الثلاثاء ٣١ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم مريم علي جبة

أراك في الجولان.. انتظرني...

بقلم: مريم علي جبة

عندما وصلت إلى موقع عين التينة الذي يطل على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، كانت تتوق إلى هذه اللحظات التي طالما حلمت بها.. فهي تعيش خارج الوطن في بلد المغترب.. سمعت كثيراً عن الجولان السوري المحتل، وكانت ترى مشاهد تلفزيونية على القناة الفضائية السورية، تلك المشاهد التي تصور العدد الغفير الذي يتربع على عرش مملكة الوطن، في موقع عين التينة المطل على بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل..

كانت تتابع هذه المشاهد، وترى المواطن السوري، ابن وطنها، يخاطب أقاربه وإخوته من موقع عين التينة، عبر مكبرات الصوت، ليسمعه ذووه في الجانب الآخر، الجانب المحتل..

لم تكن تشعر وهي تتابع هذه المشاهد المؤثرة عبر الشاشة الصغيرة، لم تكن تشعر بما انتابها من إحساس عن قرب، وبتماس مباشر عندما حملها شوقها للذهاب برفقة أعداد غفيرة من المواطنين السوريين والعرب إلى موقع عين التينة المطل على الأرض الغالية، أرض الجولان المحتل، كان إحساس فيه الكثير من الشجون، فيه الكثير من الحزن.. تساءلت: ما هذا، ولماذا يحدث ذلك؟

وسرعان ما امتلأت عيناها بالدموع وباتت تتلفت حولها لترى وتسمع عبر مكبرات الصوت، صوت من هنا.. من موقع عين التينة ينادي: كِيِفك يا إمّي؟.. وصوت من هناك من بلدة مجدل شمس المحتلة يُجيب: كِيفَك يا إمّي؟

وراحت الأصوات تتداخل فيما بينها.. أما البكاء فقد كان من نوع مختلف، بكاء يبعث على البكاء دون عناء..

راحت تبكي، وابتعدت قليلاً عن هؤلاء الذين حولها، لترى شاباً يضع نظارات شمسية على عينيه، لقد ابتعدت قليلاً عن مشهد البكاء الذي يبعث على البكاء، لكن ذلك الشاب زاد من شجونها ومن دموعها أيضاً.. اقتربت منه وعبثاً حاولت إخفاء نحيبها الذي كاد يقتلها.. حاولت أن تسأله أي شيئ.

كان هو ينظر إلى البعيد.. البعيد، إلى تلك البقعة المحتلة من أرضنا الحبيبة سورية.. وبقصد أخذت تنظر إليه باستغراب، وهو لا يحرك ساكناً، وثمة دمعة سخية كانت تذرفها عينيه، كانت تنظر إليه.. إلى دموعه، ولم تتوان عن الاقتراب منه، أما هو فلم يشعر بها إلا بعد مرور دقائق على وقوفها في المكان الذي يقف هو فيه.. استدار نحوها وهو ينظر إليها بشيئ من الحزن، وما لبث أن شاح بنظره عنها ليوجهه إلى بلدة مجدل شمس، وثمة دقات لقلبه راحت تتسارع، واستأنف نظراته إليها، ودقات القلب تتسارع.. واضطرب بشدة، ولم يمنعه ذلك من الاقتراب منها وسؤالها عن أهلها في الجولان المحتل..

نظرت إليه وابتسمت ابتسامة حزينة وأجابته: ليس لي أي قريب في الجولان المحتل، لكن لي وطن هناك، وطن لم أكن أعلم أن أهله يقفون هذه الموقف باستمرار، لقد رأيت حزناً لم أره في حياتي، كنت أسمع عنه، أراه على شاشة التلفزيون.. وهذه المرة الأولى التي أعيش فيها هذا الشعور بحزن عميق.. إذ ابن هنا، وأم هناك.. شوق هنا، وقلق هناك، لماذا كل هذا العناء؟

يبتسم ابتسامة يلفها الحزن ويقول لها: أهلي كلهم هناك، أمي وأبي وإخوتي وأخواتي لم أرهم منذ سنوات..

تقول له..كم أنت حزين، ويا لهول ما تحمل في داخلك من شوق وحنين..

يقول لها: ما أسعدني لو تجاوزت هذه الأسوار التي أمامي، ما أسعدني لو كنت أقبّل يديّ أمي الآن، ما أسعدني لو أرى إخوتي وأخواتي..

يبكي..

انظري ما أشقاني دون ذلك كله..

تتركه، وتبتعد عنه، وتمشي ببطء شديد وهي تنظر إلى التجمع لأهلنا في بلدة مجدل شمس المحتلة، ثم تستدير لتنظر إلى الجمع الغفير المتواجد في موقع عين التينة، ثم تنظر خلفها لترى ذلك الشاب الذي يرفع يده قائلاً لها: هل سأراكِ ثانية؟

فتجيبه: أراك في الجولان.. انتظرني..

وترحل دون أن تنظر إلى الخلف، لكنها حملت معها صوراً حزينة لعيون ملأى بالدموع، وأصوات يلفها الشوق والنحيب.. لكن الأمل كان يزرع في نفسها ذلك الشعور بالعودة.. لكن ليس إلى موقع عين التينة، بل إلى الجولان.. علّها ترى ذلك الشاب الذي أبدى رغبة برؤيتها، لكنها وعدته بأن تراه في الجولان.. وطلبت منه أن ينتظرها..

بقلم: مريم علي جبة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى