الخميس ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم عزيز العرباوي

المدرسة والمجتمع المدني

لا يعتبر أسلوب التدخل الذي يمارسه المجتمع المدني داخل القطاع التعليمي والذي يتجلى في المجتمعات وبعض المنظمات العاملة في القطاع إلا أسلوبا تقليديا وبعيدا عن الدور الإيجابي إزاء الإصلاح والمؤسسات التعليمية عامة. بل إن المبادرات المحتشمة للجمعيات والفعاليات والمجالس المنتخبة الموازية تكلل بالفشل في بعض الأحيان وبالنتائج الضعيفة والمتردية في أحيان أخرى، وإنما الواقع يوضح ذلك بجلاء أن هذا المجتمع المدني الذي يحاول الدخول في غمار هذه التجربة لا يتأتى أكلها في الكثير من الوقائع والأحداث.

في محاولات من المجتمع المدني لتثبيت مبادراته والتشبث بالعمل الاجتماعي والتوسع قدر الإمكان في محاولة وضع أهداف ترمي إلى الدفاع عن المدرسة الوطنية ودفاعا عن المدرس والطفل وعن العملية التعليمية التعلمية عموما، يكون الإكراه الرئيس في هذه العملية التي يعمل المجتمع المدني على تنفيذها داخل ساحة التربية والتعليم هو الاصطدام بغموض الأهداف التي ترسمها قبلا وببساطة الوسائل والأدوات المستعملة في هذه العملية، ولا يمكن أن يكون هناك تقدم في هذا المجال بهذا الضعف وهذه البساطة في العمل. وهو وضع طبيعي يمكن أن يصل إليه أي أحد طالما يستعمل في عمله وسائل أكثر بساطة وتخلفا، فبالإضافة إلى هذا الغموض في الأهداف والبساطة في الوسائل، نجد أن أغلب المجتمع المدني العامل في هذا المجال لا يضم بين مكوناته البشرية متخصصين في التربية والتعلمي أو في المعرفة التعليمية أو التنظير التربوي، مما يجعل التخبط في العمل سيد الموقف غالبا.

فما ركمته التجربة النقابية من مشاكل في القطاع وتخبط وتيه في العمل لم يعمل سوى على تقديم نتائج مزرية، وجاءت مبادرات المجتمع المدني لتكمل على البقية الباقية من الأمل في رسم طريق جديد لإصلاح قطاع التربية والتعليم. فكان طموح المجتمع المدني في جعل التربية والتعليم من أولى أولوياته في العمل داخل الفعل الجمعوي، بمثابة فرقعة تنظيرية اجتماعية لا تسمن ولا تغني، بل ما نراه واقعا ملموسا في عموم القطاع كلما كان واضحا تدخل المجتمع المدني فيه، لهو الواجب الشافي لإدراك مدى تخبط المبادرات المتخذة ومدى التيه في الإلمام بأبرز مشاكل قطاع التربية والتعليم وحاجياته المستعجلة للتدخل.

وكان من المفروض خلق علاقة دقيقة ومتبادلة بين المجتمع المدني والمدرسة الوطنية في خدمة المصالح العليا للمجتمع الذي يعتبر الطفل أحد أعمدته على غرار العلاقة الطبيعية التي تربط بين الطفل ومدرسه. فتطور العلاقة بين الجمعيات العاملة في القطاع وبين مكونات المدرسة الوطنية تبعا للحاجات المتطورة للطرفين، مرتبط أشد بضرورة تفعيل هذا التبادل أكثر حتى يتسنى لكل الأطراف العمل في حرية وتلقائية هادفة. فالتأثير والتأثر بين طرفي

هذه العلاقة يقودان إلى نتائج عظيمة ومتقدمة تساعدنا جميعا بعد ذلك على شق طريق التغيير والإصلاح أكثر نقاء وصفاء وخلق الوطنية الصادقة والمعبرة عن الصدق والشفافية.

لماذا نرى، كلما تتبعنا العلاقة بين المجتمع المدني والمدرسة، تسجيل تفاوتات ومسافات بعيدة تكاد تكون لا نهائية، وهي على أكثر تقدير مساعدة بسيطة، كأن تتجلى خدمة المجتمع المدني تجاه المدرسة إما بإعطاء بعض المقررات الدراسية وتوزيعها دون معرفة مسبقة بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمحيط وللمستفيدين من هذه العطية؟ بل قد يتبادر إلى الذهن في بعض الأحيان أن هذه الجمعيات التي تعمل جاهدا على منح بعض المقررات الدراسية في الكثير من المؤسسات التربوية عبر التراب الوطني، لا تلم بالعملية العظيمة التي من أجلها تعمل، ولا تدري مدى شفافية القيام بهذه العملية في عين المكان، ومما يعاب عليها أيضا عدم إعارة الاهتمام لنتائج هذه العملية وتأخير التوزيع لهذه المقررات، فمتى ستستطيع هذه الجمعيات أن تعير اهتمامها وبرامجها المستقبلية للمشاركة في وضع التربية والتعليم ببلادنا في طريق الرقي والتقدم ؟.

ويصعب في بعض الأحوال إدراك النية الصادقة عند البعض من هذه الجمعيات الناشطة في قطاع التربية والتعليم إلا في شكل ضيق، يظهر ذلك في بعض وقفاتها التضامنية مع المتضررين من رجال التعليم أو تنديدها ببعض الخروقات في حق المدرسة الوطنية بصفة عامة. لكنها تبقى محدودة بالمقارنة مع ما نسمع يوميا من مشاكل جمة تغرق فيها مدرستنا الوطنية ومكوناتها عموما.

ضمن هذا الإطار، نجد البيانات الاستنكارية من جراء الضرر الذي يلحق رجال التعليم من الحركة الانتقالية، أو بعض الخروقات الوحشية في حق المؤسسات التربوية، ويمكننا أن نخلص أنها تقتصر في تدخلها ضمن الإطار المادي الذي لا يرقى إلى الطموحات الأساسية لبناء مدرسة عمومية وطنية صالحة تنبني على حل المشاكل المعنوية القادرة على فتح الباب لخلق مبادرات مادية ومعنوية تجاه العلاقات المتبادلة بين الطرفين، وتحافظ على الحس التعبوي الذاتي للمواطن الرفيع المعترف بأن كل التطورات التي مرت على تاريخ المدرسة والتي ستمر في المستقبل كانت وستكون ضمن الإطار الفكري للتضحية والوفاء والبذل والعطاء.

عندما تلوح في الأفق أحيانا تباشير العمل الجمعوي في قطاع التعليم، تثور نقاشات، وتحتدم صراعات ومجادلات، وتخرج في كل حين كتابات وانتقادات عن سوء التدبير والتسيير للعمل الجمعوي في القطاع ذاته، بل تتحول الكثير من هذه المبادرات إلى خبر كان جراء مشاداة أو لسوء التعامل مع المشاكل الحقيقية، وقد نرجع هذه التصرفات إلى انعدام وجود نية صادقة للعمل على تطور المبادرة الجمعوية في هذا المجال أو في مجال آخر، بل يظهر من كل هذا التداعي، أن الأسئلة المطروحة حاليا على المجتمع المدني، والتي تثار بقدر من الفشل والتيه في التدبير، مجرد صفقات مشبوهة تحاول التغطية على التخبط الذي يعرفه

التعليم في بلادنا. ولابد أن ندرك أن الفكر الجمعوي يرتبط بداية بالنية الصادقة في معالجة قضايا ومشاكل فشلت الدولة في معالجتها، ويرتبط بجذوره في تربة التاريخ الفكري والثقافي منذ عقود عديدة. ولذلك كله، فالمشهد الجمعوي غريب كل الغرابة في المعالجة وتدبير الملفات الموجودة بين يديه. وليست هذه محاولة مني للدخول في غمار المعارك الكلامية حول سوء التدبير والمعالجة الجمعوية للقضايا التعليمية خاصة القضايا التربوية والبيداغوجية، ولكن ما يلفت النظر حقا أن المعاجلة كانت فاشلة وغير ذات نتائج طموحة.

فلكل مجال تقويم يواكب تدبير برامجه ومعالجة قضاياه الكبرى ينبع من الظروف الموضوعية المحيطة، ويمثل التعليم المجال الخصب للتقويم الذي يرتبط بالقطاع التعليمي ودوره الحضاري في تاريخ التقدم الفكري والاجتماعي، ولايزال الناس يعولون عليه في حياتهم وتقدمهم الاجتماعي والثقافي إلى اليوم، هذا التقويم يشير إلى مواكبة المراحل المتبعة خلال تطبيق البرامج والمناهج المقررة. وبصفة عامة، فالمجتمع المدني العامل بقطاع التربية والتعليم مازال متخلفا في معالجته للقضايا التربوية والتعليمية الكبرى وفي مواكبته للتغيرات الظرفية إذا ما قورن بالمجتمع المدني في بلدان أخرى والتي خطت خطوات كبيرة في معاجلة قضاياها التعليمية والتربوية، وبالتالي لازال يحافظ على تقليدية المعاجلة في تدبير القضايا الحيوية ببلادنا....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى