الخميس ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم أوس داوود يعقوب

أول شهداء(الكلمة المقاتلة)

نوح إبراهيم الشاعر الشعبي لثورة (36..) ‏ روح فلسطين الحية

ولد نوح إبراهيم عام 1913 في مدينة حيفا، و نشأ في عائلة شعبية فقيرة ، وتلقى فيها دراسته الابتدائية.ولكنه لم يلبث أن تركها واضطر للعمل في إحدى المطابع. تفتحت فيه روح الشاعر الشعبي في سن مبكرة فأصبح الروح الحية في الأندية والمنظمات الكشفية ومنظمات الشباب والعمال فكان يلقى قصائد حول الأحداث المتلاحقة في تلك الفترة ، و كانت له نشاطات اجتماعية و وطنية متعددة.
وهو يعرف بأنه الشاعر الشعبي لثورة (1936 - 1939) ومن أشهر قصائده المغناة (من سجن عكا طلعت جنازة) .

وقد اعتقل نوح إبراهيم عدة مرات من قبل السلطات البريطانية، ولم يسمح له بنشر أشعاره في كتاب. ولم يجمع شعره حتى الآن، إلا جزئيا. وقد تحول الكثير من شعره إلى هتافات على أفواه الناس في المسيرات والمظاهرات من نوع:

دبرها يا مستر دل
بلكي على ايدك تنحل

وهو مقطع من قصيدة طويلة للشاعر الشهيد .

وفي عام 1937 اعتقل ، في سجن المزرعة ثم في سجن عكا و قضى فيهما خمسة أشهر، و بعد ‏خروجه من المعتقل التحق بصفوف الثوار العام 1937، حيث نظمه الشهيد عز الدين القسام في صفوف الجهادية ، وأطلق عليه لقب تلميذ القسام ، و كان يشارك بنفسه ‏في الكثير من المعارك ضد الاستعمار الإنجليزي.

و ظل نوح إبراهيم يقاتل و يكتب و يلحن حتى ‏استشهد، في معركة حول قرية طمرة ، إحدى معارك جبال الجليل، عام 1938 و هو في طريقه للاشتراك في اجتماع قيادة الثورة في منطقة الجليل ‏الغربي ، ودفن هناك .

و من ‏المعارك المشهورة التي شارك فيها شاعرنا الشهيد وتركت أثرا في نفسه معركتي (جورة بحلص) و(وادي التفاح) ‏في جبال الخليل فغنى لهما:

تحيا شباب الخليل
أصحاب الباع الطويل
 
كل الأمة بتعرفهم
همتهم ما إلها مثيل
 
كل الأمة بتعرفهم
و دايماً تفتخر فيهم
 
يا ما جاهدوا في الجبال
حتى ينصروا أمتهم
 
‏(جورة بحلص) مشهورة
همتهم فيها مشكورة
 
لكن وقعة (وادي التفاح)
كانت ساعة منظورة
 
بالشهامة منظوين
بالبسالة مشهورين
 
الله يكتر امثالهم
حتى يعينوا فلسطين

* أرخ بالكلمة للثورة الفلسطينية

نظم نوح إبراهيم عددا كبيرا من الأهازيج و القصائد الشعبية حول مختلف القضايا و الأحداث ‏الوطنية و السياسية الفلسطينية و العربية في تلك الفترة .. و ذاع صيت ‏أغانيه بشكل واسع، و بعضها ما زال متداولاً حتى اليوم ..

‏ ومن قصائده الشعبية المشهورة التي لحنها و غنّاها بنفسه، ومازالت كل الأجيال التي وعت فترة الثلاثينات تحفظها عن ظهر قلب.. القصيدة التي قالها اثر استشهاد ‏الشيخ المجاهد " عز الدين القسام " بعد معركته الشهيرة مع الجيش الإنجليزي في أحراش ‏يعبد:

عز الدين يا خسارتك
رحت فدا لأمتك
 
مين بينكر شهامتك
يا شهيد فلسطين
 
عز الدين يا مرحوم
موتك درس للعموم
 
أه لو كنت تدوم
يا رئيس المجاهدين
 
ضحيت بروحك و مالك
لاجل استقلال بلادك
 
العدو لما جالك
قاومته بعزم متين
 
أسست عصبة للجهاد
حتى تحرر البلاد
 
غايتها نصر أو استشهاد
و جمعت رجال غيورين
 
جمعت رجال من الملاح
من مالك شريت سلاح
 
و قلت هيا للكفاح
لنصر الوطن و الدين
 
جمعت نخبة رجال
و كنت معقد الآمال
 
لكن الغدر يا خال!
لعب دوره بالتمكين
 
لعبت الخيانة لعبة
وقامت وقعت النكبة
 
و سال الدم للركبة
و ما كنت تسلم و تلين
 
كنت تصيح الله أكبر
كالأسد الغضنفر
 
لكن حكم المقدر
مشيئة رب العالمين
 
ما احلى الموت و الجهاد
و لا عيشة الاستعباد
 
جاوبه رجاله الأمجاد
نموت و تحيا فلسطين
 
الجسم مات و المبدأ حي
و الدما ما تصير ميّ
 
منعاهد الله يا خيّ
نموت موتة عز الدين
 
اقروا الفاتحة يا إخوان
على روح شهدا الأوطان
 
و سجل عندك يا زمان
كل واحد منّا عز الدين

* قصيدة: (دبرها يا مستر ) دلّ

‏ تعتبر قصيدة ’(دبرها يا مستر)( دلّ ) من أشهر القصائد الشعبية لنوح إبراهيم ، وقد حفظها في ذلك الزمن الكبير و الصغير، و ‏هي قصيدة طويلة تتألف من عدة مقاطع، يطلب الشاعر فيها من المستعمر أن يسلّم بحرية ‏شعبه الفلسطيني واستقلاله، و يندد فيها بمحاولات الانكليز قمع الثورة مطالباً بمنع أراضي ‏العرب، ووقف هجرة اليهود إلى فلسطين. و المستر ’’ دلّ ’’ هو القائد العام للجيش البريطاني في بلادنا في تلك الفترة .

‏ ‏ يا حضرة القائد (دل)
لا تظن الأمة بتمل
 
لكن انت سايرها
بلكي على يدك بتحل
 
ما دمت رجل خطير
و قائد عسكري كبير
 
و قضيتنا كلها فهمتها
ما بلزم إلك تفسير
 
فهّم لندن باللي صار
و اللي بعده راح يصير
 
العرب أمة إصرار
صداقتها لازمتكو كتير
 
دبرها يا مستر (دل)
بلكي على يدك بتحل
إن كنت عاوز يا جنرال
بالقوة تغيّر هالحال
 
لازم تعتقد أكيد
طلبك صعب من المحال
 
لكن خذها بالحكمة
و اعطينا الثمن يا خال
 
و نفذ شرط الأمة
من حرية و استقلال
 
دبرها يا مستر (دل)
يمكن على يدك بتحل
جيت فلسطين الحرة
حتى تقمع الثورة
 
و لما درست الحالة
لقيت المسألة خطرة
 
بدنا تفهّم بريطانيا
حتى تكفينا شرها
 
و تصافي الأمة العربية
بمنع البيع و الهجرة
 
و دبرها يا مستر (دل)
يمكن على يدك بتحل
ما دمت صاحب السلطة
حل هالمشكلة و هالورطة
 
و نفذ وعود الشرف
حتى تمحي هالغلطة
 
للدولة هذا أشرف
و احسن مشروح و خطة
 
و دبرها يا مستر (دل)
بلكي على يدك بتحل

‏ولم يكن المستر ’’ دلّ ’’ الوحيد الذي خاطبه نوح إبراهيم شعراً و غناء، بل خاطب الكثيرين من ‏ممثلي السلطة البريطانية المركزيين .. و منهم المندوب السامي البريطاني في فلسطين ‏الجنرال " غرينفيلد وكهوب "، و ندد بتآمره مع الحركة الصهيونية و اغتصاب حقوق العرب ‏خلال مدة حكمه كلها ..
و تهكم على "ووكهوب" الذي يدعي أنه صديق للفلاح، و ندد بقوانين الحكومة الجائرة و ‏ظلمها.

‏ ‏ يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"
 
انت عارفنا مظلومين
و بدك تسكتنا بالطوب
 
يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"
 
‏ في مدة هالخمس سنين
فوضوك ع فلسطين
 
طارت حقوق العرب
و قويت الصهيونيين
 
إنفتحت أبواب الهجرة
حتى صرنا مهددين
 
أُجبر خاطرنا مرة
و اعطينا بعض المطلوب
 
يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"
 
باعك طويل بالسياسة
و سلموك الرياسة
 
و انت صديق الفلاح
و هو ما بملك نحاسة
 
ارفع عنا هالقوانين
و هالظلم و هالتعاسة
 
و لا تزيد البلة طين
و خذها بلطف و كياسة
 
يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"
 
دولتك إسلامية
أكثر منها انجليزية
 
حيث رعاياها بالملايين
بكل الكرة الأرضية
 
إن كان بدك مصلحتها
خليها تحل القضية
 
حتى تحفظ سمعتها
و هادي فرصة ذهبية
 
يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"
 
فلسطين أرض الإسلام
مهد المسيح و الإسلام
 
بعصر المدنية و النور
صارت في شدة و ظلام
 
و انت فهمك كفاية
حيث ملينا من الكلام
 
غايتنا رفع الراية
مع الاستقلال التام
 
يا فخامة المندوب
السير "غرينفل وكهوب"

‏ وواكب نوح إبراهيم بحسه ووعيه الوطني السياسات البريطانية الجائرة تجاه قضية شعبه وهمه اليومي ، وكان لها بالمرصاد مع رفاقه الثوار لا بالسلاح فقط ، وإنما بالكلمة المقاتلة .. الكلمة الرصاصة . ولما كانت الحكومة البريطانية كثيراً ما تلجأ إلى تشكيل لجان التحقيق نتيجة للهبات الشعبية الثورية، لكسب ‏الوقت وطمأنة العرب و الاحتيال لتهدئة الأحوال، حتى بلغ عدد اللجان تلك أربعا كان ‏آخرها "لجنة التحقيق الملكية" التي وصلت البلاد في 12 تشرين الثاني / يناير سنة 1936.
‏ فخاطب نوح بكلماته المقاتلة لجنة التحقيق الملكية هذه في إحدى قصائده المغناة. وقد كان العرب ‏في البداية مقاطعين لها ، ثم تراجعوا و قرروا التعاون معها استجابة لرغبة وطلب " الملوك العرب" ‏‏!

يا جناب اللجنة الملكية
خلي عندك نظرية
 
بلكي تفضي هالمشكل
و تحلي هالقضية
 
بالأول قاطعناكِ
حتى نحفظ شرفنا
 
رجعنا تعاونا معاك
حيث ملوكنا أمرتنا
 
و لما نزيهة شفناك
عرضنا لك القضية
 
فضي بقى هالمشكل
و حلي لنا هالقضية
 
‏ يا ما شفنا لجان تحقيق
و قلنا مننول المطلوب
 
كثرت يا لورد الخوازيق
و اشتغل فينا ضرب الطوب
 
و مشينا بقى في طريق
حتى نوصل للمرغوب
 
و فضوا بقى هالمشكل
و حلوا لنا هالقضية
 
‏ فلسطين قضيتها
زي الشمس مفهومة
 
الصهيونية اغتصبتها
و بدها تعمل حكومة
 
و العرب بدها حقوقها
و مطاليبها المهضومة
 
و فضوا بقى هالمشكل
و حلوا لنا هالقضية
 
‏ العرب أمة أشراف
بكل الدنيا معروفين
 
غير المولى ما بتخاف
تفدي بروحها فلسطين
 
فضي بقى هالمشكل
و حلي لنا هالقضية
 
يا جناب الملكية
خلي عندك نظرية

وتمجيدا لأبناء فلسطين ، من زعماء وثوار، من مسلمين ومسحيين ، منفيين ومعتقلين وشهداء، تغنى نوح إبراهيم ببطولاتهم وخلدها في سجل المؤمنين ، للأجيال المتعاقبة الساعية إلى إكمال مشوار الأجداد المجاهدين حتى تحرير الوطن المغتصب:

الله يحيي المعتقلين
و الزعماء المنفيين
 
نياله اللي تعذب
في سبيل فلسطين
 
نياله اللي تعذب
و ذاق الألم و التعب
 
مش هين ابن العرب
هذا نسل المشهورين
 
هذا نسل الأماجيد
حمية و عزم شديد
 
و الحرية هيك تريد
رجال غيرة وطنيين
 
اللي تعذب نياله
النيشان يحلا له
 
كل الغالي يرخص له
من مسيحية و مسلمين
 
و اللي حارب و جاهد
و اللي مات و استشهد
 
ذكره للأبد مخلّد
في سجل المؤمنين
 
و اللي خسر راسماله
و ما بملك قوت عياله
 
الأمة لازم تقدم له
تعوّض له قده مرتين

كما غنى نوح إبراهيم بعد الإضراب المشهور الذي أعلنه بحارة ميناء يافا (على ‏اثر انكشاف عملية تهريب أسلحة للحركة الصهيونية ) و الذي كان فاتحة حركة إضرابية ‏سياسية واسعة جدا ....قصيدة بعنوان (بحرية يافا):

تحيا رجال البحرية
من إسلام و مسيحية
 
بحرية يافا البواسل
أصحاب الهمة العلية
 
تحيا بحرية يافا
رجال النخوة المعروفة
 
أظهروا مدة الإضراب
شهامة عظيمة موصوفة
 
و عطلوا كل الأعمال
و أعطوا مثل لحيفا
 
رفعوا رأس الأمة يا خال
ومشيوا بأول صفوفها
 
في الإضراب ضحوا كتير
واجهوا الأمر العسير
 
و كانوا مثل للجميع
من كبير مع صغير
 
ست أشهر صبروا عالجوع
رفضوا الربح الوفير
 
و المثل بحكي و بقول
الشرف عند الفقير
 
رأسمالهم الشهامة
مبداهم الكرامة
 
معروفين بالشجاعة
و البسالة و الهمة
 
لازم الكل يكافيهم
و الشعب يشجع ميناهم
 
و في وقت الشدة يعينهم
مثل ما أعانوا الأمة
 
‏ بيوتهم نسفوها
رجالهم حبسوها
 
ما خلوا حيلتهم شي
أطفالهم شتتوها
 
كل هذا و هم صابرين
ع العهود محافظين
 
و ان نادتهم فلسطين
بالأرواح يفدوها

قبل نحو واحد وسبعين عاما رحل نوح إبراهيم، لكن ذكراه العطرة باقية بيننا ببقاء أشعاره التي تحرسها ذاكرتنا الشعبية الوطنية. ولكم هي عديدة محاولات الباحثين والمهتمين بتوثيق "الكلمة الفلسطينية" من شعر وقصة وكافة الأجناس الأدبية والفكرية لجمع التراث الفلسطيني الشفاهي والمكتوب .

وفي هذا السياق قام الباحث الأستاذ نمر سرحان في مؤلفه (موسوعة الفلكلور الفلسطيني، جزء2، مطبعة التوفيق، عمان، 1977) بجمع ما توفر من أشعار نوح إبراهيم ونشرها.

كما صدر حوله عدد من المؤلفات هي:

1. نمر حجاب، الشاعر الشعبي الشهيد نوح إبراهيم، 2005
2. سميح شبيب: الشاعر الشعبي نوح إبراهيم: الشاهد والشهيد، دراسة في ندوة بعنوان "التاريخ الاجتماعي الفلسطيني بين غابة الأرشيف و أشجار الحكايات"، 21- 22 تشرين ثاني 2003/ جامعة بير زيت.
3. عبد العزيز أبو هدبا ، " الشاعر نوح إبراهيم، بالكلمة المنغمة أرخ للثورة الفلسطينية، 1935-1938"، مجلة الزاوية، العدد3-4، شتاء-ربيع2003
4. خالد عوض، نوح إبراهيم شاعر وشهيد. مطبعة فينوس، الناصرة، 1990.
5. خالد عوض، نوح إبراهيم الشاعر الشعبي لثورة 36-39.

وفي العام 1990 منح اسم الشاعر الشهيد نوح إبراهيم وسام القدس للثقافة والفنون، من منظمة التحرير الفلسطينية.

نوح إبراهيم الشاعر الشعبي لثورة (36..) ‏ روح فلسطين الحية

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى