الخميس ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم إسلام فتحي

عربي أنا....فاحتلوني

أنت المعيد الجديد إذن؟

قالها وهو ينظر في بعض الأوراق علي المكتب

فقلت: نعم ياسيدي

فأكمل حديثه: لقد أبلغوني أنك أفضل من تتحدث لغة الحشرات بعد أن حولتها الي ذبذبات وإشارات مقروءة مفهومة بالنسبة لك ولأجهزتك الدقيقة..

وقبل أن أجيب فجر صمتي مباغتا بمقالته: اذن، من المفترض أن تعرف لغة (شاسكي)؟!

فأجبت في تساؤل: أنا لا أعرف من يكون (شاسكي) ياسيدي – فقط أخبروني أن آتِ الي هنا لخطورة الموقف!

فأجاب وهو يطيل النظر الي الأوراق ويعيدها الي مكانها علي المكتب: ستعرف في الوقت المناسب أيها العبقري،الآن عليك أن تستريح من عناء السفر فحتما أذعجك السفر من القاهرة الي الجنوب..؟

فابتسمت مجيب: كلية العلوم بجنوب الوادي من أحب الكليات الي قلبي ياسيدي كما أن هناك العديد من أصدقائي هنا.

ارتعد العامل وهو يقدم لي كوبا عاديا من الشاي وقال في لغة صعيدية وتنهيدة أبلاها الزمن وربما الخوف:

(ما زال ولد صغير)..

فنظر اليه العميد شظرا: فخرج مهمهما بكلام لم أفهمه، تاركا ورائه عيني معلقة هناك علي الجدار!

في صباح اليوم التالي دخل مندوب أمن الدولة الي مكتب العميد في ترقب مفادته الخطر..

  هل أتي محدث الحشرات الذين تزعمون بلباقته الحشرية؟
  فاجاب العميد: نعم ولكنه يستريح الآن
  وهل حدثته بالأمر؟
  فقال العميد في قلق: علي العكس لقد تركت علامات إستفهام كثيرة تتراقص علي وجهه،
واستكمل حديثه في همس: ليس من الصواب إخباره بالأمر خارج المعمل!!

بعد لحظات طرقت الباب في أدب فأجابني العميد بالدخول فاستجبت وما ان وقعت عيني علي الجالس هناك حتي شعرت بأن الأمر ليس عاديا بل إنه من الخطر نفسه , فقد كان شخصا عريض المنكبين،فتي وقوي البنيان،ضخم الجثة، مفاداة الأمر القلق!

رحب بي المدير بحفاوة وأجلسني الي مكتبه أمام الشخص الغريب فجلست منتظرا في شغف لأعلم عن شاسكي.. تبعني العميد بنظرته وقال محدثا عن صفاتي وكأنه يؤكد للشخص الجالس مهارتي..

كان يتحدث في دقة متناهية لم يتناسي شيئ قط فقال
قد أخبروني أنك روضت النحل ليقوم بأعمال علمية ويساعد العلماء في المعمل فعلمته كيف يقيس الضغط ويزن المواد الفيزيائية ويقيس المواد الفسيولوجية ويسجل ذلك أيضا في جداول خاصة أ ُعدت له خصيصا من قبل..

ولم يقتصر الأمر علي ذلك وحسب فقد علمته كيف يتحدث إليك.. فقد تعلمت لغته بشكل جيد فاستطعت ترويضه وتجنيده من أجل الأغراض العلمية،
كان يتحدث وأومئ برأسي متفقا ومؤيدا كلامه بالصواب،لم أشأ أن أقاطعه حتي أعلم عن شاسكي
فقال في حزم: كل ما ستعرفه هنا لابد أن يظل سرا بيننا فالأمر أخطر مما تتصور

فأجبت: لا تقلق ياسيدي فقط أخبرني ما الأمر؟

فقال: لقد وجدنا في الحقول الخاصة بكلية العلوم شيئا غريبا إحتار فيه علماء الحشرات وعلماء الكائنات الغريبة
فحملقت بعيني موحيا باستيعابي فأكمل: فرأسها رأس نملة هائلة والجسم يشبه أجسام النحل ولها خمسة أزواج من الأرجل، وقد استعنا بالعديد من العلماء الأقدر علي تفهم الأمر إلا أن محطة مراقبة الكائنات الغريبة
أخبرتنا بأنه من المحتمل أن يكون هذا الشيء مخلوقا فضائيا ويجب وضع هذا في الحسبان..

حملقت في العميد مندهشا: محاولا إستيعاب الأمر فلم يكن سهلا أبدا استيعابه
فقال العميد مقاطعا اندهاشي: نحن نعلم صعوبة استيعاب الأمر ولكن ليس هناك متسع من الوقت وعلينا العمل علي حل هذا اللغز في أسرع وقت ممكن....

في الحقل حيث إحتجزوه كان مخلوقا في حجم الديك الرومي له بالفعل رأس نملة وجسد نحلة وأرجل في خمسة أزواج، كانوا قد وضعوه في قفص حديدي بأقفال اليكترونية وأخري عادية وكأنهم يخشون هروبه أو يخشونه هو نفسه!
رحت أجوب الغرفة بأكملها بعد أن تركوني معه وحدي جيئة وذهابا عاقدا يدي وراء ظهري سارحا ما بين تأمله والتفكير العميق في الأمر!

تُري هل يتحدث لغة النمل؟ أم يتحدث لغة النحل؟ أم لغة أخري؟ تري كيف أبدأ معه؟

بدا الأمر محيرا جدا ولكني علي كل حال كنت قد عزمت البدء بلغة النمل،خمنت أنها أقرب!

فقلت بلغة النمل: (سيكالاناتا كاما يونا)..؟ وكانت تعني من أنت ولما جئت إلي هنا؟
فرد علي باللغة العربية الفصحي!
(أرجو أن تعيدني الي قومي فقد جئت لأخبركم برسالة وحسب وليس لي دخل في أي شيء)

ففغر فاهي دهشة من عربيته الفصحي وانتفضت من مكاني واقتربت منه: من أين لك بهذه اللغة؟

فقال: أستطيع أن أتأقلم بلغة أي قوم ياسيدي فهو أسهل وأيسر لنا في التفاهم إلا أنني لم أشأ الحديث إلا لك
فقلت متعجبا: ولم لي بالذات، وهل تعرفني؟

فقال: أنا لست بالنسبة إليهم سوي حالة نادرة ولن يصدقوني وسيخضعوني إلي التجارب العلمية القاسية وعلمت أنهم سيفوضون الأمر لك بعد عجزهم في التفاهم معي فبدت لي بارقة أمل فاسمك ذائع الصيت عندنا!

ففغر فاهي دهشة من مقالته تلك وسألته متعجبا: من أي كوكب أنت؟ وكيف تعرفونني هناك؟
فقال: هل تعدني إن أخبرتك أن تخرجني من هنا؟
فقلت في غيظ: أعرف أولا ثم أحدد ماذا سأفعل.
فقال محتدما: لكن من الممكن أن تعرف ومن ثم لا تخرجني من هنا.
فقلت له: هذا ما عندي،إن لم تصدق قولي فلا تخبرني شيئا وستظل قابعا هنا في قفصك الحديدي وتخضع لتجاربهم القاسية.

فسكت قليلا ثم قال:علي أية حال ليس لي خيار آخر غير أن أثق بك وسأروي لك الأمر.

ثم استطرد قائلا: أنا دكتور أمراض نفسية وعصبية بكوكب عطارد وقد كان يوجد لدي مريض مصاب في عقله وهو عرضة في بعض الأحيان الي نوبات عنيفة وكنت أعتني به أشد العناية حتي اكتشف طبيب آخر علاجه في مادة يستخلصها من بعض أنواع حشرات كوكبكم!

فقد أجري تجاربه في الأرض منذ زمن بعيد وقد أصاب هذا الدواء بالفعل وشفي هذا المريض من نوباته العنيفة بعد مداومته عليه حتي ظهرت بعض الحالات الأخري التي تماثل حالته ولم تكن بالأمراض المعضلة حين ذاك فقد كان لدينا علاج هذا المرض وعالجنا الجميع ولم يبقي إلا واحدا حتي انتهي مخذوننا الحشري وحاولت في غيره مرارا وتكرار لكنني فشلت وما كان من حكومتنا إلا أن قررت أن تجتاح الأرض وتستعمرها وقد آلمني الأمر كثيرا فلا علاقة لكم بالأمر.

فقاطعته: لتعالجون مريضا واحدا تحتلون كوكبا بأكمله..؟ يالها من حياة غالية.

هل يمثل هذا المريض شأنا قويا في كوكبكم؟
فقال:علي العكس هو من عامة الشعب،ولكن حياة الفرد في كوكبنا غالية للغاية،عكس الكواكب الأخري.
فصمت في حزن وتعجب فاستطرد ليصيبني بالمزيد من الإحباط والعجب قائلا: إن حكومتنا قررت أن تحتل الجزء العربي فقط من هذا الكوكب.

فرمقته بنظرة عدائية فقال: ليس لي علاقة بالأمر صدقني،فقد قالوا أنهم بعد ملاحظتكم لسنوات طويلة تأكدوا أنكم لن تفعلوا شيئا سوي بعض الشجب والإستنكار والمظاهرات
(والجعجعة) ولن تكلفوهم عناء الحرب النووية والبيولوجية والإليكترونية المعقدة والطويلة والمكلفة أيضا!

فقلت: ولما لم تفكر حكومتك العطاردية في أن تحتل الكوكب بأسره طالما تمتلك آليات الحرب القوية التي تضمن لها الفوز في المعركة؟

فقال:إن حكومتنا تحترم الغرب منكم ياسيدي فكرامة المواطن لديهم غالية وإن دخلنا في حرب معهم فسيقاومون حتي الموت ولن يكتفوا بالشجب والاستنكار مثل العرب وهذا ما لا ترضاه حكومتنا، الموت لشعوب تعرف معني كرامة مواطنيها!
ولكني لم يرضني الأمر فلا ذنب لكم أن نحتلكم من أجل حشرات كوكبكم فقررت أن أحذركم وعندما علموا بأمري سلطوا أشعة التحول علي فتحولت الي حشرة كبيرة كما تري وقد أرادوا أن يستفيدوا مني ويذيقوني أشد أنواع الهوان والذل فأرسلوني رسولا إليكم لأحذركم، وأطلب منكم التسليم بلا شجب ولا إستنكارحتي، وقد حاولت معهم كثيرا لكنهم لم يفهموني ولم يحاولوا تصديق لغتي فأنا لهم حالة فريدة تستحق الدراسة وحبسوني كما تري وقد علمت أنك الوحيد القادر علي مساعدتي فلزمت الصمت حتي تأتي.

أفقت من ذهولي وقاطعته قائلا: أتريد مني أن أصدق هذا الهراء؟
فقال: ياسيدي ليس علي إلا البلاغ،ولكم أن تصدقوني او تكذبوني!

فقلت متسائلا: وماذا إن صدقناك؟ ماذا علينا في رأيك أن نفعل؟
فأجاب: تكفوا عن شجبكم واستنكاركم، وتبتاعوا لكم كرامة غير التي ضيعتموها!!
فقلت في إنفعال: وماذا إن كذبناك؟
فقال: اقتلوني فكرامتي غالية علي، ويعز علي أن أعيش عمري حقلا لتجاربكم السخيفة.
كنت أعرف طريقة جيدة لعلاج هذا الشاسكي كما أنني كنت أصدقه وبشدة، لا أعرف لماذا.
ربما خوفا مما يخفيه المستقبل، فعزفت أن أقابل أحدا أو أن أقدم تقريري بحجة أنني لم أنتهي من دراستي لهذه الحالة بعد وطلبت من العميد أن يوفر لي بعض الإمكانيات لأقوم ببحث ما علي هذا الكائن،

كانت رسالته واضحة كما كان ما به واضحا أيضا بالنسبة الي، فقد وضعوا أداة مرئية ثلاثية الأبعاد بداخله عن طريق آشعة معينة وهذه الأداة عليها أن تصوره بالشكل التي برمجوها عليه،ولكن مع شدة تعقيد الأمر كانت تكمن بساطته فجم الأمر شريحة صغيرة الحجم كالحصوة التي تخترق الكلي يمكن إختراقها وتفتيتها بالليزر،ولكنها ستحتاج الي نوع خطير من الليزر.

وبالفعل عرضت هذا الكائن علي جهاز صغير يمسح جسده ويكشف عن كل ما بداخله علي شاشة جهاز الكومبيوتر المتصل به حيث تأكد ظني،وعرضت الأمرعلي العميد الذي لم يصدقني بدوره وأثبت له ما رأيت وما سمعت حيت جعلته يري بعينيه الأداة علي جهاز الماسح الكهرومغناطيسي وجعلت الكائن يعيد ما قاله علي مسامعهم جميعا فقد احتشد لهذا الحدث علماء الدول العربية بأكملها عبر القمر الصناعي
،أعطي العميد الأمر لي في علاجه واستخراج هذه الأداة التي استخرجتها بالفعل بعد عدة محاولات فاشلة ليتحول الكائن من هيئته الحشرية إلي هيئة مخلوق فضائي بشكل مختلف فقد كان أخضر اللون شديد جحوظ العينين برأس كبير وقرنان كقرون الإستشعار فلم يكن له آذان ليسمع بها،
وفي الموعد المحدد الذي حدده عند شروق الشمس وقف الي جوار (الهرم الأكبر) قالها بعزة وكأنه هرمهم هو وأطلق صرخات متتالية بلغة لم أتعلمها بعد وقد ظننا أنه يشهد الفراعنة القدامي علي حالنا أو ربما كان ينادي أقرانه ليستعيدوه وربما كان يبلغ كوكبه بأنه أبلغ الرسالة، علي كل حال مكثنا متابعين غير مصدقين ما يحدث،حتي ظهرت هالة رأسية ممتدة من السماء الي هذا المخلوق من الضوء القوي شديد التركيز ظلت للحظات إختفي بعدها الكائن الغريب مخلفا ورائه انتظارنا لهجوم كوكب عطارد،أو إبتياعنا لكرامة غير التي ضيعناها،
(حتي الآن).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى