الجمعة ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
سيرة الزنزلخت

المثقف وانهيار الحلم في رواية خليل حسونة

بقلم: ناهـض زقـوت

تطرح الرواية الفلسطينية الحديثة منظومة جمالية أساسية ضمن المشهد الروائي العربي، فإنها تطرح على القارئ /الناقد الكثير من الأسئلة الحافلة بالخصوصيات الروائية، التي تنسج جدلية متلاقحة بين الواقعي والخيالي، وهذا النص موضوع دراستنا من النصوص التي يمكن انتسابها إلى الرواية الحديثة، حيث تميزت بخروجها عن المألوف الروائي التقليدي، فهي رواية متمردة، تغرق في التجريب إلى حد هيمنة الدلالات الرمزية على إجمالية النص، وسيطرة ضمير الغائب من خلال الراوي العليم بكل شيء.

وقد تميز كاتب هذه الرواية "خليل حسونة" في الساحة الأدبية الفلسطينية بأنه كاتب متعدد الأجناس الإبداعية، فهوروائي، شاعر، قاص، ناقد، باحث في التراث، وكاتب في السياسة، ونشر ما يقارب من الثلاثين كتاباً سواء داخل الوطن أوأثناء تواجده خارج الوطن بحكم الغربة التي فرضت على الفلسطيني. وعلى المستوى الروائي، فقد نشر روايته الأولى "الأشياء" في عام 1992. وصدرت في دمشق. أما روايتيه "الدوائر" (صدرت عام 2004)، "وسيرة الزنزلخت" (عام 2005) فقد نشرتا في الوطن.

تعالج الرواية موضوعاً مطروقاً في الأدب الروائي والقصصي الفلسطيني، هوموضوع المعاناة، من خلال شخصية المرأة "سعاد" التي تعاني الوحدة والتمزق، وتحيا حياة بائسة تعيسة مع زوجها فدعوس، قبل طلاقها والجديد في سيرة الزنزلخت هوكيفية تعبيرها عن هذه المعاناة، وكيفية تشكيل حكاية سعاد وفدعوس في ظل الواقع الفلسطيني، وعلاقة الراوي بشخصية سعاد والشخصيات الأخرى التي شكلت رؤيته السردية.

وإذا كانت "سعاد" على المستوى الدلالي الواقعي امرأة بسيطة تحلم مثل كل نساء الكون بإنجاب طفل، حتى يعود إليها زوجها الذي هجرها، فهي على مستوى البنية العميقة التي تمثلتها لغة النص، امرأة تحمل دلالة رمزية شكلت أفكار الراوي ورؤيته، فهي تمثل الواقع الفلسطيني بكل مكوناته، والباحث عن حل لقضيته، وحين يتوصل إلى حل يكتشف مدى نقصان هذا الحل، فما عليه/عليها إلا البحث عن الأمل في المستقبل (الجنين)، الذي قد يأتي بحل جديد أفضل من حل الآباء، ويحمل عبء الماضي وتركة الآباء.

مكان السرد وزمانه:

في سيرة الزنزلخت، لا نستطيع الفصل بين المكان والزمان إلا على المستوى الدلالي، أما على المستوى الواقعي فثمة ترابط حميمي بينهما، على اعتبار أنهما يحملان شهادة التاريخ على الواقع الفلسطيني.

تأتي هذه الرواية لتعبر في أحداثها عن الزمان المتمثل بعد اتفاق أوسلو، وعودة الغائبين، وقيام السلطة الوطنية، وصولا إلى انتفاضة الأقصى. أما المكان فهوقطاع غزة على امتداد مساحته، مستحضراً أحياناً الماضي في القرية الفلسطينية ليقارن بينها وبين الحياة في المخيم.

تنظر " قلبة" أبوهولي في عيون الطابور الحلزوني الطويل. (8)
في الحارة زلزال يخلط الماء بالطين. (11)
لم يهتم الراوي بوصف ملامح المكان وتفصيلاته، مما يشير إلى حالة الرفض لهذا الواقع الذي لم يوفر له وللآخرين الشعور بالأمان، فما زال الضباب يلف المكان، وغلالات من الدخان تطوق المكان (91) إن الأزرق (الاحتلال) ما زال قابعا في "قلبته" يتحكم في الطرقات والمعابر.

الراوي وتشكيل الحكاية:

من مميزات الرواية الحديثة سيطرة الراوي على النص بكل مكوناته الفنية، إلى درجة تطغى فيها صورته عن كل العالم الروائي الذي يرويه، الشخصيات، الأحداث، السرد. فهوالشخصية المركزية في السرد التي تلغي وجود الشخصيات الأخرى إذ يعلوصوته على جميع الأصوات فلا تسمع إلا صوته، وهوفقط صاحب السلطة، ولا ينبغي لأحد أن يتفوه بشئ من المعلومات سواه.

في سيرة الزنزلخت يهيمن الراوي على النص هيمنة قوية، بمعنى أن الراوي هوكل شئ في النص – كما ذكرنا – مستخدما ضمير الغائب أداة في تحريك مجريات السرد، والشخصيات. نقرأ مثلا:

 ها هي تقف ساعات طويلة أمامه بصمت، تعصف بها رجفة باردة، تجتاحها سهام الاضطراب.. يعبث الهواء الغاضب بخصلات شعرها، وهي شاخصة النظر مستسلمة استسلام شعاع الشمس إلى النوم في أحضان البحر.. تحدق في الأمواج المتلاطمة بقوة... يتمثل داخل مخيلتها صراع شيخ همنغواي مع البحر.. ثم يشدها خيط الذاكرة صوب عوليس الباحث عن البيت ودفء المرأة من جديد.. تحاول أن تبحث عن عوليسها. (5)

في الاقتباس النصي الذي أوردناه، يدخل الراوي إلى داخل النفس، ويعرف أبعادها النفسية، والعلاقات الاجتماعية التي تتحكم فيها فهويعرف كل شئ عنها، ولا يمنحها فرصة لتعبر عن نفسها. بل يقوم بالدور بضمير الهو، دون تفسير أوتحليل لتلك الأبعاد النفسية، الباطنة، والاكتفاء بوصفها وصفاً محايداً، كما يراها أويستنبطها في أذهان الأبطال، لأنه يحاول ترك الحرية للقارئ ليفسر ما يحكى له ويؤوله.

ولم يكتف الراوي بالتعبير عن الشخصية، بل حملها أفكاره وثقافته، فالمرأة في الاقتباس، ونعتقد أنها "سعاد"، يتمثل داخل مخيلتها صراع شيخ همنغواي وعوليس الباحث عن البيت والدفء.

وبقراءة شخصية "سعاد" كما مثلها الراوي في النص، نجد أنها امرأة بسيطة ولم يتضح في النص ثقافتها العالية، ليقنعنا الراوي أنها تعرف همنغواي أوعوليس، فالمخيلة هنا مخيلة الراوي/المؤلف وليست مخيلة المرأة.

إن طغيان الذات الساردة بضمير الغائب في النص الروائي جعل الرؤية فردية ذاتية، مما أبعد النص عن الموضوعية، وصدقية الحدث، كما جعل الأحداث الروائية تدور حيثما دارت ذات الراوي، ونقرأ الأحداث من خلال عيني الراوي:

يصيبه دوار.. ولكنه يظل ثابتاً في مكانه.. تحاول أن تلتهم ضعفه.. تحاصره.. يرتكب ما رفضه كثيراً.. لقد اعترف أنه أحبها، ولم يعد هناك مجال للفرار منها.. جن بها.. جنت به حتى أدمنته.. عاد إلى وطنه كسيراً لفظه الجميع، فلم يجد له ملاذا سوى مقهى البحارة.. تحتضنه الكراسي الملقاة هنا وهناك. (57)
في هذا النص المقتبس، لم يشر الراوي من المقصود في النص، هل فدعوس؟ أم شخص آخر؟ إن هذا النص يأتي من فكر الراوي ورؤيته دون أن يشير أويعطي صاحب الحق في الحديث عن ذاته، مما خلق مسافة بين القارئ وموضوع الحكاية، وبالتالي أضعف البناء الروائي.

الشخصيات الروائية:

تعد الشخصية الروائية من أكثر المقولات النقدية تشعباً. إذ تتلاقى عندها تحليلات الدارس البنيوي والباحث النفسي والاجتماعي، كما تتفارق عبرها رؤيات ونمذجات عديدة، هذا إضافة إلى تباين مستويات حضورها ضمن المحكى الروائي.

في سيرة الزنزلخت، وكما ذكرنا هيمن الراوي على السرد، إذ جعل من نفسه ناطقاً باسم كل شخصية من شخصيات النص، دون أن يتمكن القارئ من التمييز بين الشخصيات لانعدام الخصوصية والتمايز.

وفي الرواية موضوع الدرس، نقف عند ثلاث شخصيات مرصعة بالكلمات استخدمها الراوي في السرد، هي: سعاد، وفدعوس، وأم أحمد. وهذه الشخصيات مشخصة عبر خصائص سلوكية ونفسية ومزاجية، هذا بالإضافة إلى المقولات الأيديولوجية التي تشكل رؤيتها للعالم.

ينسكن النص بتلك الشخصيات التي صنعها المؤلف /الراوي، بالإضافة إلى شخصيات باهتة بلا ملامح ولا تفاصيل لوجودها الحقيقي في النص إلا ما يراه الراوي، مثل: الصياد، والمرأة الستينية، والجارة، والفتى الحالم، والصديق.

لقد حملت الشخصيات الروائية دلالات جمعية أكثر منها فردية، ملتحمة ببعضها، لذا لم نستطع الفصل بين كل شخصية والحديث عنها على حدة، رغم محاولتنا بهدف اكتشاف دلالتها، إلا أننا داخلنا بين الشخصيات في التحليل على اعتبار أنها شخصيات مترابطة كأنها خيط واحد متصل بذات الراوي.

تمثل "سعاد" محور الشخصيات، بل هي الشخصية الأهم لدى الراوي التي من خلالها يحرك خيوط السرد.

ينهض صوت "سعاد" في نسيج المحكى الروائي، عن امرأة متزوجة من فدعوس الذي تزوجته بعد أن "رفضت الجميع من أجله" (6)، إلا أن فدعوس تركها وهاجر بحثاً عن الولد بعد أن اكتشف أن سعاد عاقر، ولكن سعاد لم تيأس بل واصلت مشوار حياتها مستندة إلى المرأة العجوز "أم أحمد" التي اعتبرتها مثل ابنتها، ولكنها في الوقت نفسه حزينة على ما آلت إليه أمور حياتها بعد غياب فدعوس، إلا أنها سعت وراء الطفل الذي كانت تسميه "ابن العازة" والذي يمثل لها الأمل والمستقبل، في محاولة منها لاسترداد فدعوس، لهذا بدأت تمارس كل الطقوس والعادات التي تمارسها المرأة العاقر من الذهاب إلى العرافين، إلى الاستحمام يوم أربعاء أيوب في البحر، كل هذا بمساعدة صديقتها ودليلتها في الحياة "أم أحمد". ويعود فدعوس من غربته طالباً الصفح والغفران ومعترفاً بخطأه، إلا أن سعاد لم تشعر بالفرح لعودته تقول: "لقد انتظرت يوم الفرح طويلاً.. ولكن العريس ليس هوالعريس (12)، فقد اكتشفت كم هوملئ بالزيف والخداع.

وهذا التصور الذي رسمه الراوي لسعاد، ملئ بالدلالات الرمزية والرؤى الأيديولوجية، ومما يؤكد ذلك محاولة الراوي انتفاء صفة المرأة عنها بالمعنى البيولوجي للمرأة، يقول: "المرأة ليست ثديان ورحم فقط، كثيرة هي التفاصيل الحميمية.. فكل البلدان والعيون محطات للنجوم، ولا مجال للوهم" (110). وهذا ما يؤكد أن سعاد تحمل دلالة رمزية أعمق من كونها امرأة بسيطة تعيش في مخيم الشاطئ.

وحينما نغوص في أعماق شخصية سعاد، وبقراءة أفكارها في المساحة اللغوية التي تركها الراوي لها أحياناً لتحكي عن نفسها، نكتشف أننا أمام امرأة تمتلك ثقافة عالية وخبرة سياسية وتجارب حياتية عديدة، وهذا لا ينعكس على سعاد، بل ينعكس على دلالتها الرمزية، التي حاول الراوي توظيفها في النص لتعبر عن منطقه وفكره، لا منطقها ورؤيتها الخاصة بذاتها كامرأة، إنها أداة الراوي في التعبير عن ذاته، وطرح أفكاره الأيديولوجية عن الواقع الجديد بعد اتفاق اوسلو.

أما شخصية "فدعوس"، تلك الشخصية التي ارتبطت بسعاد بذلك الرباط المقدس، وهاجر إلى منافي الغربة يبحث عن الأمل والمستقبل، وحين لفظه الجميع عاد إلى وطنه كسيراً، فلم يجد له ملاذا سوى مقهى البحارة، الذي يذهب إليه كل يوم بعد عودته من عمله، ويلعب القمار، ويعود آخر الليل إلى بيته خالي الوفاض، ولم تشعر سعاد بعودته كما كانت تحلم وتنتظر، فقد عاد إليها صامتاً جامد الشعور. فما كان منها إلا اليقين أن لا حبيب لها سوى ابنها القادم(16)، إذ أصبحت تسعى نحوالأمل والمستقبل المتشكل في ابنها القادم، حيث دفعها فدعوس لتقف تسائل نفسها: "من أنا.. ماذا أكون؟ ما هذا الذي يحدث معي (32)، لقد وصلت في ظل فدعوس العائد إلى حالة من الاضطراب والتهلهل الفكري: "تنحني على التراب.. تخط وتمحوما تخط، ثم تعيد ما خطت، فأي شئ هذا الذي يجتاح روحها.. وما هذا الذي يلاحقها.. رؤى متداخلة.(5)

إن شخصية فدعوس كما رسمها الراوي هي شخصية عبثية، لا تقيم للأمور وزناً ولا تحافظ على ثوابت، يقول الراوي عنه: "وعندما بلغ مبلغ الرجال.. ورغم الفوارق الحادة.. صارت له، وله وحده.. وهويضغط على أزرار ذاكرته المثقوبة، إلا بما رسب منها في القاع(7-8)، أوما جاء على لسان أم أحمد: "أين المبادئ التي أقروا بها أمامنا.."(95).

لقد جعل الراوي من فدعوس شخصية في موضع سخرية من الآخرين، لأنه خالف النهج الذي تسير في طريقه سعاد، إذ جعله مادة للتندر والاستهزاء من رواد المقهى.

لقد فقدت سعاد ثقتها بفدعوس، فهي منذ البداية لم تصدق أنها عودة حقيقية من أجلها: "لا أعتقد أنك جئت تسأل عني أوأنك جئت تعيد حساباتك.. فلقد فات الأوان(38)، تلك كانت رؤية سعاد إلى فدعوس منذ يوم عودته، حين اكتشفت زيفه وخداعه، وخلق منها أسيرة تحت رايته دون شعور بالحرية، وحملها كل الأخطاء سواء التي ارتكبتها أوالتي ارتكبها الغير، فهي دائما المدانة. فما كان منها إلا الصراخ في وجهه محاولة التخلص من عبوديته: "كانت الأخطاء كثيرة.. أخطاء الغير، وأنا فقط المدانة.ويصل حد نقمتها على فدعوس بأن ترفض عودته. تعلم أنك أنت من أتى.. وأني لم ولن أعود..!(45).

ويبقى السؤال، هل حقا تخلصت سعاد من فدعوس؟ وهل هناك بديل يحل مكان فدعوس؟. يقول الراوي قاصداً "سعاد": "تتجه الأحلام نحوالرغبة المباحة.. يعبث الفتى المحب بصنمي العاج، وهويمشط ضفائر السنابل لاثماً كرز الثغر.. ومع أنها رفضته وحسمت أمرها تجاه فدعوس ظل يحبها من طرف واحد "(13)، إذن ثمة من يحاول الصعود من الزمن متسلقاً للنخيل، ولكن الفتى المحب لم يجد لدى سعاد مكاناً، فذوى عوده، وأصبح الحنين إليه جافاً.. ووصوله بطيئاً، لأن سعاد لم تعد تسقيه(14)، إذ حسمت أمرها مع فدعوس ورفضت الجميع من أجله، ورغم ما حدث بينهما من خلاف في الأفكار ووجهات النظر لم تكره فدعوس، إنما حاولت أن تعيده إلى قواعده سالماً. وفي النهاية يقفان معاً في انتظار ابن العازة: "تركب الأيام على عجلات حركتها.. تهرول.. تجري بسرعة قصوى..يتكور بطن سعاد.. ينظر إليه "فدعوس" منتظراً ابن العازة.. القادم من وهج الضوء ورحم المعاناة(112).

أما الشخصية الثالثة في النص فهي "أم أحمد"، وقد رسمها الراوي كأنها رأس مثلث، طرفيه سعاد وفدعوس، فهي كبيرة نساء القرية، العارفة ببواطن الأمور(9)، والمتمسكة بالتراث والعادات والتقاليد، "لقد تخطت الخمسين عاماً.. وهي الآن في الستين تمتد في أيام المخيم والرجال.. ظلت أم أحمد صامدة.. ثابتة على مواقفها(74).

لقد مثلت أم أحمد على المستوى الدلالي الرمزي، الماضي والتاريخ، يقول الراوي عنها: "والثرى يعانق قلب أم أحمد.. فيعلن نبضاته الدافئة عندما تجلس متربعة على الأرض تحدق في براعم الطفولة التي تسير على أقدامها الغضة، فتلغي كل الفواصل والنكوص.. ترسم على جبينها شمس التاريخ، ونوافذ النهار المطلة على برك الضياء، وصور الوطن وهي تقاتل الزمن الباهظ (77).

وكان فدعوس على خلاف سعاد بعد عودته في الموقف من أم أحمد، فهذا العائد قد رفض التاريخ ويحاول تغييره، ويريد أن يشعر بالراحة دون مشاكل أوثورات، فهوشخص قد استسلم للواقع، لهذا كان على موقف الضد من أم أحمد، ويتمنى موتها ليرتاح ذهنه من قيودها، انهضي الآن.. ابحثي لك عن رائحة في الفراش.. فيكفيك أن تغزوروحك الأضواء، والأنواء، وتنادي حبيباً أعجزه الحضور(16-17).

إن موقف فدعوس من أم أحمد يرتبط بالمكان السردي /الواقعي وزمانه، فهومقيد بقيود الاتفاقات التي ألغت التاريخ وزورت الجغرافيا: "كانت رفح في حضن فلسطين.. وفلسطين في حضن التاريخ يحاولون أن يجعلوها بلا عينين..(110-111).

ولم تكن أم أحمد بعيدة عن رؤيتها إلى فدعوس، فقد اكتشفت أن كل شئ قد تغير، فتقول إلى سعاد حين اشتد بها اليأس من مواقف فدعوس: "اسكتي يا ابنتي.. اسكتي فلقد تغير كل شئ(78). لهذا لم تصدق أم أحمد حين أخبرتها سعاد بأنها تحمل رغبة أثقلتها: "سمعت كثيراً عن هذا الكذب النبيل"(31) وتشاهد أم أحمد تكور بطن سعاد، فما كان منها إلا الابتسام، فهي غير مصدقة أن هذا الحمل من فدعوس، وتنتهي الرواية دون أن يأتي ابن العازة، بل ما زال متكوراً في بطن سعاد أي أن الأمل لم يأت حقيقة. بل ما زال غائباً في المجهول، قد يأتي وقد لا يأتي: "الدموع لا تعطي أصحابها الحق في حقهم الغائب، لا بد للفعل من فعل(98).

لقد ترك الراوي /المؤلف النهاية مفتوحةً على سؤال كبير: هل حقاً سعاد حامل؟.

وبعد أن قاربنا دلالات الشخصيات في النسيج الروائي، نحاول تركيب الرؤية السردية وفق تلك المقاربات، لنصل إلى مشروع الراوي /المؤلف الأيديولوجي في سيرة الزنزلخت.

وكان انبناء الرؤية السردية في النص وفق المقاربات الدلالية التي طرحتها شخصيات الراوي، كالتالي:

- سعاد: هي فلسطين أوالواقع الفلسطيني بعد أوسلو.

- فدعوس: هوالفلسطيني العائد المستسلم للواقع.

أم أحمد: هي الماضي والتاريخ أوهي فلسطين التاريخية.
الفتى الجميل: هوالفلسطيني الآخر المنافس على سعاد، (تنظيم سياسي ما).
المولود القادم: هوالأمل والمستقبل، هوجيل الغد الذي يراهن عليه الراوي في إعادة ما دمره فدعوس.
المثقف وانهيار الحلم:

شكل اتفاق اوسلووقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حالة من التناقض بين ذهنية المثقف وسلوكه، ففي موقف لا يرفض تحرير الوطن أوأجزاء منه وفي موقف آخر ليس هذا ما حلم به وطرحه في كتاباته، كانت فلسطين التاريخية هي مجمل أحلام المثقفين الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، وجاء اتفاق أوسلوكمرحلة أولى في انهيار الحلم، وكانت المرحلة الثانية فيما رافق السلطة من مساوئ على المستوى السياسي، والاجتماعي، بالإضافة إلى وجود الاحتلال رغم شعارات التحرير، فكيف يكون الاحتلال، وقيام سلطة وطنية على أرض واحدة، تناقض رفضه المثقف.

وتطرح "سيرة الزنزلخت" إشكالية المثقف الفلسطيني في رؤيته للواقع بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث لم يكن هذا حلمه، إنما كان حلمه أكبر من وجود سُلطة يطوقها الاحتلال، ويطمح من خلال وعيه الممكن إلى واقع بديل يزاوج بين الحلم والواقع، بمعنى سلطة وطنية خالية من العيوب والمفاسد، سلطة تكون نموذجاً متفرداً عما يحيطها من أنظمة عربية، سلطة تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، سلطة تسعى نحوبناء المجتمع المدني بعيداً عن العسكرة والهيمنة الأمنية، سلطة تؤمن بحياة الجماهير والفقراء، سلطة ترفع عن الشعب ذل الاحتلال وممارساته القمعية.

* [1]

بقلم: ناهـض زقـوت

[1كاتب وباحث فلسطيني ـ قطاع غزة ـ nahedhzaqqut@hotmail.com

1ـ خليل حسونة: سيرة الزنزلخت. منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين. غزة 2005

2 ـ الأرقام الموجودة في متن الدراسة هي أرقام الاقتباسات النصية في الرواية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى