الخميس ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩

الكتابة في عصر إلكتروني

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

وكيف نكـتب الآن في عـصر العقـل الإلكتروني، وجنون
التسلح وهـمجـية الإرهاب، والتخـمة القاتـلة والجوع الفتاك؟..
هكذا تتساءل مع نفسك يا صاحبي، قـبل أن تستجـمع أفـكارك،
وتلم شتات أوراقـك الخاصة المتناثرة..

قد تشاهد فيلما جذابا ممتعا على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، لا فرق، وتحاول جاهدا أن تفسر سر نجاحه، و مدلول إعجابك به. لتجد براعة أداء الممثلين، وكأنهم على خشبة المسرح أو أرضية الواقع، جمال المناظر الخلابة وكأنها لوحة بديعة رائعة لفنان مرموق، الموسيقى التصويرية والأغاني المعبرة الموحية، الحوار الشاعري الأخاذ، الحبكة القصصية المتينة، ترابط الأحداث وتداخلها رغم جدلية الصراع.

إذن، فهذا الفيلم الجذاب الذي تابعته باهتمام، هو مجموعة من الألوان الفنية والأنواع الأدبية، من مسرح و رسم و تصوير، و موسيقى و غناء، و شعر و قصة و رواية. و كذا الحال بالنسبة للكتابة، كل لب يختار قالبه، و كل مضمون يشكل إطاره الملائم، في دائرة من التناسق و التناغم و التكامل.

فالقصة، مثلا، لم تعد مجرد حدوثة أو حكاية سردية تروى في عز ليالي الشتاء الباردة، فقد استفادت كثيرا من اللوحة الشعرية، و الحوار المسرحي، و من الخطاب الإيديولوجي أيضا. وما يقال عن القصة، ينطبق كذلك على الرواية والشعر والمسرحية، و لما لا نقول حتى الرصد النقدي، فالكتابة الأدبية تشعبت و تداخلت وتشابكت، لا حدود جامدة فاصلة بين هذه وتلك، رغم الخصائص المميزة لكل نوع أو فن.

حتى الدراسات الجامعية الجافة، و الخطاب السياسي في افتتاحيات الصحف، والتحقيق الاجتماعي بالتلفزيون، مجالات حيوية دخلها عن طيب خاطر الفن الأدبي، فإذا الكلمة منغمة، و التعابير شاعرية، و الصور ملونة، و جميعها تزخر بحيوية الناس، و تزهو بدفء الحياة.

هل يمكن أن نقول بأن الفوارق الطبقية بين الأنواع الأدبية و الألوان الفنية، بدأت تذوب رويدا رويدا، و تتلاشى شيئا فشيئا، مع تقادم الزمن، و تطور المجتمع، وتغير احتياجات الحياة؟.. ترى، كيف نكتب اليوم في عصر العقل الإلكتروني وجنون التسلح وهمجية العنف والإرهاب، و التخمة القاتلة و الجوع الفتاك؟..

كيف نكتب الآن، و قد غزتنا الكتابات منغمة مجسمة في عقر ديارنا بواسطة شاشة صغيرة؟.. كيف نكت.. و آلاف المواضيع تصطف في طابور افعواني مدهش، تنتظر اليد البيضاء الكريمة لتجسدها على أرضية الواقع في نوع أدبي أو لون فني؟..

أي صنف من الكتابة نختار لتوصيل صوتنا المبحوح إلى الجموع وسط الزحام؟.. هل سيحالفنا التوفيق عندما نمزج أنواع الكتابة و نشكل منها لونا جديدا مغايرا، فيه الكثير من سحر و دلال قوس قزح، بما فيه من روعة تسلب الألباب و تجذب الأنظار؟.. كيف نكتب الآن و قد تشابكت الكتابات، و تداخلت الهموم و التطلعات؟.. تلك هي التساؤلات الجوهرية التي تفرض نفسها اليوم و غدا على كل مثقف مسكون بحرقة الكتابة..

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى