السبت ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم محــمد أنـقار

"مقبرة" تحاور الرواية الاستعمارية

إلى نرجس شكوح؛ البنت ذات القلب الكريم، والعاشقة للقراءة أيضاً.

تمــهيد

حينما تقضي طرفاً هاماً من حياتك منغمساً في معالجة الروايات الاستعمارية المكتوبة عن المغرب، ثم تقرأ بعد ذلك كتابات غويتيصولو المتأخرة يحدث في أعماقك ارتجاج فكري خطير شبيه بذاك الذي قد تستشعره لو أنك اكتشفت قارة جديدة. ذاك ما حصل لي شخصياً. فبعد أن أمضيت سنوات طويلة ألتهم فيها ركاماً من الروايات الإسپانية المكتوبة عن المغرب إلى درجة أضحت خطواتها الجمالية شبه محفوظة لدي؛ لطمني في فترة لاحقة خوان غويتيصولو بكتاباته المفارقة التي لم تكتف بتكسير رتابة تلك الخطوات وإنما طمحت إلى تقويض أسس الثقافة الإسپانية برمتها؛ تلك الثقافة التي كانت وراء هذا الإفراز الجمالي المعروف (بالرواية الاستعمارية) أو (رواية الحماية).

والواقع أن التجربة المستخلصة من قراءة هذا النمط من الروايات بصنفيه التقليدي والمفارق قد جعلتني أزداد تغلغلاً في الخبايا البلاغية لصورة الآخر، لكن من دون أن تسلم إلي كل مفاتيحها. فإذا كان من الميسور مقاربةُ الوحدات الوظيفية للرواية الاستعمارية المكتوبة عن المغرب خلال عهد الحماية واستشرافُ خطواتها الجمالية الواقعية؛ فقد غدا من الصعب التعامل بنفس الخطة مع صور الروايات اللاحقة التي كتبت بعد استقلال المغرب واستلهم فيها أصحابها أساليب الرواية الجديدة، وتيار الوعي، والفلاش باك، والسوليلوكات، وما إلى ذلك من الأساليب الطلائعية التي أفرزتها الثقافة الأدبية الغربية خلال القرن العشرين والتي يمكن إدراجها اليوم فيما يسمى بأدب ما بعد الحداثة. فقد أضحت كل رواية جديدة تمثل في حد ذاتها تجربة قرائية جديدة لا تكاد تتكرر وحداتها في رواية أخرى.

في هذا السياق الطلائعي المفارق سأحاول رصد جوانب من البلاغة التي تحُاور بها صورُ كتابِ "مقبرةِ" مكونات الرواية الاستعمارية التقليدية.

بين (الحصن الخشبي) و(مقبرة)

في سنة 1928 نشر خوصي دياث فرنانديث كتابه "الحصن الخشبي"1 وجعل له عنواناً فرعياً لافتاً: "رواية الحرب المغربية ". ولقد أثار هذا الكتاب في زمنه ضجة جمالية. فهو في الحقيقة لم يكن رواية حسب المفهوم المألوف وإنما مجموعة قصص قصيرة ذات عناوين مستقلة، تتكرر في عدد منها أسماء وأماكن بعينها لكنها ترتبط جميعها، من قريب أو بعيد بحرب إسپانيا ضد المغرب. في ذلك التاريخ كتب خوان كُوصْطَا يقول: إن «"الحصن الخشبي" كمشة من القصص المتنوعة، لا يربط فيما بينها سوى تشابه المناظر الطبيعية والتواريخ، وسهولة تكرار بعض الأسماء الشخصية«. من جانب آخر لم تكن رواية "الحصن الخشبي" مألوفة كذلك من حيث لغتها المجازية الطلائعية ورؤيتها الإنسانية الأصيلة التي دشنت خطة الخروج الروائي عن المشروع الاستعماري الإسپاني، مع محاولة تصوير المغاربة تصويراً متوازناً. كانت عملاً طلائعياً بكل ما في الكلمة من معان.

وبعد أكثر من ستين سنة من ذلك التاريخ نشر خوان غويتيـصولو كتابه "مقبرة ". ولعل التداعي بين هذين العملين والربط بينهما يرجعان أساساً إلى أن "مقبرة" لها صلة بصور المغاربة والإسپان بل وعموم العرب وحتى الغرب نفسه، وكتبت هي الأخرى ببلاغة غير مألوفة يمكن القول إنها مضت في غير ألفتها إلى درجة أن طلائعية "الحصن الخشبي" تظل ساذجة للغاية.

استعادة الكونضي ضون خوليان

والحق أن الكتابة السردية الخارجة عن المألوف المتمردة على النهج التقليدي لم تبدأ لدى غويتيصولو مع "مقبرة" وإنما مع روايته "علامات هُوية (1966) ثم استمرت مع روايته "استعادة الكونضي ضون خوليان (1970) التي دشنت بلاغةً مغايرة ومفارقة في التعامل مع الموضوع العربي الإسلامي وحتى مع الشخصية المغربية. ولقد دعت هذه الرواية بإلحاح جمالي غير معهود إلى نقل مركز الاهتمام السردي من الإسپان الغالبين في زمن الحماية (1912-1956) إلى المغاربة والعرب والمسلمين سواء أكانوا منتصرين في زمنهم القديم (فتح الأندلس) أم مغلوبين في زمننا المعاصر. كانت رواية "الاستعادة" محطة جديدة وفي الوقت ذاته تكملةً للطريق الذي بدأه منذ عقود طويلة خوصى دياث فرنانديث ثم أرْتُـورو بارِيا ورامون سِندر.

حوار مع المتن الاستعماري

بيد أن الجديد في "استعادة" غويتيصولو ثم في "مقبرته" كما سنرى لاحقاً دخولُه في حوار فكري وجمالي مفارق مع الروايات الاستعمارية الإسپانية المكتوبة عن المغرب، ونزوعُه الواعي إلى كتابه رواية مضادة. ومن المعروف أن تلك الروايات التقليدية شكلت من حيث الكم البيبليوغرافي قدراً هائلاً من النصوص، كما مثلت من حيث عناصرها ووحداتها الوظيفية ورؤاها السردية "دليلاً " من الممكن السيطرةُ عليه هيكلياً ومحاصرتُه في جداول أو مورفولوجيات على غرار المورفولوجية التي حاصر بها پروب وحدات الحكاية الروسية العجيبة.

إن هذا المتن الاستعماري الشاسع/المحصور هو الذي دخل معه غويتيصولو في حوار جمالي نقدي ناسف من الصعب جداً الهيمنة على جميع وحداته وإعادة تنظيمها. بدأ ذلك بداية خفيفة في رواية "علامات هُوية"، ثم انفجر في شكل كتابة سريالية مدمرة في كتاب "الاستعادة" ثم في كتاب "مقبرة"، وتجلى في مفاهيم نقدية وفكرية صريحة في كتابه "وقائع شرقية ".

ضد الجنس الروائــي

لا تحمل صفحات "مقبرة" أيةَ إشارة إلى أنها رواية. وحتى في الكلمات النقدية المركزة المكتوبة على الغلاف الأخير- التي قد تكون من إنجاز الناشر أو المؤلف نفسه- يتم الاكتفاء بوصف هذا العمل "كتاباً ". وقبيل نهاية الكتاب يقول الراوي إنه قد حكى ما حكاه وانتقل بين القارات من دون أن يغادر مكانه، ثم يصف ما قام به بكونه يدخل في سياق حكي الواقعة أو الحدث " " ويعتبر نفسه حلائقياً من غير أن ترد على لسانه إطلاقاً لفظة "رواية". ولعل هذا الوعي الأجناسي المنفتح يعد مظهراً من مظاهر الحوار مع المتن الاستعماري تمهيدا للتمرد عليه. فقد كانت الرواية الإسپانية المكتوبة عن المغرب تعتمد اعتماداً شبه كلي على النهج التقليدي وتستعين به من أجل تنفيذ خطة التحامل على المستَعمَرين. لكن "مقبرة" تعمدت، في المقابل، التشتيتَ، والكتابة السريالية، وتكسير الحدث، بل العمل على إلغائه، وعدم تحديد هويات الشخصيات، والإلحاح على تنكير سماتهم وأماكن وجودهم وإقامتهم، والانغماس في جوانية اللغة بدل تطوير الوقائع وجعلها متسلسلة، وتعويض صور الحب الرومنسي الحالم أو الغزل الخفيف أو الغرام المسروق أو الغمز والإيماء بصور جنسية مفضوحة وشاذة. وبدلاً من إطلاق الجملة الروائية بحرية غير مسؤولة قد تصيب الهدف الدلالي أوْ لا تصيب كما في الرواية الاستعمارية؛ احتفت "مقبرةُ" بالكلمة الرفيعة المنتقاة بعنايةٍ انتقاءَ الجوهر، المستعصية على الإدراك الأولي، التي لا تقتضي بالضرورة "تجاوراً" مع ما قبلها وما بعدها، وإنما أضحت الكلمةُ الواحدة "منتفحةً" على ما قبلها وما بعدها بل وعلى ما يبتعد عنها بفقرات وصفحات. ولذلك اعتمد الراوي بدل النقطة الفاصلةَ والنقطتين العموديتين بين كلمة وكلمة، أو بين جملة قصيرة وجملة أخرى قصيرة، واعتبر پيري جيمفرير النقطتين أداتي فصل وربط في وقت واحد، ولذلك لم يتعمد الكاتبُ بدايةَ رسمِ الكلمات بالحرف الكبير في بداية الكلام أو بعد النقطة، خلافاً للنهج السائد في الطباعة ورسم الحروف. لذا أضحت جل الكلمات في "مقبرة" مفتوحةً على بعضها بعض كما لو كان الكتاب كله مجموعةً من الصور المعزولة التي تفضي إلى "صورةٍ وحيدة " حسب عبارة الرواي نفسه؛ بِلَّورةٍ لها أضلع شتى تشع في أكثر من اتجاه اعتماداً على "استعارية" التشتت وحريته وليس اعتماداً على الانطلاق المتجاور بالمفهوم "الكنائي" للتجاور. وبذلك تعمد غويتيصولو "الاعتداءَ" على اللغة الإسپانية ذاتها التي كُتبت بها في السابق نصوصٌ أدبية ونقدية وتاريخية متبجحة. ولقد صـرح ذات مـرة قائلاً: «من أجل اختراق الأسطورة والخرافات والقيم الإسپانية كان يجب عليَّ في الوقت ذاته اختراق اللغة». والحق أن "مقبرة" جاءت مرتعاً خصباً لتداخل اللغات واللهجات من أجل تحقيق ذلك الاختراق. فبالإضافة إلى الإسپاينة كان ثمة الفرنسية والإنكليزية (الأمريكية؟) واللاتينية، والعربية واللهجة المغربية الدارجة اللتان أضحتا معاً سمة تكونية أساساً في صياغة الصورة المضادة للرواية الاستعمارية:

إن كل هذه العناصر التشتيتية من شأنها أن تدفع القارئ الناقد لكي يعيد النظر في ماهية الجنس الروائي نفسه ويضعه موضع السؤال: هل الرواية الحق هي تلك التي كتبها الكلاسيون أم التي صاغها غويتيصولو؟. هل التشتيت هو المعيار أم التماسك؟.

تعويم السمات

إن خطة التشتيت السريالي تجعل عملية جمع سمات الشخصيات والأماكن والوقائع غاية نقدية صعبة. ذلك أن الرواي يعي جيداً أن محاورة المتن الاستعماري تقتضي طمس الهويات، وتعويم السمات، وتمويه الأماكن، وتكسير رتابة الأحداث. لكن معظم القرائن تدل على أن الشخصيةِ الذكورية المرصودة للتصوير المضاد، المسندة إليها وظيفةُ العشق شخصيةٌ مغربية أومغاربية من حيث إنها تتكلم أحيانا اللهجة المغربية وتمارس حرفة أو عملاً يؤكد المكانُ بعدَه المغـــربيَّ ( الدباغة/العسكر/الحلايقي/المنجمي...). وحتى مكان اللقاء نفسه يتحول من مراكش، إلى خنيفرة، إلى سيدي بلعباس، إلى تارغيست، إلى تارودانت، إلى سرداب تحت الأرض بأمريكا. بيد أن المغربي المعشوق قد يتحول من عبد اللّي إلى عبد الله، إلى عبد الهادي، إلى محمد، إلى مَحمد، إلى أحمد أو عمر:

« قلتَ إنك تُسمَّى عبدَ الِّلي، عبدَ الله، وربما عبدَ الهادي: انظرْ، إني مازلتُ أحتفظ بصورتكَ

إفراغُ محفظةِ النقودِ خلال الضوء المريب للقبو: مكانٌ سردابيٌّ حيث تُجرَى محاوراتها التي لا تَتْعب: إنها لا تُصغي إلى الثرثرة الحاقدة لباقي الخادمات المتخصصات مثلها في تفريج الملذات العذبة وتفريغها: إنهن شغيلاتٌ عاملات في الخلايا الضيقة ضيقاً شديداً
لا، ليس هو، لستَ أنتَ، لايهم، إني أراكَ بوضوح تام: مررتُ أمامكَ بريش زينتي، ومراوحي، وأكاليلي، وخَرَزاتي البراقة، وأسورتي، وعقودي: كل ذلك كان موضوعَ حماسٍ جماعي من لدن أهلكِ: الذين أغرتهم مواهبكِ بوصفكِ فنانة، وبهرهم صخبك بوصفكِ تشتغلين في ماخور

اسمكَ عمر»8

لاتطمئنْ في قراءة هذه الصورة إلى ضمير واحد؛ بل انتبه إلى الانتقالات غير المعلنة: من المخاطب، إلى الجملة المحايدةِ الواصفة المكتوبةِ على طريقة السيناريو، إلى ضمير الغائبة، إلى ضمير الغائبات، إلى ضمير المتكلمة، إلى ضمير المخاطبة، ثم العودة إلى ضمير المخاطب. بعد ذلك لا تطلب سياقَ الصورة فيما قبلها ومابعدها من وقائع وإنما اطلبه في كل الكتاب. وحتى إن فعلت ذلك لن تجد وقائع صلدةً متماسكة تستطيع أن تربط بها هذه الصورة العائمة أو على الأصح "المعوَّمة". هي مومس تتحدث ويُتحدث عنها، من دون أن تثير مهنتها أي تقويم أخلاقي على الإطلاق. والحق إن قارئ مقبرة "النموذجي" لن يكفيه معرفةُ عدد من اللغات واللهجات، والقدرةُ على تأويل رموز الكتاب، وفك طلاسم مجازاته، وتشريح موضوعاته؛ وإنما يلزمه إضافةً إلى ذلك القيامُ بمهمة تركيبية ذات طبيعة مخصوصة. أصفها هكذا لأن التركيب في مفهومه الشامل يعني جمعَ شتات الصورة المتشظية حتى تعود المرآة إلى حالتها الطبيعية كما في صور رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان حيث يستطيع القارئ أن يحصي الإشارات التي وردت في النص إلى برتقال العم رمضان على سبيل المثال، ثم يضم الإشارات إلى بعضها لكي تتكامل الصورةُ المتسلسلة. في رواية أصلان تملك الإشاراتُ والسماتُ والجزئياتُ إمكاناتِ التضامّ إلى بعضها بعض لتشكيل "صورة واقعية" ذات طبيعة متماسكة ومتدرجة. وفي رواية "بدر زمانه" لمبارك ربيع يقتضي التركيب الجمعَ بين ما هو "أسطوري" وماهو "واقعي" لتستقيم الدلالة وينتفي التنافر بينهما. أما جزئياتُ صورِ "مقبرة" المتناثرةِ وعناصرُها فلا يمكن ضم بعضها إلى بعض إلا وهي متنافرة، متناقضة، ومتعاكسة، مع حتمية الإبقاء عليها وهي في ذلك الوضع. وحتى مطلب التساند الجمالي بين السمة والشخصية أو المكانِ وباقي المكونات الروائية يتخذ هو الآخر هذه الصيغةَ المتنافرة القائمة في أصل العمل الإبداعي.

في هذه الصورة تتحدث المرأة الأورپية العاشقة التي تتعلق المغربيَّ وتسافر في طلبه وتنافس غيرها من أجله. معلوماتنا الروائية عنها شحيحة. تتذبذب سماتها بين الوضوح والغموض؛ فهي فرنسية أو أمريكية أو إسپانية صراحةً أو بالإيحاء. هي الأنثى المجهولة الاسم، ذات الهوية المتقلبة، والشخصية المتحولة حسب لفظة ميليتينسكي، لا تظل على حال. هي المرأة المناضلة. وهي الملاك المطرود من نظام الحكم الشمولي الذي يذكرنا بأورپا الشرقية، أو من بلد غربي رأسمالي تكنوقراطي هو باريس أو پِيطْسْبورغ أو غيرهما. هي المريضة وهي المرتاحة. هي البنت والشابة. وهي العجوز. هي السائحة الأمريكية. وهي العاشقة الفرنسية. هي البكر. وهي المومس المبتذلة. هي العاملة وهي فتاة الاستعراض الغنائي في مسرح ثيربانطيس. إنها أنثى مركبة الأوصاف، كالجثة التي يُجري عليها الدكتور فرانكشتين تجاربه العلمية. وتحديداً تقول سماتُ الأنثى إن العاشقة الأورپية، أو الأمريكية أو الإسپانية تعرفت المغربيَّ عن طريق المصادفـة (المراسلة، أو وكالة التزويج، أو معاينته في دار الدباغ بمراكش). لم يثرها فيه لا عقله ولا جماله (لأنه أسود دميم أصلاً أو أشبه بذلك) ولا حضارته، ولا وضعه الاجتماعي، وإنما إيره العظيم. أما سوى ذلك فلا يكاد يهمها. وفي سبيل هذه الغاية التي تعتبرها تطهيريةً تحملت العاشقةُ المشاق وجاءت المغرب تبحث عنه تارة في مراكش، وأخرى في الحسيمة، وثالثة في وجدة. وأحياناً تكتفي بلقائه الجنسي تحت أرض مدينة أمريكية. وفي مرات يتحقق اللقاء، وفي أخرى يفشل وتقنع برؤيته عياناً وتتحمل منافسةَ غيرها في التعلق به. وسواء تحقق اللقاء أم لم يتحقق تكون ثمة شبقية ولقاء جنسي وحتى شذوذ.

المرأة الأورپية هي التي تتكلم هنا بدل البطل الإسپاني؛ ذلك الفتى الأول المفوَّه في الرواية الاستعمارية من دون منازع. أما موضوع حديثها فيدور حول هيامها برجل أبسط سماته وأعمها انتماؤه إلى العالم الثالث، وأدق خصائصه و أكثرها احتمالاً انتماؤه إلى المغرب أو المغرب العربي. ومثلما اتسمت المرأة بالتحول وتنافر السمات؛ كذلك كان شأن الرجل المعشوق الذي هو مرة فتى المدبغة بمراكش، وأخرى حلائقي جامع الفنا، وثالثة عسكريُّ تارغيست، ورابعة أسود پيطْسْبورغ، وخامسة متشرد باريس، وهكذا دواليك. هو أنا. وهو أنت. وهو هو. كل ذلك "لا يهم" حسب عبارة الكاتب )ص105). وفي هذا السياق الذي تنتفي فيه أهمية السمة في حد ذاتها يمكن أن ندرك قلة جدوى أن يكون الأفريقي المعشوق اسمه عبد الّلي، أو عبد الله، أو عبد الهادي، أو عمر. أما بالنسبة إلى راوي "مقبرة" فقد كان المطلوب هو تعويم سمات الهوية من أجل تحقيق الانسجام الجمالي بدل تقديمها في صيغة متكاملة متسلسلة. تلك هي المهمة المطلوبة أيضاً من القارئ النموذجي: تركيب المتنافرات بما في ذلك الأسماء المحدِّدة للهوية.

بيد أننا نفترض أن من بين المهام التي ستناط بهذا القارئ البحث عن تحقق التوازي بين أجزاء الصورة وانسجامها حتى إن تم ذلك في سياق رواية مبنية أساساً على خاصية التنافر بين السمات. وفي سبيل بحثه عن ذلك التوازي سيكتشف القارئ وجودَ شخصيتين متنافرتين لكنهما في ظاهر السرد متكاملتان: امرأة أورپية بيضاء ورجل أفريقي أسود (أسمر) يوحّد الشبق بينهما. غير أن مفهوم هذا "التوحيد" لا يتم في صميم البناء أو التكوين الروائي من لدن الطرفين العاشقين معاً وإنما من زاوية نظر أحاسيس المرأة الغربية المهيمنة على السرد وعلى البطولة معاً. إنها الأنثى التي تواجه صعوبات في مجتمعها الغربي تدفعها إلى طلب التنفيس عن طريق ممارسة الجنس الجهنمي مع الأفريقي الأسمر. وهي بذالك تظل امرأة منسجمة مع خصائص تكوينها وصعوبات مجتمعها على الرغم من التنافر الذي يسود كل ذلك. أما الطرف الآخر في العشق فلا نكاد ندري عن علاقته بمجتمعه شيئاً خصوصاً بعد أن تم تعويم اسمه. صحيح أننا نعاين في الرواية عديداً من سمات المعشوق، إلا أنها في الحقيقة نتائج لوضعية اجتماعية مجهولة بالنسبة إلينا وكذا إلى ذلك القارئ النموذجي:(الفقر/ الشذوذ/ الاغتصاب/ التشرد/ الهجرة/ السخرة/ الأمية/ العدوانية/ التخلف/ القذارة..). هي أعراض اجتماعية لم يتم تشريحها أمام أعيننا مثلما تم تشريح أعراض المرأة الأورپية وتعقد حياتها.

بيد أن كل تلك السمات ونتائجها لا تُعرض من لدن العاشق نفسه بل من قبل المتكلمة الأورپية الغربية المسيطرة على السرد صحبة الراوي. وحتى عندما يتغلغل الكاتب إلى أعماق الطرف الأفريقي المتشرد ويجعله يتكلم مونولوجياً في الفصل الأول المعنون ب(القادم من الأقاصي) يجعله حواراً داخلياً ماحقاً لا يكاد ينفث سوى العدوانية والرغبة في الرعب.

إن الإشكال الرئيس في هذه الصورة وفي كل الكتاب هو إشكال المرأة الأورپية. هي الأساس. هي المركز، والطرف المهيمن، والبؤرة وما إلى ذلك من الصفات التي تفيد اختلالَ الصورة إذا افترضنا أن القارئ النموذجي الذي سيتكفل بفحص الصورة سيراعي في وقت واحد: تكوينَها البلاغي، وطبيعتَها الأورپية، وخصائصَها اللغوية الكثيفة، وهيمنةَ راويتها الأنثى، وتراجعَ شخصية معشوقها المغربي الأفريقي إلى منطقة الظل.

بيد أن هذا التعلق يكلف المرأة الأوربية غالياً حيث إنها تُضطهد في سبيله، وتطرد من الجنة الشيوعية أو من الجحيم الرأسمالي، ويُسخَر منها، وتتعب، وتشيخ، وتصبح أضحوكة. غير أنك لا تسمعها تئن أو تشكو؛ إذ إن كل شيء يهون في سبيل متعتها الجنسية الفائقة، ولكن ليس كما في حكايات "ألف ليلة وليلة" أو حتى في "الروض العاطر" حيث تكون المشاركة متبادلةً بين الطرفين العاشقين إلى حد كبير، ويكاد يرقى حضور الشخصيتين المشاركتين في الفعل القصصي أو الجنسي إلى مستوى الندين.

ومن البين أن القصد من صور السرد الجنسي المفضوح في "مقبرة" تعريةُ المتن الروائي الإسپاني من مثاليته الاستعمارية المصطنعة وكشفُ نفاقها. أضف إلى ذلك أن "البطل الإسپاني" لم يعد يقطع البحور ويأتي غازياً البلاد والنساء، وإنما أضحت المرأة الأورپية هي التي تقوم بذلك فيما يشبه الاستسلام والتضرع والخضوع المطلق للمعشوق الأفريقي. وهكذا تنعكس الصورة لدى غويتيصولو وترتبك على يديه الوحداتُ الوظيفيةُ المألوفة في الرواية الاستعمارية.

لكن هذا المشروع الفكري والبلاغي المركب لا يُعرض في "مقبرة" عن طريق اعتماد الحدث الروائي أو التدرج في الحكي كما أشرنا سلفاً، بل إن الحدث يتخذ درجة ثانوية جداً أو أقل من ذلك. إذ ليس المهم "الذي حدث" ولا "كيف حدث" ولا "طرافة ما حدث" ولا "سمات" مكان الحدث وشخصيته؛ إنما المهم غاية ثقافية تقتضي التسربَ إلى أعماق اللغة ذاتها، وتكسيرَ التسلسل، ونفيَ السردِ ذي البعد الواحد، والاتجاهَ بدلاً من ذلك نحو كتابة الفصل السردي كما لو كان "مقالاً" يرصد مظهراً معيشياً جزئياً، أو صفةً نفسية، أو وضعيةَ مكانٍ، أو تصويرَ الحالة العقلية للمرأة الغربية في خضوعها لفكرة طلب المتعة لدى الأفريقي الأسود أو العربي الأسمر.

نقد الحضارة الأوربية

غير أن الراوي لا يقف عند هذا الحد الثقافي، وإنما يتعمد في مرات عديدة، إن نقل في الكتاب كله، انتقادَ الحضارةِ الغربية، والتقدمِ التكنولوجي والإعلامي التواصلي، وتصويرَ النفور من المهاجرين والتقزز منهم، من دون نسيان عيوب الأنظمة الشمولية الشيوعية المنغلقة على ذاتها. بذلك تبتعد "مقبرةُ" عن المتن الروائي الاستعماري مسافة شاسعة حينما تتجاوز مجردَ السرد إلى ممارسة النقد. غير أن النقد يُعرض هنا في شكل أفكار وليس من حيث هو صورةُ حدثٍ أو أحداثٍ روائيةٍ كما ذكرنا أكثر من مرة. والغريب في الأمر أن معظم قرائن الكتابة تثبت رغبة الكاتب في أن يتماهى مع شخصية الحلائقي المراكشي أو الراوي في "ألف ليلة وليلة" ليروي مثلَهما بكل حرية وانطلاق. من هنا تأتي الـمفارقة. ذلك أن الراوي "الألفي" والحلائقي يغيِّبان في سردهما الأفكارَ ويعطيان الأهمية القصوى للأحداث والمغامرات. ثم إنهما يتعمدان التطورَ والتدرج في الرواية من أجل التشويق. وفوق هذا وذاك يتواصلان مع جمهورهما بلغة ميسورة مبسطة. في حين تتشكل "مقبرة" من لغة المعجم الكثيف، بل إن راويها يؤكد في كلماتِ الإهداء أنه لن يستطيع تحقيق مثل ذلك التواصل الشعبي مع تلك الفئة )من المغاربة أو عموم الأفارقة) الذين ألهموه هذا الكتاب لأنهم لن يتمكنوا من قراءته. كل ذلك يحفر فجوة بين الحلائقي الألفي والمراكشي وبين الحلائقي النصراني " ويجعل استعارةَ "وظيفة الحكي" تتجه نحو مظهرها المتعالي دون جوهرها الحيوي.

في "مقبرة" تتكلم الشخصية الأورپية بالدرجة الأولى. أقول الأورپية وليس الإسپانية تخصيصاً من أجل أن نثير الانتباه، مرة أخرى، إلى رغبة هذا العمل في الحوار الضمني مع الحضارة الغربية بما فيها "أمجادُ" الثقافة الإسپانية والمتنُ الروائي الاستعماري الإسپاني، ثم الإمعان في تفتيت وحدته وإعطائه توجهات لم تكن ترد في حسبان مبدعي الرواية الإسپانية المكتوبة عن المغرب ولا نقادها. وفي هذا السياق حلت المرأةُ الأورپيةُ محل "البطل الإسپاني". فقد أضحت تلك المرأة تمثل "الانفتاح" في مجالات الرؤيا والسلوك والجنس، في حين كان "الإسپاني" يشكل حالة بشرية منغلقة على نفسها. لذا كان ذلك البطل الاستعماري يفشل في معظم الحالات في إقامة علاقات طبيعية مع المغاربة، خاصة مع النساء. ولعل تبني غويتيصولو سمة "الانفتاح" هذه في فترة مبكرة نسبياً من تاريخنا المعاصر يثبت رؤيته المستقبلية الناضجة التي تنبأ فيها بتقارب المسافات بين البشر والأمكنة قبل أن تتخذ فكرة العولمة صورها الحالية.

صورة تطوان الغائبة

في هذا السياق المنفتح ذاته نقل راوي "مقبرة" مركزَ السرد من تطوان إلى مراكش- وكان قد نقله في رواية "الاستعادة" إلى طنجة – ثم فتح في الوقت ذاته جبهات مكانيةً أخرى لكي لا تظل للمركز الواحد سلطته المطلقة. وهكذا تتناسخ مراكش وتتناسل وتتحول إلى صور مدن أخرى: وجدة- الحسيمة- سيدي بلعباس- وهران- تارودانت- الريصاني- تافيلات.. قبل أن تعود ثانية لتتجمع في ساحة "جامع الفنا" المراكشية في خاتمة الكتاب.

أما في زمن الحماية فقد كانت مدينة تطوان عاصمةَ الحماية الإسپانية كلها على المغرب بشماله وصحرائه، مثلما كانت أيضاً بمنـزلة عاصمة الاستعمار الإسپاني في أفريقيا. بل كانت حتى عاصمةَ السرد الإسپاني المكتوب عن المغرب. لكل ذلك لم يكن من الغريب ألا ترد أية إشارة على الإطلاق إلى مدينة الحمامة البيضاء في كل رواية "مقبرة". بل إن الأمر يمكن أن يمضي أبعد من ذلك إلى افتراض أن تطوان تغيب عن أعمال غويتيصولو التي لها صلة بالمغرب مثلما تكاد تنعدم أخباره الشخصية التي قد يكون لها ارتباط بتطوان. والواقع أن ركام روايات الحماية المشار إليه في بداية هذا المقال قد رسخ لديّ الوهم بأن كل الروائيين الإسپان الذين كتبوا عن المغرب "يجب" أن يمروا بتطوان، أو يذكروها ولو بالإشارة، لكن شخص غويتيصولو وسرده المتمرد فتّتا هذا الوهم. إن صورة المركز لم تعد ضرورية ولا لازمةً روائيةً. وبدلاً منها هناك المدن الأخرى النادرة أو المنعدمة الذكر في معجم روايات الحماية.

صور غير متوازنة

غير أن الصورة المضادة التي أمعن غويتيصولو في نثر أشلائها لم تفلح في أن تكون متوازنة روائياً حتى إن اعتبرنا عمليةَ نثر الأشلاء المضادةِ المظهرَ البارز من مظاهر الانسجام البلاغي في الرواية. ففي "مقبرة" يُرصد الراوي الأفريقي من حيث هو وسيلة لتحقيق المتعة وتنسيق الصورة الغربية وليس من حيث هو إنسان في حد ذاته أو كائن بشري له سماته السلبية والإيجابية المتساندة بإقناع جمالي مع شخصيته. ليس ثمة لونان أبيض وأسود. وإنما امرأة بيضاء "تبتدع" أسوَدها. قد يقال إن تصوير الأسود من حيث هو متعة جنسية فحسب أو شخصية قذرة مضطهدة إنما يقتضيه السرد ذاته أو الصورةُ الغربية في الرواية وليس خضوعاً لمعطيات الحقيقة في الواقع الخارجي. لكن الواقعين معاً- الداخلي، والخارجي الذي ترفضه الرواية- لا يُقنعان. ففي فصل "من أبعد الأقاصي" يقدَّم الوافدُ غيرُ الأورپي بصورة لا تكاد تتسرب إليها أية سمة من سمات الضوء الداخلي أو الخارجي. منبوذ مهمش في مدينة ذات ملامح فرنسية (باريس). حافي القدمين. رث الثياب.لا مال له. يتقيه الناس ويطارده الأولاد. ذو رائحة كريهة. مهاجر يتسكع في المدينة. يحاور نفسه أحياناً ويتساءل: لماذا جئت إلى هذا العالم؟. يصفع امرأة توزع منشورات مسيحية في الطريق. مجازياً ليس له أذنان. يحلم بأن يحرق كل شيء يراه. تثيره مشاهدات وأوصاف وحوانيت ومقاه وملصقات أفلام دعارة ورعب. يدخل قاعة سينما. تولي المضيفة هاربةً منه في رعب. يتماهى مع فيلم مخيف. فيلم [فرانكشتين] وما جرى له مع ضحيته الجميلة واستعداده لامتصاص دمها على طريقة [دراكولا]. المهاجر يجد ذاته في فيلم الرعب ويمضي إلى عوالم أخرى كما لو كان فوق بساط الريح.

أين هو الضوء في التكوين الداخلي أو في الإحالة الخارجية المحتملة؟. أين هي عناصر التوازن في بناء صورة المنبوذ نبذاً تاماً؟. أين هم المحسنون وجمعيات البر بالمهاجرين في تكوين الصورة؟. أين هي السمات الأخرى المضادة لقتامة الصورة؟. لكل ذلك قلنا سابقاً إن الواقعين معا الداخلي والخارجي لا يُقنعان. وفي هذا المضمار لا يظهر أن غويتيصولو قد فارق الرواية الاستعمارية حينما احتفى بتجديد لغتها وإرباك عناصرها وتنويع سمات شخصياتها الغربية من دون أن يلتفت إلى إحداث تغيير جذري في صورة الآخر اللهم إلا على مستوى الشبقية الجنسية والإمعان في وصف المباذل. وحتى إذا قلنا إن الإقناع والتوازن والتعليل أمور غير لازمة في رواية ما بعد الحداثة أحسسنا في أثناء قراءتها أن الإنسان ذاته لم يصوَّر من حيث هو إنسان.

القارئ المرجَــُأ

إن غويتيصولو بقدر ما يطمح ويفلح إلى حد كبير في تصفية حسابه مع الثقافة الغربية والأورپية بمواصفاتها المسيحية والبرجوازية والإمپريالية والشيوعية، وينجح في تحريك أسانة المتن الاستعماري وخضخضة أصوله ووظائفه؛ يظل حسابه مع القارئ الشرقي (العربي أو المسلم أو المغربي أوحتى الأفريقي) معلقاً. إنه عمل مرجأ. وهذا القارئُ المعاصُر غيرُ الإسپاني لم يعد اليوم يكتفي برؤية نفسه عبداً أسود، مهاجراً معدماً، ذا طاقة جنسية خارقة فحسب. إنه يرى في تلك الصورة قدراً من السذاجة شبيهة بالسذاجة القديمة التي كانت تصوره حيواناً أعجم. إن هذا القارئ المشكَّل في الوعي الجمالي وحتى في الوعي الخارجي أضحى خليطاً من السمات والأمزجة والأوصاف المتشابكة بطريقة معقدة. بل إنه أصبح يطالِب بأن تكون له مشاركة عادلة ومنصفة في تكوين الروايات الغربية وتشكيل صورها مثلما طالبت "الشخصياتُ الستُّ" البرانديلليةُ المؤلفَ المسرحي بأن يراعي حقيقة مأساتها حينما يكتب قصة حياتها. أولم يناد النقد الروائي الغربي المعاصر بمقولة ترى أن القارئ له دور أساس في إتمام العمل الروائي وتعميق دلالاته؟. تلك هي ديمقراطية التصوير التي تقتضي في الحقيقة تجاوزَ القارئ الشرقي أو الغربي إلى الكاتب النموذجي الذي يُفترض فيه مراعاة كل الأطراف البشرية المحتملة والعناصر البلاغية المشكِّلة للصور ومخاطبة كل الجهات التي جعلها عصر العولمة مرشحةً لممارسة وظيفة القراءة. إن الرواية الإسپانية المكتوبة عن الآخرلم يعد قارؤها المفترضُ والوحيد هو الإسپاني القابع في كازينوهات مدريد أو الضابط العسكري الآمر الناهي؛ وإنما أضحى هذا النمطُ من الراويات خطاباً مشاعاً منفتحاً على كل العوالم، محتمِلاً أن يقع بين أيدي كل أصناف القراء: ضباط متحكمون، أبناء المستعمرات القديمة، حفدة الحلايقين وأبناء جلدتهم، طلبة الثانويات والجامعات، باحثون متخصصون في دراسة صور الآخر، قراء بسطاء ومتعالمون، بيض وصفر وسمر وسود. وباختصار لم تبق الرواية المكتوبة عن الآخر كما لو كانت تُكتب في السر، كتاباً محرماً مخصصاً لأبناء العشيرة، بحيث إنْ سبَّ الكاتبُ ولعن وشوه صورةَ الآخر توهم في اطمئنان أن ذلك لن يُعرف من لدن سائر الملإ ولا كل أبناء الدنيا.

إن "مقبرة" على الرغم من صدورها عن مشروع ثقافي طموح وبلاغة مفارقة، وخطاب متمرد ومحاور؛ لا تكاد تقطع في بعض صورها، حبل الصلة بالرواية الإسپانية التقليدية.

إلى نرجس شكوح؛ البنت ذات القلب الكريم، والعاشقة للقراءة أيضاً.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى