الأربعاء ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد محمد علي جنيدي

الطريق إلى الأمن القومي

لقد كنا قديماً نشعر بوجود النسيج الطبقي وكنا ندرس أن من أهم المبادئ التي نادت بها ثورة يوليو هو تذويب الفوارق بين الطبقات - ولكن - أين هذه الطبقات الآن!!

إن تزايد واتساع الفوارق الطبقية تكاد تختفي معه الطبقة المتوسطة وكأن قد حدث لها حالة من الجذب إلى أعلى وأسفل فمنهم من ينتمي الآن إلى الطبقة المتصدرة ( علية القوم ) ومنهم من اجتذبته دوامة الحياة إلى بعدٍ أكثر فقراً وجوعاً وهم السواد الأعظم بكل الأسف.
إن مجتمعاً يبدو عارياً من الطبقة المتوسطة وافتقاره إلى النسيج الطبقي المتعارف عليه لهو أشد فتكاً وأعظم خطراً من حالة الصراع التي كنا نشهدها من قبل وكي ندرك خطورة وأبعاد المرحلة التي نعيشها فلننظر إلى طبقة ماسية تعيش ترف العيش بجميع صنوفه وأشكاله المستفزة ولا تكاد تشعر بما يدور حولها فهاهم كما لو كانوا يعيشون في واد من بروج مشيدة غير أنهم محاصرون بطبقة كاسحة لا يجدون الفول والعيش إلا بشق الأنفس وقد أحاط الفقر بهم من كل حدب وصوب

فمنهم من يموت جوعاً ومنهم من يفترش الأرصفة حينما يغلبه النوم الثقيل بل ومنهم من تفتك به أشد الأمراض ويموت في هدوء دون أن يشعر به أحد في النهاية
وقد يكون الأسعد حظّاً فيهم من يجد سكناً ووظيفة لا تفي بمتطلبات حياته الرئيسية
وقليلٌ جداً منهم الذي يجد أباً أو أماً يساعدانه في زواجه هذا وإلا فعلى الشريحة الأكبر منهم بالصبر أو إشباع نزواتها تحت جنح الظلام.
وها نحن نرى القضية من بعدٍ آخر ونشهد كيف حدث الأسوأ بالفعل عندما بزغت لنا قضايا أولاد الشوارع وشقت طريقها بسرعة مذهلة في حياتنا الاجتماعية وقد أصبحت مادة فاعلة وثرية تتناولها مسلسلاتنا وأفلامنا دون حراك حقيقي لحل مشكلاتهم وقضاياهم وقد أصبحوا بالفعل مجتمعاً يتنامى سرطانياً فيضرب أعماق الأرض وبساطها وقد تشكلت لهم أعرافهم وعاداتهم بل وقوانينهم الخاصة وكأنهم دولة مستقلة، والأكثر خطراً هو استغلال هؤلاء في قضايا تخليص الحقوق بين الناس بديلاً عن المثول أمام المحاكم.

أرى- أن الشيخوخة التي ضربت قوام الطبقة الوسطى وأصابتها في مقتل قد ساهم لحد كبير في إفراز هذه الظاهرة المرعبة وساعد أيضاً على تفشيها وعلى الرغم من أن تقليص وعدم فاعلية دور هذه الطبقة قد أراحنا - تقريباً - مما كنا نسميه الصراع الطبقي - إلا أنه أيضاً - قد ألقى بالمجتمع بأسره على فوهة بركان يكاد يعلن عن ثورته ويلقي بحممه على كل أخضرٍ ويابس عند أقرب كارثة قد تحيط بمجتمعنا في أي وقت ولعياذ بالله.
والسؤال الآن هو - هل من إعادة لهيكلة نظم التضامن الاجتماعي لتتمشى مع حياتنا الاقتصادية على أرض الواقع

وهل من معالجة لعلاقاتنا الاجتماعية من منظور أخلاقي فاعل تسهم فيه السادة علية القوم وتعيد النظر في مستقبل الطبقة المعدمة وتدرك عن قرب أبعاد مخاطر تزايدهم وتفاقم مشكلاتهم وقضاياهم.
إن عدم وجود حل جذري لمعالجة الخلل في التوازن الطبقي سيؤدي بنا لمشاكل لا حصر لها قد يدخل بنا جميعاً إلى نفق يهدد الأمن القومي برمته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى