الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

الشاعر الفلسطينى عبد الناصر صالح: أدعو لحداثة شعرية جديدة

الشاعر الفلسطينى عبد الناصر صالح

عبد الناصر صالح واحد من شعراء فلسطين المبدعين، الذين نجحوا فى حفر أسمائهم على صخرة الشعر العربى، برقة شعره، وتفجر أحاسيسه، وصوره المتجددة، وتراكيبه المتألقة. حين تتحدث معه يأسرك ببساطته، وجماله الإنسانى، وقدرته على الدخول إلى قلبك منذ اللحظة الأولى. زار عبد الناصر العاصمة المصرية القاهرة مؤخرا لمتابعة فعاليات معرض القاهرة الدولى السابع والثلاثون للكتاب، وهناك التقاه مراسلنا أشرف شهاب، ودار بينهما الحوار التالى:

ديوان العرب: الشاعر الفلسطينى عبد الناصر صالح.. لدى اعتقاد دائم أن الشعراء الفلسطينيين، -أقصد المبدعين منهم- مظلومون دائما بقراءات نقدية تعلى من شأن الجانب السياسى فى قصائدهم على حساب الجانب الفنى.. فما هو تقديرك؟

عبد الناصر صالح: بادىء ذى بدء لا يمكننى أن أنكر أننى شاعر مناضل.. أكتب الشعر الذى يدعو لحرية شعبى الفلسطينى، داعيا لتحريره من قيود الاحتلال. وقد دخلت السجون الإسرائيلية عدة سنوات بسبب هذه القناعات. ومع ذلك لم أتوقف عن مواصلة الكتابة. لم أخف، ولم أتراجع، ولم ينكسر قلمى. بل على العكس إزددت تمسكا بتجربتى الشعرية، وبمشروعى الثورى المعادى للصهيونية، وللعنصرية وللعبودية. أعتبر أن هذا قدرى الذى لا فكاك منه. أن أكتب للفقراء وللشهداء وللأسرى فى المعتقلات الإسرائيلية، وأن لا أصفق للسياسيين، بل إننى أرفض أن أتحول إلى واحد من أفراد الجوقة الإعلامية الملحقة بالسياسى. ومن هنا يبرز خطأ تعميم فكرة القراءة المنحازة للسياسى على حساب الشاعر. ليس مطلوبا من القارىء أن يفتش فى شعرى عن الجانب السياسى المباشر، ويحصرنى فى هذا النطاق الضيق، لمجرد أننى فلسطينى، لأن فى هذا إفتئات على موهبتى الشعرية. أدعو القارىء لقراءتى كشاعر يكتب الشعر بأسلوب فنى جميل، أسلوب مناف للمباشرة، وأن يحكم على القصيدة من خلال رسالتها. فجبهة القصيدة لا تقل أهمية عن النضال فى الجبهات الأخرى، وخصوصا جبهة الكفاح المسلح. كلنا محاربون، وكل منا مقاتل على جبهته الخاصة. أستطيع التأكيد أننى قائد على الجبهة الثقافية، من خلال تسليطى الضوء على التراث الفلسطينى لحمايته من السرقة والتشويه والتزوير.. وهذا الجهد لا يقل أهمية عن الجهد السياسى.

ديوان العرب: هلى يعنى ذلك أن هناك تخاصما بين عبد الناصر صالح الشاعر، والسياسة بشكلها المباشر؟

عبد الناصر صالح: نعم.. فأنا لا أؤمن بإمكانية التصالح بين الشاعر والسياسى. هناك صراع مستمر، ومحاولات من جانب السياسيين للسيطرة على المثقفين، وتحويلهم إلى أبواق تابعة، إلى فريق كورال تابع لهم. وتجربة المثقفين العرب عموما مع النظم الرسمية العربية خير دليل على ما أقول. فالشاعر طائر طليق يبحث عن الحرية، والعدالة الاجتماعية. أما السياسى فمكبل بمجموعة من المحددات.. مكبل بدستور الحزب أو النظام الذى ينتمى إليه. وهو طائر سجين، محبوس فى قفص الأيديولوجيا، ولا يقوى على الخروج منها، وهذا أحد أهم جوانب الاختلاف أو الخلاف.

ديوان العرب: إذا كنت تنتصر للشاعر أو للمثقف عموما على حساب السياسى.. فما هى الأدوات التى ينتصر بها المثقف.

عبد الناصر صالح: ينتصر المثقف بإنسانيته، ينتصر بمواقفه المبدئية، ينتصر بمشاركته فى إحياء التراث الذين يريدون سرقته، وبالحفاظ على الهوية التى يريدون محوها.. وهو فى سبيل ذلك يلجأ إلى تنظيم المعارض والندوات، وكل ما من شأنه أن يؤكد على دور التراث، والفلكلور، والزجل الشعبى، والدبكة، والفن التشكيلى، والأغنية، والقصيدة فى الدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد شاركت بالفعل فى تنظيم مثل تلك الفعاليات، كما نظمت العديد من الندوات الأدبية والفكرية حول رموز الأدب والشعر الفلسطينى مثل: عبد الكريم الكرمى (أبو سلمى)، وإبراهيم طوقان وبرهان الدين العيوشى، وإدوارد سعيد، ومعين بسيسو، وعلى فوده، وفدوى طوقان، وغيرهم. هذه الجهود تأتى فى إطار خطة مستمرة لإحياء ذكرى قادة الأدب والشعر والفكر والتعريف بهم بين أبناء شعبنا، وخاصة بين الجيل الشاب. وهكذا أؤكد مرة أخرى من خلال الفعل أن على المثقف، أن ينأى بنفسه عن دهاليز السياسة، فالمثقف هو صوت الأمة وضميرها.

ديوان العرب: أعتقد أن هذه الرؤية تتفوق على رؤية السياسى، الذى رأيناه يقدم التنازلات تلو التنازلات..

عبد الناصر صالح: هنا يتفوق الشاعر.. الشاعر لا يهبط بسقف تنازلاته لأنه غير مضطر إلى وأد الحلم، وملاحم البطولة التى يسطرها المقاتليين الأبطال، فى كل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، رغم قلة الإمكانات الاقتصادية والعسكرية، تثبت أن المقاومة باقية، لا تستطيع زعزعتها إرادة السياسى، ولا حتى جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية المثقف يؤمن بحتمية الإنتصار، وطرد المحتل، وحلمه بإقامة الدولة المستقلة هو الذى يدفعه للمزيد من التضحية والصمود.

ديوان العرب: هل نفهم من هذا أنك تدين ما يفكر به السياسى، وما يقوم به من مبادرات، واتفاقات؟

عبد الناصر صالح: هذه المبادرات والاتفاقات التى يوقعونها هنا وهناك، ما هى إلا غطاء أمريكى لإجهاض الإنتفاضة، وإطفاء شعلة الكفاح. وإذا بحثت وسط كل ما يحدث لن تجد حلولا جذرية تعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة التى أقرتها مواثيق الأمم المتحدة والشرعية الدولية. ومن هنا.. لا يملك أى واحد منهم التنازل عن ثوابتنا الوطنية.

ديوان العرب: لكل شاعر تجربته الخاصة.. وأنا أقرأ قصائدك لمست فيها جانبا قوى الإحساس، يختلط فيها الانتصار للتراث أو الأسطورة مع الحس التجريدى..

عبد الناصر صالح: هذه رؤية لا أنكرها.. ومن الصحيح أن لكل شاعر تجربته الخاصة، والشاعر الفلسطينى على وجه الخصوص له تجربة ترتبط بالواقع الذى يعيش فيه، ويتنفسه. وإذا ما مررنا بشكل عابر على بعض شعرائنا الفلسطينيين سنجد أن كلا منهم قد تأثر بتجربة مختلفة رغم نفس الواقع والظروف. فعلى سبيل المثال يطغى الجانب الغنائى فى بعض الأحيان عند شعراء مثل إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وفدوى طوقان. وكذلك فى أشعار محمود درويش، وسميح القاسم، وعز الدين المناصرة، وغيرهم ممن استلهموا المعطيات التراثية، والمتغيرات الإقليمية والعربية والعالمية ووظفوها لخدمة قصائدهم وقضيتهم. أما القصيدة الحسية التى أكتبها فهى مختلفة من حيث أنك يمكنك أن ترى فيها المكان، وتشم رائحته دون أن تلمسه. لقد مللنا الخطاب المباشر، وأصبحنا بحاجة إلى التطوير والتجديد، شرط عدم التقليد. أى أننا بحاجة لحداثة من نوع خاص، حداثة تبتعد عن المفهوم الحداثى الغربى، وتستلهم الواقع العربى. أقول ذلك لأننى أشعر أننا تأثرنا بالغرب ووقعنا فى متاهة الغموض، الغموض فى الرؤية، وما نتج عنه من غموض فى المسميات والمصطلحات. إننى أدعو لحداثة شعرية جديدة تتفاعل مع الواقع العربى وتناقضاته، وتبحث عن حلول لأزماتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية.

ديوان العرب: هل تعتقد أنك نجحت فى التعبير عن هذا المفهوم فى أعمالك المختلفة؟

عبد الناصر صالح: سعيت بقوة إلى ذلك. وعلى وجه الخصوص فى ديوانى الأخير "فاكهة الندم"، الذى دخلت من خلاله إلى عالم التجريد. لقد حاولت فى ذلك الديوان أن أنظر للواقع بوعى للأهداف الظاهرة والخفية، مع مزيج من العودة للتراث بأبعاده التاريخية والدينية والأسطورية. لأننى أعتقد أن الأسطورة تثرى الصورة الشعرية.

ديوان العرب: أدلى بعض الشعراء الفلسطينيين المهمين بدلوهم فى عالم المسرح من خلال تجارب ناجحة.. فهل يمكن أن تدفعك تجاربك مع الأسطورة والتجريد إلى المساهمة فى عالم المسرح؟

عبد الناصر صالح: المسرح مختلف من النواحى التقنية عن القصيدة، مختلف من ناحية الإيقاع، والحركة. والكتابة للمسرح تحتاج إلى إمتلاك تلك التقنيات إضافة إلى الإلمام بأصول الكتابة المسرحية. ربما يوجد تشابه بين حالتى الكتابة الشعرية والمسرحية من ناحية التفاعل والإحساس. وعلى العموم فإننى أعتقد أن لدى إلماما بالكتابة المسرحية إلى حد يمكن أن يدفعنى للتفكير فى هذا مستقبلا. عندى تجارب سابقة ولكنها غير ناضجة بالشكل الذى يمكن أن أخرج به للعالم. وأعتقد أننى ما زلت بحاجة للمزيد من المعرفة والإطلاع على المشهد المسرحى حتى أستفيد من إبداعات الشعراء الذين سبقونى. لا أريد أن أكتب أعمالا تقل عن "ثورة الزنج" لمعين بسيسو، أو "قراقاس" لسميح القاسم. وسأنتظر الوقت المناسب لأخرج للعالم بتجربتى الخاصة التى أستطيع الدفاع عنها.

ديوان العرب: فى معرض الكتاب هذا العام، وفى المعارض التى تمت على مدار السنوات الماضية ألاحظ أن جمهور الشعر يقل بالتدريج. فهل يعود هذا إلى عزوف الناس عن الشعر؟ أم رداءة ما نسمعه؟ أم إلى تغير الظروف التى نعيشها والتى أفسدت مشاعرنا فلم تترك لنا مجالا للاستمتاع بالشعر؟

عبد الناصر صالح: لا أتفق معك فيما تعتقده. وليس لدينا إحصاءات تقول إن عدد محبى الشعر قد تقلص، أو أن الشعر بدأ يفقد جمهوره أو أرضيته. فالشعر هو "ديوان العرب". والشعر الجيد يطرد الشعر الردىء. وحتى لو تلوث المشهد الشعرى ببعض المدعين أو أنصاف الموهوبين، فهذا لا يعنى أن الشعر بدأ يفقد مكانته فى عقل ووجدان الشعب العربى. ما زلت –على العكس من وجهة نظرك- أعتقد أن هناك جمهورا، وذواقة للشعر، وهم يتزايدون، بشرط أن يتوافر لهم الشعر الجيد، الشعر الخلاق. لا يمكن أن نستسلم لبعض الأوهام التى تروج لمقولة أن الشعر لم يعد قادرا على المنافسة. هذا ليس صحيحا على الإطلاق. هل يمكن أن يتوقف الناس عن الإحساس؟ هل يمكن أن يتعطل وجدانهم؟ هل يمكن أن يحيوا دون أمل؟ بالطبع لا.. والشعر هو الإحساس، وهو الوجدان، وهو الأمل. ولا مجال لمنافسة الشعر فى مكانته، فهو الملك المتوج على عرش اللغة.

ديوان العرب: متى يمكن أن يتوقف عبد الناصر صالح عن كتابة الشعر؟

عبد الناصر صالح: سأظل أكتب الشعر حتى تغادر روحى آخر خلية فى جسدى. سأواصل الكتابة لآخر نفس، وسأظل أكتب الشعر ما استطعت إلى ذلك سبيلا.


مشاركة منتدى

  • اشكر الأستاذ اشرف شهاب الذي منحنا فرصة التواصل مع شاعر مبدع وعزيز على قلبي ؛ فالشاعر عبد الناصر صالح أخ وصديق حميم وزميل ايضا في مرحلة الدراسة الجامعية في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس .

    واثناء وجودي في فلسطين قبل اكثر من 6 سنوات ، اسعدني ان اسمع صوته عدة مرات عبر الهاتف ، لكن لم يحالفني الحظ أن نلتقي ونستعيد ذكريات الماضي .

    اتمنى ان يكون بخير وصحة وعافية ، وتحية لهذا المبدع الأصيل الذي عرفته هكذا ، وعهدي به سيبقى كما عرفته .
    والشكر موصول مرة أخرى للأخ العزيز الأستاذ / اشرف مراسل مجلة ديوان العرب في القاهرة

    زياد مشهور مبسلط /
    عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين

  • السلام عليكم :
    الرجاء من القائمين على هذا الموقع أن نشاهد شعرا لهذا الشاعر الفلسطيني الفذ ، حتى نتعرف على شعرائنا الذين تم جهلهم كثيرا ، وشكرا .

    عرض مباشر : عب الناصر صالح

  • حوار جميل ومفيد لكن أن يقول الأستاذ عبد الناصر صالح بأنه يدعو الى تجاوز الثلاثي التاريخي في الشعر الفلسطيني الحديث : ( محمود درويش وعزالدين المناصرة وسميح القاسم ) فهذه دعوة مقبولة وشرعية... المشكلة في هذه الدعوة هي أن البديل عند عبد لناصر صالح هو دعوته ( للتركيز على شعرية المكان). فهذه الدعوة سبقك اليها بعشرات السنين (الثلاثي الشعري ) الذي تريد أن تتجاوزه. خذ مثلا عزالدين المناصرة: هناك أربعة دواوين( مكانية )صدرت له في وقت مبكر مثل: يا عنب الخليل 1968- الخروج من البحر الميت 1969- مذكرات البحر الميت 1969- قمر جرش كان حزينا - 1974. أما درويش والقاسم فحدث ولا حرج.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى