السبت ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩

أقـلامـهـم .. وأقـدامـهـم

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

وإلى أي حد تستطيع أقلام الكتاب والصحفيين أن تنافس أقدام الرياضيين من حيث الأهمية والمردودية؟.. هكذا تساءل صاحبي العزيز قبيل أيام محدودة معدودة من المقابلة الكروية الحاسمة بين منتخبنا الوطني وفريق مصر الشقيقة.. وسرعان ما عاد إلى مذكرته الشخصية وأوراقه الخاصة، ليقرأ بالصوت المسموع ما كتبه حرفيا ذات يوم من ذات عام..

وجهت له الدعوة الرسمية من إحدى جهات الوطن، للمساهمة بمحاضرة في موضوع اختصاصه، ضمن تظاهرات عرسها الثقافي السنوي المعتاد. فكر مليا وجديا قبل أن يوافق، عاد إلى مكتبته الصغيرة العامرة، يبحث وينقب في كتبه وأرشيفه الخاص عدة أيام متتالية، إنه حريص على أهمية موضوعه المعالج، وعليه أن يدبج محاضرته المنتظرة بكل إتقان. ليدمج فيها عصارة فكره ولبه.

توجه إلى المطار، وانتظر الرحلة الثانية بعد أن تعذرت الأولى.. لكن أتعاب السفر سرعان ما تبخرت تحت تأثير حرارة مستـقـبليه هناك.. وانطلقت التظاهرة ببهرجتها وألوانها. وجاء الموعد، ليواجه الجمهور بالتوضيح والتحليل، لقد كانت محاضرته ملفتة للإنتباه والإهتمام، مثيرة للحوار والنقاش.

وفي اليوم الموالي، اضطر للعودة من حيث أتى، فانشغالاته العديدة لا تقبل التأخير أو التأجيل. وكانت لحظة الخيبة، بعد أن ودعه المسؤولون هناك، هذه المرة، بكل برودة ولا مبالاة.. لا كلمة تنويه معهودة، ولا هدية رمزية، ولو كانت قلم حبر أو ربطة عنق..

عاد إلى نفسه ليحدثها بمرارة:

ليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، مادام أمثال هؤلاء من المتربعين على كراسي التسيير والتنشيط وسلطة القرار، لا يفقهون كثيرا أو قليلا في شؤون وشجون الثقافة والمعرفة، فكل همهم ذر الرماد في العيون، من خلال بعض التظاهرات الإستعراضية الإحتفالية، قد لا تضيف جديدا يذكر، رغم البهرجة والضجيج.

إنهم يفضلونها، ويغدقون عليها من أموال الدولة، عندما يتعلق الأمر، بمباراة كروية، في عز الظهيرة، أو سهرة غنائية، عندما يأتي المساء، بسواد سمائه، ولمعان نجومه.

سحق سيجارته بعصبية واضحة، قبل أن يواصل:

آه .. لو كنت مطربا من الدرجة الرابعة أو السابعة، أتخلى عن همومي ومتاعبي. ألبي الدعوات الرسمية في آخر لحظة. أحمل حنجرتي وحدها، بحبالها الصوتية المتماوجة، لأغني مدة ساعة أو نصفها، وسط تصفيق المعجبين، وزغاريد المعجبات، وحفاوة المسؤولين، ثم ينتهي الحفل الساهر، لأخرج مكرما منعما، بهدية نفيسة، مع مبلغ مالي يفوق مرتب شهر كامل لأستاذ جامعي متخصص.. إنه واقع الحال وأي حال.. آه لو كنت أحمل قلمي في حنجرتي، أو في قدمي..

طوى أوراقه الملونة المتناثرة عن حرقة الكتابة، وعاد ليتساءل من جديد: وإلى أي حد تستطيع أقلام الكتاب والصحفيين أن تنافس أقدام الرياضيين من حيث الأهمية والمردودية؟..

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى