الثلاثاء ١٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم إبراهيم محمد عادل

مـهندس كمبيوتر

الجلوس أمام هذا الجهاز متعة ، متعة .... لا تعادلها إلا الغطس في مياه البحر الأبيض المتوسط في " عز الصيف " ... (مثلا) ... هكذا قالوا لي في البداية ، ولكن النهاية كانت مختلفة ، مختلفة جدًا ....

أن تجلس كي تمارس ـ كأي طفل معاصر ساذج ـ هواية اللعب بالجيمز " ثلاثية الأبعاد " ، وتتخطى العديد من المراحل ، وتشعر أنك قد تتحكم في العالم كله من خلال " لعبتك هذه ، أو أن تجلس لتمارس هواية " الدردشة " .. وتقلب بين صفحات عالم الإنترنت اللامتناهي شيء آخــر ...

أما أن تكون جل اهتماماتك ، بل ، ومهمتك أمام ذلك الذكي المتغابي هو أن تفحصه لتكشف مدى غباء الآخـرين في التعامل معه، بحماقة ، أو بلا مبالاة ، .. فإن هذه مشكلة المشاكل ..... وأن تكون وظيفتك ، أو " عملك" الذي يدر عليك دخلا ، أو قوتًا يغنيك عن التسول أمام أبواب المساجد ، و يضمن لك حياة يقترض أنها (كريمة) .. فإن تلك من المآسي التي نسي زعماء ( التراجيديا) العرب ، والغرب على السواء أن يذكروهم ، بدءًا من (سوفوكل ، مرورًا بشكسبير ، وهوجو ، حتى المنفلوطي ) .... مأساة من نوع آخر ، نوع جديد ، نوع عصري ... لم تتسبب في صنعه يد القدر ، ولا زوج الأم ، ولا فقد أحد الآباء ... ولا حتى اليهود أنفسهم ، إلا إذا كان "بيل جيتس " يهوديًا !!! ...

ذلك المتذاكي الذي أجبر العالم على أن يتحلى بصبر جميع الأنبياء ، والأولياء ، والصالحين ، وهم يمارسون عملهم ... من فك لشفرات برامجه ، وإصلاح ما تلف منها ، أو إعادة برمجة لبعضها ... وخاصة إذا تعلق الأمر بعمليات شاقة مؤبدة من قبيل " تصطيب ويندوز " .. سواء Xp أو 98 ... أو تعريف أحد الكروت العريقة " الشاشة ، أو الفاكس ، الو الصوت ، أو الصدى ...... وذلك كله دون أن يعترض الجهاز .......

ولكنني ... جلست أمامه ....

في شركة كشركتنا المتخصصة ـ فيما يبدو ـ في مكافحة الأجهزة يجب علي أن أجلس أمامه ... ولكنه على أي حــال ......
ضغطت ـ بشجاعة أحسد عليها ـ على زر " التشغيل " .

ـ صباح الخير يا باشمهندس " عبد الحفيظ" ..
ـ صباح النور يا سيدي .
ـ إزيك يا "هندسه " انهارده ؟ الهارد ده سايبينهولك من امبارح ...
ـ هي ... هي ... تمــاااااااااام . لا عليك سأقوم بإصلاحه .
أصدقائي ، وزملائي ، ودودين جدًا .. يعلمون " أسرار المهنة " جيدًا ـ فيما يبدو ـ يخففون عنت أنفسهم ، وعني عناء العمل أما ذلك الجهاز الذي قد يكلفنا الكثير من .. الصمت ، ... بعد ردي على الجميع .. وابتسامتي البديعة لا تفارق شفتاي .. التفتت ثانية إليه ... وعلى الرغم من أنه أمامي ، إلا أن " إحساسه" بي يبدو مختلفًا !! ....

هاااااااااااااا .... يا للإنسان ...... ضغطت زر التشغيل ... مرة أخرى ...
ولكن يبدو أنه لم يكن مقتنعًا بي .. كإنسان ... عاودت الضغط على نفس الزر مرة أخرى ... وبدأت ملامح وجهي ..في .... الـــ ..... لا .... حسنـــًا لقد استجاب هذه المرة تنفست الصعداء ، الشاشة السوداء المتعجلة ... اللوحة السماوية البديعة لويندوز 98 ... شعرت ، وأنا أتطلع إليها ، أنني استمد من تلك اللوحة البديعة إحساساً مختلفًا بالحياة ...

أخذت أتشاغل عن النظر إليه .. أعدل ياقة قميصي ، أفك رباط حذائي لأعيد ربطه مجددًا ... مهما حصل لن أمل ..
اللوحة السماوية البديعة ذات السحب البيضاء الجميلة .. لا تتغير !!! المشكلة أنني لن أحلق من خلالها إلى عوالم " الكمبيوتر" المجهولة !! ...

ـ حد عـــاوز مني حــااااااااجة ، يااااااا جماااااااااعة !!!
ـ تك ... تك ... تتك ... تتك ... تك ، تك .

كلهم منهمكون في عملهم ، حسنـًا فلأقطع أنا هذا الصمت ببعض الــ"ضغوط" .... مساااااااافة ، ..... إنتر ........... طيب ..... سكيب ......

( لقد أسمعت لو ناديت حيًا ) !!

( آلت + كنترول + ديليت ) .. الثلاثي المرح ، كثيرًا ما اتفائل بوجود هذه الأزرار الثلاثة على "لوحة المفاتيح " ... لأنها تعد كما يقولون ( آخر العلاج الكي) ..

ولكن اللوحة السماوية مصممة على أن تمتعني بمرآها ... لا تتأثر ، ولا تتغير ، ولا تتحرك ...

ـ إيه يا باشمهندس ... الظاااااااهر الجهاز مهنج !!
قلتها " السمراء" الرقيقة الجميلة ، ذات العيون العسلية ، والقوام الممشوق ، والخصر النحيل ، والشعر المتدلي ، المسترسل على الجانبين .. ، قلت لنفسي : "يا لرقة عباراتك يا عزيزتي .. يا ليتني كنت حرفـًا " !!...

ولكنني اصطنعت الدراية بكل الأمور ، وبعد أن مددت إصبعي السبابة " بخبث" إلى زر الخروج من المآزق الـ "ري ستارت " قلت لها متبسمـًا : لأ ...ده أنا بعيد التشغيل !

قالت بنبرة رقيقة حملتها العديد من التهكم ، الممزوج بالإعجاب بشخصي المتواضع ، وقدراتي الغير محدودة على إدارة الأجهزة ( غلقها ، وفتحها مرة أخرى) ،

قالت : هوا حضرتك لــســـه عملت حاجة ، عشان تعمل " ري ستارت" ؟؟

تبادلت معها الابتسام ، كطفل أخبرته أمه بأنها عرفت من العصفورة أنه لم يتناول الساندويتش ، ولسان حــاله : ( لآ أكلته .... ما تكسيفينيش ... بقة !! )
ولكنها قطعت تلك الابتسامة بمقولة بدا فيها رقة قلبها ، وحنانها ، ممزوجين بالعطف علي :

أقول لعم حسين يعملك كوباية شاي ، تشربها ... على مــا الجهاز يشتغل !!!

نظرت إليها بكل امتنان قائلا : .. لأ ... شكرًا ... هوا ... هوا .. هيشـ.. هيشتغل على طول ..

وعلى طريقة المرأة الخبيرة بكل الأمور ، قالت ، وهي تولي عني معرضة : برااااااااحتك .

هــــااااااا ظهرت اللوحة السماوية .. مرة أخرى ، كم هي جميلة !!!

( كمــــل ... أبوووووووووس .................... إيدك ) !!!
هناك نغمة يسمونها " نغمة البداية " ، وأسميها أنا بكل وضوح " نغمة الحـيـاة " ... شنفت آذاني بسماعها ... فرجعت بظهري إلى الوراء ... متنهدًا ..... استعدادًأ ليوم من العمل ... اللذيذ ..
بدأت " الأيقونات " تتراص في حكمة ، وتؤدة ....

“My Computer “ , “ My Document “ ....... وهكذا ....
تجولت بالفأرة بين أركان " سطح المكتب " كي أطمأن على واقع الحــال ، كله على مـا يرام ........... توجهت باللاوعي الباطن مباشرة إلى (Start ـ ابدأ ) ... ومنها إلى " بروجرامز ـ البرامج ، ومن البرامج اخترت ........

مهلاً .... مهلاً .......مــــاذا أفعل ؟؟؟ .......... تذكرت أنني لست في منزلي .!

مــا لذي يحتاجه هذا الجهاز اللعين ؟ ........

توجهت عبر " الفأرة " ـ تخيلوا معي عبر " الفأرة " أنتقل من مكان لآخــر !! ما الذي كان سيحدث لو توجهنا عبر " حصان " مثلاً !! ــ إلى “My Computer “ ... وعلى الرغم من أنه " his Computer " إلى إن ذلك لم يقف عثرة أمـام طريق تقدمي ، .... هنـــاك وجدت الــــ ( A , C, D, E , F ) لا بأس حالتهم مطمئنة .. ضغطت على زر الفأرة الأيمن : " view as web page " هكذا أحب أن تكون شكل صفحتي التي أعمل عليهــا ... ثم .. .. . .
هااااااااا ....( مساااااااافة ) . . . لاشيء ، ( إنتر ) .... لا شيء أيضًا !!

ثلاثة لا يشعرون بمرارة الحياة ، .. و علقمها :
الأطفال ..... والموتى ...... وأنــــا !!
ولكن مشكلتي أنني أقع في المنتصف بين الأطفال ، والموتى !! ... لذلك فقد قررت بعض الأجهزة الإجهاز على "جهازي المناعي " حتى أشعر بشيءٍ من مرارة الحياة ، وعلقمها ..

... و .. حينما تطلب من أحدٍ أن يحضر لك كوبـًا من المــاء ، مرة ... فيتجاهلك ، والثانية ، فلا يأبه لطلبك ، وفي الـمــرة الثالثة ، لا يستجيب لك .... عليك في الـمرة الرابعة أن تقوم بنفسك ... لجلب كوب المــاء ، وارتشافه في هدوء !! .. أو أن تتخيل أنك صائم هذا اليوم ، فلن تموت على أي حــال إذا لم تـشـرب ذلك الكوب . . .

أمـــا في حــالة التعامل مع الأجهزة ، فيبدو أنك تكون في حاجة مـاسة للاستماع إلى نصيحة " السمراء ، الرقيقة ، ذات العيون العسلية ، والقوام الممشوق ، والخصر النحيل .. والابتسامة الجميلة " :

ـ تـرا .... تــرا ..... ( ما أجمل حرفي التاء ، والراء من فمها ) ـ جاءت تتهادى ـ
ـ إيه الأخبار يا باشمهندس " عبد الحفيظ "

وددت أن أقول لها إنني قمت بإعادة التشغيل ( خمس مرات ) بدون جدوى ، ولكنني وجدت نفسي أقول لها ، متحليًا بالصبر ... وبكثير من الشجاعة ، والأنــاة :
يبدو أن أهم ما يجب على المرء عمله في بداية اليوم ، هو تسخين كوبٍ من المــاء على نـار هادئةٍ ، حتى يغلي ، استعدادًا لوضع الشاي ، والسكر المطلوب عليها ... لكي يصبح لديـه .....
قاطعتني في حزم : ما تقول ( أقوم أعمل كوباية شاي ، وخلاص) .....يبدو أن تقنية الكمبيوتر قد تركت آثارها عليك ... يا عزيزي !!
ـ هــــااااا........هـــــاااااا ..... هـــاااا

تصنعت الابتسام ... ، أمام جمالها الأخاذ ، و سحرها الخلاب لا يقو الإنسان إلا على ذلك . . . . تجاهلت تمـامًا أنني أجلس أمامه ، وانصرفت بكامل كياني إليها :
ـ إنما انتي عاملة إيه ؟؟

جــــاءني الرد من بعيييييييييد ............ بعيييييييييد جــــدًا .. .. :
( شوف شغلك يا أسـتاذ !! )
(لماذا يتزوج المدراء دائمًا الفتيات الجميلات اللائي يعملن / أو لا يعملن عندهم ؟؟؟ )

ـ حـــاضر يا افندم ..... بــس الجهـــااااااز .....
ـ بهنج ...... مـــا أنا عـــارف ..... صلحه ، أمــال إنتا شغلانتك إيه ؟؟؟؟

أدركت ساعتها على الفور ما يجب علي عمله .. ( بس خلااااااااااااص )


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى