفردها دون أن تخبر أحدا حتى تهاني نفسها.. وجلست تخطط لخوض هذه التجربة وعاهدت نفسها على أن تنتهج هذا الطريق لوقت محدد ثم تقلع عنه بعد أن تنتهي من شراء احتياجاتها ولوازم بيتها وتلبي طلبات أولادها.

وبطريقة أو بأخرى تعرفت على إحدى فتيات الليل وقدمت لها نفسها باسم مستعار وذلك من باب الاحتياط والتخفي لعدم الفضيحة وأوهمت أولادها بأنها التحقت بعمل ليلي كممرضة بإحدى المصحات العلاجية الإستثمارية الفاخرة ولكنها ستظل تحت الاختبار فترة من الزمن.. فربما تستمر في العمل وربما تنقطع عنه.. ذهبت أول مرة وهي ترتعد خائفة ولكنها التقت مع أول رجل وهدأ من روعها ومرت ليلتهما بسلام وقبضت ثمن ما قدمته لذلك الرجل من متعة مبلغا ليس بالقليل.. بل إنه (مبلغ محترم) على حد قولها.. هرعت إلى بيتها وهي تتلفت يمينا ويسارا وخلفها خوفا من أن يكون قد رآها أحد.

باتت ليلتها وضميرها يؤنبها على ما أقدمت عليه وأخذ قلبها يدق خوفا من الأمر تارة وغبطة بالأموال التي حصلت عليها تارة أخرى.. نامت نوما عميقا واستيقظت صبيحة اليوم التالي وأخذت أولادها وذهبت بهم إلى السوق لشراء بعضا من الإحتياجات التي تنقصهم.. وكررت السهرة مساء يومها التالي مع رجل آخر في مكان آخر كل هذا وأولادها مطمئنين بأنها تسهر في عملها كممرضة بإحدى المصحات العلاجية الإستثمارية كما زعمت لهم.. عادت من ليلتها الثانية بعد أن أرضت غرور الرجل الجسدي وغرورها الجسدي والمادي.. ولكنها لم تكن خائفة مثل ليلتها السابقة.. فقد إعتادت الأمر منذ ليلتها الثانية، وقامت في صباح اليوم التالي بشراء حاجيات أخرى لها ولأولادها.. بمرور الأيام والسهرات والليالي الحمراء أصبحت سناء وأولادها على باب الثراء أو هم أقرب إليه مما شجع سناء على المضي قدما في هذا الطريق بقدمين ثابتتين وقلب جريء فهي أصبحت ذات خبرة في هذا المجال وأصبح هذا الطريق مصدر للمال الوفير لها ولأولادها.

وبعد أن تعدد وتوالت الأيام قامت بشراء كل ما تحتاجه من أجهزة كهربائية وأدوات منزلية وملابس وحلي وقامت أيضا بتأثيث بيتها بالأثاث الفاخر وأرضت أولادها الذين ما زالوا يعلمون أنها تعمل ممرضة في مصحة علاجية استثمارية تغدق عليها المال الوفير.. بعد كل ذلك قررت سناء أن ترجع عن هذا الطريق وتكتفي بما فعلته وبما حصلت عليه من أموال.. وأخبرت أولادها بأنها سوف تقدم استقالتها من المركز الطبي الاستثماري الذي تزعم لهم أنها تعمل به وعقدت العزم على ذلك واستنشقت هواء الحرية من عبودية العمل في مجال الدعارة وأوكار الليل حتى ولو كان دخولها فيه كان بمحض إرادتها.. وتهيأت نفسيا على أنها سوف تستكين وتهدأ وتصبح امرأة سوية وتلتزم بيتها ولا تفكر في هذا الأمر كلية بعد ذلك.

وذات يوم جاءها أولادها وقد إعتراهم الحزن والضيق وأخذوا إليها يتوسلون أن تستمر في العمل في تلك المصحة العلاجية الاستثمارية (!!!) ولو لفترة قصيرة كي تقوم بشراء أجهزة هواتف نقالة (موبايلات) لهم فهم لا يملكون موبايلات مثل أصدقائهم وزملائهم.. فلقد أقدمت على شراء كل الإحتياجات لهم ولم يتبقى سوى الهواتف النقالة.. فقالت لهم لا يا أولادي الأعزاء.. بناقص هذه الموبايلات لا داعي لها ولا داعي لعودتي للعمل مرة أخرى من أجل شراء موبايلات أو غيرها فكفاكم الأشياء التي قمت بشرائها لكم.. وتحججت لهم بأن عملها شاق ومجهد.. ولكنهم توسلوا إليها من أجل الرضوخ لمطالبهم والعودة للعمل من أجل شراء موبايلات لهم فهم في حاجة ماسة لأن يمتلك كل منهم جهاز موبايل أنيق مثلهم مثل أصحابهم وأصدقائهم.. ضعفت سناء تجاه مطالب أولادها وقررت رغما عنها أن تعود لطريق الدعارة ولمرات معدودة ومحدودة قد تكون مرة أو مرتان أوثلاث مرات على أكثر تقدير إلى أن تحصل على أموال تستطيع بها أن تشتري الموبايلات لأولادها.

خرجت كعادتها في ليل من الليالي لاصطياد أحد الأثرياء لتقضي معه ليلتها وتقبض المقابل عشان خاطر عيون أولادها وكانت قد عقدت العزم الأكيد على أن تكتفي بليلة أو ليلتان أو أكثر بقليل تخرج فيها لإرضاء غرور طالبي المتعة مقابل مال وفير.. قابلت أحدهم واصطحبها لبيت دعارة ما كانت تدري أنه بيتا مشبوها وتحت أعين رجال بوليس الآداب، دخلا معا وكانت غرف البيت مليئة بطالبي المتعة الحرام رجالا ونساء.. جلسا معا لحظات ممتعة وأوقات مبهجة تبادلا فيها المتعة الحرام.. وفجأة داهم المنزل رجال شرطة الآداب وقاموا بالقبض عليهم جميعا بين عرايا وعاريات وشبه عرايا وأشباه عاريات.. وحملوهم جميعا في سيارة اتجهت بهم لقسم الشرطة في فضيحة شملتهم كلهم ولم تستثن أحدا.. وفي سيارة الشرطة رفعت سناء عينيها فإذا بها ترى تهاني صديقتها فهي كانت تنتهج هذا الطريق منذ زمن طويل.. كانت مع أحدهم في إحدى غرف ذلك المنزل أثناء مداهمة الشرطة له، فوجئت تهاني بوجود سناء بينهم.. صارحتها سناء بحقيقة أمرها فالأمر أصبح لا يمكن كتمانه، دهشت تهاني لأمر سناء وأخذت تسخر منها لأنها كانت تتظاهر أمامها بالعفة والنزاهة وقامت بطردها من منزلها عندما عرضت عليها خوض هذا المجال بينما تعمل من ورائها في الخفاء.. دخلت سناء في هستيريا بكاء شديد وأخذت تصرخ وتصيح (يا ليتكم يا أولادي ما طلبتم مني شراء الموبايلات، فأنتم من أجبرتموني على العودة لمثل هذا الطريق).. لطمت خديها، وسقطت مغشيا عليها.. وبعد أن أفاقت.. فكرت في مصير أولادها بعد أن حلت بهم هذه الفضيحة المخزية.. وبينما هي كذلك تفحصت المكان الذي كانت تجلس فيه انتظارا لأخذ أقوالها ومن ثم تحويلها هي وكل من تم القبض عليهم لمحاكمة عاجلة.. أيقنت أنها تتواجد في مكان عال ومرتفع أثناء التحقيق فهرعت إلى النافذة وبطريقة جنونية قامت بإلقاء نفسها منها وسقطت في بركة من الدماء وأنهت حياتها منتحرة، وفي ذات الأثناء كان أولادها يبحثون عنها حيث أنها تأخرت كثيرا عن موعدها المعتاد.. حقا كانت تأتيهم بعد منتصف الليل أو حتى قبيل الفجر بقليل وذلك بحكم عملها في المصحة العلاجية الإستثمارية كما كانوا يعتقدون ولكن في ذلك اليوم الكئيب لم تأت نهائيا فزاد قلقهم عليها وخرجوا يبحثون عنها هنا وهناك.. ذهبوا يسألون عنها في المصحة العلاجية الشهيرة التي أوهمتهم أنها تعمل بها ولكن المفاجأة أخرستهم حيث تبين لهم أنها لم تلتحق بالعمل في تلك المصحة العلاجية نهائيا كما كانت توهمهم بذلك، أخذوا يسألون عنها في كل مكان وأكملوا - وسط الدهشة والاستغراب والقلق - مسيرة البحث عنها في أقسام البوليس والمستشفيات إلى أن عثروا عليها جثة هامدة في إحدى المستشفيات الحكومية وعلموا من رجال الشرطة الذين كانوا يتواجدون بكثرة هناك بقصة القبض عليها ضمن شبكة الدعارة ثم انتحارها.. وبعد أن تيقن أولادها من أنها لم تكن تعمل في مصحة علاجية بل كانت تعمل في أوكار الليل وبيوت الدعارة.. صرخوا صرخة مدوية وأصابتهم هستيريا وجنون وهم غير مصدقون أن أمهم كانت قد خدعتهم وسلكت مسلك جلب لهم الذل والعار الهوان مما سيجعلهم يعيشون منكسي الرؤوس طوال الحياة نتيجة أفعال أمهم المشينة ولن تقوم لهم قائمة بعد ذلك.. تركوا أمهم دون حتى أن يلقوا عليها ولو نظرة وداع، وعادوا إلى منزلهم وبحركة هستيرية قام الابن الأكبر بإغراق المنزل بمادة حارقة وأشعل فيها النيران يمينا ويسارا ليتخلص من كل ما قامت أمهم بشرائه لهم بأموال الدعارة وقضاء الليالي بين أحضان طالبي المتعة الحرام.. وبدأ الأبناء بعد ذلك في مواجهة حياة جديدة مليئة بالتشرد والضياع وكل مسببات الخزي والعار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى