الأحد ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم محمد إبراهيم العريني

وداعا أيها النهار

أوشكت الشمس علي المغيب، فبدأت تنحدر برفق مودعة النهار وهي تصبغ الأفق بلونها الأرجواني قبل أن تلقي بنفسها هناك خلف التلال، في هذه الأثناء كان (علي) يجمع حاجاته بعد يوم شاق من العمل في هذا الحقل الصغير الذي لم يرث غيره من أبيه، أخذ يرقب مغيب الشمس الذي أثار في نفسه الأفكار، إنه سعيد بهذا المغيب لأنه إيذانا بشروق يوم جديد، ومع شروق هذا اليوم سيتحقق حلم طالما راوده. وأمل طالما عاش من أجله.

تداعت أحداث هذا الغد السعيد علي عقله، إنه سيذهب إلي المحامي ليخبره ذلك الأخير بأنه قد ربح القضية واسترد حقه المسلوب، وقد تم تعيينه معيدا بكليته، ولما لا وهو أول المتخرجين، وأكثرهم تميزا؟! وبالطبع سوف يرد إليه اعتباره بعد أن قهره الظلم عندما اختارت الكلية من هو أقل منه تقديرا وتميزا لا لشيء إلا لأنه ابن سيادة وكيل الكلية.

رجع إلي البيت ونسائم الليل تداعب وجهه طول الطريق، عندما دلف إلي البيت وجد أمه تنتظره وما أن رأته حتى ابتسمت فرحة وهي تقول: حمدا لله علي سلامتك يا دكتور، استرح قليلا حتى احضر لك الطعام. ابتسم لها في بشاشة وألقي بنفسه علي أريكة بسيطة حتى جاءت أمه والطعام بين يديها، تناولا طعامهما وهما يتحدثان عن اقتراب انفراج الغمة وزوال الكرب، حيث لم يعد بين الضيق والفرج إلا ليلة واحدة.

بعد سكون الليل أفاقت الشمس لترسل خيوطها الصفراء إلي كل مكان، ولتلقي بوشاحها الذهبي علي وجه البسيطة فتستحيل أشباح الليل إلي أشكال واضحة، استيقظ (علي) علي ضوءها فأسرع إلي صلاته وإفطاره ثم ارتدي ثيابه وانطلق نحو أمل السنين وحلم الليالي.

وصل إلي مكتب المحامي، وما إن دلف داخله حتى قابله هذا الأخير بوجه مبتسم ولكن علبه مسحة حزن غريبة استشعرها (علي) فوقف صامتا إلي أن قال المحامي : مرحبا (علي) أرجو أن تحتمل الموقف فأنت رجل وهذا قدرنا ونحن نعيش في عصر الظلم والطغيان. أطرق (علي) برأسه وانحبست دمعة حارة في عينيه قبل أن يتكلم سائلا: ماذا حدث؟ أجابه المحامي لقد رفضت القضية وذلك لاحتجاج الجامعة بأن الطالب المختار للوظيفة يفوقك بنصف درجة في المادة التي تحتاج الكلية معيدا فيها، رد (علي) :ولكنك تعلم يا سيدي أن هذه حجة داحضة، فأنا الأول طول سنوات الدراسة والفارق بيني وبينه كبير جدا في جميع المواد، والقانون يقول....... قاطعه المحامي قائلا: يا(علي) أنا أعلم ذلك جيدا، ولكن كما تعلم أن القانون في بلادنا مرن وهو يسير علي بعض الناس ويتوقف عن آخرين، وأنصحك بتجاهل الأمر فخصومك أكبر من كل القوانين، وربما إن استمرت شكا يتهم يلجأون إلي وسائل قد تدمر حياتك كلها. خرج علي من الحجرة بصمت دون أن ينبت ببنت شفة، ولكن قبل خروجه كانت قد تساقطت دمعتان من عينيه علي البساط الوثير في حجرة المحامي.

عاد إلي بيته وأوتار الحزن تعزف في أذنيه، وأسي الدنيا بادي في عينيه، ولهيب الظلم يتأجج بين جنبيه، والأفكار تضطرم في عقله، ماذ يفعل وقد ضاع آخر أمل له في حياة كريمة، وانهارت كل خطط المستقبل وطموحات العمر، وراح جهد الليالي هباء منثورا.

أوشكت الشمس علي المغيب، فبدأت تنحدر برفق مودعة النهار وهي تصبغ الأفق بلونها الأرجواني قبل أن تلقي بنفسها هناك خلف التلال، في هذه الأثناء كان (علي) يقف علي شاطئ البحر العميق وقد أخذ يقلد الشمس مودعا النهار قبل أن يلقي بنفسه هناك بين الأمواج المضطربة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى