الخميس ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم شادي خليل أبو عيسى

لماذا قتلتني يا أمي؟!

دراسة قيّمة تستحق التقدير والثناء

ربما كان من العسير جداً وضع دراسة نقدية متكاملة لأي نص إبداعي لما في ذلك من مسؤولية أدبية، معنوية، علمية أخلاقية. إضافة إلى ما يتطلّبه ذلك من ذائقة واطلاع واسع. ولكني أعرض - من جانبي كمتذوّق، ومتلقٍّ انطباعاتي الشخصية عن كتاب الأستاذ طوني غالب الجديد " لماذا قتلتني يا أمي؟! بين التشريع والخفاء الإجهاض جريمة العصر بإمتياز ".

الكتاب صدر حديثاً في مئة وأربعة وأربعين صفحة من القطع المتوسط، وهو يتضمّن دراسة نقدية دينية واجتماعية وقانونية تتعلق بالإجهاض وأطر مكافحته والتخفيف من انتشاره محلياً ودولياً، خاصة بعد أن أصبح عملية جراحية بسيطة يقوم بها أطباء محترفون في العيادات والمستشفيات.

ولعلّ المتابع لأفكار وطروحات الأستاذ غالب يمكنه أن يلحظ بوضوح تلك النبرة الرفيعة الخاصة التي تميز أعماله وأحلامه.

يقول المؤلِّف: ‏" نتوخّى من كتابنا هذا أن يكون رادعاً يهدف إلى تخفيف آلام الإنسانية التي تضع شريعة الله جانباً، وبالتالي تجنح أكثر فأكثر نحو الإنحطاط، ومدماكاً يُبنى عليه من أجل مكافحة الإجهاض عبر العودة إلى الله والذات والضمير وفعل ما يتوجب على كلّ انسان حرّ ومسؤول ".

ويُشير المطران الياس رحّال في التقديم إلى فائدة الكتاب الكبيرة خاصة " لمن يريد الاطلاع على قضية الإجهاض التي أصبحت معضلة العصر. وهو يعرضها لنا من الناحية اللاهوتية الدينية والاجتماعية والطبية العلمية ".

يتألف الكتاب من 23 فقرة متناغمة متواصلة في الفكر والمضمون تلخص قدسية الحياة البشرية مروراً بالتعريف بالإجهاض والجنين وجرائم القتل في الكتاب المقدس وصولاً إلى الإجهاض في الإسلام وعواقب الجرم القانونية والروحية وفقرة خاصة بالحلول المقترحة وثلاث ملاحق دينية وطبية وقانونية.

ويخلص الأستاذ غالب من خلال نتائج أبحاثه إلى وضع عدة حلول منها:

1. الإلتزام الإنساني والمسيحي: على الإنسان في أيّ موقع كان، أن يكون في مقدمة المناهضين لأيّة وسيلة تقود إلى الإجهاض.
2. الطرق الطبيعية لتنظيم الخصوبة: عبر تحديد الوقت المناسب للحبل عن المرأة، أي فترة الخصوبة والامتناع عن اللقاء الزوجي خلالها، لأسباب جديّة تتصل بأحوال الأزواج الطبيعية أو النفسية، أو بالظروف الخارجية دون الخروج على المبادئ الأخلاقية.
3. العفّة الزوجية: أي الإمتناع عن العلاقات الزوجية لفترة يتفق عليها الزوجان دون أن يكون لها ارتباط بفترة الخصوبة أو تكون هادفة لعدم الإنجاب، بل عيشها كفضيلة.
4. التبني: وهو حل للأزواج الذين يُعانون من العُقم ويرفضون اللجوء إلى تقنية التخصيب الإصطناعي غير المشروعة.
5. التعاون والتضامن بين المجتمع المدني والحكومة: عبر استنباط الحلول البديلة عن الإجهاض، عبر لعب دور اجتماعي فعّال، فهذه المسؤولية مشتركة لا يستطيع أحد التملّص منها.
6. حثّ الضابطة العدلية على تطبيق القوانين: لا سيما المواد المتعلقة بعقوبة الإجهاض (539-546) وتفعيل دور النيابات العامة من اجل أن تتحرك تلقائياً وبسرعة قصوى لمكافحة الجريمة.
7. تأسيس جمعية: بهدف مكافحة الإجهاض، ضمن هيكلية منظّمة وفاعلة على أن تتضافر الجهود في سبيل احترام الحياة والمحافظة على قدسيتها.
8. تفعيل دور مراكز الإعداد للزواج والعمل على إعادة الكرامة والحقوق إلى الجنين في مختلف وسائل الإعلام والإعلان وإزالة الإلتباس عن العبارات المُمَوَّهة وتوضيحها أمام الرأي العام والعمل على إقامة مراكز لإيواء الفتيات اللواتي يتعرَّضن لخطر الإجهاض، أو اللواتي يحبلن نتيجة تعرضهن للإغتصاب أو لأي سبب آخر...

ختاماً، ان الحس الثقافي الرفيع عند المؤلِّف مَنَحنا ولا يزال إشراقات اجتماعية وفكرية مهمة، بعيدة عن نمطية وكلاسيكيات الأبحاث والدراسات، إشراقات تتجاوز القشور دون أن تهملها لتغوص إلى أعمق أعماق النص، وأعمق أعماق الروح، وأعمق أعماق الفكر.

دراسة قيّمة تستحق التقدير والثناء

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى