الأربعاء ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٩
جدلية التواصل والتفاعل
بقلم السعيد موفقي

الأدب وخطاب النقد لـ عبد السلام المسدّي

هذا الكتاب لـ عبد السلام المسدي، يطرح إشكال العلاقة الثنائية بين الأدب العربي والتناول النقدي من وجهة نظر فكرية وثقافية في ضوء الأنساق اللغوية والأسلوبية في تركيباتها المعقدة والبسيطة والمناهج اللسانية المشبعة بقناعة التساير والتوازي للتوجه المعاصر في التعامل مع النّص الأدبي، في مختلف مستوياته باعتبار (التماهي الأمثل بين كل من الأديب والقارئ والناقد لهو الذي يتحقق من خلال رسالة اللغة في المسافة من الزمن التي ثلاثتهم فيها ذات حضارية واحدة) ولأنّ تجربة الأدب العربي مع ثقافات الأمم الأخرى تجربة مريرة، إذ أنكر عليه إبداعه الكثير من المحسوبين على العملية الإبداعية الحداثية التي سيء فهمها على المستوى النظري والتطبيقي فـ (الأدب مشدود إلى خصوصية لغته وإن حلّق في سماء الإنسانية، أما النقد فإنّه يتخذ من الخاص سلما يعرج منه نحو الشامل الأعم)، وبذلك فإنّ اتخاذ الميثاق المعرفي مسألة حساسة في تأسيس العملية النقدية في الوجهة الصحيحة، ولأنّ المتلقي مثلما يسعى إلى استهلاك أكبر قدر من المعارف فإنّه ينتظر الإشارة في إرسالها من المبدع مستعينا بالناقد لأنّه(مَن تلقى الأدب فتمتع به وتقبّله فأقرّ بأنّه أدب دون سابق ظنّ....)، فالعلاقة التي أثارها النقد القديم أو الكلاسيكي لم تكن من باب الإجهاد الفكري أو اللغوي بقدر ما كانت بحثا عن التأسيس المتزن للمكتسبات الذهنية والحضارية والموروث المترامي الأطراف الذي أسهم في هذه العملية ودفع بعجلة التطور والتنظير بمختلف توجهاتها ولا تستقر في فترة واحدة، غير أنّ(نقلة جوهرية قد قفزت بالنقد قفزا نوعيا فأصبح طرفا رئيسا في إنتاج المعرفة)

ولعب دور الوسيط المنافس لنشاطات الإنسان في أكثر من مجال والوقوف عند حدود التفاعلات المعرفية وتنشيطها بالقدر الذي يسمح للعملية التوالدية مهما تنوعت أو كثرت، تسمح بالتواصل واتخاذ المرجعيات أكثر تداولا خاصة تلك التي تمثل الجانب التبصّري في علاقة النقد بالناقد وبالتالي تستجلي (فيما يعود منها إلى النقد وما هو عائد منها إلى الناقد)، ولعل النظرة التي اعتقدها النقاد القدامى قد كرّست الممارسة النقدية في إتباع خطوط مختلف العلوم التي انتشرت بشكل جلي في حينها، وإثارة إشكال التوالد فيما يسميها عبد السلام المسدي (مرجعيات التواصل) باعتبار : صلة الناقد بالسياق الفني والإبداعي والجمالي مما هو وثيق التعلّق بالسياق الفكري والحضاري، وليس الهدف تحرير العملية من تشاكل المواقف المؤثرة على النقد والأدب ولأنّ النقد ينبني تحديدا على توظيف كل الوسائل المتاحة لديه ليسهم في بناء صرح المعرفة الموضوعية المتطورة، في ظل المصاهرة الثقافية، والكتاب يثير قضية التواصل النقدي والأنموذج اللساني والدور الذي يلعبه الخطاب النقدي في ازدواجيته الثقافية والتثقيفية والتأثير المنهجي بمستوييه الوصفي والتاريخي كفعالية أدبية ولسانية تكرّس أسلوبية الموقف النقدي العربي بمعية المناهج القديمة والمستحدثة وتوليد قصدية الموقف وسلامته و(وفاء الدلالة...بالتلقي وبالفهم، أو بالتفهم والتأويل) إشارة إلى ما يحققه النقد من محددات كثيرة كأنموذج يستدعي (بذور المعرفة اللسانية) والبلاغية التي تحتكم إلى أسس سليمة لا تخضع للطائف الذات المفرطة والتجني على الموضوعية التي بدورها تعتمد حدود النقد فيما يستطيع (المستهلك) أي المتلقي كما يسميه المسدي، تلك علاقات فلسفية هدفها عصرنة الخطاب النقدي وضمان سلامة النص الإبداعي من تحامل المفاهيم الحداثية التي ساء فهمها كثير من المثقفين وحاولوا توظيفها مشوهة بدعوى الحداثة وأكثر من هذا إلغاء الدور الأدبي والنقدي القديم على الرغم من أنّ القاعدة السليمة في تفعيل العملية الإبداعية والنقدية على حد سواء انطلقت منه وليس من العدم، ولأنّ (فيما نتصور وبفضل ما نرصده من ظواهر اللغة ثم في ضوء استشعار معرفي هو ثمر حفر الباطن في الثقافة والمعرفة...)

وتلك حقيقة لا ينكرها الأدب الحديث مهما وصلت عملية التجريب فيه والتي لم يُفهم مصطلحها على الوجه الحقيقي وبقي مراوحا مكانه محاصرا بين فئات لا تزال لم تتمكن من ناصية اللغة وقواعدها تتذرع بتسامح النقد مع العملية الإبداعية كغاية جمالية، وهذا الذي رفضه النقد القديم ولعل شعار التجريب المرفوع باستحياء حديثا يتغاضى عن هذه القيم التقويمية للعملية الإبداعية التي ظلت بعيدة عن الساحة الأدبية في جانبها المركزي لتطوير التصور الأدبي والنقدي لهذا النشاط (ليست علاقة المعرفة النقدية بالمعرفة اللغوية في حاجة إلى شيء مثلما هي اليوم في حاجة إلى منهجية النظرية التي تكون بمثابة التأسيس للرابط التضافري الذي يصل بعضها ببعض) وهذا ما يسميه عبد السلام المسدي (بالأنساق والمناويل) على اعتبار أنّ العملية الإدراكية الصحيحة للوظيفة النقدية وعلاقتها بمستويات اللغة وفروعها المختلفة لا يمكن أن تنحصر في حدود غير فاعلة، ولكون (الأدب وهو القول الإبداعي ذاته، والنقد هو القول الواصف للأدب بصرف النظر عن مستويات الوصف وتوظيفاته)، ف(اللغة وهي القول الذي يتداوله المستخدمون والذي لا يعطي لأي واحد منهم وضعا دستوريا استثنائيا في المجموعة الثقافية)في حين (اللسانيات وهي المعرفة الواصفة للغة والتي تردّ إلى اللغة كلّ شيء يمارس اللغة حتى ولو كان أدبا)، هذا الطرح يحمل تقديرات منطقية للعلاقات والتفاعلات الذهنية واللغوي والإبداعية التي يجب أن يدركها الناقد وهي ممتزجة لا مفصولة و(تواجه إشكالات بعضها أصيل متأسس على ركائز ممتلئة يتطلب حسمها...

وما هي إلا مشاكل زائفة : تتولد بالظن وتتراكم بالوهم ثم تستحكم بالتواتر، فيشيع التسليم لها عند عامة المثقفين...في غير فحص ولا تمحيص)، وربّما العملية تعكس مدى حدّة الانحراف السياقي في تأصيل الإبداع من جهة وتجديد – زعما – نظرية نقدية مجايلة للإبداع الجديد، وهو تصور يشوبه تشويش وتشويه، تشويش في تلقيه واستهلاكه، وتشويه في توظيفه، وبالتالي أصبحت المعاناة معانتين، الهروب من الموروث لقدمه وكلاسيكيته، والتخوف بل الضياع في الحديث المشوه حتى ولو كانت مصادره من ثقافة واردة (مدار الأمر هو حال الشاكي وليست حال المشكو منه)، فالتقدير الحقيقي الذي وصل إليه عبد السلام المسدي في هذا الكتاب اللبس الحادث في حركة الوعي المغيّبة والتي أُبعدت عن دائرة التداول والتنشيط، وسيطرة اللاوعي الذي مُرّر بطريقة أو أخرى، ومن جهة (فكثيرا ما كان خطابهم قناعا للتفريج عن آرائهم التي يهربون بها من منابرها الجدلية الصريحة ليحفروا لها خنادق بين سطور الكتابة الأدبية والنقدية).و من هنا فالنظر للعملية الأدبية واللغوية تقتضي التفاعل الكلي أفقيا وعموديا، ربط المعاصر بالتراث والتفاعل مع النشاط الثقافي الرافد في ضوء التقديرات القديمة الحديثة.

 [1]


[1الدكتورعبد السلام المسدي / تونس / متخرج من كلية الآداب ودار المعلمين العليا في الجامع التونسية / أستاذ اللسانيات / عضو المجمع العلمي العراقي 1989/ وعضو المجمع التونسي 1997/عضو مجمع اللغة العربية في الجماهرية العربية والليبية 1999/عضو مجمع اللغة العربية في دمشق 2002.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى