السبت ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم حسن أحمد عمر

اللص والحمار وعدالة الأشرار

على قارعة الطريق المؤدى إلى إحدى القرى المجاورة لقريتى كنت واقفا أنتظر بعض الأصدقاء للذهاب لحضور عرس لأحد الأقارب، وبينما أنا واقف فى مكانى رأيت جمعاً غفيراً من الناس يأتى نحوى ووسطهم صراخ رهيب واستغاثات مزعجة، فقررت الإقتراب منهم للوقوف على حقيقة الموضوع، وإذا بى يا سادة أرى بينهم ولداً مراهقاً لايزيد سنه عن ثمان عشرة سنة وهو عبارة عن إنسان متورم الجسم ينزل الدم من أنفه وفمه، وبعض أسنانه مكسورة وآثار عدة ضربات متتالية ومبرحة على وجهه، وتكاد عيناه تبرزان للخارج كما كانت ملابسه الرثة ممزقة بشكل يندى له الجبين، ورأيت الناس لايزالون يوسعونه ضرباً رغم حالته التى رأيته عليها ورأيت أربعة من الرجال يحيطون بالولد الذى أعتبره طفلاً ويربطونه من يديه فى رقبة حمار، ويسحبه للأمام إثنان منهم ويسير خلفه الآخران يضربانه على ظهره بهراوة غليظة وعلى قفاه كذلك وشعرت أنه يحتضر وأنه يوشك على النهاية.

إقتربت من هؤلاء الغوغاء المجرمين وسألتهم كيف يفعلون به ذلك ؟ ولماذ ا ؟ وقلت لهم إنه حتى لو قتل قتيلاً لا تفعلوا به هكذا، إنه مهما كان إنسان من دم ولحم، ولكن قدموه للعدالة تقتص منه وتحكم عليه حكماً يليق بجريمته، فقالوا لم يقتل أحداً لقد سرق هذا الحمار الذى يسير جنبه من الحقل؟؟ فقلت لهم ولكن الحمار معكم الآن أى أن السرقة لم تتم فقدموه للعدالة بدون إيذاء، ولكنهم نظروا لى بإستهزاء وكأننى قد قلت شيئاً شاذاً .

سألت أحدهم هل هذا الشاب من قريتكم ؟ رد قائلاً إنه غريب من بلد أخرى وجاء خصيصاً للسرقة، واستمروا فى ضربه غير عابئين وكأن عملية ضربه وتعذيبه أصبحت واجباً مقدساً فحاولت الصراخ فى وجوههم لكى يفكوا قيوده ويكفوا عن ضربه حتى يصل إلى مركز الشرطة، فسخروا منى ودفعنى أحدهم دفعة فى صدرى كدت أقع منها على ظهرى وينكسر عمودى الفقرى ، وسبقنى الجميع ومعهم الضحية يكيلون له الضربات مما لذ وطاب فقررت أن أتابع المسيرة حزناً منى على ما أشاهده يحدث لذلك اللص الحزين المسكين الذى حكم عليه حظه الأسود أن يقع فى أيدى من لا يرحمه وأن يسقط فى يد هؤلاء الغوغاء المتوحشين، وطبعاً نسيت أصدقائى الذين كنت أنتظرهم لنذهب إلى العرس وأى عرس أو فرح وأنا ارى هذا الكم الهائل من الظلم والطغيان وإنتهاك حقوق الإنسان لقد ضربوه ضربا يعادل عقوبة الزنا والسرقة وقطع الطريق وشرب الخمر وكل الذنوب التى توجد فى هذا العالم لقد حطموا فيه البقية الباقية من إنسانيته.

ولو حكيت لكم كيف كانت النساء –نساء القرية—يساهمن بقدر كبير فى عملية الضرب بالأحذية والنعال والإهانة، ولن تصدقونى لو قلت لكم أن الأطفال الأبرياء إشتركوا أيضاً فى تعذيب هذه الضحية بالضرب وإلقاء الطوب فى وجهه ذلك الوجه الذى تحول إلى ما يشبه قطعة الخشب القديمة المتآكلة من كثرة ما لاقاه، ألمهم ، اننى تابعت الموقف وهدأت نفسى قليلاً عندما دخلوا به مركز الشرطة وقلت إن الشرطة فى خدمة الشعب وسوف يحمونه ويحافظون عليه حتى يقدم للعدالة، بل وسوف يسألون عن أسماء من ضربوه ويقدموهم للعدالة أيضاً هكذا أعتقد ويوحى إلىّ عقلى المسكين البرىء الذى لم يزل على فطرته، ولكننى يا سادة سمعت صراخ الولد يزيد ويعلو عن سابقه وسألت عن حاله فقالوا أنهم هنا سيكملون الواجب وسوف يسهرون عليه ضرباً حتى الصباح.

هذا ما رأيته وشاهدته بعينى رأسى ولم يحك لى أحد شيئاً فما هذا الذى رأيته ؟ وإلى أى ملة أو عقيدة أو دين ينتمى هؤلاء المجرمون الذين عذبوه وأهانوه وحطموه وحرقوا إنسانيته وداسوا على كرامته؟ اليس وارداً أن يخطىء الإنسان ويرتكب بعض الجرائم والمعاصى والآثام ؟ وطبيعى أن يقدم للعدالة بصورة طبيعية دون حدوث هذا الكم الهائل من الإذلال والتدمير والتحطيم فى إنسان يمكن أن يتوب ويتطهر من ذنبه ويعود إلى رشده ويتحول إلى إنسان نظيف؟ لماذا فى بلادنا نحكم على المذنب بالإعدام ونحرمه من فرصة التوبة واللجوءإلى الله تعالى لكى يعفو عنه ويتوب عليه، ولماذا لم يتدخل غيرى لإنقاذ هذا الشاب المسكين من قبضة هؤلاء المجرمين ؟ لماذا نصر على تعميق معنى الإجرام لدى المجرم بعدم رحمتنا له؟ .

إنه بهذه الطريقة سوف يقضى عقوبته ثم يخرج كالوحش الكاسر يريد الإنتقام من كل من يقابله، فلم يرحمه أحد ولم يتعاطف معه أى إنسان ، فعلى أى ثقافة يعيش هؤلاء الناس ومن أى نبع ينهلون افكارهم وسلوكياتهم ؟ أمن أجل سرقة حمار يقتل إنسان؟ لقد أمسكوا به وإستعادوا حمارهم أى أن السرقة لم تتم وهذا لا يعفيه من مواجهة العدالة ولكن أين هى هذه العدالة ؟ وأين حقوق الإنسان ؟ ومن يستمع لى من هؤلاء الغوغاء؟ وكيف تؤيدهم الشرطة فيما فعلوه ؟ وكيف يوسعونه ضربأ هم الآخرون وهو لم يعد يشعر بالحياة من كثرة ما لاقاه من عذاب ؟ أليس هناك شىء إسمه القضاء والعدالة والحكم العادل على كل مجرم كل حسب جريمته ؟ لماذا يستلذ الناس بتعذيب كل منهم للآخر؟ هل هذه آدميه ؟ أم وحشية ؟ معروف أن كل مجتمع فيه اللصوص والقتلة والزناة وقطاع الطرق والمرتشون ومعروف أيضاً أن هناك قضاء وعدالة وكرامة للإنسان وحقوق يجب الا تضيع بأى حال من الأحوال.

لم يتم تقديمه للعدالة فى اليوم التالى خوفاً من جسمه المتورم ووجهه المتخشب، وترك عدة أيام حتى يدخل على وكيل النيابة سليماً ولا يجرؤ هذا اللص البائس أن يحكى عما حدث له من الناس أو فى مركز الشرطة خوفاً من تكرار رحلة العذاب ، فهل هذا هو العدل الذى يريده الله رب العالمين أم أنها الجريمة والقسوة ضد الحق وضد العدل وضد حقوق البشر ، ألم أقل لكم إن ما حدث أمامى كان عدالة الغوغاء؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى