الجمعة ١ أيار (مايو) ٢٠٠٩
انعكاس لجدلية الذكورة والأنوثة
بقلم جميل حمداوي

(ميريندا) لفاطمة بوزيان

إضاءة:

ظهرت المجموعة القصصية القصيرة جدا للكاتبة المغربية فاطمة بوزيان "ميريندا/ وجبة خفيفة" في طبعتها الأولى سنة 2008م عن منشورات اتحاد كتاب المغرب في64 صفحة من الحجم المتوسط، وتحوي في جعبتها 64 وحدة قصصية تختلف في الحيز الفضائي اختصارا وتطويلا، تنويعا وتجنيسا.
إذا، ماهي مضامين هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا؟ وما هي الرؤى الذهنية التي تزخر بها فهما وتفسيرا؟ وماهي خصائصها الفنية والجمالية؟ هذا ما سنوضحه في هذه الأسطر الموالية.

أ- بين الهم الأنثوي والرؤية الرقمية:

تحضر الكتابة النسائية في مجموعة فاطمة بوزيان القصصية من خلال التركيز على قضايا الأسرة والذات، والاهتمام بالأنا المقنعة، واستكناه أعماق الشعور واللاشعور، وتجسيد خصوصيات الأنثى ومشاكلها الداخلية، وعلاقتها الإيجابية والسلبية بالرجل السيد وغير السيد، ورصد واقعها الوجداني والذهني وتفاعلاتها الاجتماعية المختلفة، وتصوير الصراع الجدلي بين الرجل والمرأة أو بين الزوج والزوجة، والتلميح إلى العلاقات الغرامية بين العاشقين، ونقل الأجواء العاطفية بين الطرفين سواء على ضوء الرؤية الرومانسية أم الواقعية أم الرقمية.

وهكذا نجد قصة " إغماضة عين" تصور حياة أسرة تعسة بسبب اعوجاج الزوج المدمن على الخمر الذي يتقلب هو وابنه التائب بين المنزلتين الدنيا والآخرة بشكل هستيري هذياني، كما تصور الكاتبة في نفس القصة سذاجة المرأة الأمية التي لاتؤمن بالطب الحديث، ولكنها في المقابل تثق أيما ثقة بالأولياء الصالحين:

" عاد الرجل إلى الوفاء لطقسه الليلي ودخل البيت بلا توازن كأنه بندول ساعة أثرية، استقبلته الزوجة بوصلتها المعتادة:

يارجل إلى متى ستظل على هذه الحالة؟ الحياة إغماضة عين، تغمض عينا وتفتح عينا تجد نفسك في الدار الأخرى..
انتبه الابن للعبارة، فكر في الدار الأخرى، خمن أنها أجمل من هذه الخربة التي تثير سخرية زملائه، جلس على الكرسي أغمض عينا وفتح أخرى...خرج إلى الزنقة أغمض عينا وفتح أخرى...ذهب إلى المدرسة أغمض عينا وفتح أخرى...طلب المعلم إحالته على طبيب العيون فأحالته الأم على أحد الأولياء وظل الولد يفتح عينا ويغمض عينا..."1

كما تلتقط الكاتبة في قصصها المنثورة داخل أضمومتها الإبداعية هنا وهناك إحساس الكائن الأنثوي بالدونية والنقص حينما يقارن بمقابله الذكوري الذي يعد قوام الأسرة وأسها الأمتن ورمز الفحولة والرجولة:

" في مراهقتها كانت تستنكر معاملة أمها التفضيلية لشقيقها وكانت الأم تقول:

هو ملح الدار بدونه لاطعم لنا.
حين تزوجت وأنجبت البنت الثالثة حاولت إقناع نفسها:

الملح سم أبيض!
وأنجبت البنت الخامسة."2

وتستمر الكاتبة في نبش آهات الأنثى وآناتها التراجيدية واستمطار عبراتها واستقطار أحزانها من خلال التشديد على مواقف البين والفراق التي لايمكن تحملها واستيعابها وجدانيا وذهنيا. وبالتالي، لا تستطيع الأنثى أو المرأة أن تتصور نفسها بعيدة عن عشيقها أو زوجها الذي يخونها مع قلب مفتوح آخر كما في قصة:" برد":

" شعرت بقشعريرة تختنق لعبورها المسام

النوافذ مغلقة، الأبواب كذلك والضياء الطافح على الزجاج يوحي أن الشمس هناك في الأفق مشرعة كما يليق بالربيع.

الجسد محنط تقريبا بملابس ثقيلة، ومذيعة النشرة الجوية تعلن أنها سحب خفيفة وعابرة...

أحاطت نفسها بشال صوفي، ظلت القشعريرة ذاتها تسكن المسام!

أطلت على أعماقها، أبواب مفتوحة والرجل الذي خرج منها

يدق أبواب قلب آخر."3

وترصد الكاتبة برشتها الانتقادية وجرأتها الثائرة عالم المرأة العاملة المتناقض، فتصور لنا مشاكلها وآلامها الوجدانية، وأفراحها المقنعة الصامتة، وأحابيلها الشائكة للإيقاع برؤسائها ومسئوليها عن طريق إثارة الفتنة، والاستهداء بالمكر، والتسلح بالغواية الشبقية، وإظهار محاسن الجسد و جمال القوام الأخاذ:

" حين أطل مذيع النشرة ضغطت على كاتم الصوت

في الهاتف قالت:

حقا... وماذا فعلت زوجة المدير؟... يا لطيف...!لعينة!!
غدا تصبح رئيسة القسم...الزوجة الثانية!لا أكاد أصدق!! معقول؟

لا والله لم أكن أعرف، يبدو أن الواحد من كثرة الانشغالات لم يعد يعرف ما يحدث في العالم!"4

واستطاعت المبدعة فاطمة بوزيان أن تستثمر بذكاء حاد حادثة تسونامي لتصوير العلاقات الوجدانية الحارة والدافئة بين العاشقين وما ينتابهما من أحاسيس نابضة بالحب تغرقهما في أبحر السكر والهذيان والانتشاء على غرار القصاص المغربي المتميز مصطفى لغتيري الذي فلسف ذهنيا هذه الحادثة الزلزالية في مجموعته القصصية:" تسونامي" ":

" هناك في ذيل القارة السوداء، جاء الغرباء فجأة، وطفقوا- بلا هوادة- يدهنون الذيل بطلاء أبيض، فاقع لونه...

من مكانها على مقربة من رأس الرجاء الصالح، رأت موجة سوداء ماحدث، فثارت غاضبة... انطلقت من عقالها... اكتسحت الذيل، فجرفت ذلك الطلاء الأبيض".5

أما فاطمة بوزيان فقد حولت حادثة تسونامي إلى حكاية رومانسية ممتعة وموحية بدلالاتها المتشعبة:

"ذات ليلة قال رجل لامرأة:

هل تعرفين ماهو البحر؟

لا، ليس ذلك الذي تعوم فيه الأسماك ويستبد بإيقاعه الموج

لا، ليس ذلك الذي يتمختر في البطائق البريدية

لا، ليس ذلك الذي يطفو على الشاشة في برامج الصيف

لا، ليس ذلك الطويل الذي يكتب عليه الشعر

لا، ليس إلا أنت فدعي موجك يأتيني ويغرقني فيك!

في تلك الليلة، هاج بحر أغرق جزرا ومدنا

وأعلنت الأخبار أن امرأة تدعى نامي فعلت ذلك

في الغد تظاهرت النساء وطالبن بتحميل تسو المسؤولية أيضا

تثاءبت الجدة ثم سألت الطفلة كما تفعل دائما في خاتمة كل حكاية

هل فهمت؟
فقالت الطفلة بعيون ناعسة

نعم، وحين أكبر لن أكون امرأة، ولا رجلا، سأكون جدة".6

وتحاول الكاتبة أن تستضمر سيكولوجيا واجتماعيا ووجدانيا وقيميا مجموعة من العلاقات الإنسانية التي تتحكم طرفي الأسرة النووية وهما :الزوج والزوجة من خلال رصد طبيعتهما النفسية والعضوية، واستقراء شعورهما ولاشعورهما على مستوى البوح والتصريح والتسامي والتعويض والكبت، وتصوير انفعالاتهما الوجدانية ومظاهر الألفة والتصادم بينهما، وتبئير ظاهرتي الفراق والطلاق.

ومن هنا، فقصة:" وصفة"، وقصة:" أحد"، وقصة:"سبت"، وقصة:" زوجان"، وقصة" حساب"، وقصة:"تسلل" تعالج كلها المشاكل الاجتماعية والأسرية التي محورها الذات الأنثوية في صراعها الجدلي مع الكائن الذكوري وفاقا وخلافا.

وتنساق الكاتبة كثيرا مع لاشعورها السيكولوجي المنساب تخييلا واسترجاعا وتذويتا عبر تفتيق لغة الإيروس وتخطيب اللغة الشبقية واستقطار العواطف والمشاعر الغرامية التي تعبر عن مكبوتات الأنثى وخصوصياتها الشخصية:

" قالت له:

وردة المحب، قلبه!
استأذنته أن تسألها....بتلك اللعبة الصبيانية راحت تقشرها

يحبني لا يحبني، يحبني لا يحبني، يحبني!
تأمل الساق العاري فكر في ساقيها، وشكر في سره الوردة الشهيدة على التواطؤ."7

هذا، وتبالغ الكاتبة في تصوير مجموعة من العلاقات الماجنة التي تعكس مشاعر الشهوة المحترقة، والاشتعال الجسدي، والرغبة في الحياة والمتعة، والانتشاء بالأنثى الوالهة، واستلذاذ مفاتنها ومحاسنها الغاوية كما في قصة:" مغزى"، وقصة:" هزة"، وقصة " طموح"، وقصة " كليب"، وقصة:" ثور"، وقصة:" دوائر"، وقصة:" بيتزا"...

كما جسدت لنا الكاتبة في لقطاتها القصصية القصيرة جدا واقع الطفولة المشردة والمنحرفة والتائهة بين أزقة المدينة الغارقة في السواد وشوارعها الشعبية السابحة في الظلمة والفقر والفاقة:

" عندما كان ينتهي من بيع السجائر، سيجارة بعد سيجارة...

كان يعد نقوده قطعة بعد قطعة...

يغادر المقهى الجنوبي

يجلس في المقهى الشمالي...

ينادي على طفل في مثل عصره...

يشتري منه سيجارة وينفث دخانها في وجهه."8

ومن ثم، تندد الكاتبة بعالم الكبار الذي لايعرف سوى الحروب والدمار والعنف والرعب والموت . وفي نفس الوقت، تدافع بكل حب أنثوي و أمومي عن عالم الطفولة الجميل وعالم البراءة واللعب الذي يمتاز بالفطرة والعفوية وصدق النوايا، فتعتبره على غرار فرويد أفضل بكثير من عالم الكبار المستهجن بنوازعه الشريرة وأحقاده الدفينة التي لاتنتهي:

" كان يوسف يحب الطائرات...

سمع الكبار يتحدثون عن طائرات دمرت أبراجا عالية فمزقها

وأحب يوسف صناعة الزوارق...

سمعهم يتحدثون عن زوارق الموت فأغرقها في الماء

راح يلعب في سيارات صغيرة...رأى في التلفزة سيارات تنفجر ودماء ودموعا فهجر اللعب، وقال إخوته:

 كبر يوسف!"9

وتثور الكاتبة في آخر مجموعتها القصصية على العولمة التي غيرت مجموعة من القيم الاجتماعية والأخلاقية في مجتمعنا العربي؛ فألقت شبابنا بين أحضان التغريب والانبهار والاستلاب والتقليد الأعمى للغرب في القشور السطحية والموضات التافهة والتقليعات الشكلية بدون تفكير أو روية:

" كلما هم بالكتابة تكسر الطباشير أو اصدر صريرا يقشعر له ما تبقى في رأسه من شعر...اغتاظ والتفت إلى يمينه قائلا:

اتفو، في زمن العولمة يسلموننا أرخص طبشور!
أتم كتابة الدرس بصعوبة... التفت إلى تلاميذه وجد الذكور يلعبون بأقراط آذانهم والإناث مشغولات بأقراط سراتهن..التفت إلى يساره وبصق على العولمة."10

وقد عبرت الكاتبة عن هذه العولمة المغولمة بكل رمزية وإيحائية مجازية وإحالية في قصتها:" نيو لوك/New look " التي تعبر عن الامتساخ الإنساني أخلاقيا، وانبطاح الكائن البشري أمام مغريات الغرب افتتانا وسذاجة واستلابا.

وتنتقل الكاتبة في مجموعتها القصصية المصقولة جيدا إلى توظيف الخطاب الميتاسردي لفضح أسرار اللعبة السردية وتقنيات كتابة القصة القصيرة جدا، واستكناه قواعدها الفنية وخصائصها الجمالية، والتشديد على خفة روحها ورشاقتها الحكائية ورقة تعابيرها كما في قصة:" قصص صغيرة جدا":

" قرأت عليهما كل ذلك

قال:

 إنها تشبه بوكاديوس

قالت:

تشبه النسكافيه
قال:

تشبه الكليبات
قالت:

تشبه
قلت:

نسميها ميريندا ونرتاح"11

بيد أن ماتمتاز به المبدعة فاطمة بوزيان في مجال السرد القصصي والحكائي، وتنفرد به على باقي كتاب القصة القصيرة جدا هو اهتمامها بالعالم الرقمي والكتابة العنكبوتية والانسياق وراء العالم الحاسوبي كما نجد ذلك واضحا في قصة:" كليك"، وقصة:"عنكبوت"، وقصة " شات"، وقصة " وصلة"، وقصة:"ماسنجر" التي تعبر عن الحب الرقمي والعشق الإعلامي والخيانة الحاسوبية، وقصة" التباسات" التي تصور رقمية الإنسان وتحوله الامتساخي إلى كمبيوتر آلي.

ونورد لكم - أيها القراء الأعزاء- قصة:" ماسنجر" التي تعبر عن الحب الرقمي والعلاقات الغرامية العنكبوتية التي شيأت الكائن الإنساني وسيجته في علب " شاتية " حاسوبية ضيقة:

" مثل أية امرأة عاشقة يطرز نبضها موعده مع رجل، فرحة وقلقة، راغبة في أن تعلن للعالم السر الدافئ وفي أن يظل سرها إلى الأبد. سيكون مساء دافئا وسيكون في بيتها رجل مثل أية امرأة متزوجة، ثمة فروق...لتكن لن تلتفت إليها نصف التفاتة لا، ربع التفاتة لا، ثم إن زميلاتها المتزوجات يشتكين دائما من ضجر السقف الواحد، ثم النتيجة واحدة في النهاية، رجل في الذي يليق، وفي تسريحة الشعر وفي الألوان المناسبة لمكياج المساء، وشريط الموسيقى الذي ستقترحه، وحمدت الله أن العطر لا يرى وهذا يعفيها من حيرة الاختيار.

راجعت ساعة يدها كثيرا، عليها أن تكون في الموعد عندما تسمع تلك الرنة التي أدمتنها تعلن قدومه، ستفتح له الباب

زف الموعد... جلست أمام الشاشة... فتحت الماسنجر، وجدت أمام اسمه عبارة En ligne ابتهجت وعدلت رتوشا في مظهرها وانتظرت أن يأخذ المبادرة... ربما ثمة خطأ تقنين بادرت هي، لم يستجب.... تخيلته يكلم امرأة أخرى ويرسل لها عبر الكاميرا قبله ويبثها أشواقها وو....

اشتعلت غيرة رنت عليه مرة أخرى، وضع لها عبارة occupé بغضب ضغطت على الفأرة ومسحته... في الصباح شعرت بلذة غريبة وهي تشارك المتزوجات أحاديث الخيانة".12

ويتبين لنا من كل هذا، أن فاطمة بوزيان تحمل في مجموعتها القصصية " ميريندا/ الوجبة الخفيفة" رؤية ذاتية متمحورة حول الأنثى في آلامها وآمالها مع التركيز على جسدها الإيروسي وفتنته الشبقية، ورصد علاقتها التواصلية مع الآخر الذكوري تعايشا وتنافرا، كما تحمل أضمومتها ولقطاتها القصصية رؤية رقمية في تصوير العلاقات الجدلية بين الأنوثة والذكورة.

ب- بين أسلوب الامتساخ وتنوع النفس القصصي :

تختار فاطمة بوزيان في عملها الإبداعي الجديد في مجال القصة القصيرة جدا حيزا فضائيا محدودا من الكلمات والأسطر قد لاتتعدى نصف الصفحة، وهذا ما يقرب هذا النوع السردي من القصة القصيرة جدا. بيد أن الكاتبة تنزاح في بعض الأحيان عن الحجم القصير لتسترسل في كتابتها سردا وتمطيطا حتى تتحول لقطاتها القصصية القصيرة جدا إلى أقصوصات وقصص قصيرة بسبب الطول المفرط كما نلاحظ ذلك جليا في قصة:" ماسنجر"، وقصة:"كليب" التي تستغرق صفحتين كاملتين من الكتابة.

ونلاحظ أيضا في قصصها ظاهرة الانسياب السردي والتحرر من علامات الترقيم التي تتحول إلى علامات معطلة وسالبة في كثير من الأحيان، أو تتحول إلى علامات الحذف والإضمار كما في قصة:" ماسنجر" مثلا.

والسبب في تعطيل علامات الترقيم في كثير من قصص المجموعة ربما يعود إلى رغبة الكاتبة في التحرر من شرنقة الإملاء والفواصل المفرملة للأفكار والعواطف، والانسياق أيضا وراء اللاشعور الوجداني الذاتي مع ترك التخيلات السردية تنساب بدون تقييد أو وضع للحواجز التي تكبح اللغة وتسلسل المعاني.

وتنبني قصص الكاتبة على التحبيك السردي من خلال تراكب الجمل الفعلية وتعاقبها عبر الروابط الزمنية والمكانية وضمائر الإحالة وأدوات العطف.

وترتكز المجموعة كذلك على الخطاطة السردية ونسق التحولات والحالات، واختيار الشخصيات الدرامية سواء الموسومة بالأسماء العلمية مثل: يوسف أم المغيبة على مستوى التسمية والتشخيص والتواصل.

كما شغلت الكاتبة أفضية واقعية (الزنقة، المدرسة...)، ورومانسية (البيت، المقهى، البحر، غرفة النوم، المطعم...)، ورقمية (الحاسوب، الكومبيوتر، الشاشة...).

واهتمت أيضا بالمكون الوصفي عن طريق تشغيل مجموعة من الأوصاف والنعوت والأحوال والتشابيه والاستعارات والتعابير المجازية والكنائية ولكن بطريقة مكثفة و موجزة ومقتضبة.

واعتمدت الكاتبة كثيرا في تخطيب قصصها على الرؤية من الخلف والمنظور الموضوعي المطلق وضمير الغياب مع استعمال بنية زمنية كرونولوجية ومتواليات سردية تعاقبية عبر تسريع القصة بواسطة إيقاع الحذف والإضمار والاختزال.

وعلى مستوى الأسلبة، فقد انتقلت المبدعة من الخطاب السردي في معظم قصص المجموعة إلى الخطاب الحواري المعروض كما في قصة:" قصص قصيرة جدا"، فالخطاب الذاتي كما في قصتها:"ملح":

" في مراهقتها كانت تستنكر معاملة أمها التفضيلية لشقيقها وكانت الأم تقول:

هو ملح الدار بدونه لاطعم لنا.
حين تزوجت وأنجبت البنت الثالثة حاولت إقناع نفسها:

 الملح سم أبيض!

وأنجبت البنت الخامسة."13

ويتسم أسلوبها التعبيري بأنه سهل ممتنع بسبب ألفاظها المختارة بدقة، وجمالية الصقل والتهذيب، وروعة الاتساق والانسجام، وعصرنة حقولها الدلالية بالمعاجم التقنية الرقمية والإعلامية.

وتستند الكاتبة في ترصيفها اللغوي إلى التجنيس اللفظي والصوتي من أجل خلق لغة إيقاعية انزياحية وعبارات موحية كما في قصة:"تواطؤ" التي تتداخل فيها الكلمات المتوازية والعبارات المتماثلة والصيغ الصرفية المتعادلة:

" قالت له:

وردة المحب، قلبه!
استأذنته أن تسألها....بتلك اللعبة الصبيانية راحت تقشرها

يحبني لا يحبني، يحبني لا يحبني، يحبني!
تأمل الساق العاري فكر في ساقيها، وشكر في سره الوردة الشهيدة على التواطؤ."14

ولا ننسى أن فاطمة بوزيان كانت تتكئ في كثير من قصصها القصيرة جدا على تنويع الأساليب وتلوينها خبرا وإنشاء، واستعمال أسلوب الامتساخ الفانطاستيكي كما في القصص الرقمية حيث تتحول الآلة العنكبوتية إلى كائن إنساني، وفي المقابل يتحول الإنسان إلى آلة رقمية مشيأة .
هذا، وتلتجئ الكاتبة في بعض قصصها إلى السخرية والمفارقة والتهجين والباروديا كما يتجلى ذلك واضحا في قصة :" عولمة" على سبيل التمثيل ليس إلا.

خاتمة:

وخلاصة القول: يتضح لنا من مجموعة" ميريندا" أن فاطمة بوزيان تجمع بين القصة القصيرة جدا والأقصوصة، كما تجمع الكاتبة في أضمومتها بين الرؤية الأنثوية الذاتية من خلال التعبير المسترسل عن خصوصيات المرأة وتصوير عالمها الداخلي وتجسيد مكنوناتها الشعورية واللاشعورية، والاسترشاد بالرؤية الرقمية التي تكمن في التقاط التحولات البارزة التي رافقت امتساخ الكائن البشري سواء أكان ذكرا أم أنثى أثناء تحوله إلى كائن رقمي وعنكبوتي.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى