الخميس ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم صلاح عليوة

أعوام رعود وريح

(لا ينظرون وراءهم ليودِّعوا منفى، فإنَّ أمامهم منفى)*

حزننا واحدٌ

في نشيجِ الصدى

وبكاءِ الكمانْ

سوف تُربكنا في الأناشيدِ

أسماؤنا

تنزوي ملءَ أقمارِ صيفٍ

مشردة في حنينِ القرى..

ملءَ نهرٍ بلا وجهةٍ

وخريفٍ تشققهُ عشبتانْ

هاك موطُننا

ولنا وهجُهُ

في قلائدِ أسلافنا

ولنا ما تيتَّمَ من زهرهِ

وفراشاتهِ..

فلتقدنا لبهومتاحفهِ يا دليلُ

وبيّنْ لنا كيف كانَ المكانُ هنا

كيف كنا هنا

قبل موتِ اللغاتِ

وكيف نُزعنا

من الضوءِ والماءِ

كي نترقرقَ نهرَ حنينٍ

يهوّمُ في عتماتِ الزمانْ

سوف نبقى هنا

رغم غيبتنا...

بعد ألفي هلالٍ كسيرٍ

وأعوامِ برقٍ وريحٍ

وستين حرباً

وبعد صخورِ المعابرِ..

بعد طلوعِ النهارِ

على فوهاتِ بنادقِ أعدائنا...

والمرورِ إلى شرفاتٍ

على عجلٍ تتطايرُ عنها

طيورُ الأمانْ

سوف توجعنا الذكرياتُ..

ونأسى لزيتونةٍ

يستظلُ بها غيرُنا

ونسيمٍ ترقرقَ نحورئاتِ الغزاةِ

لأمكنةٍ رممتها الأساطيرُ....

حطتْ عليها طيورٌ مُحنطةٌ

من تراتيل غاربةٍ

كي يعودَ الزمانُ لأصحابِ كهفٍ

أتوا عنوةً من شقوقِ الزمانْ

أي نهرٍ من الموتِ يتبعنا

قد صحونا

على وقعِ أقدامِ أعدائنا

ولغاتٍ مُهرّبةٍ

من قبورِ التواريخِ تتبعنا

وصراخِ قياصرةٍ

يحسمون معاركَهم..

وتواريخ أوديةٍ

تتقدسُ في لحظةٍ

حين تلمسها ألفُ جمجمةٍ

نسبتها الأساطيرُ للمِعْمِدانْ

أي حقلٍ من الريحِ يذكرنا

بعد موتِ المسافاتِ فينا

وبعد الرحيلِ مراراً

إلى وطنٍ راحلٍ

بعد مولدِ أطفالنا

في هواءِ الحدودِ

وبعد إقامتنا

في ارتحالِ العناوينِ..

بعد أعاصير ليلِ الخيامِ..

أيألفنا دفءُ بيتٍ

وأقدامنا عبرت كالصدى

وينابيعُ أعمارنا

شربتها المتاهاتُ

كنا هنا.. وهنا

والمساءُ الذي سوف يأتي غدا

لن يجدنا

فليس سوى أمنياتٍ مهشمةٍ

أوظلالٍ لطائرةٍ أوحصانْ

أي قاضٍ سيحصي مواريثنا

أويمرُ بكفٍ مواسيةٍ

فوق أسمائنا

أويساءلُ أشجارنا

ومواسمَ أمطارنا

ورنينَ مطارقنا في الجدارِ

ليثبتَ أنا أقمنا هنا..

أن أقوالنا

طوَّقت موقداً في الشتاءِ

وأن حكاياتِ أجدادنا

تترائى لنا من شقوقِ الهواءِ

وأن ملامحَنا – وحدها –

هي روحُ المكانْ

من سيكتبُ قصتنا

من سيجمعُ أشلاءنا

بعد شاعرنا

ويقول لنا: إن بردَ الظلالِ

وسروالتلالِ

سيعرفنا إن أتينا هنا

سائحينَ

ونلقي سلامَ الغريبِ

على غرباء أتوا

تحتَ أعيننا

وأمامَ ضحى سافرٍ

زيفوا عُملاتِ الرِهانْ

* عن محمود درويش


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى