السبت ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

بطل من بلادي

تقديم

الإنسان المصرى لا يعرف المستحيل وعناية الله تعالى تحفظه وترعاه ما دام فى معيته .. والتاريخ المصرى الحديث زاخر ببطولات عظيمة .. منها ما سطرته صفحاته ومنها التى تحتاج للبحث والتنقيب وتقديمها للعالم .. كل العالم .
من هذه البطولات تلك التى نفذها البطل السيد محمد محمد على داود الشهير بالسيد داود أحد رجالات الصاعقة المصرية خلال معارك الاستنزاف التى بدأت بعد نكسة يونيو مباشرة وأيضاً خلال معارك أكتوبر 1973م رمضان 1393هـ .

هذا البطل الذى دوخ إسرائيل وعاش وسط قواتها وتلاحم مع بدو سيناء .. انقطعت أخباره واعتُبر فى عداد المفقودين .
عاشت أسرته وبلدته (صافور) مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية أحزان الفقد وضمت أفراح العودة .. هذا البطل (السيد داود) حفظته عناية الله تعالى طوال فترة تواجده بين جبال ووديان وصخور ورمال سيناء الحبيبة .

أسجل هنا .. بعد أن نشرت جريدة الجمهورية فى عددها الصادر يوم الأربعاء العاشر من شهر ديسمبر لعام 2008 الموافق للثانى عشر من شهر ذى الحجة 1429 هـ ما كتبه الصحفى القدير (فهمى عنبه) فى الصفحة التى يقدمها بعنوان (ناس بتحب مصر) فوجئت باتصال هاتفى من المحب لمصر وأبطالها .. الأستاذ السعيد كمال أحمد محمد كشك الشهير بأشرف كمال والذى اتصل بقريبى وصديقى الأعز الأستاذ محمد عبد المنعم صالح المحامى المقيم بمحافظة الشرقية وأخذ منه رقم هاتفى .

أخبرنى الأستاذ أشرف كمال بما نشرته جريدة الجمهورية وذكر أن عمه السيد داود أحد أبطال الصاعقة وحقق بطولات عظيمة .. وكان اللقاء والتواصل مع الأستاذ أشرف كمال .

فى العشرين من شهر مايو عام 2009 ذهبت بصحبة الشاعر والناقد الكبير رفعت عبد الوهاب المرصفى .. والأديب الواعد حامد إبراهيم إلى مدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية وشاركنا فى فعاليات مؤتمر اليوم الواحد الأدبى وتكريم الشاعرة الكبيرة وفاء وجدى ثم قصدنا مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية حيث الموعد مع البطل الأسطورة القادم من مدينة (أبو صوير) عبد الجواد محمد مسعد سويلم .

بعد أن التقينا ذهبنا إلى (قبطان) مركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية حيث قريبى وصديقى الأستاذ محمد عبد المنعم صالح المحامى والأستاذ والعالم سعيد على أحمد والمهندس أحمد عبد المنعم .. وفى صباح يوم الخميس الموافق للحادى والعشرين من شهر مايو 2009 ذهبت بصحبة البطل الأسطورة عبد الجواد محمد مسعد والشاعر الكبير رفعت عبد الوهاب المرصفى والصديق أشرف كمال إلى مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية حيث البطل السيد داود .. كان اللقاء .. وكان هذا الكتاب .

قرية ذات تاريخ ممتد وعريق وواحدة من قرى جمهورية مصر العربية .. هذه القرية هى (صافور) نسبة إلى صافوراء بنت شعيب عليه السلام التى مكثت فترة مع والدها وزوجها فى هذه القرية .. وتقع بين محافظتى الدقهلية والشرقية وتتبع مركز ومدينة ديرب نجم أحد المراكز الإدارية لمحافظة الشرقية .. كانت هذه القرية على موعد مع ميلاد الطفل الذى سيقف التاريخ الحديث أمام عزيمته التى لا تلين وشجاعته التى لا تعرف الخوف وجهاده وكفاحه المشرف بكل الإجلال والتقدير

فى العاشر من شهر سبتمبر عام 1946 سجلت سجلات ودفاتر المواليد هذا الطفل الوليد لأب متوسط الحال هو المزارع المصرى الأصيل محمد محمد على داود .. وأم مصرية ذات فطرة طيبة هى (غنا حسن حسن رضا الباز) فوالدها له مقام - ضريح – معلوم بقرية منشية صهبرة القريبة من صافور وعمها سليمان رضا الذى بشر فؤاد الأول ملك مصر بأن الملكة نازلى سوف تنجب ولى العهد كما اختار الاسم – فاروق – ولذا أهداه الملك فؤاد الأول العكاز المطعم بالذهب والذى مازالت العائلة تحتفظ به حتى يومنا هذا بالإضافة إلى معاش كان يصرف للشيخ سليمان رضا إلى أن انتقل فى الأربعينيات إلى الدار الآخرة وتوارى جثمانه فى مقابر الإمام الشافعى .

فرحت الأسرة بوليدها الجديد واختارت له اسم (السيد)
نشأ الطفل الصغير بين أخويه فاطمة ومحمد وأطفال القرية .. وكان يتميز بالهدوء والذكاء .. يلعب مع رفاقه ولا يتشاجر .. يذهب إلى المسجد لصلاة الجماعة فى وقتها .. كما كان يحرص على الذهاب مع والده بين الحين والآخر للحقل الزراعى والتمتع بالخضرة الجميلة والهواء النقى وجمال الطبيعة .

كُتاب الشيخ علي

كدأب أهل القرى والريف فى الزمن الماضى .. أرسل محمد محمد على داود طفله الصغير (السيد) إلى كُتاب الشيخ على عبده سويلم لتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم . 

حفظ الطفل الصغير (السيد) نصف القرآن الكريم وكان شديد الحرص على قراءة ما حفظه فى الصلوات الخمس .
ذات يوم سأله أحد العلماء:
 كم عدد أجزاء القرآن الكريم ؟ وكم تحفظ ؟ 
 فقال : أجزاء القرآن الكريم 30 وأنا أحفظ 15 
فقال العالم :
 هل تعرف ما هى أقصر وأطول سورة فى القرآن؟ 
فقال الطفل الصغير السيد داود :
 نعم .. أقصر سورة فى القرآن الكريم هى سورة الكوثر وعدد آياتها (3) أما أطول سورة فهى سورة البقرة وعدد آياتها 286 .

وهنا قال العالم للطفل الصغير السيد داود : بارك الله فيك وبك وحفظك برعايته .

فرحة ثورة يوليو

فى حياة الأمم والشعوب بعض الأحداث التى تعد علامات فارقة فى تاريخها ..
فى الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1952 فرح السيد داود بقيام الضباط الأحرار بالثورة . 
انطلق صوت أنور السادات من ميكرفون الإذاعة بالشريفين لجموع الشعب المصرى بالبيان الأول من اللواء أركان حرب محمد نجيب إلى الشعب المصري وهذا نصه : 

اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل التأثير الكبير على الجيش وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجالات نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولابد أن مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب أما عن رأينا في اعتقال رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب وإني أؤكد للجيش المصري أن الجيش كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجردا من أية غاية وانتهز هذه الفرصة وأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال وسيقوم الجيش بواجبه متعاونا مع البوليس واني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم .. والله ولي التوفيق .
وأعضاء مجلس قيادة الثورة هم : اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر وأنور السادات وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق وحسين الشافعي وصلاح وجمال سالم وخالد محيي الدين وزكريا محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم وعبد المنعم أمين.. هذه الثورة البيضاء كانت المنطلق للحرية والتنمية والمستقبل المشرق كما كانت الشرارة لثورات التحرير فى الدول الشقيقة .

صافور الابتدائية

التحق السيد محمد محمد على داود الشهير بالسيد داود بمدرسة صافور الابتدائية وفيها تلقى العلم على أيدى نخبة من رجالات العلم والعلماء الذين غرسوا بداخله روح العمل والحب والانتماء والتضحية ونذكر منهم:
الشيخ أحمد خاطر و الشيخ سيد أحمد اللبان والأستاذ محمود الشعراوى والحاج أحمد الباز و الشيخ عبد اللطيف عتمان والشيخ عبد الغنى حسن الإمام والشيخ السيد بحبح .. وبجهود الحاج أحمد الباز دخلت الكهرباء والمياه إلى منازل صافور ورصفت شوارعها .
هؤلاء قدموا للمجتمع نخبة من النماذج المشرفة فى الطب والهندسة والإعلام والاقتصاد والسياسة وشتى المجالات.
تابع السيد داود مع الشعب المصرى الأحداث التى أعقبت الثورة من طرد الملك فاروق وتولى جمال عبد الناصر حكم مصر فى عام 1954 وإلغاء الرتب وجلاء القوات البريطانية عن مصر فى عام 1956 وبذلك طويت صفحة الاحتلال الذى دام ( 73 ) عاما و( 8 ) أشهر و ( 14 ) يوما .
وزادت فرحة السيد داود فى السادس والعشرين من شهر يوليو عام 1956 بتأميم قناة السويس.

العدوان الثلاثى على مصر

نتيجة لقرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فى شهر نوفمبر من عام 1956 بالعدوان الثلاثى على مصر .

غمر الحزن قلب السيد داود نتيجة هذا العدوان الثلاثى .. ولكنه فرح بعد ذلك عندما صمدت مصر وكافحت بضراوة مما أجبرت القوات البريطانية والفرنسية فى الثالث والعشرين من شهر ديسمبر عام 1956 على الانسحاب من بورسعيد .

ولذا تحتفل محافظة بورسعيد في هذا اليوم من كل عام بعيد جلاء قوات العدوان (عيد النصر).
فى أوائل عام 1957 انسحبت إسرائيل من سيناء وقطاع غزة .
واصلت مصر نهضتها وأكدت لكل من تسول له نفسه المساس بأرضها وكرامتها أنها ستكون المقبرة للمعتدين والجنة للمُحبين .

كفر الروك والمنصورة

بعد حصول السيد داود على الشهادة الابتدائية ألتحق بمدرسة كفر الروك الإعدادية وواصل تفوقه وحصل على الكثير من الجوائز والتكريمات تقديراً لتفوقه فى اللغة العربية والجبر والهندسة واللغة الإنجليزية .
حصل السيد على الشهادة الإعدادية بتفوق والتحق بالتعليم الفنى لأنه فى ذلك الوقت كان يأخذ الطلاب أصحاب الدرجات العالية .
فى مدرسة المنصورة الثانوية الصناعية الفنية واصل دراسته وحصل على شهادة الدبلوم .

فى النوبارية

تم تأجيل تجنيد دفعة السيد داود ولذا تم تعيينه بوزارة الرى بمنطقة النوبارية وبدأ مع زملائه فى العمل لتحويل الأرض الصحراوية إلى الزراعية .. ثم كانت المفاجأة .. لقد قامت إسرائيل في الساعة الثامنة و( 45 ) دقيقة فى صباح يوم الاثنين الخامس من شهر يونيو عام 1967 ولمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في ثلاث موجات الأولى ضمت 174 طائرة والثانية 161 والثالثة 157 دمرت فيها 25 مطاراً حربياً وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهى جاثمة على الأرض.

فى الساعة الخامسة من بعد الظهر أصدر عبدالحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المصرية أوامره بالانسحاب العام لجميع قوات سيناء إلى غرب قناة السويس على أن ينفذ على مراحل وخلال الأيام التالية ... احتلت إسرائيل أرض سيناء كلها حتى شرم الشيخ باستثناء الخط من رأس العش شمالاً حتى شرق بور فؤاد الذي ظل تحت سيطرة القوات المصرية .
اجتمع مجلس الأمن وأصدر قراره رقم 235 بوقف إطلاق النار .
عقب النكسة أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه عن السلطة ولكن الشعب المصرى رفض بشده وتمسك بالعزيمة والأمل .

حزن السيد داود على ما حدث لمصر لأن الجندى المصرى لم يدخل المعركة وبالتالى حصلت إسرائيل على نصر لا تستحقه ونالت مصر هزيمة لا تستحقها واستعجل الأيام لتجنيده بالقوات المسلحة المصرية لأجل تحرير الأرض المصرية التى احتلتها إسرائيل .

التجنيد

خلال تواجد السيد داود بالنوبارية ُطلِبَ للتجنيد فسارع بالذهاب إلى شرطة النوبارية ثم لشرطة (أبو المطامير) فمنطقة التل الكبير .. كل هذا يحدث وعائلته لا تعرف عنه شيئا .. وهنا شاءت إرادة الله تعالى أن يلتقى بجندى يقطن ببلدة قريبة من قريته (صافور) فأرسل معه رسالة لأهله أخبرهم فيها بمكانه فعلى الفور حضر والده محمد محمد على داود بصحبة شقيقه والتقيا بالسيد وبعد الاطمئنان عليه عادا للقرية .
تم توزيع السيد داود على سلاح الصاعقة وكاد قلبه أن ينخلع فرحة لاختياره للصاعقة فهو يعشق الرياضة ويمارس الملاكمة ورفع الأثقال والضاحية .

فى انشاص

استقل السيد داود مع رفاقه الجنود سيارة الصاعقة وفى الموعد المحدد وصلت السيارة إلى انشاص حيث مركز التدريب .
كان النقيب برعومى فى استقبال السيد داود ورفاقه وعلى الفور أصدر أوامره باستلام المهمات والذهاب لحلاقة شعر الرأس .
بدأت التدريبات والسباحة فى المصارف والمجارى والزحف فى المزارع والحقول والضرب النيرانى على الأهداف الهيكلية الصغيرة والكبيرة وأيضا القفز من فوق الأماكن المرتفعة وأكل الزواحف .
تدريبات فى غاية الصعوبة والقسوة مع تزويد الجنود بالوجبات المكتملة العناصر الغذائية .. وهكذا تكون صناعة الرجال .. فهى مكمن الكنز لأن الإنسان هو الأقوى من كل الأسلحة لأنه من صنع الله سبحانه وتعالى .
قبل انتهاء فرقة الصاعقة بأيام قليلة كان السيد داود مع رفاقه فى طابور التمام لاختيار حملة المؤهلات العليا والمتوسطة لفرقة معلمى الصاعقة .. وفى الحادى والعشرين من شهر أكتوبر عام 1967 قطعت الفرحة السكون والهدوء فقد أُغرقت المدمرة الإسرائيلية (إيلات) بزورق صاروخى مصرى وفى أقل من ( 4 ) دقائق .
فى فرقة معلمى الصاعقة التى ضمت السيد داود ومجموعة من رفاقه الجنود وضباط الدول العربية الشقيقة تلاحم الجميع فلا فرق بين الجندى والضابط فالكل فى رحاب العلم سواء .
بعد شهرين من التدريبات الراقية انتهت الفرقة ورقىّ السيد داود إلى رتبة العريف .
تجمع السيد داود مع رفاقه فى انتظار استخراج تصاريح الأجازة لمدة ( 48 ) ساعة فقط ولكن كان لابد من الاستحمام فى مصرف المجارى . 

بعد الاستحمام قام السيد داود بتغيير ملابسه وفى ثوان معدودة كان فى طريقه لقريته (صافور) مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية . 

بعد الأجازة عاد السيد داود إلى مركز التدريب وتم توزيعه على إحدى الوحدات المقاتلة .
ارتبط السيد داود بعلاقة طيبة مع المقدم مازن قائد الكتيبة و أيضا النقيب محمد رشاد عمران قائد السرية التى ضمته .

الصالحية

تنقل العريف السيد داود مع رفاقه الجنود إلى أكثر من موقع مع استمرار التدريبات .. وكانت تجرى مسابقات الضاحية فى المسافة الواقعة ما بين الصالحية و القصاصين و كان العريف السيد داود يتفوق فيها ولذا نصبه النقيب محمد رشاد عمران قائداً للفصيلة الثالثة .

كان قائد سلاح الصاعقة يقوم بالمرور الميدانى والدورى على المواقع لمتابعة التدريبات وإعداد الأبطال .
خلال تواجد العريف السيد داود بالصالحية حصل على أجازة قصيرة وفى الطريق شاهد مسابقة للضاحية بمدينة السنبلاوين فشارك فيها وحصل فيها على ميدالية المركز الثانى وبعد عودته أخبر قائده النقيب محمد رشاد عمران بفوزه فعلى الفور جمع الجنود و أخبرهم بهذا الفوز الرياضي الذي حققه زميلهم السيد داود ثم منحه مكافأة ممثلة فى أجازة لمـدة (48) ساعة .

الكاب

بعد عودة العريف السيد داود من الأجازة انتقل مع رفاقه الجنود إلى المنطقة الموجودة ما بين القنطرة وبورسعيد .
فى منطقة الكاب كان العريف السيد داود يراقب القوات الإسرائيلية وعندما كانت تقوم بالضرب يسارع بالرد عليها .. وذات يوم حاول الحصول على الأسماك من قناة السويس و فجأة شاهد طائرة إسرائيلية من طراز الميراج قادمة بسرعة فائقة ولكنه لم يفزع وعندما قام الطيار الإسرائيلى بفتح نيران الفيكرز أسرع البطل بشكل عمودى ونجاه الله لأن سرعة الطائرة لا تمكن قائدها من تغيير الإتجاه .

الدفرسوار وطوسون

تم تكليف البطل السيد داود مع ( 9 ) من رفاقه أبطال الصاعقة بعملية استطلاع لمعرفة حجم القوة الإسرائيلية المتواجدة فى الدفرسوار وطوسون .
عندما أرخى الليل ستائر ظلامه تسلل الأبطال بين الصخور والكثبان الرملية ووصلوا للهدف المحدد بعناية ودقة وتمكنوا من حصر القوة الإسرائيلية .
فى طريق العودة غطت الشبورة الكثيفة المكان وانقطعت قراءة البوصلة وهنا قام البطل محمد رشاد عمران بإطلاق الطلقات الإشارية .
من خلال نباح الكلاب وصياح الديكة تمكن الأبطال من تحديد نقطة التجمع .
نجحت المهمة التى قادها الملازم أول عبد الحميد خليفة وتم إبلاغ القيادة بالمعلومات المطلوبة .
في الأول من شهر فبراير عام 1968 تابع البطل السيد داود الفرحة التي غمرت قلوب رفاقه والشعب المصري لصدور القرار الجمهوري بإنشاء قوات الدفاع الجوي كقوة رابعة داخل القوات المسلحة المصرية .. وفي صباح الأول من شهر يوليو قامت قوات الدفاع الجوي بتولي مسئوليتها المباشرة وبدأت في عمليات التطوير .
كان الهدف من إنشاء قوات الدفاع الجوي يتمثل في تجنب ما حدث في حرب يونيو 1967 مع حرمان العدو من تفوقه الجوي .

مواجهة الدبابات

فى الثانى والعشرين من شهر نوفمبر عام 1969 حصلت المخابرات الحربية على معلومات تفيد بأن قوة إسرائيلية سوف تتحرك فى قطاع الجيش الثانى .. وتم تحديد المكان والزمان .
تم تكليف البطل السيد داود ومجموعة من رفاقه أبطال الصاعقة بالتحرك لمواجهة هذه القوة وفى التوقيت المحدد وصل الأبطال إلى المكان المحدد بدقة وانتظروا قدوم القوة الإسرائيلية .

في الوقت المحدد جاءت القوة الإسرائيلية فى كبرياء وخيلاء فعاجلوها الأبطال بالنيران من أعلى الساتر الترابى وتمكنوا من تدميرها تماما وبلغت خسائر العدو ( 3 ) دبابات وقتل أفراد القوة .
بعد تنفيذ المهمة قام البطل السيد داود بخلع سترته التى تحمل أسمه وتركها فى مكان تدمير الدبابات .. وذلك ردا على الاستفزاز والغرور الإسرائيلي .

خلال عبور الأبطال قناة السويس سباحة فى طريق العودة إذا بدبابة إسرائيلية تصعد فوق الساتر الترابى وتقوم بإطلاق نيرانها على الأبطال ثم حلقت طائرة إسرائيلية وبارتفاع منخفض وقامت أيضا بالضرب على الأبطال .
نظر البطل السيد داود إلى اليمين فوجد زميله البطل السيد النجار مصابا فى جبهته ثم صعدت روحه إلى بارئها ثم نظر إلى اليسار فوجد زميله البطل عفيفى فى صمود عظيم برغم الضرب المكثف عليه ثم أصيب وتم أستئصال كبده وطحاله .
عناية الله حفظت البطل السيد داود وتمكن من عبور قناة السويس برغم سقوط دانة بين قدميه ولكنها لم تنفجر .
عندما وصل إلى الشاطئ الآخر للقناة فجأة توقفت أمامه سيارة ملاكى فاخرة وسأله قائدها :

إلى أين يا بطل ؟ 
 فقال البطل السيد داود : إلى الصالحية.
فقال قائد السيارة : 
برغم إنها ليست فى طريقى ولكن سوف أقوم بتوصيلك فقد أذاعت الإذاعة منذ قليل خبر نجاح أبطال الصاعقة فى تدمير قوة إسرائيلية وبالطبع أنت من أبطال الصاعقة .
هنا قال البطل السيد داود : 
الحمد والشكر لله تعالى 
استقبل رجال الشرطة العسكرية البطل السيد داود وقدموا له الطعام و الشراب وأخبروه بأن الإذاعة الإسرائيلية تذيع أسمه .
قام قائد سلاح الصاعقة بتكريم البطل السيد داود كما منحه الرئيس جمال عبد الناصر نوط الشجاعة من الطبقة الأولى .

زرع الألغام

واصل البطل السيد داود كفاحه وتم تكليفه مع مجموعة من أبطال الصاعقة بزرع الألغام فى الطريق الترابى الواقع بين القنطرة والكاب والذى سوف تسلكه الدبابات الإسرائيلية .
تم تنفيذ المهمة بنجاح .. وتحفيزا للأبطال قررت القيادة العسكرية منح الكتيبة التى تتمكن من تدمير دبابة إسرائيلية مكافأة مالية قدرها ( 200 ) من الجنيهات على أن يتم توزيعها على الأبطال الذين قاموا بالتنفيذ بالإضافة إلى المخطط . 
فى شهر ديسمبر عام 1969 وخلال سير معارك الاستنزاف قام الرئيس جمال عبد الناصر بتعيين محمد أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية وسط دهشة الجميع . 
السبت الحزين

في يوم السبت الموافق للثلاثين من شهر مايو عام 1970 تم تكليف البطل السيد داود مع مجموعة من رفاقه أبطال الصاعقة بتدمير دورية إسرائيلية فى المنطقة الواقعة مابين القنطرة والتينة .
فى التوقيت المحدد تحرك الأبطال وعبروا قناة السويس ووصلوا إلى الضفة الشرقية وفى الكمين المحدد أتخذ كل بطل موقعه وبعد قليل حضرت الدورية الإسرائيلية وأثناء مرورها فوجئت بوابل نيران الأبطال
هذه الدورية الإسرائيلية كانت مكونة من عربتين مدرعتين تحميهما دبابتين ولكنها دمرت بالكامل .
بقيت مع البطل السيد داود دانة أربجية وفجأة شاهد جندياً إسرائيلياً فعاجله بها فقتل ثم قام البطل بخلع سترته وتركها فى مكان تدمير الدورية الإسرائيلية .
تمكن الأبطال أيضا من أسر أحد الجنود الإسرائيليين وصعدوا به إلى أعلى الساتر الترابى ثم هبطوا به إلى قناة السويس وأثناء سباحتهم قامت إسرائيل بالهجوم المضاد وتم تكثيف الضرب على الأبطال فتفرقوا فى المياه ثم تجمعوا مرة أخرى وحاولوا الرجوع والإحتماء بالصخور وبالفعل نجحوا فى ذلك .
فوجئ الأبطال بوجود ذلك الجندى الإسرائيلي الذى كان معهم بين صخرة برغم إصابته فأخذوه وعلموا أنه ماهراً فى السباحة وعادوا به وخلال السباحة فى مياه القناة فوجئ البطل السيد داود بحبل يلتف حول جسمه فتخلص منه وهنا حاول الإسرائيلي الأسير إغراق البطل السيد داود لأجل الفرار من الأسر ولكن الأبطال تمكنوا منه .
على الجانب الآخر نجحت مجموعة أخرى من أبطال الصاعقة فى تنفيذ مهمة أخرى وعادت أيضاً إلى شاطئ القناة وكانت تقوم بحماية البطل السيد داود ورفاقه .

تمكن أبطال الصاعقة المصرية من تكبيد العدو خسائر فادحة حيث دمروا له ( 4 ) دبابات و( 3 ) عربات مدرعة وقتل وجرح 35 جندياً إسرائيلياً وأسرت أسيراً إسرائيلياً.

أشادت القيادة العسكرية والسياسية المصرية ببطولات الأبطال وقامت بتكريمهم .
نظرا لفداحة الخسائر أطلقت إسرائيل على هذا اليوم (يوم السبت الحزين) 

وقالت وكالة اليونايتدبرس :
إن إسرائيل تحاول أن تهون من خسارتها الفادحة فى هذه المعركة ولكن الكوماندوز المصريين قد أثبتوا نجاحاً رائعا فى هذه المعركة وأن هذا النجاح قد أثار قلقاً شديداً وانفعالاً بالغاً لدى الرأى العام الإسرائيلى .. أيضاً نقلت وكالات الأنباء تصريحات المتحدث العسكرى الإسرائيلى الذى قال: إن القوات المصرية أظهرت تخطيطاً وتكتيكاً متناسقاً فى التنفيذ خلال هجومها على الدوريتين الإسرائيليتين نتيجة للتدريب الممتاز الذى تتلقاه . 
أقيمت احتفالية فى التل الكبير للبطل السيد داود ورفاقه أبطال الصاعقة شارك فيها مجموعة من الفنانين وحضرها نخبة من القادة العسكريين ونذكر منهم البطل عبد المنعم واصل والبطل فؤاد عزيز غالى 

تساقط الفانتوم

واصل البطل السيد داود كفاحه مع رفاقه أبطال الصاعقة وفي نفس الوقت كانت الأسلحة الأخرى للقوات المسلحة تعمل في تناغم بديع ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ما حشدته قوات الدفاع الجوي من جهد وفكر لإنشاء وتجهيز المواقع المحصنة والميدانية لبناء حائط الصواريخ والوصول إلى منطقة القناة على وثبات بما أطلق عليه وقتئذ ( أسلوب الزحف البطيء ) وذلك من خلال إنشاء تحصينات كل نطاق واحتلاله تحت حماية النطاق الخلفي له .
قد تم ذلك وفقا لثلاث وثبات كانت الأولى في الثلاثين من شهر يونيو عام 1970 على مسافة 50 كيلو متراً من القناة .. والوثبة الثانية كانت فى نهاية يوليو على مسافة 30 كيلو متراً من القناة أما الثالثة فكانت قبل وقف إطلاق النار مباشرة وعلى مسافة 10 كيلو مترات من القناة .

يعد يوم 30 يونيو عام 1970 باعث الأمل الجديد للشعب المصرى وثقته فى قوات الدفاع الجوى وقواته المسلحة على حماية سماء مصر وأرضها المقدسة .. فقد فوجئت الطائرات الإسرائيلية بالصواريخ المصرية وفى هذا اليوم تم إسقاط 4 طائرات إسرائيلية منها طائرتان فانتوم .. وفى الأيام التالية قام العدو بمحاولات يائسة لاختراق حائط الصواريخ المصرى وتدميره ولكن كانت النتائج تكبده المزيد من الخسائر والمزيد من الطيارين الأسرى فى أيدى أبطال مصر .
خلال الفترة من الثلاثين من شهر يونيو وحتى قبل وقف إطلاق النار بلغت خسائر العدو 12 طائرة وهو ما أطلق عليه (أسبوع تساقط الفانتوم الإسرائيلى)

وقف إطلاق النار

فى الثامن من شهر أغسطس عام 1970 تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف إطلاق النار نظرا لتفوق مصر وأذاعت وكالات الأنباء فى الثلاثين من شهر أغسطس تصريحا لأبايبان قال فيه :
لولا وقف إطلاق النار لواجهت إسرائيل تصاعدا فى الحرب مع مصر وبالتالى زيادة القتلى والجرحى وتآكل التفوق الجوى الإسرائيلى إن وقف إطلاق النار يضع إسرائيل فى موقف أخطر وأشد صعوبة مما هو الآن .
وذكر ب .ك.نارايان الضابط الهندى :
لقد أثبتت حرب الاستنزاف للمصريين أن المثابرة والعزيمة هما الضمان الرئيسى للنجاح كما اكتسبت القوات المصرية خبرة فى مواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية والتكتيكات البرية بعد أن استوعبت الأسلحة الحديثة وبدلا من الحرب الخاطفة ذات النتائج السريعة البراقة التى اعتادها جيش إسرائيل اضطرت إسرائيل إلى أن تقوم بحرب دفاعية وتكتيكات دفاعية ضد الإغارات الإسرائيلية ولقد حزن الإسرائيليون لهذا الإنقلاب فى الموقف العسكرى و السياسى والذى فرض على إسرائيل إتباع الحذر .

وفاة الرئيس جمال عبد الناصر

فى يوم السادس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1970 كانت مصر تحتضن قمة القاهرة ووساطة الرئيس جمال عبد الناصر لإيقاف أحداث أيلول – سبتمبر – الأسود بالأردن بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية.
فى يوم الثامن والعشرين عاد الرئيس جمال عبد الناصر من مطار القاهرة بعد أن ودع صباح السالم الصباح أمير الكويت فإذا بنوبة قلبية تداهمه وفاضت روحه إلى بارئها وأُعلنت وفاته للشعب المصرى والأمة العربية والعالم .
وهذا هو البيان الذى ألقاه محمد أنور السادات إلى الأمة في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر عام ١٩٧٠ :
فقدت الجمهورية العربية المتحدة ، وفقدت الأمة العربية ، وفقدت الإنسانية كلها ، رجلاً من أغلى الرجال ، وأخلص الرجال ، وهو الرئيس جمال عبد الناصر ، الذى جاد بأنفاسه الأخيرة فى الساعة السادسة والربع من مساء اليوم ٢٧ رجب ١٣٩٠ ، الموافق ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ ، بينما هو واقف فى ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ، ومن أجل يوم انتصارها . لقد تعرض البطل الذى ستبقى ذكراه خالدة إلى الأبد فى وجدان الأمة العربية والإنسانية لنوبة قلبية حادة بدأت أعراضها عليه فى الساعة الثالثة والربع بعد الظهر ، وكان قد عاد إلى بيته بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب ، الذى انتهى بالأمس فى القاهرة ، والذي كرس له القائد والبطل كل جهوده وأعصابه ، ليحول دون مأساة مروعة داهمت الأمة العربية .. إن اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى ومجلس الوزراء ، قد عقدا جلسة مشتركة طارئة على أثر نفاذ قضاء الله وقدره ، لا يجدان الكلمات التى يمكن بها تصوير الحزن العميق الذى ألم بالجمهورية العربية المتحدة وبالوطن العربى والإنسانى ، إزاء ما أراد الله امتحانها به فى وقت من أخطر الأوقات إن جمال عبد الناصر كان أكبر من الكلمات ، وهو أبقى من كل الكلمات ، ولا يستطيع أن يقول عنه غير سجله فى خدمة شعبه وأمته الإنسانية ، مجاهداً عن الحرية ، مناضلاً من أجل الحق والعدل ، مقاتلاً من أجل الشرف إلى آخر لحظة من العمر .. ليست هناك كلمات تكفى لعزاء جمال عبد الناصر ، إن الشئ الوحيد الذي يمكن أن يفى بحقه وقدره ، هو أن تقف الأمة العربية كلها الآن وقفة صابرة ، صامدة ، شجاعة ، قادرة ، حتى تحقق النصر الذى عاش واستشهد من أجله ابن مصر العظيم وبطل الأمة ورجلها وقائدها ... 
(( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ))
حزن البطل السيد داود مثلما حزن الشعب المصرى والعربى على وفاة الرئيس جمال عبد الناصر القائد والرمز.
كما أعلن الشعر العربى أيضا حزنه ففى قصيدة بعنوان ( كل الحروف تلبس السواد ) قال الشاعر الكبير أحمد سويلم :

كل الحروف تلبس السواد

وتعلن الحداد ..

من يسكت الذئاب بعد من عوائها

ومن عساه يقتل الأذناب

ومن يواصل الرحيل فى الليل وفى النهار؟ ..

أمام باب الله ها أنا أسائل السماء

عن نخلة شامخة فرعاء ..

عن عالم مبدد تحكمه الأهواء

وتأكل الصقور فيه الطفلة الحسناء

من يشترى فريسة فى ساعة الميلاد

ومن تراه بعد جاء يقبل المزاد ؟

هذا أنا أسائل السماء

إلى متى كل الحروف تلبس السواد

وتعلن الحداد .. 

من يسكن الآلام فى صدورنا الممزقة؟

من يسكت الأحزان؟

ومن القصيدة التى بعنوان ( أحببته ليس من دينى ولا بلدى ) للشاعر ( ميشيل سعد ) نذكر :

شهادة وأمــــام الله أعلنهــــا 

ولا يضــار بشرع الله من شهـدوا 

أحببت ناصــر والدنيــا به شغفت 

لا للوم فى حبــه يجـدى ولا الحسد 

أحببتــه ليس من دينــى ولا بلدى 

والحـب ليس له ديــن ولا بــلد 

وفى جنازة مهيبة لم يشهدها التاريخ من قبل خرجت جموع الشعب المصرى والعربى والقادة والساسة يودعون الرئيس جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخير .
برغم حزن الشعب المصرى إلا أن هذا الحزن لم يمنعه عن طريق المستقبل .. فمصر قد تحزن ولكنها لا تتوقف .. مصر قد تمرض ولكنها لا تموت .

السادات رئيساً لمصر

تولى الرئيس محمد أنور السادات رئاسة مصر خلفا للرئيس جمال عبد الناصر وتابع البطل السيد داود مع الشعب أحداث وطنه وأمته .. وفى السابع من شهر أكتوبر عام 1970 ألقى الرئيس محمد أنور السادات بيانه أمام مجلس الأمة وقال فيه :

أيها الإخوة المواطنون أعضاء مجلس الأمة .. لقد جئت إليكم على طريق جمال عبد الناصر وأعتبر أن ترشيحكم لى بتولى رئاسة الجمهورية ، هو توجيه بالسير على طريق جمال عبد الناصر ، وإذا أبدت جماهير شعبنا رأيها فى الاستفتاء العام بنعم ، فإننى سوف أعتبر ذلك أمراً بالسير على طريق جمال عبد الناصر .. أعلن أمامكم بشرف ، أننى سأواصل السير فيه على أى حال ، ومن أى موقع ، إن الأيام الماضية من حياتنا كانت أيام حزن عظيم ، ولكن هذه الأمة الخالدة استطاعت بصمودها الفذ أن تحول مشاعر حزنها العظيم إلى طاقة قوة عظيمة ، فخرجت مما عانت بأسرع مما قدر أحد ، وقررت وصممت وحسمت فى عبارة واحدة شاملة قاطعة قائلة فى نفس واحد : طريق جمال عبد الناصر.

أيها الإخوة .. لقد كُنتُ أفكر طويلاً خلال الأيام الأخيرة فيما يمكن أن نقوم به فى مواجهة ما قضت به إرادة الله عز وجل ، وقد وضعت لتفكيرى كله قاعدة واحدة ، هى أن أبدأ كل تصرف بسؤال محدد هو : ماذا كان يطلب منا لو أنه كان مازال بيننا ؟ وكنت على ضوء معرفتي به ، رفقة ثلاثين سنة ، وزمالة نضال وراء معركة بعد معركة ، وفهم صديق لصديق ، كنت أقدر الخطى والمواقع ، باحثاً على هذا النحو ، ومستلهماً ، ولو كان جمال عبد الناصر بيننا هذه اللحظات لقال لا تحزنوا ولكن تحركوا ! لا تقفوا ولكن تقدموا ، لا تترددوا ولكن أكملوا الطريق ، وذلك ما فعله شعبنا العظيم ، وذلك ما فعلته تعبيراً عن كل المؤسسات السياسية والدستورية التى تمثل سلطة الشعب .
أيها الإخوة .. إننى لست بحاجة أن أطيل عليكم فى وصف معالم طريق جمال عبد الناصر، فأنتم تعرفونه وشعبنا يعرفه ، وأمتنا العربية تعرفه ، والدنيا بأثرها تعرفه ، انه طريق طويل بمسافة آمالنا ، وهو طريق شاق بمقدار ما نواجه من خطر، وآمالنا على الأفق العريضة ، والخطر من أعدائنا وصل إلى احتلال بعض من ترابنا الوطنى المقدس ، وأريد أن أحدد أمام حضراتكم مجموعة من النقاط أرى لها أهمية خاصة قبل أن نصل إلى مجمل طريق جمال عبد الناصر ، هذه النقاط ذات الأهمية الخاصة هى كما يلى:
أولا : إننا مطالبون بالدرجة الأولى ، وبكل الوسائل بمواصلة النضال من أجل تحرير كل الأرض العربية المحتلة فى عدوان سنة ١٩٦٧ ، وهى القدس العربية وغزة والضفة الغربية للأردن والمرتفعات السورية وصحراء سيناء المصرية ، وذلك مع الحرص الكامل على حقوق الشعب الفلسطينى ، وعلى استمرار نضاله فى سبيل أرضه ، ومن أجل مصيره والضمان الحقيقى لهذا الهدف المشروع من نضالنا يتمثل فى مطلب أساسى واحد ، هو تعزيز القدرة القتالية للقوات المسلحة المصرية لتكون حماية للسلام القائم على العدل أو أداة لفرضه . 
ثانيا : إننا مطالبون بمواصلة النضال من أجل وحدة الأمة العربية وإن متناقضات هذه الأمة وتأزمها طبيعى فى مرحلة الماضى التى تعيشها الأمة لا يجب له أن يلهينا عن جوهر الحقيقة التى طالما نادى بها وعمل من أجلها جمال عبد الناصر ، وهى أننا أمة واحدة تاريخها واحد ونضالها واحد ومصيرها واحد .
ثالثا : إننا مطالبون بتحديد أعداء أمتنا تحديداً لا شبهة فيه ... وأعداؤنا هم إسرائيل والصهيونية الدولية والاستعمار العالمى ونحن فى صراع مصيرى معهم جميعاً وهو صراع لا يستهدف الغزو ولكن يطلب الأمن ، لا يستهدف السيطرة ولكن يطلب الحرية لا يستهدف الحرب للحرب ولكن يطلب السلام كما يجب أن يكون السلام .
رابعاً : إننا مطالبون بالتمسك بسياسة عدم الانحياز ، ولكن سياسة عدم الانحياز كما علمنا جمال عبد الناصر ليست موقفاً سلبياً وإنما سياسة عدم الانحياز على طريقته هى انحياز لاستقلالنا وانحياز لحريتنا وانحياز للسلام وانحياز للتقدم .. وبالتالى فهى سياسة تعد للأخطار التى تهدد هذه القيم كلها وإن صداقتنا الخاصة مع الاتحاد السوفيتى وشعوبه العظيمة ووراءه مجموعة الشعوب الاشتراكية الكبيرة لتتسق اتساقاً كاملاً مع سياسة عدم الانحياز وهى تطبيق عملى وواقعى لشعار من أبرز شعارات قائدنا العظيم وهو القائل : ( نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا )
خامساً : إننا مطالبون دوماً بأن نذكر ولا ننسى أننا جزء من حركة التحرر الوطنى العظيمة باتجاهها التقدمى الاشتراكى وإننا جزء من حركة التقدم العالمى الضخمة وإننا بشعبنا وأمتنا تيار حضارى مؤثر يعطى ويأخذ ويفعل ويتفاعل 
سادساً : إننا مطالبون أولاً وأخيراً بالحفاظ على المكاسب الاشتراكية التى تحققت لجماهير قوى شعبنا العامل ، وبالمضى فى هذا الطريق الذى رسمه وحدده لنا قائدنا جمال عبد الناصر ترجمة أمينة لآمال جماهير الشعب العامل وحتمية مصير ووجود . 

أيها الإخوة .. بعد هذه الملاحظات أجئ إلى مجمل طريق عبد الناصر ولن تسمعوا فيه منى جديداً وكل ما أفعله فيه هو أن أؤكد عهداً .. إننى جئت ومعى إلى هذا المجلس وثيقة واحدة أودعها فيه وأمشى قائلاً لكم هذا برنامجى أيضاًُِ لأنه إرادة الشعب .. إننى أودع فى هذا آخر الجلسة بيان ٣٠ مارس فذلك آخر برنامج متكامل قدمه جمال عبد الناصر لأمته وصدقت عليه جماهير شعبه فى استفتاء عام حر واعتمدته طريقاً للنضال وامتداداً عضوياً للميثاق على ضوء الظروف الطارئة التى واجهت نضالنا ابتداء من يونيو سنة ١٩٦٧ إن بيان ٣٠ مارس يمثل فى هذه المرحلة وحدة أمتنا .. ونحن فى حاجة إلى هذه الوحدة ، وبيان ٣٠ مارس يمثل فى هذه المرحلة أهدافنا الواضحة ، ونحن فى حاجة إلى وضوح الهدف .. و بيان ٣٠ مارس تجسيد لإرادة شعبية لا يرقى إليها شك .. وفوق كل ذلك فإن بيان ٣٠ مارس امتداد عضوى للميثاق وهو العلامة التى كتبها جمال عبد الناصر بنفسه على رأس طريقه .

أيها الإخوة .. أود أن أضيف شيئا إلى ذلك وأقول لكم بأمانة الإحساس بالمسئولية ذلك أن العمل من أجل تطبيق برنامج ٣٠ مارس فى وجود جمال عبد الناصر شئ والعمل والتطبيق فى غياب جمال عبد الناصر شئ آخر إن جمال عبد الناصر كان بطلاً تاريخياً ، والبطل لا يُصنع ولكنه يُولد من ضمير أمته . ولهذا فإن قدرته لا يمكن أن تقاس بما تواضع عليه الناس من معايير ، إن غياب البطل يعنى شيئاً لا ينبغى له أن يغيب عنا وهو أن المسؤلية تصبح كلها واجب الجماهير بقواها العاملة ومؤسساتها وتنظيماتها وأجيالها الحرة المتصلة اتصالاً مباشراً بكفاح كل يوم لذلك فإن تأكيدنا للعهد يجب أن يصحبه استعدادنا جميعاً لتحمل مسؤليات كان وجوده يعفينا منها . . وأصارحكم القول إنه ليس بمقدورى ولا بمقدور أى شخص أن يتحمل ما كان يتحمله جمال عبد الناصر ولذلك فإنه من الضرورى إعادة توزيع المسؤليات ضماناً لأداء الأمانة كما يجب أن تؤدى الأمانة وفاء لحق الشعب وتكريماً لذكرى قائده .
أيها الإخوة .. إنكم أضفيتم على شرفاً يعلم الله أنه لم يخطر ببالى فى حياتى ولا سعيت إليه وإننى أقدر مسؤلية ما ترون . لكن عونى فى تحمل المسؤلية أن تكونوا كلكم والأمة بأسرها معى قولاً وعملاً على طريق جمال عبد الناصر الذى نعيشه الآن فى قلب أمته العربية بقدر ما عاشته أمته العربية فى قلبه إلى لحظة سلمنا فيها علم الكفاح .
(( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))
فى الثامن عشر من شهر أكتوبر عام 1970 قال الرئيس محمد أنور السادات فى بيانه أمام مجلس الأمة : 
أيها الإخوة المواطنون .. لقد تلقيت أمركم وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون أدائى للمهمة التى كلفتمونى بها على نحو يرضاه شعبنا وترضاه أمتنا ، ويرضاه المثل الأعلى الذى وضعه القائد الخالد ، وأعطاه كل شئ من الحياة الى الموت إننى اعتبر النتيجة التى أسفر عنها الاستفتاء الشعبى على رئاسة الجمهورية أمانة ومسـئولية .. أعدكم بدورى أن أعطيها كل شئ بلا تردد ، وبلا تحفظ ، وبكل ما يملكه الجهد ، وتتسع له القدرة ، وأثق ثقة كاملة مستمدة من إيمانى بالله وإيمانى بالشعب .. إنكم جميعا سوف تكونون معى على الطريق الذى يمتد فيه نضالنا نحو آفاق الأمل المرتجى .
لقد قلت لكم من قبل إنكم لتعرفون أن الأمانة والمسؤلية الكبيرة وقلت لكم من قبل - وإنكم لتعرفون- إن الطريق طويل وشاق ، وقلت لكم من قبل - وإنكم لتعرفون - إن آمالنا رحبة وواسعة ، والوفاء بذلك كله فوق طاقة أى فرد وتحقيق ذلك كله يتعدى احتمال أى إنسان ، ووصولنا إلى ما نريد - بمقاييس العصر وقيمته وأحلامه - يحتاج إلى الأمة بأسرها تزحف زحفاً على الطريق ، تؤمن بنفسها وتؤمن بهدفها ، وتؤمن بالتطور والتقدم وتؤمن بحتمية انتصار الحياة وتنتصر لكل ما تؤمن به .

إن ثقتى بهذه الأمة الخالدة لتتأكد إلى غير ما حد حين أرجع البصر مستذكراً ما واجهناه وعانيناه خلال الأسابيع الأخيرة لقد أراد الله عز وجل - ولا اعتراض على حكمه أو حكمته - أن يمتحن صلابتنا فى أغلى ما كان عندنا ، وأعز ما كنا نملك .. وجاء ذلك فى أعصب الأوقات وأحرج الظروف و لو وهن عزمنا لكان لنا العذر .. ولو أخذتنا الصدمة لشفعت لنا قسوة المفاجأة، لكن شعبنا كان عظيماً .. عظيماً .. عظيماً . لقد حمل أحزانه بنبل وكبرياء وعبر الجسر من مرحلة كنا فيها مع القائد الخالد إلى مرحلة نحن فيها بغيره .. مستمراً على نفس الطريق ، متوجهاً إلى نفس القصد لا يثنيه عائق ، ولا ترده قوة . مدركاً فى وعى عميق أنه بذلك لا يؤكد استمرار مبادئه فحسب .. وإنما يثبت فى نفس الوقت ضرورة انتصاره . 

أيها الإخوة المواطنون .. لابد أن أصارحكم أننى اعتز بالنتيجة التى أسفر عنها الاستفتاء الشعبى .. أى أكثر من ستة ملايين قالوا ( نعم ) لترشيحى .. وأكثر من سبعمائة ألف قالوا ( لا ) وأعتبر بأمانة أن هذه ظاهرة صحية وإن كنت أود أن أضيف .. اعتقادى الشخصى بأن الذين قالوا ( لا ) لم يقولوها اعتراضاً على الثورة .. ولا على استمرار الطريق ، وإنما كان قولهم لها تحفظاً على المرشح لرئاسة الجمهورية نفسه إن ذلك - وأصارحكم القول - لم يسبب لى أى ضيق .. ولا اعتبرته مدعاة للأسف.. إنما اعتبرته ظاهرة صحية ... فإن هذا الشعب لا يجب أن يمنح ثقته المطلقة لفرد بعد جمال عبد الناصر .. بل ولقد كان جمال عبد الناصر نفسه أعلى الأصوات تحذيراً من اعتماد الأمة على الفرد و إننى أعدكم أننى سأكون للجميع .. للذين قالوا ( نعم ) والذين قالوا ( لا ) ، إن الوطن للجميع، والمسئول فيه مؤتمن على الكل بغير استثناء . لقد شرفنى أن يقول أكثر من ستة ملايين رأيهم بنعم .. واعتبرت ذلك حُسن ظن مسبق أعتز به ، وأرجو الله أن يمنحنى القدرة على أن أكون أهلاً له وجديراً به ولقد شرفنى فى نفس الوقت أن يقول أكثر من سبعمائة ألف رأيهم بلا ، ولم اعتبر ذلك رفضاً ، وإنما اعتبره حكماً مؤجلاً .. وأرجو الله أن يمنحنى القدرة على أن أصل بالأمانة إلى حيث يجب أن تصل الأمانة .. وأن يجئ الحكم المؤجل قبولاً حسناً ، ورضا من الناس والله فى نهاية المطاف ضد كل قوى الظلم والعدوان فلنتوجه الآن بكل قوانا إلى مسيرتنا المستمرة أن هناك عملاً كبيراً يجب أن نقوم به وأن نحسن القيام به . أن هناك معركة تنتظرنا .. ويجب أن نعطيها شعباً وجيشاً وكل ما تفرضه علينا من تبعات وتضحيات .

إن هناك أمة عربية تناضل على طريقه .. وسوف نكون خير رفقة فى النضال .. إن هناك عالماً بأسره فيه الأصدقاء وفيه الأعداء وسنكون أوفى الأصدقاء للصديق ، وأشرف المقاتلين ضد العدو . أن هناك بناء سوف نواصل إقامته ، وهناك تقدماً سوف نواصل اللحاق به ، وهناك قضايا إنسانية سوف نكون لها الحماية والسند ، وهناك أعلاماً عالية فوق رؤوسنا وسوف يكون جهدنا ـ بمشيئة الله - عزاً لمبادئنا وكرامة لأعلامنا .

واصل الرئيس محمد أنور السادات كفاح الزعيم جمال عبد الناصر وبدأ فى وضع الرجل المناسب فى مكانه المناسب لأجل تحرير سيناء الحبيبة والسير قُدماً نحو التنمية وسعادة أمته المصرية والعربية .

الخداع الاستراتيجى

تواصلت الأيام مع الاستعدادات ليوم عودة الكرامة وتحرير أرض سيناء المحتلة وشمل الخداع الاستراتيجى قيام القيادة العسكرية بتصريح مجموعات من المجندين .
فى الأول من شهر يوليو عام 1973 خرج البطل السيد داود للحياة المدنية وفى الثالث من شهر أكتوبر لنفس العام تم استدعاؤه فسارع بالذهاب لوحدته التى تواجدت فى الإسكندرية .
أدى البطل السيد داود صلاة الجمعة مع رفاقه الجنود على علم مصر وكانت الخطبة عن الجهاد ومكانة الشهيد فى الإسلام .

موعد مع التحرير

فى صباح يوم السادس من أكتوبر 1973 الموافق للعاشر من شهر رمضان 1393 هـ صدرت الأوامر للبطل السيد داود ورفاقه الأبطال بعدم الصيام .
كانت السرية التامة تغلف المواقع العسكرية ولم يعلم الجنود ماذا سيحدث ؟ وهذا هو الصمت الذى سبق العاصفة .
وجاءت ساعة الصفر وحان وقت التحرير فانطلقت الطائرات المصرية وشقت صمت السماء وعبرت قناة السويس على ارتفاعات منخفضة وقامت بدك حصون العدو ومطاراته وعادت الطائرات بسلامة الله وكانت الخسائر قليلة جداً .
هذه الضربة الجوية التى قادها ببراعة البطل محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية فتحت ومهدت الطريق أمام القوات العابرة .
فى نفس الوقت كانت المدافع تقول كلمتها فى تمهيد نيرانى غير مسبوق .. أيضا قام سلاح المهندسين بإنشاء الكبارى فى ملحمة يعجز أى فنان عن رسمها على أرض الواقع مهما أوتى من عبقرية .
استقل البطل السيد داود مع رفاقه الطائرة وعبرت بهم .. ووصل البطل إلى ( أبو رديس ) وبدأ فى اتخاذ موقعه بين الجبال لأجل قطع الإمدادات عن القوات الإسرائيلية وتدميرها أيضا .
فجأة شاهد البطل أتوبيساً إسرائيلياً وبداخله مجموعة من الطيارين الإسرائيليين وهو فى طريقه إلى مطار ( أبو رديس) فتعامل معه ودمره تماما .
فى الصباح الباكر ليوم الأحد السابع من أكتوبر 1973 الموافق للحادى عشر من رمضان 1393 هـ قامت طائر هيلكوبتر إسرائيلية بالضرب على البطل السيد داود ورفاقه الأبطال فاستشهد البعض ثم فرت هاربة وحضرت قوة إسرائيلية وصعدت إلى قمة إحدى التبات وقامت بالضرب المكثف على الأبطال ولكن الأبطال صمدوا وقاموا بالرد عليها وهنا نادت القوة الإسرائيلية على الأبطال بضرورة تسليم أنفسهم ولكن هيهات .. فقد غادروا لمكان آخر .
وصل البطل السيد داود إلى بطن صخرة وسط القوات الإسرائيلية وعندما حل الليل بظلامه خرج البطل لمواصله مهامه وفى الطريق وجد كميناً إسرائيلياً .. فيا ترى ماذا سيفعل بمفرده ؟
سارع بإلقاء القنابل اليدوية على الكمين الإسرائيلى فتعالت صرخات الإسرائيليين ثم صمتت وهنا تيقن من تدمير الكمين .

على الفور انتقل البطل السيد داود إلى صخرة أخرى .
ذكرت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى مذكراتها وكتابها – حياتى - :
لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث فى أكتوبر ، فلم يكن ذلك حدثاً عسكرياً رهيباً فقط ، وإنما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت ، فلقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها . ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربون بها .. ولكن أيضا لأن عدداً من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد انهارت أمامنا ، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر ... وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذاراً مبكراً لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب ، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس إننى أستعيد الآن هذه الأيام ..... أنه شىء لا يمكن وصفه.. يكفى أن أقول إننى لم أستطع البكاء ، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى وأحياناً أذهب إلى غرفة العمليات ، وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من أمريكا وأخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى .. وأذكر أنه فى يوم الأحد ثانى أيام الحرب عاد موشى ديان من الجبهة وطلب مقابلتى على الفور وأخبرنى أن الموقف سىء جداً وأنه لابد من اتخاذ موقف الدفاع وأن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خط دفاع جديد واستمعت إليه فى فزع ، لقد عبر المصريون القناة .

بعد انقضاء يوم الأحد السابع من شهر أكتوبر 1973 الحادى عشر من شهر رمضان 1393هـ انقطعت أخبار البطل السيد داود واعتبر فى عداد المفقودين بجهة سيناء وأرسلت إدارة السجلات العسكرية بوزارة الحربية إشارة إلى أسرة البطل بقرية صافور وموقعة بإمضاء اللواء صالح مصطفى أمين مدير السجلات العسكرية .. وجاء فيها : 
( نأسف إذ نبلغكم أن السيد محمد محمد على داود درجة رقيب مجند اعتبر مفقوداً فى العمليات الحربية يوم 7/10/1973 وإننا سوف نوافي سيادتكم بأية معلومات ترد لنا فيما بعد ) 
وهنا فقدت الأسرة الأمل في عودة ابنها واحتسبته عند الله من الشهداء ولكن واحده فقط كانت تؤكد على أن البطل السيد داود ما زال على قيد الحياة .. أنها أم البطل .

بين المواقع العسكرية

فى صباح يوم الاثنين الثامن من أكتوبر 1973 الموافق الثانى عشر من شهر رمضان 1393هـ شاهد البطل السيد داود بعض الشهداء فذهب إلى مكانهم وأخذ أسلحتهم وطعامهم وواصل تنقلاته بين القوات الإسرائيلية فإذا بكمين إسرائيلي آخر فعاجله البطل بالقنابل اليدوية ودمره تماما ثم فر لمكان آخر وفى الطريق تقابل مع البطلين عادل محمد على وعبد الرؤف وقصدوا معا النقطة الشمالية وفجأة وجدوا كميناً إسرائيلياً فتعاملوا معه دونما أية اهتمامات بنداءات الكمين بالاستسلام ..وفر البطل عادل إلى مكان آخر .
أصيب البطل عبد الرؤف بدانة إسرائيلية فى مكان حساس فحمله البطل السيد داود لأحد الجبال وكاد العطش أن يقضى عليهما وهنا كانت المعجزة الإلهية فقد خرج الماء من بين إحدى الصخور فشرب البطل السيد داود ورفيقه وتم غسل وتنظيف جرح البطل عبد الرؤف بالماء .
فى المساء انقطع الماء وعاد المكان لسيرته الأولى .. وواصل البطل السيد داود كفاحه وجهاده وفى طريقه تجاه ( أبو رديس ) تقابل مع الأبطال مجدى شحاتة ومحمد عبد الرحمن وعبد الحميد وصاروا معا وأثناء سيرهم وجدوا بدوياً من أهالى سيناء يقوم بتفقد الشهداء وجمع بياناتهم ثم دفنهم حفاظاً عليهم .
أخبرهم البدوى أن المكان الذى ظهر فيه الماء معروف بالجفاف وأن ما حدث يعد معجزة إلهية كما أخبرهم أيضا بأن القوات الإسرائيلية تبحث عنهم وبعد قليل أنصرف البدوى ثم عاد بملابس بدوية للأبطال وأخذهم إلى مكان بعيد عن القوات الإسرائيلية .

تدخل مجلس الأمن

يوم الاثنين الموافق للثاني والعشرين من شهر أكتوبر 1973 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 338 بوقف إطلاق النار بين الدول العربية وإسرائيل والبدء في التطبيق الفوري لقرار 242 لعام 1967 .

وافق الرئيس محمد أنور السادات على وقف إطلاق النار ولكن إسرائيل لم تلتزم وتعمدت خرق قرار مجلس الأمن ولذا عاد مجلس الأمن للإنعقاد يوم الثلاثاء الموافق للثالث والعشرين من شهر أكتوبر 1973 وأصدر قراره رقم 339 الذي شدد على ضرورة الوقف الفوري لجميع أشكال إطلاق النار وكل الأعمال العسكرية .

بعد ذلك بدأت مفاوضات فض الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية .. ففي الحادي عشر من شهر نوفمبر 1973 كان توقيع اتفاق الكيلو 101 بوقف الحرب وتحديد مواقع القوات .. وفي السابع عشر من شهر يناير 1974 كان اتفاق فض الاشتباك الأول وانسحبت بمقتضاه القوات الإسرائيلية من غرب القناة .
وتواصلت جهود القيادة المصرية من أجل السلام وعودة سيناء كاملة لحضن الأم .. مصر 

عودة البطل

بعد شهور طويلة عاشها البطل السيد داود بين القوات الإسرائيلية والتغذى من الطبيعة أخبر البطل عادل محمد على القوات المصرية عن مكان البطل السيد داود .
فى الرابع والعشرين من شهر أبريل عام 1974 وصل البطل السيد داود بمساعدة بدو سيناء إلى السويس ومنها أنتقل إلى المخابرات الحربية بالقاهرة وتقابل مع البطل المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية والبطل الفريق محمد حسنى مبارك وبعض القادة العسكريين .
وصل البطل السيد داود إلى قريته ( صافور ) فخرجت عن بكرة أبيها لاستقباله بالطبول والمزمار البلدى .

البطل في عش الزوجية

بعد عودة البطل السيد داود إلى قريته صافور تم زفافه على ابنة عمه ( فتحية عبد الخالق محمد علي ) والتي كانت تنتظره طوال فترة كفاحه فقد كانت تؤمن بعودته برغم انقطاع أخباره واعتباره في عداد المفقودين .. ورزقهم الله من الأبناء بعاطف وعلياء بعد فقدهما للكثير من الأبناء .
تقول زوجته فتحية عبد الخالق :
كنت على يقين بأن البطل سوف يعود فى يوم من الأيام فبعد أن تمت مراسم خطبتى قبل تجنيده وبرغم وصول برقية من القوات المسلحة تخبرنا باعتباره من المفقودين خلال معارك أكتوبر 1973 إلا أن قلبى كان يشعر بأنه ما زال على قيد الحياة وبالفعل قد صدق إحساسى .

ويقول عاطف ابن البطل : 
ولدت فى الرابع والعشرين من شهر أغسطس 1980 وعندما اشتد عودى وعرفت بطولات والدى والصعوبات التى واجهها فى سبيل عزة وكرامة مصر شعرت بالفخر والكرامة واتخذت من صموده وكفاحه القدوة والمثل .
ويضيف عاطف : حصلت على ليسانس الآداب – لغة عربية – من جامعة المنصورة فى عام 2002 ثم دبلومة الدراسات العليا من كلية التربية جامعة المنصورة وتزوجت من ميادة عبده السعيد شعيب ورزقنا الله من الأبناء بأحمد وسوف أعرفه هذه البطولات العظيمة .
وتقول علياء ابنة البطل : 
ولدت فى الخامس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1983 وحصلت على شهادة المعهد الفنى التجارى وتزوجت من عبد المجيد فؤاد عبد المجيد ورزقنا الله من الأبناء بـ ملك .
وتضيف علياء : افتخر بالتاريخ المشرف لوالدى والذى سوف يكون القدوة والمثل والفخر لابنتى ولكل الأجيال وأطالب بتدريس البطولات المصرية لطلاب المدارس وخاصة تلك التى سجلتها صفحات التاريخ الحديث .

التكريمـــات

لأن مصر تعتز بكل من يحبها ويضحى من أجلها فقد تم تكريم البطل السيد داود حيث منحه الرئيس جمال عبد الناصر نوط الشجاعة من الطبقة الأولى كما منحه الرئيس محمد أنور السادات نوط الشجاعة من الطبقة الأولى أيضاً وفى الثامن عشر من شهر أكتوبر عام 1990 منحه الرئيس محمد حسنى مبارك نوط الجمهورية العسكرى من الطبقة الأولى تنفيذاً للقرار الجمهورى رقم 220 لسنة 1974م .. .
هذا بالإضافة إلى الترقية الاستثنائية التى قررها له البطل اللواء عبد المنعم واصل خلال توليه قيادة الجيش الثالث .

المُعلّم

انتقل البطل السيد داود من مرحلة حرب التحرير والكرامة إلى مرحلة أخرى وهى مرحلة محاربة الأمية والسعى لأداء رسالة بناء العقول .
انضم البطل إلى أسرة التدريس مدرسة البصراط الابتدائية بالمنزلة بمحافظة الدقهلية وتدرج فى المناصب إلى أن وصل ناظرا لمدرسة أم المؤمنين بالمنصورة وتعاون مع وكيل المدرسة الأستاذ السيد فرج وفريق العمل لأجل الارتقاء بالمدرسة ومستوى الطلاب وبالفعل تمكنوا من القضاء على الكثافة داخل الفصول الدراسية بالجهود الذاتية وأصبحت هذه المدرسة من أوليات المدارس التى سعدت بإدخال مناهل المعرفة وسميت بعد ذلك بمدرسة أم المؤمنين المطورة .
تولى البطل إدارة مدرسة الشهيد أحمد البلتاجى الابتدائية بالمنصورة وعن هذه الفترة ذكر فريق العمل بالمدرسة .. عماد العرابى ومحمد حسن وعلاء محمد السعيد وفكرية وحميدة سلامة وعبد الحليم الخطاب ومحمد عبد السلام ووفاء الإمام ومنى لاشين : 
كان البطل السيد داود يقوم بإعطاء الدروس المجانية للطلاب ويحرص على تعليمهم قواعد اللغة العربية والكتابة الصحيحة وخلال إدارته للمدرسة شهدت تقدما ملحوظاً على مستوى الإدارة التعليمة بمحافظة الدقهلية وحصلت على أكثر من جائزة فى المجالات الرياضية والعلمية والثقافية وكافة الأنشطة.
حصل المعلم السيد داود على لقلب المعلم المثالى أكثر من مرة تقديراً لكفاءته وخلقه الحميد. 
ترقى البطل السيد داود حتى وصل لدرجة مدير إدارة .. وفى العاشر من شهر سبتمبر عام 2006 خرج للمعاش وفقا للسن القانونية . 

حديث الذكريات

لقد رصدنا ذكريات نخبة من أسرة وأصدقاء البطل السيد داود وأيضاً مجموعة من أهالى قريته صافور مركز ديرب نجم - محافظة الشرقية .
يقول الحاج عبد الخالق محمد على داود – عم البطل ووالد زوجته - : 
أنا من مواليد التاسع والعشرين من شهر أبريل عام 1929م ووالدة البطل هى المرحومة غنا حسن حسن رضا من عائلة ذات أصول دينية عريقة فوالدها هو الشيخ حسن حسن رضا جد البطل الذى بشر ابنته – أم البطل – خلال منامها وأثناء اشتراك البطل فى تنفيذ إحدى العمليات الحربية بقوله : 
البطل تحفظه عناية الله تعالى .
والشيخ سليمان حسن رضا قد بشر الملك فؤاد الأول والملكة نازلى بالملك فاروق .. أما الشيخ عبد الرحمن حسن رضا فهو من أهل العلم والتصوف وخلال تواجده فى المحكمة المختلطة فى عصره للنظر فى قضية بشأن أرضه الزراعية قال له قاضى المحكمة : 
أسكت أيها الحمار 
فرد الشيخ عبد الرحمن بقوله : 
أنا آسف لأننى دخلت الإسطبل بالخطأ .
وهنا حكم القاضى على نفسه بالحبس لمدة 24 ساعة نظراً لفصاحة وطلاقة الشيخ عبد الرحمن حسن رضا .
ويقول الحاج عبد الخالق محمد على داود : 
البطل كان خاطب ابنتى فتحية المدرسة بمدرسة المطرية الابتدائية بمحافظة الدقهلية وبعد اندلاع معارك أكتوبر 1973 انقطعت أخباره فذهبت إلى إدارة سلاح الصاعقة لمعرفة الأسباب ولكن لم نتوصل لمعلومة واحدة تخرس الحيرة بداخلنا ثم وصلت للأسرة إشارة باعتبار البطل السيد داود من المفقودين وتم استخراج المعاش المقرر لأسرته .
فجأة اتصل قريبى الحاج ذكى جويلى وأخبرنى بعثوره على خطاب من المخابرات الحربية بمنزله بالقاهرة بعد عودته من العمل وأفاد الخطاب بمكان البطل فعلى الفور اتصلت بصديقى المقدم عصمت العزيرى والذى بدوره أخبر شقيقه اللواء فاروق بقصة البطل .
فى الساعة السابعة من صباح اليوم التالى كنت بصحبة إبنتى فتحية فى مكتب اللواء فاروق وذهبنا معاً إلى العنوان المدرج بالرسالة ووصلنا بالفعل إلى المعسكر وتقابلنا مع أفراد الأمن الذين ذهبوا معنا إلى حجرة الأبطال فوجدناهم فى نوم عميق وبدأنا فى تفحصهم الواحد تلو الآخر لأجل التعرف على البطل السيد داود وعندما فشلنا فى ذلك اخبرنا أحد أفراد الأمن بتجربة فحص اليد اليمنى لكل بطل وبالفعل وجدنا اسم البطل السيد داود وهنا كانت فرحتنا وتم اصطحابه إلى الحلاق لتهذيب شعر رأسه الكثيف ثم الاستحمام .

ويذكر الحاج عبد الخالق أيضاً : بعد أن قام البطل بتغيير ملابسه وتناول الطعام والتمر ذهب معنا إلى مسجد السيدة زينب رضى الله عنها ... هذا المسجد الذى شهد قبل أيام قليلة دعواتى وأمنياتى المصحوبة بالبكاء لأجل عودة البطل وأثناء البكاء شعرت بمن يربت على كتفى ويقول : طلبك قُضِىَ .. فالتفت حولى فلم أجد من يهاتفنى .
عدنا بالبطل إلى الأهل والأقارب بمدينة المنصورة ثم ذهبنا إلى القرية الأم صافور فوجدناها قد خرجت عن بكرة أبيها لاستقبال البطل .. وتم زفاف البطل فى شوارع القرية فى فرحة غامرة .
وتقول الحاجة سنية عطية محمد جويلى – زوجة عم البطل وأم زوجته - لقد عشت طفولة وشباب البطل السيد داود فمنذ طفولته وهو يتمتع بالهدوء والذكاء وكان – وما زال - يحرص على الصلاة فى أوقاتها .
عندما تقدم لخطبة إبنتى رحبنا به وعندما طالت مدة غيبته خلال المعارك لم نفقد الأمل فى عودته وكانت والدته تصعد إلى سطح المنزل وتناجى الله سبحانه وتعالى وتردد : إبنى ما زال على قيد الحياة وسوف يعود بسلامة الله .
وتضيف الحاجة سنية : حزنت حزناً شديداً على غياب البطل ومن كثرة البكاء توارى نور بصرى وبعودة البطل عاد معه نور بصرى .
ويقول الحاج محمد – الشقيق الأكبر للبطل - :
أنا سعيد ببطولات شقيقى وأتمنى من القيادات تكريمه التكريم اللائق وأيضاً تكريم رفاقه الأبطال .
وتقول الحاجة فاطمة – الشقيقة الكبرى للبطل السيد داود- : 
عندما وصلتنا برقية تخبرنا بفقد شقيقى خلال المعارك كان الحزن هو السمة الرئيسية للأسرة ولكن والدتى تردد وتقول السيد على قيد الحياة مع البدو فى سيناء لأن جده قد أخبرنى فى المنام بأنه سوف يعود
ويقول إبراهيم السيد الهادى داود – ابن عم البطل - : 
بطولات البطل السيد داود كانت ومازالت حديث أهالى صافور وأنا أعيش فى فخر وأعتز ببطولات ابن عمى .
ويقول أحمد داود – ابن عم البطل - : 
ابن عمى هو العزة والشرف للعائلة ولقرية صافور وكانت فرحة عودته أكبر من فرحة العيد .
ويقول البطل كمال أحمد محمد كشك – ابن خالة البطل - : 
شاركت البطل فى أفراحه وأحزانه فقد لعبنا معاً خلال مرحلة الطفولة وتم تجنيدنا سوياً فهو قد التحق بسلاح الصاعقة وأنا التحقت بالتنظيم والإدارة بالإسماعيلية وأذكر أن البطل السيد داود قد تم تكريمه بعد نجاحه مع رفاقه فى تنفيذ إحدى العمليات العسكرية وقبل ذهابه إلى حفل التكريم حضر إلىَّ وعانقنى بعد غيبة طويلة .
الجدير بالذكر أن الذى قام بتكريمه هو البطل اللواء فؤاد عزيز غالى .. وأؤكد على أن البطل السيد داود يتمتع بالوطنية الشديدة والخير للناس .. كل الناس .
ويقول أحمد مصطفى القارى – ابن شقيقة البطل - : 
كنت أتابع أخبار البطل خلال فترة كفاحه وأتلهف مع الأطفال والشباب والأهالى لمعرفة الأخبار وكانت لحظة عودة البطل من أجمل لحظات حياتى ومازالت محفورة بذاكرتى حتى الآن .
ويقول الحاج عبد الحافظ بدوى – من عائلة البطل - : 
البطل السيد داود يعتبر الخال لأنه ابن خالة والدتى وكنت فى مرحلة الطفولة أشاركه فى المرح واللعب وكان يتميز بالهدوء والأخلاق الفاضلة وعندما تجمعنا اللقاءات ونسترجع الذكريات والبطولة نزداد فخراً وعزة .
ويقول فتحى محمود شعراوى – الصديق الصدوق للبطل - : 
يعد البطل السيد داود من أقرب الأصدقاء لقلبى فقد شاركته رحلات صيد الطيور وألعاب الطفولة وبعد عودتى من الجبهة بعد انتصارات أكتوبر 1973 انقطعت فترة عن الذهاب لمنزله وذات مرة قالت والدته : يا فتحى أنت ليه تغيب عننا .. السيد عايش مع البدو ؟! 
وهنا كنت أجاريها لأننى كنت أعتقد أن البطل السيد داود قد استشهد نظراً لانقطاع أخباره .
ويقول عمر محيى الدين الزيات – أحد أبطال معارك أكتوبر 1973م ومن جيران البطل - : 
لقد شاركت فى معارك أكتوبر 1973م وقرية صافور قدمت للوطن نخبة من خيرة شبابها .. منهم من استشهد ومنهم ما زال على قيد الحياة .
ويقول السيد عبد العاطى – من أهالى القرية -:
كنت أبلغ من العمر فى ذلك الوقت 13 سنة وكنت شديد الحرص على متابعة الأحداث وكفاح الأبطال وعندما عاد البطل السيد داود وعلمت منه بطولاته العظيمة شعرت بالفخر والأمل فى الغد .
ويقول أحمد عبد السلام الديباوى – رفيق الكفاح وأحد أفراد عائلة والدة البطل - : 
تم تجنيدى خلال معارك الاستنزاف وشاركت فى معارك أكتوبر 1973 فقد كنت مع أبطال الجيش الثالث على يمين النقطة القوية 109 أقوم بالاستطلاع الخاص بالمدفعية وخلال المعارك قامت القوات الإسرائيلية بتكثيف الضرب على حفرتى وتناثرت الشظايا ولكن عناية الله حفظتنا وتمكنت مع رفاقى من تكبيد هذه القوات الخسائر الفادحة .
ويقول محمد عبده منصور كشك – من أبطال حرب أكتوبر 1973 وصديق البطل - : 
خلال معارك أكتوبر 1973 كانت مهمتى فى مستشفى القصاصين العسكرى وقد قمت بكتابة أسماء الأبطال الذين حصلوا على أوسمة عسكرية وكان فى مقدمتهم البطل السيد داود .. فبطولاته نعتز بها ما بقيت الحياة .
ويقول أحمد صديق حسين عافية – أحد أبناء قرية صافور وسليل أعرق عائلات صافور - : 
أنا من مواليد 1956 وعشت مرارة نكسة 1967م وفرحة انتصارات أكتوبر 1973م وقد تم تجنيدى فى عام 1974 بعد انتهاء المعارك مباشرة .. ونحن نعتز ونفتخر ببطولات البطل السيد داود.

ويقول الشحات حسن أحمد جويلى – خال زوجة البطل: 

أنا من مواليد 1950م وشاركت فى معارك أكتوبر 1973م وكنت أمد الأبطال بالذخيرة اللازمة تنفيذاً للتعليمات والأوامر حيث تواجدت بالمنطقة المركزية ضمن طاقم الصيانة التابع للمركبات .. ويضيف : بعد انتهاء المعارك علمت بعودة مجموعة من الأبطال وكان من بينهم البطل السيد داود فكانت فرحتى الكبيرة .
ويقول محمد عبد العاطى السيد – أحد أقارب والدة البطل - : 
فى ذلك الوقت كان عمرى 11 سنة وكنت أتابع أخبار الأبطال فأخوالى أحمد عبد السلام وعبد الحميد والسيد الديباوى شاركوا فى معارك أكتوبر 1973 وذات مرة سمعت مجموعة من الأسماء منها اسم خالى أحمد والبطل السيد داود عبر الإذاعة الإسرائيلية التى كانت تذيع الأخبار الكاذبة ولكن بعد انتهاء المعارك عادوا الأبطال إلا اثنين فقط قد استشهدا وهما : البطل الشهيد عبد الرحمن الريس والبطل الشهيد فتحى محمدى حمد .
ويضيف : أتذكر يوم عودة البطل وكأنه كان بالأمس لقد كان البطل ينزف دماً من كثرة عناق الأهالى وعندما وصل موكبه إلى مسجد عبد ربه بالقرية سألت البطل عن خالى أحمد ؟ 
فقال : خالك بخير وسوف يحضر فى القريب إن شاء الله .

هذا الكلام كان يعد من باب تطييب الخاطر .. ولكن كانت المفاجأة .. فقد عاد بالفعل خالى بعد ثلاثة أيام .
ويقول السعيد كمال أحمد كشك الشهير بأشرف كمال : البطل السيد داود ابن خالة والدى ورفيق كفاحه وكان والدى يخبرنا عن كفاحه وبطولاته ومن خلال كلام والدى زاد حبى للوطن والتضحية والانتماء .. وأذكر خلال المعارك أن قرية صافور كانت تحرص على اتباع تعليمات الدفاع المدنى .... وكنت أبكى وأردد : 
والدى استشهد على الجبهة.
وهنا كانت جدتى أمنة حسن رضا – خالة البطل السيد داود – تقول : لا تردد هذا الكلام فوالدك سوف يعود ومعه عمك السيد.

ويضيف السعيد كمال : أذكر خلال دراستى الابتدائية أن مصر قد أبرمت اتفاقية السلام مع إسرائيل فطرح علينا مدرس الفصل فتحى حسين رتيمة مجموعة من الأسئلة من بينها: 
أيهما أفضل .. الحرب أم السلام؟

وكانت إجابات كل زملائى التلاميذ .. نفضل السلام .. وبرغم أن الأستاذ فتحى قد عرفنا معنى السلام وقيمته ونار الحرب وسعيرها كانت إجابتى : أنا أفضل الحرب .. وهنا قال : لماذا يا بنى فالسلام حياة والمستقبل أمامك ؟ 
فقلت : بعد عودة والدى من الجبهة ورؤيتى للإصابة التى بذراعه والعكاز الذى معه بالإضافة إلى استشهاد خالى محمد طه خلال المعارك لابد من الأخذ بالثأر.

وهنا قام الأستاذ فتحى حسين باحتضانى وتفهم ما أقصده .. 
 إن عمي البطل السيد داود يستحق كل التقدير والإجلال .

 

 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى