الأربعاء ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٩

موسيقى عالم الأسرة

بقلم: آرا سوفاليان

كانت أيام جميلة ذهبت ربما بلا عودة، كنا ثلاثة موسيقيين (تريو) جئنا بلا اتفاق أحدنا عازف ترومبيت وترومبون وفلوجل هورن ومغني رئيسي والثاني ليد كيتار ومغني ثاني وفوكال والثالث هو عازف أورغ ومغني ثاني وفوكال.

عدت إلى الشام وبعد فترة استراحة بسيطة خرجت للبحث عن عمل وكان الميتر آفو الأرمني اللبناني الأصل يعمل في فندق الشام وطلبت منه أن يؤمن لي عقد عمل فقال لي: لقد تأخرت فلدينا عقد مع موسيقي جاء تواً من الولايات المتحدة وهو يعزف على الترومبيت ويغني وقد وقّع مع الفندق عقد لمدة سنتين تعال لأعرفك عليه.

وجلست أسمع وكان قد وصل من الولايات المتحدة وحمل معه كل المعرفة وقوة الموسيقى وهي موسيقى الجاز تلك المدرسة التي أعشقها واستمعت لموسيقى لوي آرمسترونغ وجلين ميلر والجاكسون فايف والبيتلز وآزنافوريان وشيرلي باسي وانجل بيرت هامبردينغ وتوم جونس وفرانك سيناترا وإديث بياف وإلفيس سبريسلي ولاتينيات كارلوس سانتانا وسمعت الفولك الأميركي، وسحرني الشاب بعزفه المتمكن وفي العادة يجود الموسيقي أمام موسيقي آخر وكان متمكن بالعزف على الترومبيت بإستعمال السوردين وهو كاتم الصوت الذي يوضع في الترومبيت فيركز على الهرتز المرتفع ويضيف جو من السحروالخيال.

وكعادة الموسيقيين أمسكني من يدي وأجلسني خلف الأورغ وكانت متاهة من موسيقى الجاز والبلوز والسوينغ والجاز فالس والفوكس تروت والشارلستون، وجرت العادة أن يسأل الموسيقى الأصيل الموسيقي الضيف... هل تعرف معزوفة أو أغنية كذا ؟ ويتم الاتفاق على طبقة معينة وتتم البداية بالعد ولكن وعلى عكس المألوف لم يتم أي سؤال ولم يحدث أي اتفاق وكأننا متفقين ونعزف مع بعض من سنين طويلة، وفي أجهزة الأورغ الفول أوركيسترا فإن العد من واجب عازف الأورغ ومضى الوقت سريعاً ووصلنا إلى الاستراحة وجلسنا معاً فقال لي: ما اسمك قلت له آرا سوفاليان قال لي هل تعرفني من قبل ؟ قلت له نعم سمعتك وفرقتك عدة مرات قبل سفرك إلى أميركا وفي كازينو الوادي الأخضر حيث جئت مع أهلي وكان ذلك قبل عشرون سنة من الآن وبالطبع لم تكن أنت بهذه القوة، قال لي: جئت تزورني هنا في الفندق بمعنى سمعت عني وجئت لتسمعني؟ قلت له: لا أبداً لم أسمع عنك ولم أحضر لزيارتك ولا لسماعك ولكن جئت لآخذ مكانك فأنا بحاجة للعمل، قال لي: حسناً أعجبتني صراحتك... هل يمكننا أن نعمل معاً... قلت له: دعنا نجرب لفترة أسبوع... وتم تمديد هذا الأسبوع لفترة زادت عن الأربع سنين عندما قررت اعتزال العمل الليلي دون ترك الموسيقى.

وتنقلنا ما بين ثلاثة فنادق هي الشام والميريديان والشيراتون بالإضافة للحفلات الخارجية في الفيلات والقصور في الضواحي وذهبنا بضعة مرات إلى لبنان وعزفنا في حفلات خاصة.

كان كل شيء يمرّ بشكل روتيني فالحفلات والأعراس وحفلات السفارات وحفلات الجاليات والحفلات اليومية تتم في المسبح والتيراس وكافة مطاعم الفندق وعلى الروف وفي المطعم الدوّار وفي قاعة السنين المجنونة وفي قاعة السنين العاقلة وكان شيء واحد يزعجني وهو التعليق... بمعنى الطلب الخاص من الجمهور... فمثلاً هناك أغنيتين تم طلبهما نصف مليون مرة من قبل نصف مليون زبون فتم عزفهما نصف مليون مرة لدرجة أن كل واحدة من هاتين الأغنيتين كانت تذهب معي عندما كنت أخلد للنوم، الأولى سوزانا والثانية آي جاست كول تو ساي آي لاف يو... كنا نتمنى أن يطلب منا شيء ثمين أو شيء قديم متميز وكان يحدث ذلك بالمصادفة وعند وجود أجانب حيث نجد المبرر للهروب إلى موسيقى الجاز... مرة عرفنا أن فرقة النحاسيات اللبنانية المصاحبة للفنانة الملكة السيدة فيروز التي عادت للتو من مهرجان جرش في الأردن هي وكامل عناصرها تنزل عندنا في الفندق وجاؤوا لزيارتنا وقضاء السهرة عندنا فطلبنا منهم ان يعودوا إلى غرفهم ويحضروا آلاتهم النحاسية ويعزفوا معنا... وكانت سهرة رائعة لا ينقصها إلاَّ التسجيل لأنها كانت عفوية وصادقة ومن الوزن الماسي... وجاء فيها ضيف عربي وطلب أن نعزف أغنية فكروني للسيدة أم كلثوم وخرجت عينا صديقي من محجريهما فنحن بعيدين عن الشرقي بعد الأرض عن زحل ولكنه استطاع عزفها وبمقاماتها الشرقية ووزع المقاطع على عازفي فرقة السيدة فيروز وكان هناك تحدٍ أدى إلى نتائج جميلة وغير متوقعة.

وفي يوم من الأيام كان لدينا ضيوف مهمين جداً... وهم أربعة سوريين هاجروا إلى النروج واشتغلوا هناك في الموسيقى وتجنسوا وتزوجوا من هناك وجاؤوا لزيارة الأهل مع أولادهم واتفقوا أن يسهروا عندنا... ولأنه ليس لدى صديقي (ذقن ممشطة) فلقد صاروا معنا على الستيج وتكرر ما حدث عندما كان اللبنانيون في ضيافتنا... مع فرق بسيط وهو ضيف محلي وليس عربي وهو طفل صغير وليس رجل كبير... جاء متعثراً نحو أحد الضيوف الذي كان يعزف معنا وطلب منه أغنية... ولكن الضيف الذي كان يعزف معنا والذي كان قد غادر سوريا منذ أمد طويل لم يفهم المطلوب فطلب من الطالب أن يذهب إلى عازف الترومبيت والمغني الرئيسي، فتكررت المسألة من جديد لأن المرسل إليه هذه المرة كان قد عاد تواً من الولايات المتحدة بعد فترة غياب دامت خمسة عشر سنة، فحدث نفس الارتباك فطلب مني أن أستفهم من الطفل... وقال لي: هل هناك أغنية للأسرة لديكم هنا في سوريا... هذا الولد يطلب أغنية للأسرة... فأشرت للولد أن إقترب... فجاء ووضع فمه في أذني وقال لي: (بتسِّلم عليك خالتي لميس وبتئلك عزفولنا موسيقى عالم الأسرة) ونظرت بإتجاه الطاولة التي جاء منها الولد فرفعت خالته لميس يدها بالتحية.

وضربت الأخماس بالأسداس وتذكرت بأن هناك برنامج في التلفزيون العربي السوري كان يعرض في نفس الفترة (نحن نتحدث عن العـ1985ـام) اسمه عالم الأسرة وقد اختار المخرج أن تكون موسيقى الشارة هي الشيء الموجود على الرابط أدناه فتحول اسم هذه الموسيقى إلى موسيقى عالم الأسرة، فتم عزف ما طلبته لميس وما نقله ابن أختها بمنتهى الروعة والأمانة وتحولت القصة إلى طرفة ونكته علقنا بها وعلقت بنا لفترة طويلة نذكرها فنضحك لسببين الأول وهو: أسلوب الطلب، والثاني وهو: الحل السريع وإجابة الطلب أي كشف اللغز بحيث (ما بتجي ببال عفريت كما ادعى أفراد الفرقة) خاصة وأني لم أكن مغرماً بالتلفزيون بالإضافة إلى أنني كنت خارج البلد لعامٍ كامل، أما كشف اللغز فهو محض مصادفة فلقد رأيت بداية إحدى حلقات هذا البرنامج منذ بضعة أيام في زيارة عائلية واستغربت أن يختار المخرج معزوفة لا تعبر عن هذا البرنامج وإنما تعبر عن شيء آخر مختلف كثيراً.

بقلم: آرا سوفاليان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى