الخميس ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم لطفي خلف

كآبة وحزن من منظورشعري فلسفي

لصلاح عبد الصبور في (شجر الليل)

الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور يعد واحدا من عمالقة الشعر العربي
المجددين، فهو من أوائل من شقوا دروب شعر التفعيلة في تضاريس خارطة الشعرالمعاصر أسوة بغيره من الشعراء كالسياب والبياتي على سبيل المثال حيث
رأى أن التحرر من قيود وأغلال القافية يمنح الفكرة الهامش المطلوب حتى تفي
بالمعنى كاملا دون بترأو نقصان يؤدي الى تشويهه أو فقدان بوصلته.
لم أقرأ لسوء حظي سوى ديواني (أحلام الفارس القديم) في طبعته الثانية عن
دار الآداب في بيروت، والكتاب الذي أتناوله اليوم (شجر الليل) في طبعته الثانية أيضا والصادر عن دار العودة في بيروت، رغم أن عبد الصبور قد ترك خلفه منجزا عظيما يتجاوز عشرةَ َكتبٍ شعرية ما بين دواوين ومسرحيات !
لا بد للقارئ المتمعن أن يشعر بسياط الحزن والكآبة ويتخيل الأثر الكبير لحيثيات العزلة والغربة التي رسمها الشاعر، وأن دموع الوحدة تكاد تفرمن بين سطور قصائده
حين تحدث عن نفسه وعلى لسان الصخرة تارة أو كومة الرمل تارة أخرى أو على
لسان النهريريد أن يعود الى ما كان عليه وان يهرب من الاختلاط بقذارات الارصفة والحمقى الجهلاء الذين سيدنسوا نقاء وطهارة نهرالصفاء لو شربوا من مياهه،

وكذلك الحال بالنسبة للرمل لو غرست فيه الورود البلاستيكية (الصناعية) أي يريد
أن يعيد الأشياء الى ثيابها الطبيعية في جسد الحياة، فلننظراذا الى ما يقوله في قصيدته الرائعة (تأملات ليلية):
رديني في أكتاف الجبل الجرداء\أو في حضن الاغوارالمهجورة\وخذيني من أرصفة الطرقات\ أو زنزاناتِ السجن المتسخة\ أو أعتاب الخمارات\وكأني كومةُ
رمل تهتف بالأيدي:\ ذريني فوق شطوط البحر\ألقيني جنب طيور الزبد البيضاء\ \صونيني عن آنية الزرع الشمعي\أو عن طرق الامراء\وكأني نهر\يهتف بالمجرى: أرجعني للقمم البيضاء\حتى لا يشربني الحمقى والجهلاء.

شاعرنا عبد الصبور، يعد في طليعة الشعراء المثقفين والباحثين بمعول الحكمة والفلسفة عن حقيقة الانسان في هذا الوجود أيضا، فهو قي قصيدة يبحث عن وردة الصقيع في "ملاءة المساء" كما يقول ويراها كالنجوم واضحة في كبد السماء لكنها تفلت بعض الاحيان من شباك رؤيته الضيقة لتذوي ما بين الارض والسماء ثم يبحث عنها في محطات القطار والمعابر وفي زحام الهمهمات معقودة أو ملتفة في أسقف المساجد الى أن يورق اليقين فيتضح له استحالة اللقاء الا للمحة نظر قصيرة، و
أعتقد شبه جازم هنا أنه يصف الحياة بميزان كلامه المعبرعن أدق تفاصيل الانسان اللاهث خلف سراب الوجود.
فلننظر الى سيلان الكآبة وعودة سيف الحياة المشرع نهارا الى غمده الحتمي ويقصد به الليل، وواقعه المرير،الصورة جلية بين هذه السطور: الظلمة تهوي نحو الشرفة\في عربتها السوداء\صلصلة العجلات الوهمية\تتردد في الانحاء\عينا القمر اللبني الشاحب\بكتا مطرا فوق جبيني المتعب\بكتا حتى ابتل الثوب\ آه، يلدغني البرد
\فلأهرع للغرفة\ لم أدرك أني عريان الا الآن\
وفي بعض قصائد هذا الديوان أشعر ايضا أنه لا زال يعيش بين ظهرانينا عندما يتحدث عن صعوبة الخلاص من الواقع العربي المريرفيتحدث عن الدجال والأنذال ويبكي مهرا يشبه البراق ينتظر فارسه المعلم، ويسأل صديقه ايفتو شينكو عن سفن العشاق على الفولجا الى أن يقوم حشد من الشعراء والاصدقاء في طرح اسئلة عن الحرية والعدل والعزة والصدق في قصيدة "مساءلات أخرى":يسألني بول ايلوار\عن معنى الكلمة\"الحرية\يسألني برت بريخت\عن معنى الكلمة\"العدل"\
يسألني دانتي أليجيري\عن معنى الكلمة\" الحب"\ يسألني المتنبي\عن معنى الكلمة\"العزة"\يسالني شيخى الاعمى \عن معنى الكلمة\"الصدق"\تتزاحم أسئلتهم حولي،لا أملك ردا\أستعطفهم،وأنام\حين يهلّ الصبح،\أشرد في الطرقات،الشمس، الايام،\ تسألني القدم السوداء\ عن معنى الكلمة\ " الصمت".

كأن الشاعر صلاح عبد الصبور كان يشعر بدنو أجله المحتوم أيضا حين كان يستصرخ الشاعر وليم بتلر ييتس حيث يسائله ان كان الانسان هو الموت في مقطع أخير من قصيدة " تنويعات": " يا وليم بتلر ييتس\كم أضنيت يقيني بفكاهتك الاسيانه\ بذكاء القلب المتالم\لكني أسأل: ان كان الانسان هو الموت\فلماذا يبتسم الطفل الاحور
ولماذا جاز البحر المزبد\ حتى حط على شباك ي الشرقي ِّ الموصد\هذا العصفور الاسوَد\هذا البيت\ الانسان هو الموت

لصلاح عبد الصبور في (شجر الليل)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى