الأربعاء ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم جميل حمداوي

صورة الإنسان في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف

إضــــاءة:

من المعلوم أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف قد ارتبط بالإنسان الريفي بصفة خاصة والإنسان المغربي بصفة عامة منذ ظهور هذا الفن سواء في أشكاله الاحتفالية الفطرية الجنينية أو ما يسمى أيضا بالأشكال الفرجوية ماقبل المسرح أم في استوائه الفني والجمالي تقعيدا وتنظيرا وتطبيقا.

وقد عبر هذا الفن الدرامي خير تعبير عن صراع الإنسان الأمازيغي مع ذاته الممزقة والمهترئة، كما عبر بصدق وأمانة عن علاقته التفاعلية بالآخر سواء أكانت علاقة سلبية أم إيجابية، وعكس لنا هذا المسرح أيضا بشكل موثق صراع الذات الأمازيغية جدليا مع واقعها الموضوعي من أجل إثبات وجودها وهويتها وكينونتها.

وعليه، فقد كان المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف في جوهره ومضامينه وأشكاله التعبيرية وأساليبه الأدائية والفنية والجمالية مسرحا إنسانيا بامتياز يتغنى بالذات الكائنة في أبعادها المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية، ولكن بدرجات متفاوتة ومختلفة من عرض مسرحي إلى عرض ركحي آخر.

إذا، ماهي طبيعة صورة الإنسان في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف؟ وماهي خصائص هذه الصورة الذهنية على المستوى الدلالي والرؤيوي والتشكيل الميزانسيني؟ وماهي الآليات الجمالية والفنية التي استعان بها هذا المسرح في تركيب رؤاه الدرامية وتشغيل صوره الإنسانية؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف نحاول قدر الإمكان الإجابة عنها في موضوعنا هذا.

أنماط صورة الإنسان في المسرح الأمازيغي:

يقدم لنا المسرح الأمازيغي مجموعة من الصور الذهنية والرؤيوية التي تبين لنا طبيعة الإنسان الأمازيغي ونمط تفاعله مع الذات والمجتمع والآخر، ويعكس لنا أيضا سمات شخصيته العضوية والنفسية وطبائعه الاجتماعية والأخلاقية والثقافية.

كما يرصد لنا هذا المسرح المتنوع من حيث المضامين والأشكال والرؤى مجموعة من الصور الثقافية التي يرد عليها الإنسان في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف التي تقع جغرافيا بشمال المغرب مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط في شكل هلال من مدينة طنجة غربا إلى مدينة الناظور شرقا.

وإليكم - أيها القراء الأفاضل - معظم الصور الرؤيوية التي استعرضها المسرح الأمازيغي الريفي سواء أكان ذلك داخل نطاقه المحلي والجهوي أم خارجه عبر ربوع الوطن والضفة الأخرى كما هو شأن مسرحية:" أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب" للمخرج فخر الدين العمراني التي قدمت في المغرب وفي مسارح هولندا.

1- صورة الإنسان الضائع:

من المعروف أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف قد خصص معظم عروضه المسرحية لتصوير الإنسان الأمازيغي الضائع والمهمش والمقهور في بلاده بسبب الظلم والحيف والجور ناهيك عن إحساس هذا الإنسان بالإقصاء والتهميش والنبذ لهيمنة الاستبداد السياسي واستفحال التسلطن البيروقراطي.

وهكذا، نجد في مسرحية " ثشومعات/ الشمعة" للمخرج عبد الواحد الزوكي إيقاعا تراجيديا سوداويا يعزف على نقرات اليتم والظلمة وانهيار الإنسان الأمازيغي وسقوطه جنائزيا في عالم الظلمة والموت. ويعني هذا، أن الإنسان في مسرحية:" الشمعة" يعاني من الوحدة والتهميش والتغريب والعزلة والإقصاء والظلم. وقد استعان عبد الواحد الزوكي بمجموعة من التقنيات الميزانسينية والمدارس الإخراجية للتعبير عن موت الإنسان الأمازيغي واضمحلال كينونته بسبب الظلم الذي يمارس ضده بدون أي حق شرعي أو سند قانوني.

وهذا مانجده أيضا جليا وواضحا في مسرحية:" ثايوجيرث/ اليتيمة" للمخرج محمد بن سعيد، والتي تصور لنا اليتم الوجودي والكينوني والحضاري عبر ثنائية الخير والشر وثنائية البياض والسواد باستعمال سينوغرافيا رمزية تجريدية توحي بالعبثية والتمرد والثورة على الواقع الموضوعي بكل مقوماته السلبية وأوضاعه المشينة.

وتحضر صورة الإنسان المهمش والمقهور والمظلوم والضائع الذي يعاني من البؤس والفاقة والفقر والبطالة والضياع والتغريب في مسرحية:" ءاعباس ءاعساس/عباس الحارس" التي عرضت بمدينة الناظور سنة 2000م، وهي من تأليف فؤاد أزروال وإخراج مصطفى أينض.

وتتجسد هذه الصورة كذلك في مسرحية:" ءامزروظ ذي ربحار/ الفقير في البحر" لفؤاد أزروال تأليفا وإخراجا، ومسرحية:"ءاغيور ءينو ءيعيزان/حماري العزيز" لفؤاد أزروال اقتباسا وإخراجا، ومسرحية:" ءاظاراف/ الإسكافي" من إخراج فاروق أزنابط، ومسرحية:" ثيسيث/ المرآة" للمخرج سعيد المرسي التي عبرت عن عبثية الإنسان وضياعه الكينوني وانبطاحه الوجودي وتصوير عذابه السيزيفي بصورة غريبة وغير معقولة، ومسرحية:" تامورغي/ الجراد" التي جسدت هشاشة الإنسان الأمازيغي وضآلته الوجودية في مجتمع القهر والعسف والشطط والاستبداد السياسي والصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي.

2- صورة الإنسان المهاجر:

ثمة مجموعة من العروض المسرحية التي رسمت صورة الإنسان الأمازيغي المهاجر الذي اختار الهجرة بديلا لتعاسة المجتمع وهروبا من الفقر والبؤس وتخلصا من إفرازات التفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي بحثا عن القوت اليومي والحريات العامة والخاصة، ورغبة في الاستمتاع بحقوقه باعتباره ذاتا إنسانية كرمها الله في هذه الأرض المباركة. لكن الهجرة لم تكن دائما حلا "إلدورادوريا" إيجابيا ينتج عنه تأمين الحياة وتحقيق الثراء الاجتماعي والتميز الطبقي، بل كانت للهجرة آثار سلبية تتمثل في إحساس الإنسان الأمازيغي بالاغتراب الذاتي والمكاني ناهيك عن الشعور بالتغريب والنقص والدونية والإقصاء وفقدان الهوية في بلدان المهجر.

ومن المسرحيات التي جسدت صورة الإنسان المهاجر نذكر على سبيل المثال: مسرحية:" ثابرات/ الرسالة" للمخرج فاروق أزنابط التي عبر فيها عن معاناة الإنسان الأمازيغي في أرضه واختياره الهجرة حلا للخروج من أزماته النفسية والعضوية، بيد أنه سيعاني المرارة في أرض المهجر بالإضافة إلى كل أنواع العذاب البشري الناتج عن الشعور القاتم بالاغتراب الذاتي والمكاني. وهذا ما تجسده أيضا مسرحية فؤاد أزروال:" علال ذاك ليمان/علال في ألمانيا" من خلال الإحالة على التمزق النفسي والوجودي والواقعي الذي يعيشه الإنسان الأمازيغي في ديار الغربة.

ومن المعروف أن ثاني مسرحية أمازيغية في الريبرتوار الدرامي الريفي تناولت قضية الهجرة في قالب سكيتشي كوميدي وهي مسرحية:" ءيهواد ءوكامباوي غاباسابورتي/ نزول البدوي بالمدينة قصد الحصول على جواز السفر" من تأليف وإخراج جماعي، وقد عرضت بقاعة العروض بمقر الاتحاد الاشتراكي وسينما الريف بمدينة الناظور سنة 1979م، وقدم العمل من قبل زوج لويزا بوسطاش ومحمد بوزرو وعبد الإله اليزيدي.

ومن العروض المسرحية الأخرى التي تناولت صورة الإنسان المهاجر بالرصد والتمثيل والتشخيص نذكر مسرحية:" أمتلوع/ التائه" لفاروق أزنابط تأليفا وتشخيصا وإخراجا، ومسرحية:"ربيعا ذ بوزيان ذشواغاظ ءوليمان/ ربيعة وبوزيان وتراخيص الهجرة إلى ألمانيا".

وعلى أي حال، فقد وردت صورة الإنسان المهاجر في المسرح الأمازيغي بالريف إما من خلال موضوع مهمين ولافت للانتباه وإما من خلال إشارات حوارية أو منولوجية ثانوية وعرضية.

3- صورة الإنسان المتشبث بالهوية:

إن أهم صورة ذهنية شخصها المسرح الأمازيغي بالريف وهي تقابل صورة الإنسان المهاجر نستعرض صورة الإنسان المتشبث بأرضه وهويته الأصيلة وكينونته الحضارية ودفاعه المستميت عن مقومات وجوده من خلال التشبث بلغته الأم والتمسك بكتابة تيفيناغ، واستعادة الذاكرة الأمازيغية لتمثلها في الحاضر في شكل عبر ودروس نضالية وقيمية وإنسانية، والانفتاح على تاريخ تامازغا حوارا وتناصا وترميزا وأسطرة واستنساخا، والاستهداء بمقاومة أبطالها الأشاوس كماسينيسا ويوبا وصيفاقس وتكفاريناس ويوغرطة والكاهنة وكسيلة والشريف محمد أمزيان وعبد الكريم الخطابي.

ومن المسرحيات التي رسمت صورة هذا الإنسان مسرحية" نشين سا/ نحن من هنا" من تأليف عبد الخالق كرابيلة وإخراج فخر الدين العمراني التي تندد بالهجرة والاغتراب والبحث عن السراب الموهوم، وتدعو في المقابل إلى التشبث بالأرض والدفاع عنها مع تغيير الأوضاع السلبية بماهو إيجابي ومثمر لصالح الإنسان الأمازيغي الذي عانى الكثير من جراء الضياع والتهميش.

لذا، فالمسرحية تدافع عن جذور الإنسان الأمازيغي الأصيل، وأحقيته في أرضه وبلاده وثقافته وحضارته، كما تنتقد سياسة التهميش والإقصاء التي تمارس ضد هذا الإنسان الضائع بدون نص شرعي أو سند قانوني أو عرف بشري أو إنساني.

ونجد هذا التصور في مسرحية:" ثاسيرث/ الطاحونة" للمخرج سعيد المرسي الذي يقدم لنا رؤية فلسفية لإنقاذ الإنسان الأمازيغي من التشتت والتمزق والضياع والتهميش، وتقوم هذه الرؤية على التشبث بالطاحونة التي ترمز إلى الهوية والكينونة الأمازيغية، والتمسك بتلابيب الإنسية الأمازيغية لغة وكتابة وحضارة، وعدم التفريط في المقومات الأصيلة والتجذر الوجودي وإلا ستتعرض هوية الإنسان الأمازيغي للاندثار والانقراض والضياع كباقي الإنسيات المهمشة في العالم.

وقد وظف سعيد المرسي في عرضه الركحي تقنية السينمسرح على غرار المخرجين الألمانيين كبيسكاتور وبيتر فايس وبريخت لاستعادة الذاكرة التاريخية وتصوير أمقران الجد الأمازيغي الأكبر الذي يعود من الماضي نحو الحاضر ليجد نفسه غريبا بين أحفاده المتغربين، وقد فرطوا في كل المقومات الحضارية الدالة على الوجود الأمازيغي والإنسية الموروثة.

بيد أن أولى مسرحية أمازيغية بالمفهوم الحقيقي للمسرح طرحت صورة الإنسان المدافع عن هويته الأصيلة في منطقة الريف وهي مسرحية:" ءازَوغ ذي ثايوث/ أبحث في الضباب" لفؤاد أزروال وقد عرضت بالريف سنة 1991م.

كما طرح جميل حمداوي هذه الهوية في أبعادها التاريخية والصراعية عبر نصه المسرحي الدرامي المكتوب:" نحن أحفاد ماسينيسا"، وهو أول نص مسرحي أمازيغي بمنطقة الريف مكتوب باللغة العربية، وقد نشر ضمن كتاب " نصوص مسرحية" صادر عن مطبعة الجسور بوجدة سنة 2009م.

ونستحضر عروضا مسرحية أخرى تتحدث عن الهوية الأمازيغية والكينونة والجذور والذاكرة التاريخية والأسطورية ومنها: مسرحية فاروق أزنابط:" ثاندينت ن تارجا/ مدينة الأحلام" التي عرضت بمدينة الناظور سنة 1995م، وفيها يحاكم ماسينيسا يوغرطة على تفريطه في مقومات الكينونة الأمازيغية، ومسرحية عمرو خلوقي:"ءانان ءيني ن زمان/ قال الحكماء" التي عرضت سنة 2007م مرتين: الأولى بدار الشباب بأزغنغان والثانية بقاعة نيابة التعليم بالناظور، ومسرحية:" ثاسريث ن ءوزرو / عروس الحجر" من تأليف جمال أبرنوص وإخراج فاروق أزنابط، وقد عرضت بالمركب الثقافي بالناظور سنة 2008م.

4- صورة الإنسان الحالم:

عديدة هي العروض المسرحية الأمازيغية بمنطقة الريف التي تفاجئنا بتيمات رؤيوية جادة تقرب العمل المسرحي الدراماتورجي من مسرح العبث واللامعقول أو من المسرح السريالي الذي يتجادل فيه الشعور واللاشعور أو يتصارع فيه الوعي واللاوعي كما في مسرحية فرقة إسفظاون بأزغنغان التي تحمل عنوان:" ثيارجا برا ثيري / حلم بلا ظلال"، وهي من تأليف عبد الله أنس وإخراج أحمد علاوي والطيب المعاش.

وتتحدث هذه المسرحية التجريدية الرمزية عن أحلام الإنسان الأمازيغي وآماله المتطلعة، بيد أن هذه الأحلام الوردية سرعان ما تتبخر سرابا وكسادا بسبب الخيبة وعبث الحياة وانبطاح الإنسان في هذا العالم المنحط الموبوء بتدهور العلاقات الإنسانية وسقوط المثل الأخلاقية في عالمنا المأساوي الذي أفسده بنو البشر بما جنت أيديهم الملوثة.

وقد ساهمت ثنائية الظلمة والنور على مستوى التشكيل الضوئي والسينوغرافي في تأجيج صراع الخير والشر وتبئير ثنائية السعادة والشقاء لتعكس في الأخير عالما سرياليا يتداخل فيه الوعي واللاوعي والشعور واللاشعور والماضي والحاضر والعقل والطيش.

كما تصور المسرحية ولادة الإنسان الذي احتضنته الأحلام الناعمة ليجد الحالم نفسه في الأخير بين أثداء الأمل ومخالب اليأس، فيسقط المحضون الشقي صريع السخرية والمفارقة الكونية وتناقضات الواقع المنحط.

وترد هذه المسرحية الفلسفية في قالب سوداوي تراجيدي يقوم على فلسفة الجنون والضحك والعبث، ويذكرنا هذا العرض في تجلياته الكبرى وتقاسيمه الفنية وملامحه التشخيصية بمسرح اللامعقول أو بمسرح العبث الغربي كما لدى صمويل بيكيت ويونيسكو وأرابال وصمويل بيكيت وألفرد جاري.

4- صورة الإنسان المقاوم:

تعكس مجموعة من العروض المسرحية الأمازيغية بمنطقة الريف صورة الإنسان المقاوم والمحارب كمسرحية " ثازيري ثاميري/ القمر العاشق" للمخرج فاروق أزنابط التي تجمع بين العقدتين: الرومانسية والتاريخية. ومن ثم، تصور هذه المسرحية ذات القالب الرومانسي والتاريخي مشاركة الإنسان الريفي في الحرب الأهلية التي قادها الجنرال فرانكو ضد اليسار ما بين سنتي1936و1940م، وقد ذهب ضحيتها الكثير من أبناء الريف الذين جندوا مقابل لقمة خبز بسبب الجفاف الشديد الذي ضرب المنطقة وانتشار البطالة والفقر وشدة الحاجة.

وتتسم هذه المسرحية بصدقها في نقل علاقة غرامية بين مجند ريفي وعشيقته الوفية التي أحبته إلى درجة الجنون والموت بعد أن تيقنت بموت خطيبها في ساحة الحرب.

كما تعبر مسرحية:" أرياز ن وارغ/ رجل من ذهب" من تأليف أحمد زاهد وإخراج فخر الدين العمراني عن شهامة إنسان مقاوم أمازيغي يتعرض للتعذيب من قبل الأعداء لكي يدلهم على مخابئ المقاومين الريفيين. لكنه يصر على الرفض والتحدي والصمود والمقاومة فينتهي به الإصرار والامتناع إما إلى الانتصار والزواج كما في التصور الميزانسيني لفخر الدين العمراني وإما إلى الموت والاستشهاد كما في النسخة الإخراجية الثانية لفاروق أزنابط.

وتحضر صورة المقاومة الأمازيغية في الكثير من عروض الريبرتوار الأمازيغي كإحالات خلفية ورموز دالة وعلامات سيميائية وظيفية ومستنسخات تناصية تاريخية، وترد أيضا بمثابة شخصيات حوارية مغيبة على مستوى التشخيص التواصلي كما في مسرحية:" تابرات / الرسالة" للمخرج فاروق أزنابط على سبيل الاستشهاد ليس إلا.

كما جسدت متون هذه العروض المسرحية في المقابل صورة الإنسان الأمازيغي الخائن كالشخصيتين التاريخيتين: بويوزان وأقرقاش قي مسرحية"أرياز ن - وارغ/ رجل من ذهب".

5- صورة الإنسان العاشق:

تصور مسرحيتا:" أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب" للمخرج فخر الدين العمراني ومسرحية:" ثازيري ثاميري/ القمر العاشق" للمخرج فاروق أزنابط مشاهد رومانسية تنقل لنا بعض المواقف الغرامية التي تجسد الإنسان الأمازيغي العاشق الذي يتسم عشقه بالعفة والوقار والنبل والشهامة وسمو الأخلاق مع احترام المرأة الأمازيغية التي كانت مثالا للجمال والوفاء والتضحية والعمل الدؤوب وطاعة الزوج.

وتعد مسرحية:" ثرايثماس/ اسم علم لامرأة " التي أخرجها فاروق أزنابط سنة 1994م مسرحية رومانسية صادقة تصور تجربة غرامية عفيفة بين عاشقين أمازيغيين، وفي نفس الوقت تناقش قضية الحب العذري في البيئة الأمازيغية الريفية.

6- صورة الإنسان الفنان:

قدم المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف فرجات درامية وركحية تتغنى بالفنان المبدع ضمن التصور الميتامسرحي كمسرحية:"ءيمحباس ءومزكون/ سجناء المسرح" للبشير الإدريسي تأليفا وإخراجا، وقد قدمت سنة 1988م بالقاعة الكبرى بدار الشباب بالناظور.

وتصور هذه المسرحية معاناة الفنان المسرحي الأمازيغي وما يعيشه من إحباط مأساوي في مجتمع منحط لايعترف بالفن بصفة عامة ولا بالمسرح بصفة خاصة. ومن هنا، يوقف المخرج المسرحية في وسط العرض بدون أن يستكملها ليترك للجمهور الفرصة لمناقشة القضية للبحث عن ماهية الفن المسرحي ووظيفته في الحياة.

وتحضر هذه الصورة كذلك في مسرحية فؤاد أزروال:" ءاغنيج ءيذورار/ أغاني الجبال" التي عبر فيها عن تآكل الفنان وذوبانه مأساويا في مجتمعه، وتجسيد صراعه الوجودي والإبداعي مع ذاته وواقعه الموضوعي المحبط. وقد قدمت المسرحية كما هو معروف بمناسبة اغتيال الفنان الأمازيغي الجزائري معطوب الوناس. ومن ثم، فهي تجسد معاناة الفنان الأمازيغي وهو يحاول مقاومة متاريس واقعه المتردي من أجل إبداع أغنية واحدة لتكون لسان حاله المتصدع.

7- صورة الإنسان المتفلسف:

هناك بعض العروض المسرحية الجادة التي تتخذ منحى رمزيا وتجريديا تقدم صورة الإنسان المتفلسف الذي يعاني من القلق الوجودي ويفلسف جاهدا ماهية الإنسان ومصيره الوجودي، وترصد طبيعة كينونته العبثية المقهورة التي تجنح نحو الغرابة والشك واليأس والتشاؤم كما في مسرحية:" ثابذات/ بدأت" التي عرضت سنة 2002م بالغرفة الفلاحية بالناظور وهي للبشير الإدريسي تأليفا وإخراجا.

وتتناول هذه المسرحية قضايا فلسفية أنطولوجية تتعلق بالإنسان ووجوده المصيري وكينونته الذاتية، كما تعكس هذه المسرحية ظاهرة القلق البشري ومعاناة الفرد من الاغتراب الذاتي والمكاني في شكل تساؤلات كونية فلسفية ميتافيزيقية مؤرقة وحائرة.

وتعبر مسرحية المخرج نعمان أوراغ عن التوجه الميتافيزيقي الفلسفي في التعامل مع قضية الإنسان وخاصة في عرضه المسرحي الذي قدم سنة 1999م بقاعة سينما الريف بالناظور تحت عنوان:" ناخراقد حوما وانتامسفهيم/ خلقنا لكي لانتفاهم".

ويتبين لنا من خلال عنوان المسرحية أن العرض يعبر عن سقوط الإنسان وانعدام التواصل بينه وبين ذاته وبينه وبين الواقع بسبب رقمية المعطى الموضوعي وتشييء الإنسان وتعرضه للاستلاب حضاريا وكينونيا.

8- صورة الإنسان المتمرد:

ثمة مجموعة من العروض المسرحية التي تحمل إيقاعا ثوريا قائما على التمرد والانتفاضة على الأوضاع المتردية السائدة، ورفض الواقع الكائن المتعفن مع استشراف واقع بديل من خلال التطلع إلى عالم إيجابي يتسم بالتغيير الديناميكي يسود فيه الحق والقانون والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المرأة والرجل كما في جل المسرحيات الأمازيغية ولاسيما مسرحية:" تمرد امرأة" لماجدة بناني تأليفا وإخراجا.

هذا، وقد عرضت هذه المسرحية الواقعية سنة 2007م بقاعة نيابة التعليم بالناظور مصورة معاناة المرأة وصراعها ضد الرجل المستبد الذي يحاول تذليلها وقهرها وتعذيبها بشكل غير شرعي وغير قانوني.

هذا، وتثور المسرحية على واقع المرأة الذي يتميز بالظلم والحيف واللامساواة، كما تشير عبر التلميح والتعريض إلى ماتتعرض لها من عنف واغتصاب واعتداء جنسي. لذا، تثور المرأة في هذه المسرحية الجريئة على الرجل الظالم بالتمرد عن العادات والتقاليد والأعراف البالية التي تسيد الرجل وتحط في المقابل من كرامة المرأة مهانة واحتقارا وازدراء.

وليس هذا التمرد من سمات المرأة المظلومة فقط، بل هو من طباع الرجل الأمازيغي المقهور والمهمش والضائع الذي يأبى التعسف والاضطهاد والتهميش والإقصاء. ويعني هذا أن المسرح الأمازيغي في عمومه عبارة عن صرخات مدوية واحتجاجات صارخة وثورات دائمة، وإن كانت تلك الصرخات المسرحية مجرد انتفاضات درامية مبحوحة لا تخرج عن حيز الخشبة الركحية.

ونجد هذا الصراخ الثوري النابع من فلسفة التمرد والرغبة في التغيير ملمحا جليا وواضحا في مسرحية: " ثوارث ءيمظران/ باب القبور" من تأليف عبد العزيز إبراهيمي، وإخراج: محمد بنسعيد وأحمد أجويني، ومسرحية:"تمورغي/الجراد" من تأليف أحمد زاهد وإخراج شعيب المسعودي...

9- صورة الإنسان الوطني:

لم يكتف المسرح الأمازيغي بتناول المواضيع المحلية والجهوية فقط، بل تناول كذلك القضايا الوطنية كما في مسرحية:" ءيرحاكد ءاميثناغ / وصل ابننا" التي عرضت بالناظور سنة 1978م، وتقدم إنسانا أمازيغيا وطنيا عاد من الصحراء المغربية بعد أن شارك بعقله وروحه في الدفاع عن وطنه بكل نفس ونفيس لتتحقق الوحدة الوطنية الصحيحة.

هذا، وقد شارك في بناء هذه المسرحية وإخراجها مجموعة من الممثلين كفاروق أزنابط، وفخر الدين العمراني، ومصطفى بنعلال، وعبد الكريم بوتكيوت، ورشيد العبدي، ومحمد لحميدي، وعبد العظيم العربي...

وهكذا، فهذه المسرحية الأولى في الريبرتوار المحلي التي قدمت ضمن أبعادها الدرامية صورة الإنسان الأمازيغي الوطني الصادق في تشبثه بوطنه فداء وتضحية واستبسالا.

10- صورة الإنسان القومي:

لم يحصر المسرح الأمازيغي همه في مناقشة القضايا المحلية والوطنية فحسب، بل تناول صورة الإنسان القومي من خلال مسرحية تمزج بين العربية والأمازيغية وهي بعنوان:" ثيسعات ن سلام/ ساعة سلام" من تأليف رشيد الشيخ وإخراج فاروق أزنابط، والتي عرضت سنة 1992م بمدينة الناظور.

وتحمل المسرحية هموما قومية تتعلق بالقضية الفلسطينية وموقف الإنسان الأمازيغي المتعاطف مع كل القضايا القومية التي تؤرق الإنسان العربي. ومن هنا، يرفض الإنسان الأمازيغي الوجود الصهيوني في فلسطين السليبة، ويعتبره احتلالا بشعا يجب التصدي له بالمقاومة والصمود والصبر. لذا، تستقرىء المسرحية مراحل الاغتصاب والانتداب إلى أن يترسخ الاحتلال الغاشم ظلما وقهرا وتعسفا.

11- صورة الإنسان الكوني:

تجاوز المسرح الأمازيغي حدوده المحلية والجهوية الضيقة وتعدى النطاق الوطني والقومي ليتناول قضايا إنسانية عالمية تتعلق بإنسانية الإنسان كمحاربة الاستعمار واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، والتعاطف مع الإنسان الأفريقي، ودعوة الآخر إلى التعايش والتفاهم والتواصل بطريقة إيجابية قائمة على الأخوة والتكامل والتعاون والصداقة والمحبة بدلا من التنافر والصراع العدواني.

وتتجلى إنسانية الإنسان الأمازيغي في تعاطفه مع قضايا الإنسان أينما حل وارتحل كما في مسرحية:" تشومعات/ الشمعة" للمخرج عبد الواحد الزوكي التي تحمل رقصات كوريغرافية عالمية وعلامات سيميائية دالة على السلام والتواصل الإنساني وحب الآخر مهما كان لونه وشكله وعقيدته كما تعبر عن ذلك التشكيلات الإيقاعية الموسيقية والتشكيلات الحركية والإيمائية والرقصات الطقسية المعبرة.

ب- خصائص صورة الإنسان في المسرح الأمازيغي:

يتضح لنا من خلال هذا العرض أن صورة الإنسان في المسرح الأمازيغي لاتخرج عن هذه الأنواع من الصور الذهنية والفكرية المهيمنة دلاليا، وهي:

* صورة الإنسان الضائع ؛

* صورة الإنسان المهاجر؛

* صورة الإنسان المتشبث بالهوية الأمازيغية؛

* صورة الإنسان المقاوم؛

* صورة الإنسان المتمرد؛

* صورة الإنسان الحالم.

أما الصور الرؤيوية الأخرى التي يستحضرها المسرح الأمازيغي في منطقة الريف فهي صور قليلة الحضور وباهتة الورود كصورة الإنسان الوطني وصورة الإنسان القومي وصورة الإنسان الكوني؛ والسبب في ذلك أن المسرح الأمازيغي بقي لعقود كثيرة حبيس التيمات التالية: الهوية، والتهميش، والمقاومة، والهجرة، والحلم الضائع. وبالتالي، لم ينفتح على القضايا الوطنية والقومية والإنسانية إلا في عروض قليلة جدا تعد على الأصابع. ويعني هذا أن الإنسان الأمازيغي يعتبر المشاكل الذاتية أهم من المشاكل الوطنية والقومية والكونية، ولاسيما أنه يتعامل فنيا مع نوع معين من المشاكل التي تهم المتفرج الأمازيغي بمنطقة الريف وهي: مشكلة الهوية ومشكلة التهميش ومشكلة الكينونة والبقاء.

ومن هنا، فمازال المسرح الأمازيغي منذ التسعينيات من القرن العشرين إلى يومنا هذا لم يبرح هذه الموضوعات المستهلكة والمشاكل المستعصية المجترة، ومافتئ يقدم فرجاته الدرامية من رؤية مأساوية تراجيدية من سماتها البكائية والترنح والثورة والتمرد والتلذذ باليأس والتشاؤم والاستسلام للاغتراب والمعاناة السيزيفية والموت القاتل.

أضف إلى ذلك أن المسرح الأمازيغي مازال سينوغرافيا يعزف على أنغام المأساة والكوميديا السوداء والتأرجح بين البياض والسواد، كما أنه يتراوح على المستوى الميزانسيني بين الواقعية الانتقادية والرمزية التجريدية الحزينة، كما يستعين أيضا بالمؤثرات الصوتية الصارخة وبالأغاني الثورية المتمردة.

وعليه، فالمسرح الأمازيغي مازال يرتكن دلاليا ومقصديا إلى طرح مواضيع الهوية من خلال إشعال فتيل النزعات الإقليمية الضيقة على ضوء رؤية عرقية شوفينية فيها الكثير من المبالغة والمزايدة على المستوى الطرح الديني واللغوي والتاريخي والحضاري والعروبي كما في مسرحية:" نشين سا/نحن من هنا"، ومسرحية:" تابرات/ الرسالة".

ونلاحظ أن هناك مجموعة كثيرة من العروض المسرحية الأمازيغية مازالت تردد مواويل التهميش والإقصاء والاحتجاج ورفض الغير والنقمة عليه؛ مما يؤثر هذا المنظور الشاذ المنفر على الصورة الإنسانية للمسرح الأمازيغي.

ونستشف أن صورة الإنسان الأمازيغي الوطني مازالت مضببة الملامح وقليلة الحضور في الريبرتوار المسرحي بسبب إحساس الإنسان الأمازيغي بالظلم والحيف والضياع بسبب غطرسة المخزن واستبداد السلطة الحاكمة.

وإلى جانب السوداوية والرؤية الجنائزية والتصور التراجيدي، فقد تشبع الإنسان الأمازيغي كما تدل على ذلك مجمل العروض المسرحية بفلسفة العبث المميتة واليأس القاتل والانهيار الذاتي والسقوط السيزيفي والفشل الذريع في تغيير الواقع الكائن بواقع ممكن أفضل، ناهيك عن تردي هذا الإنسان في عالم الانتظار اللامعقول والإحباط السلبي والتقاعس المعدم والذوبان الكينوني والتآكل الوجودي.

ويعني كل هذا أن المسرح الأمازيغي مغلق الدائرة ومسيج على مستوى الدلالة والبناء والتشكيل والتصور الميزانسيني والتحرك الموضوعاتي، كما أنه على مستوى التواصل الإنساني أحادي المنظور وضيق التصور وسلبي التفاعل والتعامل، وبالتالي، فهو مسرح تراجيدي من حيث الرؤية والمقصدية.

أضف إلى ذلك أنه مسرح يعتمد أشكالا فنية تجمع بين الواقعية الانتقادية والتجريدية الرمزية أو العابثة أو السريالية أو الميتامسرحية. ومن هنا، نقرر بأن المسرح الأمازيغي أقرب إلى المدارس المسرحية الغربية منها إلى حركات المسرح العربي واتجاهاته الفنية والجمالية.

خاتمــــة:

نستنتج، مما سبق ذكره، أن المسرح الأمازيغي قدم مجموعة من الصور الإنسانية ولكنها لاتنفصل عن صورة الإنسان الضائع والمهاجر والمقاوم والمدافع عن هويته الأصيلة وجذور ذاكرته الشعورية واللاشعورية؛ مما يجعل هذا المسرح سوداوي النظرة وتراجيدي الرؤية، كثير الصدامية في معترك الحياة والفن.

وبما أن هذا المسرح هوياتي من حيث المنطلقات والمنازع وكينوناتي من حيث الأصول والجذور، فمن الطبيعي أن تقل فيه صورة الإنسان الوطني وصورة الإنسان القومي وصورة الإنسان الكوني.

لذا، نرجو من المؤلفين والمخرجين المسرحيين بمنطقة الريف أن يتجاوزوا الصور الإنسانية المستهلكة والرؤى المجترة الضيقة بالانفتاح على صورة الآخر اللغوي والوطني والعربي والقومي والغربي والإنساني بدون تعصب شوفيني عرقي أوالصدور فنيا ودراميا عن نظرات عدائية ضيقة قائمة على التنافر والإقصاء والتغريب.

فالفن الحقيقي كما يعرف الجميع يسمو بالذوق والجمال والحياة والحقيقة من أجل تحقيق سعادة الإنسان العقلية والروحية والجسدية. وفي المقابل، لا يعرف الفن السامي والراقي إطلاقا مشاعر الشر والحقد والكراهية ونبذ الآخر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى