الثلاثاء ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم وليد رباح

الشخبطه على حيطان اللخبطه

بت اخشى على ثقافتي من ان تتقزم او تنحسر أو حتى تندثر.. فقد امضيت عمري اجمع القرش فوق الاخر كي اشتري كتابا او مجلة او ما يمكن ان يقرأ.. اكدسها على الرفوف لامرين.. اولاهما القراءة المعمقة..بحيث يغدو النص نتيجة الشخبطة على حوافه كاللغة الهيروغليفية.. وثانيهما فشخرة وعنطزة ادعي الثقافة وامارسها امام فرسان الكلمة.. ثم جاءتني مزبلة الانترنت لكي تضيع نقودي هدرا.. وجاءني تحت رعايتي موظفون(محترفون منحرفون) لا يعرفون الياء المكسورة من منجل الحصاد.. والتاء المربوطة من عيني حبيبتي.. والهمزة من منساس الحراثه.. حتى الالف كما يقولون من كوز الذرة..وجلهم ممن يحملون مراتب جامعية عليا في اللغة العربية.. فسلمتهم امري فاختلط الامر علينا جميعا وغدونا مثل من رقص على السلم فوقع فاندقت عنقه.. وبات يمشي ورأسه ملوية الى الوراء.. وقدماه احداهما تتجه نحو الخلف والاخرى أمامية.. يذهب كأنما هو آت.. ويأتي وكأنما هو ذاهب..

ولا أعتقد اني بعد هذا العمر المديد قد ينصلح حالي او استطيع تغيير مآلي فزمن انفتاح المخ قد ولى.. فقد وهن العظيم مني مختلطا باللحم والغضاريف فبت أتوكأ على عصاي بعد ان تقوس ظهري وثقل لساني واصابني الخرف.. فكلما عن لي ان اقرأ شيئا من تلك المزبلة التي سميناها رجعت سنوات الى الوراء.. وتدحرجت خطواتي نحو عوج اللسان حتى بت الحن عندما اقرأ.. واخطىء عندما اكتب.. واصبحت اللغة كالغربال مثقوبة من كل الجوانب.. واخذت ثقافتي في الذوبان وكأنما هي حليب (النيدو) في الماء الفاتر.. وانظر الى رف الكتب المرصوصة امامي فتمد لي لسانها متشفية ضاحكة ساخرة متندره..فقد اهملتها واخذت اقرف من رائحتها الا ان يقفز الكتاب من مكمنه ليصطم برأسي فأقرأ عنوانه ثم القيه جانبا.. وها هي نقودي تضيع في وريقات غير الزمن لونها الى صفراء كالحة تفيدني فقط اذا ما اصبحت بائعا للترمس كي اقمعها واحسنها في وجه الزبون الذي يدفع قرشا ثمنا لحبات يقزقزها اثناء سيره في الطريق الموحش.

واني لاعتقد انه عقاب من الله أن يدخلنا في مزبلة الانترنت قسرا..فانت متخلف ان لم تجار العصر.. ودقة قديمة اذا لم تستخدم الكيبورد بدلا من القلم.. فاذا عدلت عن موجبات العصر تسأل نفسك.. كيف انتجت الورقة والقلم في زمان مضى ادبا رفيعا لا نجده في هذه الايام.. وبم كان فحول الشعراء يكتبون.. ربما بسباباتهم على رمل الطريق او الصحراء لا فرق.. أكانوا حقا يغمسون الريشة بالمداد فيفلح الزمن في رسم الخطوط المتعرجة على وجوههم كوديان عطشى للماء بعد انقطاع طويل.. أما انت في عصر الكيبورد.. ان كنت مسئولا عن ما يدون في جريدة مقروءة او موقع للانترنت فانت مجبر على قراءة كل ما يصلك من (زبائن) هذه اللعنه. حتى تستبعد الغث فتنحيه وتلتقط السمين فتنشره.وتصطدم عيناك باليقين.. فهذا ناقد وذاك خبير عسكري وثالث استراتيجي كاتب ومحلل ومؤرخ وانثروبولوجي وجيولوجي.. هذا شاعر وذاك قاص أو ناقد وتلك خبيرة في شئون الطلاق وتربية الطفل.. هذا سياسي وذاك أديب.. تلك مفكرة وهذه رائدة فن الطبخ.. وفي المحصلة انت امام خبراء في علم (البتاع كله) فيقترب عقلك من الفرقعة والجنون.. وتصيبك العنة والعته فلا تدري حجمك من حجم غيرك.. الا من تعرف انهم كتاب حقيقيون فيكفونك مؤونة التصحيح.. حتى لقد بت اتساءل..اذا ما كان لدينا كل هذا الحشد من الفاهمين والخبراء والمختصين والعتاولة، فلماذا نحن امة متخلفة..؟

لا اخفيكم ان عدم استخدام العقل في التفكير قد يصيبه بالصدأ.. فانت في الانترنت امام معلومة جاهزة تظللها بالفأرة التي تتنطنط مثل العفريت ثم تؤشر عليها بالنسخ ثم تسحبها الى مقرها الاخير.. واني لاعتقد ان تسعين بالمائة من اصحاب المواقع والجرائد لا يقرأون ما كتب.. ولا يدققون بما سحب.. ولا يدرون عما تتحدث الكلمة المسحوبة.. ما يهم ان يمتلىء الموقع بارقام الزوار واسماء الزائرين للتشدق والعنطزة انهم مقروؤون حتى العظام.. وفيما مضى من الزمان كانت ارجلنا تتورم جريا وراء محرر في جريدة ما.. او حتى البواب او الاذن في مجلة محترمه لكي يتوسط لنا برؤية رئيس التحرير الذي ما ان يراك ويرى وريقاتك حتى يقول لك حاول مرة اخرى : لكننا مع كل ذلك لا نعدم مواقع قد يستفيد منها القارىء لان المشرفين فيها يهمهم أمر الكلمه..

انه عصر الشخبطة على حيطان اللخبطه.. وانه العقل الذي صدأ فعلا فلا مجال لارساله عند المبيض كي يعيد اليه رونقه وبهاءه وعنفوانه وفهمه.. واذا ما ظللنا على هذا الحال.. فلسوف نصل الى اسماء لامعة تكتب في الفحوى جيدا.. لكن العرج يصيبها لانها لا تعرف اللغه.. هذا ان علمنا ان اللغة هي عنوان من عناوين بقاء الامة.. ونحن ولله الحمد في طريقنا الى الزوال.. بعد كل ما حدث ويحدث..

ايها الناس.. اذا اردتم ان تكونوا كتابا فاقرأوا الف كتاب قبل ان تمتد يدكم الى القلم او الكيبورد.. والا اصابكم ما اصابني.. وغدا لسانكم مثل لسان عدنان الذي هاجر الى الولايات المتحدة فسمى نفسه ركس لكي يغتني بسرعه.. لكن الامريكان كشفوه.. فاعطوه خازوقا خرج من رأسه ورحل من حيث أتى.. وتحياتي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى