الاثنين ١٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم عطيات أبو العينين

مرارة المشمش

دق جرس التليفون. حاولت أن أقوم. أشعر أن هناك آلاما في كل مكان بجسدي.. تباطأت في الرد لعله يوقف رنينه المزعج. رفعت السماعة. كانت أمي.. حاولت أن أتماسك فلم أستطع.. جاءت كلماتي متقطعة باردة تشوبها حشرجة

مخنوقة.. وانفجرت في البكاء.

 أكيد المخفي زوجك. عملها مرة أخرى. ولكنني أعود فأقول أنت التي اخترته فاشربي..

كانت هذه هي لهجة أمي كلما اتصلت بي بعد مشاجرة مع زوجي. معها حق لقد حق علي العذاب طول العمر من أجل قرار اتخذته في لحظة طيش.. زواجي من هذا الرجل.. لم أندم علي شيء فعلته في حياتي كما ندمت علي زواجي منه صرت أبغضه من كل قلبي، تبدل كل الحب إلي شعور بغيض ربما أكبر من الكره ذاته.. غفرت له زلات كثيرة وفي كل مرة كنت أجد له المعاذير، أما هذه المرة
رفعت يدي. تحسست خدي الأيسر. انهمرت الدموع رغما عني. سمعت طرقات علي الباب. ابنتي. أخفيت دموعي سريعا عنها. أحمد الله أنها كانت نائمة وقت الشجار.

 ماما.. ماذا بك؟
 لا. لاشيء يا حبيبتي..
وجدتها تقول:
 لماذا يا أمي تتشاجران دائما؟
 إننا لم نكن نتشاجر يا سلوى. بابا كان يحكي لي حكاية وارتفع صوته دون أن يدري. هذا كل ما في الأمر.
 وهل من يحكي حكاية لأحد يصفعه على وجهه يا أماه؟

حاولت أن أبرر لها مرة أخرى فخانتني أعصابي وكدت أبكي، فاحتضنتها بسرعة كي أخفي عنها دموعي وسمعتها تقول لي:
 لن أتزوج أبدا يا أمي.. سأعيش معك طيلة حياتي..

تركتني سلوى وذهبت إلي حجرتها. شعرت أنني جرحت جرحا عميقا لقد تحطم كياني أمام ابنتي الوحيدة.. تذكرت حينها لوم وتأنيب أمي لي بضعف شخصيتي وإهدار كرامتي.. عادت الدموع تنساب من عيني.. كيف أستطيع مواجهة ابنتي بعد اليوم؟ وكيف أصبحت صورتي في عينيها بعد ما حدث؟ كيف أحول تلك النظرة التي في عينيها من عطف ورثاء لحالي إلي إعجاب وحب لشخصية أمها؟ لا سامحه الله. لقد كسر اليوم شيئا عظيما بداخلي..

فتحت دولاب ملابسي. ورحت أجمع كل حاجياتي. وقع بصري على صورة زفافي بجوار السرير، امتدت يدي إليها، رفعتها إلى أعلى ولكنني تراجعت امتدت يدي إليها ثانية، لم أشعر إلا وأنا ألقي بها تحت قدمي محطمة إياها..

بينما أضع حاجياتي في الحقيبة سيطرت على مشاعري ابنتي سلوى عندما ستعيش بعيدا عن بيتها الذي نشأت فيه، ستفقد الأب الذي تحتاج إليه لن أستطيع مهما فعلت أن أعوضها عن أبيها..سيظل هناك شيء ما بداخلها مكسورا إنه الشرخ الذي ألم بقلبي الليلة سيمتد إلى قلبها. ما ذنب أبنائنا أن يدفعوا ثمنا لاختياراتنا الخاطئة.. لا.. لن أخطأ مرتين.

عدت أفض الحقيبة من جديد أعدت كل شيء مكانه. المنزل مرتب.. سلوي في غرفتها تستذكر دروسها قمت بوضع شريط موسيقي بالكاسيت.. حاولت معالجة صورة زفافنا التي كسرت جمعت أشلاءها المبعثرة عاد الإطار كما كان ولكن من يدقق في الصورة يكتشف أن بها شرخا عميقا حاولت معالجته فلم أستطع. تركته ربما يلتئم مع الزمن.

هاهي دقات الساعة معلنة انتصاف الليل وضعت العشاء علي المنضدة أصرت سلوى أن تنتظر أباها لنتناول طعام العشاء معا.. جلسنا ثلاثتنا لنتناول الطعام.. توسط المائدة طبق الفاكهة المحبب له أطلت منه حبات المشمش كاملة الاستدارة بلونها الأصفر الجميل، لم نتفق أنا وهو في شيء كما اتفقنا في حبنا لهذه الفاكهة بالذات، كانت حبات المشمش متراصة بشكل براق، بريقها يضيء أكثر وهجا من ضوء طبق الكريستال التي تقبع فيه.

أصرت سلوى أن نتصالح أحنت سلوى رأسي رغما عني ليقبلها.. ناولني حبة من حبات المشمش أصر أن يطعمني إياها. وضعها بفمي رحت أزدردها لم أشعر لها بأي مذاق.. ضروسي تضغط على شيء جامد لم أحاول اخراجه من فمي راحت الضروس تطحنه طحنا مع حبة المشمش.. شعرت بمرارة في فمي كالعلقم. رحت استعذب مرارته وانتزع من داخلي ابتسامة ممزوجة بمرارة المشمش.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى