الأربعاء ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم حسن أحمد عمر

ألفنان التائب عن أى شىء يتوب؟

ألفن له رسالة عظيمة لا تقل فى أهميتها عن رسالة الصحافة والكتابة والتأليف، بل إن المقال الذى أكتبه فى صحيفة مطبوعة اوإلكترونية قد يقرؤه عشرة آلاف قارىء أو حتى مائة الف ولكن الفيلم أو المسلسل يخترق البيوت كلها عن طريق البث الإعلامى الواسع الإنتشار وبالتالى فإن رسالة الفن بما يقدمه من أعمال درامية قد تصل للملايين من المشاهدين الذين يشدهم العمل وقد تسقط دموعهم منهمرة لما فيه من عظة وعبرة تم عرضها من خلال عمل تمثيلى متقن ومؤثر قد ييقظ غافلأ وقد يصحح خط سير المخطئين وقد يجعل الملايين يعيدون نظرهم فى فكر متجمد يتمسكون به او وجهة نظر خاطئة يدافعون عنها أو نظرية مجحفة يتشدقون بها فى كل مكان.

كم ناقشت الأعمال الدرامية قضايا فكرية ودينية وإجتماعية وسياسية وإقتصادية، وعرضتها عرضا مستنيرأ قويا يهز المشاعر ويأخذ بالالباب ويشد الملايين كالمغناطيس نحو مشاهدة العمل ومتابعته شدأ يصل لدرجة أنك تضبط ساعتك على موعده حيث ينتظرونه بشغف وترقب كمن ينتظر مفاجأة رائعة او خبرأ سارأ يغير مجرى حياته.

لن ينسى أى عربى مستنير تلك الأعمال الفنية الرائعة ألتى قدمها فطاحل الفنانين فى عالمنا العربى وأثروا بها فكر الناس، ونضجت أفكارهم، وكبرت قريحتهم عليه، وعاشوه لحظة بلحظة وقصة بقصة، وضحكوا حتى سقوط الدموع على مشاهدهم الكوميدية، وبكوا بكاءأ حارأ على مشاهدهم الدرامية الحزينة ألتى تستثير المشاعر وتحفر داخل النفس البشرية فتفجر بها العواطف والأحاسيس فتنهمر الدموع ويستريح الإنسان من كثير من أحزانه فالدمع قادرعلى غسل الأحزان وتطهير النفس من كدر الحياة وحزنها وألمها الذى يسكن فى أعماق القلوب.

تفاجأنى كلمة أقرؤها كثيرأ عن فنان تائب أو فنانة تائبة عن الفن وهل الفن ذنب يمكن للإنسان التوبة عنه والبعد عنه وهجره ؟ هذا ما اردت الحديث عنه والتعجب منه وإننى أتساءل كيف يكون الفن الراقى الهادف ذنبأ يتوب عنه صاحبه ؟ وهل كان هذا الفنان التائب تائهأ ضالأ لهذه الدرجة التى تجعله يتخذ من الفن عملأ لعشرات السنين ثم نفاجأ به يعلن توبته ؟ والأغرب انهم يتوبون على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والمجلات وعلى القنوات الفضائية وكانهم يقولون للناس ها نحن قد تبنا ولست أدرى ما هى علاقة الناس بتوبتهم لو كانوا يتوبون عن ذنوبهم ؟ وهل من حق أحد ان يعرف أنهم تابوا أو لم يتوبوا ؟ وماذا تفيد هذه التوبة العلنية ؟ هل يتوبون إلى الله تعالى أم يتوبون للناس؟.

الأكثرغرابة هو أن الفنان أو الفنانة الذى تمتع بشهرة فائقة فى حياته/حياتها الفنية يأبى ان يتوب ويعيش فى الظل طارحأ الدنيا وراء ظهره زاهدأ فيها وفى أضوائها ومغرياتها، ولكنه للأسف يصر على أن يصبح داعيأ مشهورأ يردد الآيات والروايات والكلمات التى إكتسبها من ثقافته السمعية أثناء مرحلة التوبة وما تلاها ويصر على أن يستثمر تلك المعلومات الضحلة والخبرات المحدودة فى أن يجعل من نفسه نجمأ أيضأ ولكن فى مجال الدعوة الدينية، فها هو قد كان نجمأ سينمائيأ وهو اليوم نجم تلفزيونى يدعو إلى الدين بطريقته ويستغل شهرته القديمة وثروته العظيمة فى الترويج لوضعه الجديد حتى صار لدينا جيل من الفنانين التائبين العاملين فى مجال الدعوة للدين وسؤالى هو عن أى شىء تابوا ؟ وهل الفن ذنب يستحق التوبة منه وهل التوبة يجب أن تكون علنية وصارخة على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ؟.

لماذا لا تكون توبة سرية بينهم وبين بارئهم سبحانه وبذلك تكون توبة نصوحأ بدلأ من أن تكون نوعأ من النفاق وشكلأ من اشكال الرياء والضحك على ذقون الناس وخاصة العامة منهم الذين سيعتقدون بلا أدنى شك أن الفن برسالته العظيمة وأهدافه الجليلة هو ذنب من الكبائر وفاحشة يستوجب التوبة عنها وطبعأ يوجد بالمجتمع مؤججون لهذا التوجه لا يكفون عن رمى الفنان بالضلال والكفر ليل نهار ناسين انه يمكن أن يقدم أعمالأ إصلاحية تفوق فى أثرها ما يقدمه آلاف الوعاظ من كلام مكرر محفوظ وثرثرات قد مل منها الناس وصار يغلبهم النعاس بدل من سماعها والتركيز معها .

مبلغ علمى –ألمحدود طبعأ—أن الطبيب يمكن أن يخطىء فى عمله فيتوب لربه عن هذا الخطأ ولكنه يظل طبيبا، والمدرس قد يرتكب ذنبأ فى لب مهنته فيبادر بإعلان التوبة أمام مولاه دون تدخل من بشر ولا مباركة من شيخ ولكنه لا يترك مهنة التدريس العظيمة والمهندس والكيميائى والزراعى والعالم وكل التخصصات يخطئون فى وظائفهم ولكنهم يتمسكون بتلك الوظيفة فهل الفن مهنة لقيطة لا أصل لها ولا أسس ؟ بالطيع لا لأنه مهنة رائعة لها مقوماتها ومبرراتها وأهدافها التى لا تقل أهمية عن اى مهنة من المهن السابقة ولكنها قد يعتريها خطأ ما فى دور معين أو منظر مشين أو مقطع يخالف الخلق القويم ففى هذه الحالة يتوب الفنان لخالقه سرأ ولا يعود لتكرار خطئه، ولكنه يظل فنانأ يقدم كل جديد من أجل الإرتقاء بحضارة الإنسان وفكره ولا أعتقد أبدا أن الفن جريمة نكراء أو فاحشة تستوجب التوبة والإقلاع عنها وإلا لن نلحق بركب الأمم المتحضرة لو تاب كل ممثل وسكت كل مطرب وأقلع كل مبدع موسيقى عن عوده أو نايه أو جيتاره ولن يكون هناك أعمال عذبة تخلب الألباب ولن يكون هناك موسيقى شجية تأخذك وتحلق بك فى الآفاق كما فعل الكثيرون وأسعدونا .

وإذا تاب البعض عن الفن كذنب رهيب وفاحشة بشعة فلماذا يصبحوننا ويمسوننا بوجوههم المألوفة كنجوم فى الدعوة للدين بمعلومات ضحلة وكلام مكرر وثرثرات لا تسمن ولا تغنى من جوع وأخطاء نحوية لا يسقط فيها الأطفال وقلة دراية بفن الدعوة وجهل شديد بما يقولون وتخبط مخجل فيما يروون؟ فهم بذلك يؤكدون أن مرض حب الشهرة لا يزال يسيطر عليهم ويهيمن على قلوبهم وعقولهم وأنهم لا يطيقون حياة الظل ولذلك فتوبتهم إلى الله سبحانه تتم فى حفل مهيب تنقله الإذاعة والتلفزيون وتسجله القنوات الفضائية وتكتب عنه كل الصحف فأى نوع من التوبة هذا وفى اى كتاب دينى نجدها أم انها توبة على الموضة تم تصنيعها للتائبين عن الفنون؟.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى