السبت ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم فؤاد اليزيد السني

المَطَر

للشاعر الأسباني: فدريكو كارسيا لوركا
لِلمَطَرِ مِثل سِرّ،
شاسِعٍ و وديع،
مَليءٍ بالاسْتسلام،
و بِالنُّعاسِ المَليح.
و بِخَفاءٍ تَصْحو مَعَهُ موسيقى،
تُدَغْدِغُ روحَ المَناظِرِ البَطيئَة.
 
إِنّهُ قِبْلَةٌ لازورْدِيّة،
هذه التي تَتَلَقّاها الأرْض.
إنّهُ الأسْطورَة البِدائِيّة،
تَتَوَلّدُ مِن جَديد.
اِتّصالٌ بَيْنَ أَرْضٍ و سَماءٍ باردَتَيْن،
في نُعومَةِ مَساءٍ لا يَنْتَهي أَبَدًا.
 
إِنّهُ شَفَقُ الفاكِهَة،
الحامِلِ لِلزّهور،
طَهارَةٌُ لِروحِ قُدس البِحار.
إِنهُ الحامِلَِ لِلْوَصِيّة،
على الحَياة في البُذور،
صَوْتُ المَجْهول،
في قُلوبِنا المُرَّة.
 
إِنّهُ الوُسْواسُ الرّهيب،
لأرْواحِ حَياةٍ تَضيع،
إنّهُ الشّعورُ الحَتْمي،
بالمَجيءِ بَعدَ فَواتِ الأوان،
و التّوَهُّماتِ المُقْلِقَة،
لِمُسْتَقْبَلِ مُسْتَحيل،
تَوَهُّمات بِلَوْنِ البشرَة.
 
إِنّهُ يوقِظُ الحُبّ،
في رَمادِ إيقاعاتِها،
إِنّهُ سماؤنا الدّاخِلِيّة،
التي تَتَقَرْمَزُ بِالتّفَوّق.
و مَعَ ذَلك تَتَحَوّل ثِقَتُنا إلى أَحزان،
بِتَأَمُّلِها لِلْقَطَراتِ المَيِّتَة على الزُّجاج.
 
إِنّها عُيونُ الأبَدِيَة،
هذه القَطَراتُ التي تَرى،
بَياضَ اللاّ نِهايَة،
التي مَنَحَتْها البِداية.
 
و كُلّ قَطْرَةٍ مَطَرِيّة،
تَضْطَرِبُ على الزُّجاج،
تَغدو إلهية،
كَجُرْحِ جَوْهَرَة.
شاعِرَةً لِلْماء،
الذي رأى و تَأَمّل،
ما يَجْهَلُهُ النّهْر،
و كُلّ رَوافدِه.
 
بِلا رِياحٍ و لا رُعود،
أيّها المَطَرُ الصّامِت !
حَنانٌ رَءوف و وَديع،
لِأجْراسِ الخِرافِ و الضّياء.
طيبَةٌ مُسالِمَة،
وَحْدَها الحَقيقيّة،
هذه العاشِقَة الحَزينَة،
التي لَها خِفّةَ السُّقوط.
 
أيُّها المَطَرُ "الفْرَنْسيسكاني"،
أَنْتَ مَن كُلُّ قَطْرَةٍ مِن قَطَراتِك،
تَحْمِلُ روحا صافِيَة لِلنّافورات،
و لِتَواضُعِ الينابيع !
و حين تَنْحَدِرُ رُوَيْدا،
على مَشارِفِ الطّبيعَة،
تَتَفَتّحُ لِموسيقاتِك،
ورودُ قَلبي.
 
و المَزْمور البِدائي،
الذي رَتّلْتَهُ في هُدوء،
و الحِكايَة الرّخيمَة،
التي حَكَيْتَها للأغْصان المُلْتَفّة.
فَقَلْبي في صَحْرائِه،
ما زالَ يُرَدّدها و هو يَبكي،
على الخُطوطِ الخَمْسَة السّوداء،
تلك التي لا مِفْتاحَ لِمُيولِها.
 
و في نَفْسي حُزْنٌ،
بِرِقّة الشّتاء.
حُزْنٌ بلا أَمَل،
للذي يَمْتَنِعُ عَن الإنْجاز.
و عِند المدى أرى،
نَجْمَةً مُتّقِدَة،
و لكنّ قَلبي يَمْنَعُني،
مِنَ اللِّحاقِ بها لِرُؤيَتِها.
 
إِنّكَ تَضَعُ رِقّةً مُحَيِّرَة،
على مَلامِسِ "البيانو"،
أَيّها المَطَر الصّامِت،
أَنْتَ مَن تُحِبّ الأشجار!
إِنّكَ تَمْنَحُ قَلبي،
الرّجْعَ الشّاسِع،
الذي يَهزُّ الرّوح البَطيء،
لِمَشاهِدِ الطّبيعَة.
للشاعر الأسباني: فدريكو كارسيا لوركا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى